مواجهة اكتوارية بين De Moivre و Bowman & Shenton - بقلم/ د. شريف محسن

عزيزي القارئ، في مقالتي السابقة و التي كانت بعنوان مع أقدم إنذار إكتواري في تاريخ التأمين قمت بتوضيح الأمور التالية:

بدأت مهنة الخبرة الإكتوارية  Actuarial Professionفي الظهور في القرن السابع عشر من أجل القياس العلمي للأخطار التي يغطيها التأمين.

أثبت عالم الرياضيات الفرنسي الشهير DE MOIVRE (1667 – 1754) في بدايات القرن الثامن عشر أن شركة التأمين التي لا تقوم بإضافة مخصص Reserve لصالحها للسعر الذي تطلبه لمقابلة المدفوعات الطارئة Contingency Payments سوف تنهار في النهاية eventually be ruined

و بمعنى آخر فإن شركة التأمين يجب أن تضيف هامش أمان لقسط التأمين لحمايتها من الخسائر التي قد تحدث نتيجة التقلبات العشوائية Random Fluctuations.

و وفقًا لهذا الإنذار المقدم من DE MOIVRE فيجب أن يتكون القسط الصافي Net Premium من جزئين، و هما  قسط الخطر Risk Premium + مخصص الانحرافات Reserve for Deviations أو بمعنى آخر هامش الأمان Safety Margin

قدم  De Moivre للعالم في بدايات القرن الثامن عشر نظرية احصائية قوية تعرف بنظرية النهاية المركزية Central Limit Theorem، قد مكنتنا من حساب مخصص الانحرافات الذي يجب إضافته على قسط التأمين و قدمت مثال عملي لتوضيح كيفية تطبيق هذه النظرية من خلال رسالة الدكتوراه الخاصة بالأستاذ الدكتور ممدوح حمزة أحمد أستاذ التأمين بكلية التجارة جامعة القاهرة و تبين دقة حسابات هذه النظرية القادمة من أوائل القرن الثامن عشر الميلادي.

عزيزي القارئ، بعد هذه المقدمة لعلك تساءلت ماذا عن بومان و شنتون K O Bowman & L R Shenton ؟

سوف أجيبك


في عام 1984 م نشر Hon Shiang Lau  أستاذ الإدارة في جامعة ولاية واشنطن في هذا الوقت بحث في كيفية تقدير أقصى مجموع خسائر سنوي محتمل Maximum Probable Yearly Aggregate Loss "MPY"  في محفظة تأمينية من خلال جداول جونسون و آخرين Jhonson et al tables و معادلات بومان و شنتون التقريبية Bowman, Shenton ‘s Approximation Formulas  لتوزيعات بيرسون و كلاهما يؤدي إلى الوصول لنفس التقدير و كان بعنوان:

Hon Shiang Lau , An Effective Approach For Estimating The Aggregate Loss Of An Insurance Portfolio , The Journal of Risk and Insurance , Volume LI, No.1, (1984) , pp 20-30.

 حيث قام Lau بحساب MPY من خلال المعادلة الشهيرة التالية:

أقصى مجموع خسائر سنوي محتمل = مجموع الخسائر السنوية + عدد الانحرافات المعيارية × قيمة الانحراف المعياري لمجموع الخسائر السنوية

و أقصى مجموع خسائر سنوي محتمل يجب أن يساوي إجمالي الأقساط السنوية الصافية التي يجب الحصول عليها من المؤمن لهم و إلا تنهار شركة التأمين على المدى الطويل كما سبق أن حذر De Moivre منذ ثلاثة قرون.

و تقريب بومان شنتون يعتمد على  تطبيق المعادلة التالية لحساب عدد الانحرافات المعيارية التي يتم إضافتها على متوسط التوزيع للتوصل إلى تقديرMPY:




حيث يتم الحصول على قيم كل من
a, b, g, h من خلال جداول مقدمة عند مستويات معنوية مختلفة كما أن B1  هي معامل الالتواء Coefficient of Skewness ، و B2 هي معامل التفرطح Coefficient of Kurtosis و هذه الجداول منشورة في

Bowman, K.O.  And .Shenton , L .R, Approximate Percentage Points for Pearson Distribution , Biometrika , Vol 66(1) , 1979 , pp.147-151.

هذا و قد قدم LAU في هذا البحث مثال رقمي لتوضيح كيفية تطبيق هذه الطريقة لحساب أقصى خسارة سنوية محتملة بدرجة ثقة 99% (مستوى معنوية 1%)، و فقًا للبيانات التالية:

مجموع الخسائر السنوية = 68852 دولار أمريكي

الانحراف المعياري للخسائر السنوية = 64521.30 دولار أمريكي

الجذر التربيعي لمعامل الالتواء = 1.196

معامل التفرطح = 3.970

عدد الانحرافات المعيارية المستخرجة من معادلة بومان شنتون = 3.05 انحراف معياري

أقصى مجموع خسائر سنوية محتمل بدرجة ثقة 99% = 68852 + (3.05 ×64521.30) = 265640 دولار أمريكي

و عندما نقارن هذه النتيجة بالنتيجة المتوقع الحصول عليها من نظرية النهاية المركزية لدي موافر فإننا نستدعي ما يعرف بالقاعدة التجريبية Empirical Rule و التي مضمونها ما يلي:

99% من المساحة تحت منحنى التوزيع الطبيعي تقع داخل المتوسط +- 3 انحراف معياري

أي أن الحد الأقصى لمجموع الخسائر السنوية بدرجة ثقة 99% = المتوسط + 3× الانحراف المعياري

و بالتالي فإن أقصى خسارة سنوية محتملة بدرجة ثقة 99% = 68852 + (3 × 64521.3) = 262416 $

و بالطبع فإن هذا التقدير يمكن استخراجه بسهولة بالغة و دون الخوض في تعقيدات معادلة بومان و شنتون التي تتطلب وقت و مهارة لصياغتها داخل ورقة عمل اكسل  MS Excel Worksheet كما أنها قد قدمت نتيجة قريبة جدا من نتيجة تطبيق معادلة بومان و شنتون

هذا و قد قمت من جانبي بتقدير أقصى خسارة سنوية محتملة بدرجة ثقة 95% (عند مستوى معنوية 5%)  فكانت النتائج كما يلي:

عدد الانحرافات المعيارية المستخرجة من معادلة بومان شنتون = 2.06 انحراف معياري

أقصى خسارة سنوية محتملة بدرجة ثقة 95% = 68852 + (2.06 ×64521.30) = 201765 دولار أمريكي

و عندما نقارن هذه النتيجة بالنتيجة المتوقع الحصول عليها من نظرية النهاية المركزية لدي موافر فإننا نستدعي ما يعرف بالقاعدة التجريبية Empirical Rule مرة أخرى و التي مضمونها ما يلي:

95% من المساحة تحت منحنى التوزيع الطبيعي تقع داخل المتوسط +- 2 انحراف معياري

أي أن الحد الأقصى لمجموع الخسائر السنوية بدرجة ثقة 95% = المتوسط + 2× الانحراف المعياري

و بالتالي فإن أقصى خسارة سنوية محتملة بدرجة ثقة 95% = 68852 + (2 × 64521.3) = 197895 $

و يلاحظ أيضًا أن النتائج متقاربة فيما بين معادلة بومان و شنتون و نظرية النهاية المركزية مع سهولة تطبيق نظرية النهاية المركزية مقارنة بمعادلة بومان شنتون.

عزيزي القارئ، كل ما تقدمه معادلة بومان شنتون يتمثل في تقدير أقصى مجموع خسائر سنوي محتمل MPY فقط و لا تتجاوز ذلك، و لكن عندما نقوم بدراسة محفظة تأمينية Portfolio دراسة اكتوارية فإننا نتطلع إلى أبعد من ذلك مثل القيام بتسعير اتفاقية إعادة التأمين اللانسبية Non Proportional Reinsurance Treaty مثل اتفاقية اعادة تأمين تجاوز الخسائر Excess Loss Reinsurance Treaty و تقدير احتمال الدمار Ruin Probability و هذا ما لا تقدمه منهجية بومان و شنتون القادمة من آواخر القرن العشرين و إنما تقدمه نظرية النهاية المركزية لدي موافر القادمة من أوائل القرن الثامن عشر  لأنها تعتمد على الحصول على دالة توزيع احتمالي و هو التوزيع الطبيعي .

و كما حدث في المقالة السابقة فإنني سأعاود الاستعانة برسالة الدكتوراه الخاصة بالأستاذ الدكتور ممدوح حمزة أحمد أستاذ التأمين بكلية التجارة جامعة القاهرة و زميل الجمعية الأمريكية لإدارة الخطر و التأمين American Risk & Insurance Management Society FRIMS  لأبين نتائج  تطبيق منهجية بومان شنتون على حساب أقصى خسارة إجمالية سنوية محتملة MPY بدرجة ثقة 90% التي تبنتها الرسالة، و درجة ثقة 95%  التي قمت بإضافتها في المقالة السابقة لأنها تعتبر البروتوكول الإحصائي السائد في وقتنا هذا مع مقارنتها  بنتائج تطبيق نظرية النهاية المركزية و كذلك كيفية تطبيق نظرية النهاية المركزية للحصول على سعر اتفاقية إعادة تأمين تجاوز خسائر و حساب احتمال الدمار

و هذه الرسالة كانت بعنوان استخدام التوزيعات الاحتمالية في تسعير التأمين مع التطبيق على تأمين السطو محلات تجارية، كلية التجارة جامعة القاهرة، 1990 و هذا رابط تحميلها:

https://drive.google.com/file/d/0B8kCZNvJ2l88d1NvVFhUUUl3TEU/edit

أولًا: حساب أقصى مجموع خسائر سنوي محتمل MPY

الجذر التربيعي لمعامل الالتواء = 0.05422

معامل التفرطح = 12.36977 و بالتالي يمكن استخدام منهجية بومان

أقصى مجموع خسائر سنوي محتمل وفقًا لتوزيع جاما بدرجة ثقة 90% = 4220000 جنيه

أقصى مجموع خسائر سنوي محتمل وفقًا لنظرية النهاية المركزية بدرجة ثقة 90% = 4220287 جنيه

أقصى مجموع خسائر سنوي محتمل وفقًا لمنهجية بومان و شنتون بدرجة ثقة 90% = 4194190 جنيه

أقصى مجموع خسائر سنوي محتمل وفقًا لتوزيع جاما بدرجة ثقة 95% = 4280000 جنيه

أقصى مجموع خسائر سنوي محتمل وفقًا لنظرية النهاية المركزية بدرجة ثقة 95% = 42760000 جنيه

أقصى مجموع خسائر سنوي محتمل وفقًا لمنهجية بومان و شنتون بدرجة ثقة 95% = 4261623 جنيه

و بالطبع كانت حسابات نظرية النهاية المركزية هي الأقرب إلى الصواب مقارنة بحسابات بومان و شنتون.

 

 

 ثانيًا: تسعير اتفاقية إعادة تأمين تجاوز الخسائر

في حالة عقد المؤمن اتفاقية إعادة تأمين تجاوز خسائر يتحمل بموجبها المؤمن المباشر مبلغ 4 مليون جنيه من مجموع قيم الخسائر على أن يتحمل معيد التأمين ما يتجاوز هذا المبلغ يتم تطبيق المعادلة التالية للحصول على نصيب المؤمن المباشر من إجمالي الأقساط الصافية.



و تعرف f(x) على أنها دالة كثافة الاحتمال للتوزيع الذي يتبعه مجموع الخسائر السنوية Probability density function كما أن F(B) هي دالة الاحتمال التراكمية Cumulative probability function لهذا التوزيع عند القيمة B، و القيمة B هي الجزء الذي يتحمله المؤمن المباشر من مجموع الخسائر السنوية و هو 4 مليون جنيه.

و كما سبق التوضيح في المقالة السابقة تم توفيق توزيع جاما لمجموع الخسائر السنوية في هذا البحث و بتطبيق المعادلة السابقة تم الحصول على النتائج التالية باستخدام إحدى برامج التطبيقات الرياضية التي تعمل تحت نظام Windows.

حصة المؤمن المباشر من مجموع الخسائر السنوية (القسط الصافي) = 3957983 جنيه

حصة معيد التأمين من الأقساط الصافية = 4020000 – 3957983 = 66017 جم

نسبة حصة معيد التأمين من الأقساط الصافية = 66017 ÷ 4020000 = 1.64%

و باستخدام نظرية النهاية المركزية لدي موافر حصلت على النتائج التالية:

حصة المؤمن المباشر من مجموع الخسائر السنوية (القسط الصافي) = 3950000 جم

حصة معيد التأمين من القسط الصافي = 4020000 – 3950000 = 70000 جم

نسبة حصة معيد التأمين من الأقساط الصافية = 70000 ÷ 4020000 = 1.74%

و يلاحظ أن حسابات نظرية النهاية المركزية قريبة جدا من حسابات دالة توزيع جاما Gamma Distribution Function التي تم توفيقها في هذا البحث.

ثالثًا:حساب احتمال الدمار Ruin probability

عرف الأستاذ الدكتور ممدوح حمزة احتمال الدمار على أنه احتمال أن يكون مجموع قيم الخسائر السنوية أكبر من الأقساط مضافًا إليها المخصصات الحرة Free reserves

و قد افترض البحث أن هذا المجموع قد بلغ 4720000 جنيه و بالتالي يتم حساب هذا الاحتمال من خلال المعادلة التالية:




احتمال الدمار من خلال دالة توزيع جاما = 0.0000372

احتمال الدمار من خلال نظرية النهاية المركزية = 0.000002771

و يلاحظ أن حسابات نظرية النهاية المركزية قريبة من حسابات دالة توزيع جاما الذي تم توفيقه في هذا البحث.

و أخيرًا عزيزي القارئ لقد شاهدنا تفوق نظرية النهاية المركزية لدي موافر القادمة من بديات القرن الثامن عشر على معادلات بومان و شنتون التقريبية القادمة من أواخر القرن العشرين من كافة الأوجه سواء من حيث حساب أقصى مجموع خسائر سنوية محتمل الذي تشترك فيه النظريتان في حسابه و حساب سعر اتفاقية إعادة تأمين تجاوز الخسائر و احتمال الدمار الذي تنفرد به نظرية النهاية المركزية دون منهجية بومان شنتون.

و بالرغم من رحيل De Moivre عن عالمنا منذ حوالي 266 عام إلا أنه لا يزال حاضرًا بقوة في العالم الاكتواري سواء من خلال إنذاره الشهير لشركات التأمين بضرورة إضافة مخصص انحرافات على قسط التأمين الصافي الذي تطلبه من المؤمن له و كذلك من خلال نظرية النهاية المركزية التي قدمها منذ أكثر من ثلاثة قرون من الزمان و التي قد مكنتنا من  القيام بدراسة اكتوارية مكتملة على محفظة تأمين Insurance Portfolio من حيث حساب مخصص الانحرافات الواجب اضافته على قسط التأمين و كذلك تسعير اتفاقية إعادة التأمين تجاوز الخسائر Excess Loss Reinsurance Treaty و حساب احتمال الدمار Ruin Probability مع الحصول على نتائج دقيقة كما تبين.


تعليقات

  1. رائع كعادتك د.شريف بك
    انا فخور بك وبكتاباتك وبمجاملاتك المهذبة عند الاشارة لرسالتي
    تحياتي وموفق دائما

    ردحذف
    الردود
    1. أستاذنا الدكتور الكبير ممدوح حمزة أحمد
      تشرفت كثيراً بأن أكون تلميذك في العالم الافتراضي من خلال رسالة الدكتوراه الخاصة بسيادتكم التي تم نشرها عام 1990 أي منذ 30 عام مضت و كذلك من كتابك الرائع رياضيات التأمينات العامة أول كتاب يتم تقديمه للمكتبة العربية متخصص في العلوم الاكتوارية الخاصة بالتأمينات العامة و الذي قمتم فيه بتقديم موضوعات متقدمة في الاحصاء و الرياضة بأسلوب سهل تربوي يجل عن الوصف و أنا أدعو شباب الباحثين و المبتدئين في العلوم الاكتوارية بقراءته
      و من وجهة نظري أن رسالة الدكتوراه الخاصة بكم تعتبر رسالة القرن في المكتبة العربية لأنها اعتمدت على اكتشافات جديدة في عالم التأمينات العامة مثل اكتشاف عزوم دالة مجموع المطالبات السنوية لوحدة خطر واحدة على يد Lau عام 1984 و بعدها اكتشاف عزوم دالة مجموع المطالبات السنوية لمحفظة تأمينية بأكلمها عام 1988 على يد Auipa ثم قمتم باستخدام هذه العزوم في بناء نموذج يعتمد على عائلة منحنيات بيرسون لأن توزيع مجموع المطالبات لا يمكن التعامل معه إلا عن طريق العزوم لضخامة فراغ العينة، و أود أشيد أيضًا إلى الأسلوب التربوي السهل الذي قمتم فيه بكتابة الرسالة ، كما أجريتم حسابات مرهقة في وقت لم تكن فيه برامج الحاسب الالي متقدمة مثل أيامنا هذه
      و عندما قمت باجراء التكاملات لحساب سعر اتفاقية اعادة التأمين اللانسبية رأيت أن برنامج ماثماتيكا نجح فيما فشل فيه برنامج ماثكاد
      متعمكم الله بالصحة و العافية و طول العمر و نفعنا بعلمك

      شريف محسن

      حذف
  2. د. شريف , المميز بك اختيار مواضيع عميقة, تمنياتي بالتوفيق

    ردحذف
    الردود
    1. الأستاذ الكبير أحمد الحريري

      أشكرك كثيرا على اهتمامكم بكل ما أكتبه و قيامكم بنشره على موقعكم الرائع حفظكم الله و متعكم بالصحة و طول العمر و جعل موقعكم هذا في ميزان حسناتكم

      شريف محسن

      حذف
  3. (1)
    ليس لنا إلا أن نشكر د. شريف محسن على مقالته الجديدة، متممًا فيها ما بدأه بمقالته عن المساهمة الرياضية لأبراهام دي مُويْفَر Abraham de Moivre لمساعدة شركات التأمين على تجنب الانهيار، ومعرّفًا بالإضافات العلمية في ثمانينيات القرن العشرين التي تصب إلى حدٍ ما في ذات الاتجاه. وفي ظني أنه سيقدم لنا المزيد حول تطبيقات علوم الرياضة والإحصاء في مؤسسة التأمين وترغيب العاملين بها.

    في مقالته الجديدة يعتمد د. شريف على معادلات وجداول رياضية في مجال تقدير أقصى مجموع للخسائر السنوية المحتملة لمحفظة تأمين معينة. قد يجد البعض منا، وأنا منهم، صعوبة في استيعاب هذه المعادلات ولكن مما لا يفوتنا هو أهميتها في التوصل إلى حسابات رياضية تضمن بقاء survival شركة التأمين لتواجه التزاماتها تجاه المؤمن لهم. والأكثر من ذلك هو الإقرار بأهمية المقترب العلمي في دراسة مؤسسة التأمين.

    (2)
    بودي أن أسأل عن مدى تطبيق النهج الاكتواري الذي قدمه د. شريف محسن من قبل شركات التأمين العربية، ودور بناء النماذج/الموديلات models في التحوط من المتغيرات/الانحرافات، ومدى ملائمة نظرية الفوضى chaos theory خاصة وأن هناك عوامل عشوائية تحيط بالعملية التأمينية. نعرف بأن النهج الاكتواري يهدف إلى التنبؤ بنتائج النشاط الذي تقوم به شركة التأمين.

    تعرف إدارات شركات التأمين بأن العالم والتاريخ ونتائج النشاط لا يسير بخط مستقيم linear بل يمر بمنعطفات وانقطاعات. وكانت النظرة السائدة، قبل قيام أنظمة الإشراف والرقابة الحديثة، تجاه شركات التأمين أنها ذاتية التنظيم self-organising systems وليست بحاجة إلى تدخل خارجي (ظلت سوق لويدز "تحارب" التدخل الرقابي الخارجي معتمدة على هيئاتها لممارسة الرقابة الداخلية).

    إن تقدير احتمال الدمار ruin probability اعتمادًا على أسس اكتوارية هو ذات النهج الذي تسير أجهزة الرقابة على هديه من خلال تحديد هذا الاحتمال عند قيمة معينة لا يجوز لشركة التأمين أن تكون نتائجها دون هذه القيمة. وهو ما يترجم نفسه بالحدود الدنيا لرأسمال الشركة (إضافة إلى قواعد احترازية أخرى: كاستثمار الأرصدة في أدوات وأصول تتميز بدرجة من السيولة تناسب طبيعة وحجم المسؤوليات؛ وكاعتماد سياسة محافظة لتقدير المسؤوليات تجاه حملة وثائق التأمين).

    المشكلة الدائمة التي تواجهها شركة التأمين تتمثل بتعدد وتعقد المتغيرات التي تواجهها بحيث أن الربط بين ما تقوم به الشركة من نشاط ومخرجات هذا النشاط يصبح ضعيفًا وبالتأكيد عرضة للتقلبات العشوائية. إن الدراسة الاكتوارية، والتخطيط، هي محاولة لاحتواء هذه المشكلة، ذلك لأن المستقبل هو في ذات الوقت يتصف بشيء من الحتمية deterministic القابل للقياس مثلما هو غير قابل للمعرفة بدرجة عالية من اليقين.

    يشهد تاريخ تطور العلوم إزاحة أو تعديل ما هو قائم من نظريات أو الإضافة إليها إلا إن العرض الذي قدمه د. شريف محسن يؤكد أن أدوات التحليل التي تقدم بها دي مويفر قبل 266 ما تزال هي الأفضل للحيلولة دون الانهيار المالي لشركة التأمين.

    مصباح كمال
    14 أيلول/سبتمبر 2020

    ردحذف
    الردود
    1. الأستاذ الكبير مصباح كمال
      أشكر سيادتكم جزيل الشكر على تحليل سيادتكم الدقيق و الشامل لمقالتي و أحب أن أضيف أيضًا أن دي موافر رجل النظريات الخالدة فله نظرية شهيرة في الأعداد المركبة ستظل راسخة إلى قيام الساعة كما أن نظرية النهاية المركزية التي قدمها و التي استعنت بها في المقالة السابقة و المقالة الحالية تعد من النظريات الخالدة الراسخة في عالم الاحصاء و العالم الاكتواري و هي تقدم حلول بسيطة لمشاكل معقدة وفقًا للأمثلة التي قدمتها بل تفوقت على منهجية بومان و شنتون التي تم تطويرها في نهاية السبعينات من القرن الماصي و تم استخدامها في منتصف الثمانينات لتقدير أقصى مجموع خسائر سنوي محتمل إلا أنها كما رأينا تتطلب وقت و مهارة على الحاسب الآلي كما أنهالا تتجاوز أبعد من ذلك كما فعلت نظرية النهاية المركزية لدي موافر
      و ما دفعني للكتابة في تطبيقات العلوم الاكتوارية في التأمينات العامة هو أن الكثيرين يظن أن العلوم الاكتوارية قاصرة على تأمينات الحياة فقط، فأردت أن أصحح هذا المفهوم
      مع خالص شكري و تقديري لشخصكم الكريم على تقديم هذا التحليل الرائع
      و تفضلوا سيادتكم بقبول وافر الاحترام و التقدير

      شريف محسن

      حذف
    2. عزيزي د. شريف

      تحية طيبة

      أشكرك على ترحيبك بتعليقي. أملي هو أن تحظى مقالتك بتعليقات من أصحاب الاختصاص فيما يتعلق بتاريخ النظريات الاكتوارية والإحصائية في مجال التأمين.

      من رأيي ان توسيع دائرة المناقشة يساهم في ترسيخ فهم أفضل لهذه النظريات وتطبيقاتها. وكما كتبتَ فإن هناك نظرة قاصرة للعلوم الاكتوارية بحصرها في مجال تأمينات الحياة وهي أوسع من ذلك. وكنتُ قد كتبتُ في مكان آخر، في سياق نشاط التأمين في العراق، أن وجود خبير اكتواري صاحب معرفة علمية وتدريب عالٍ في شركات التأمين يمكن أن يشكل نقلة نوعية في عمل هذه الشركات. على سبيل المثل، يمكن التقليص من الركون إلى التجربة والخطأ في تحديد احتفاظات شركة التأمين، والاستفادة من هذه المعرفة المتخصصة، خارج قطاع التأمين، في دراسة التوقعات المستقبلية، والتغيرات في التركيبة السكانية، وصناديق التقاعد والضمان، واستثمارات الدولة وغيرها (أشرت بهذا الشأن إلى دائرة الخبير الاكتواري في المملكة المتحدة).

      أتمنى عليك الاستمرار في البحث والكتابة التنويرية في مجال العلوم الاكتوارية والتعريف بتطبيقاتها في مصر ودول عربية أخرى.

      مع خالص تقديري لجهدك العلمي.

      مصباح كمال
      15 أيلول 2020

      حذف

إرسال تعليق