قطر : شركات تأمين تستغل حاجة الناس وتتجاهل مصلحة ملاك السيارات بعد حوادث السير

مع زيادة السكان المضطردة في قطر، وما يعنيه ذلك من زيادة السيارات وارتفاع درجات زحام السير إلى مستوى جعل دولة قطر تسابق الزمن من أجل إيجاد وسائل نقل بموازاة السيارات تتمثل في البدء بمشروع قطارات الدوحة التي تشهد طفرة عمرانية هائلة على كافة المستويات، خصوصًا على مستوى الطرق، يجد المرء نفسه في حيرة من أمره عندما يتعرض لحادث سير لا دخل له في أسبابه، وما يتبع ذلك من خطوات متعرجة ما بين شركات التأمين وورش صيانة السيارات، سواء أكانت ورشا تابعة لوكالات السيارات أو الورش الخصوصية المنتشرة في منطقة الصناعية المزدحمة. فما إن يفيق مالك مركبة من صدمة تعرضه لحادث مروري حتى يجد نفسه معرّضا لخوض غمار إصلاح مركبته عن طريق إحدى شركات التأمين التي لها قوانين تجعل مصلحتها فوق مصالح ملاك السيارات الذين يدفعون سنويا تأمينا ربما يعد الأعلى في المنطقة، ورغم ذلك بالكاد يحصلون على جزء بسيط من حقوقهم عندما يحتاجون لخدمات هذه الشركات التي تمنع على صاحب سيارة مضى عليها أكثر من سنتين- تمنع عليه- أن يستفيد من خدمات الصيانة في الوكالات حتى لو كانت سيارته ما زالت بحالة الوكالة.

واستغرب البعض من إجبار الشركات أصحاب السيارات المتضررة على صيانتها في ورش صيانة تحددها لهم الشركات، واصفين هذه الخطوة بالمريبة، إذ يمكن أن يكون أصحاب هذه الورش يرتبطون بعلاقات مصالح مع بعض شركات التأمين، الأمر الذي يمكن أن يؤدي إلى تضرر ملاك السيارات، وطالب آخرون بسن قوانين تحمّل المتسببين بالحوادث تكاليف إجراءات مراجعة الجهات المختصة، وتكاليف استئجار سيارة تؤمن للمتضرر التنقل من وإلى مقر وظيفته ريثما ينتهي إصلاح سيارته، مشيرين إلى أنهم يدفعون مبالغ كبيرة مقابل استئجار سيارات لهذا الغرض.

ثغرات قانونية
عضو المجلس البلدي مبارك فريش يرى أن ثغرات في القانون المتعلق بإجراءات حوادث السيارات، مطالبا بإعادة النظر فيه، خصوصا ما يتعلق بـ"بالتأمين الشامل" الذي يحمي المتهورين من أي تبعات قانونية قادرة على إيقافهم عن لعبة الموت والعبث بمصالح الناس. وأضاف: أكبر مشكلة نعاني منها مروريا هي الثغرات القانونية التي يستغلها المتهورون في نظام التأمين ضد غيرهم، وعدم تحميلهم أي عقوبات نتيجة الأخطاء التي تقع منهم، فعدم إيقاع أي عقوبة على الطرف الذي يثبت تسببه في الحادث بنسبة تصل إلى %100 نتيجة إهمال أو لامبالاة، تسبب في ارتفاع نسبة الحوادث، وألحق أضرارا بمن يتعرض لحادث سير لا ذنب له فيه، لذا أطالب بتكليف الطرف المتسبب كافة تبعات المراجعات الرسمية للجهات المعنية بمباشرة الحادث، سواء كان مراجعة المرور أو شركات التأمين، أو ورش الصيانة، بالإضافة إلى تحميل المتسبب بالحادث مصاريف تأجير سيارة بديلة للمتضرر إلى حين إنهاء إجراءات إصلاح سيارته، وهنا علينا أن نقدر حجم الخسائر في هذا الجانب، فالموظف الذي لا يملك سوى سيارة واحدة، عندما يصيبه حادث مروري ناتج عن قيادة متهور كيف يتصرف؟ لا شك أنه سيستأجر سيارة تُقلّه من وإلى وظيفته، وسيدفع مقابل ذلك مبلغا لا يقل عن 3 آلاف ريال، مع مخاطرته بتحمل مسؤولية سيارة سيوقع مقابل تأجيرها على شيك أبيض كضمان لها، وهو ما يضاعف الخسائر على المتضرر الأول من حوادث السيارات، فهذه أمور لا بد أن يعاد النظر فيها من طرف الجهات المعنية بهذه المواضيع، كإدارة المرور، وشركات التأمين.
وأشار إلى أن شركات التأمين تدعي في الغالب أنها تخسر مبالغ طائلة بسبب كثرة الحوادث وارتفاع أسعار السيارات وقطع الغيار، وهذا في بعض جوانبه صحيح، لكن المشكلة تكمن في ارتفاع قيمة التأمين مقارنة مع الخدمات المقدمة، وهو ما يؤكد أن هذه الشركات تفرض رؤيتها على ملاك السيارات، عبر رفع قيمة التأمين كلما رأت أن ذلك يصب في مصلحتها، وما دام هذا هو الحال فلم تجبر شركات التأمين مالك السيارة المتضررة على دفع جزء من تكلفة إصلاح سيارته في حالة ما إذا لم توجد قطع الغيار إلا عند الوكالات، ولم يتحمّل المتضرر نسبة من قيمة تغيير قطع الغيار ما دام يدفع تأمينا بهذا الحجم؟ لذا لا بد من إعادة النظر بشكل كامل حتى لا يفقد الزبون ثقته بشركات التأمين التي هي في نهاية المطاف شركات وطنية تساهم في الاقتصاد الوطني وتخلق وظائف كثيرة للمواطنين والمقيمين.

صدمة
بدوره قال حمد محمد المري إن الصدمة الحقيقية بعد وقوع حوادث السيارات هي التي تعقب وقوع الحادث، وأردف: بعد أن تفيق من صدمة التعرض لحادث ساقتك الأقدار إليه أو ساقته إليك- على يد مستهتر أو جاهل بقواعد السير وأدبيات قيادة السيارات- عليك أن تستعد في الدخول في غيبوبة أكثر تعقيدا من وقوع الحادث نفسه، ذلك أنك ستضطر إلى الخضوع لابتزاز شركات التأمين وعدم أخذهم لمصالحك بمأخذ الجد، ومواعيد "الكراجات" التي لا تعرف حدودا، وكأنك خلقت لتدفع تأمينا سنويا تجني من ورائه شركات التأمين مئات الملايين، في الوقت الذي يتجاهلونك فيه عندما تحتاج إلى خدماتهم بشكل يعيد لك جزءا من خسارتك، فهم من يتحكم في مصير سيارتك على قاعدة "نحن الخصم والحكم"، وثق تماما أن مشوارا طويلا ومتعرجا من الإجراءات ينتظرك قبل أن تتكرم عليك شركة التأمين بورقة لإصلاح مركبتك في إحدى ورش الصيانة التي تتعاقد معها، وليت الأمور تقف عند هذا الحد، بل إن خوض غمار زحمة السير والبحث عن مقر الشركة يتطلب منك أخذ إجازة من العمل ليوم كامل كي تحصل على ورقة التصليح التي تمنحها شركة التأمين، ثم تدخل في سباق مع الزمن للبحث عن أقرب ورشة صيانة تقوم بإصلاح مركبتك التي لن تستمتع بخدماتها إلا بعد أسابيع بحسب حالة السيارة وطبيعة الأضرار التي تعرّضت لها، وما يحز في النفس أكثر هو أن تشتري سيارة جديدة من الوكالة بثمن باهظ، ثم يفاجئك سائق يقود برعونة ليحولها- في ثوان- إلى ما يشبه الخردة، وبعد أن تذهب إلى شركة التأمين لتطلب إدخال سيارتك إلى الوكالة لإصلاحها بشكل يعيدها إلى وضع مقبول يقولون لك: سنوجهك إلى ورش الصناعية لأننا لا نتحمل تكاليف تصليح سيارة في الوكالة بعد مضي سنتين على شرائها، من هنا أطالب الجهات المعنية بالأمر التدخل لإنصاف ملاك السيارات من شركات التأمين، أو إلغاء ما يسمى "التأمين الشامل" الذي لا يوجد إلا عندنا، وهو ما يتكئ عليه بعض المستهترين الذين يتسببون في الحوادث.
ولفت المري إلى أن مالك السيارة عندما يتعرض للحادث عليه أن يكون مستعدا لوضع يتخلى فيه عن كل وسائل الراحة صعوداً وهبوطاً ووقوفاً في الشمس ومزاحمة المراجعين في صالات الانتظار، بدءا بمراجعة المرور وشركات التأمين، وانتهاء بخوض غمار زحمة الصناعية ومواعيد "الكراجات" التي لا تنتهي، والوقوف لساعات طويلة تحت أشعة الشمس الحارقة انتظارا لسيارات التاكسي التي يكلفك أبسط مشوار فيها ما لا يقل عن 50 ريالا حسب بعد منطقة سكنك من الصناعية، وهنا أسأل لماذا لا تقوم شركات التأمين بدفع تكاليف تنقل صاحب المركبة المتضررة من وإلى عمله، ومن مكان سكنه إلى ورش الصيانة في منطقة الصناعية حتى يتسلم سيارته، أو يتكلف بها الطرف المتسبب في الحادث؟ وما قيمة التأمين الذي يدفعه ملاك السيارات إذا كان لا يساعد صاحب المركبة عند الضرورة القصوى؟

تجربة مرة
بدوره يروي خليفة سلطان المهندي تجربته المرة وما حصل معه قبل سنة حين تعرّض لحادث سير بسبب رعونة سائق آسيوي يقود سيارة بسرعة جنونية دون أن ينتبه للدوار الذي أمامه، يقول: قبل حوالي سنة من الآن كنت أقود سيارتي مساء على الشارع الرابط بين دوار معيذر، ودوار الفروسية، وبعد وصولي لدوار الفروسية توقفت مفسحا المجال للسيارات التي لها الأسبقية، وما إن توقفت حتى ارتطمت بي سيارة من الخلف وبقوة جعلتني أستخدم فرامل اليد و"بريك" السيارة حتى لا تندفع نحو السيارة التي أمامي، أو تدخل وسط الدوار لأتحول أنا وهي إلى كتلة بسبب السيارات المنطلقة بسرعة التي لها الأسبقية، بعد أن حصل ما حصل، ترجلت عن السيارة لأستطلع الأمر فوجدت السيارة التي كانت تسير خلفي وقد تحطمت مقدمتها وجزئها الخلفي بسبب ارتطام سيارة يقودها آسيوي بها من الخلف، اتصلنا بالمرور، حضروا بسرعة وقام المحقق بكتابة المحضر وأمرنا بمراجعة قسم المرور وفق الإجراءات الروتينية. وهنا تبدأ رحلة مضنية من العذاب وخوض غمار زحمة السير، والبحث عن سيارة بديلة، والانتظار القاتل للحصول على ورقة تصليح من شركة التأمين، والبحث عن سيارة "سطحة" تنقل عليها سيارتك إلى "الكراج"، فبعد أن كان من المفترض أن يتولّى المتسبب بالحادث كل هذه الإجراءات أو تتولاها شركة التأمين، أُجبر أنا المتضرر على تولي كل تلك الإجراءات المرهقة، علما أنه من المنطقي أن يتم تعويضي عن كل المصاريف التي تتطلبها تلك الإجراءات، إضافة إلى تعويضي عما لحق بسيارتي التي كلفني شراؤها غاليا، وقمت بالمحافظة عليها وتركيب العازل الشفاف بمبلغ كبير لتظل بحالة الوكالة أطول فترة ممكنة، لكن المفروض شيء والواقع شيء آخر مغاير تماما، ففي لحظة جنون من سائق مستهتر يمكن أن تتعطل مصالحك كلها، بل يمكن أن تتعطل حياتك نفسها دون قانون يردع هؤلاء المتهورين، أو قانون يجبر شركات التأمين على تحمل مسؤولياتها بشكل ينصف الطرف المظلوم، فإدارة المرور يمكن أن تسن قانونا يجبر المتسبب بالحادث على نقل السيارة المتضررة إلى شركة التأمين لمعاينتها وتصويرها، ومن ثم إلى ورش الصيانة بالإضافة إلى تحمل تكاليف النقل للمتضرر عن طريق استئجار سيارة له ريثما يتسلم سيارته من الورشة.
ونبه المهندي على أن المشاكل مع شركات التأمين كثيرة ومعقدة، لكن تبقى المشاكل التي ذكرتها أعلاه هي أهم المشاكل التي يعاني منها الزبون، بالإضافة إلى مشكلة عدم وجود فروع لشركات التأمين في المناطق المختلفة من الدولة تسهل الإجراءات على المراجعين، فمعظم هذه الشركات- إن لم نقل كلها- يوجد لديها فرع وحيد في الدولة، وهذا شيء مستغرب في بلد يشهد تصاعدا مذهلا في عدد سكانه، يستدعي من كل الجهات الخدمية فيه افتتاح فروع لها في مختلف المناطق، تسهيلا للإجراءات وتفاديا لخلق زحمة سير في نقطة محددة.

تعطيل مصالح
من جهته وصف إبراهيم شاهين الإجراءات التي تعقب وقوع حادث سير بأنها عبارة عن إجراءات تعطيل مصالح الطرف المتضرر الذي لا ذنب له سوى أن الأقدار ساقته إلى طريق سائق متهور، أو آخر لا يعرف أساليب قيادة السيارات ولا يفقه في نظام المرور، إذ من الملاحظ أن بعض السائقين يقودون سياراتهم على الطريق بعقلية "افسح لي الطريق واحذر"، وللحد من النتائج السلبية المترتبة على تصرفات هذا النوع من السائقين لا بد من إعادة النظر في الإجراءات المتبعة فيما يتعلق بحوادث السيارات، بدءا بإجراءات إدارة المرور، وانتهاء بتصليح السيارات، وأطالب في هذا المجال الجهات المعنية بإجبار شركات التأمين على تعديل إجراءاتها التي تجبر الجميع على الخضوع لها، فملاك السيارات المتضررة هم من يحق لهم تحديد ورشة الصيانة التي يثقون في عملها، إذ من غير المقبول أن تفرض شركات التأمين على المتضررين إصلاح سياراتهم في ورش محددة قد لا تكون ذات مصداقية في عالم ورش الصيانة، فشركات التأمين تتفق مع مجموعة "كراجات" خاصة ربما يرتبط أصحابها بعلاقات مصالح مع شركة التأمين على حساب الزبون، لتقوم هذه الورش بإصلاح السيارة المتضررة بأقل التكاليف، ويبحث لإصلاحها عن أكثر قطع الغيار رداءة، في حين لم يمض على صنع السيارة أكثر من سنتين، وما زالت بحالة الوكالة، وهنا مربط الفرس، فشركات التأمين لا تترك للمتضرر حرية اختيار "الكراج" أثناء رحلة إصلاح السيارة، لكنها تجبره على الاختيار من بين عدة ورش صيانة معتمدة لدى هذه الشركة أو تلك، وهو ما يوضح بجلاء حجم التلاعب بمصالح الناس، فلم لا يترك للمتضرر حرية اختيار ورشة الصيانة التي يثق بها بدل أن تختارها له شركة التأمين؟

محمد سيد أحمد
العرب القطرية
30.08.2015

تعليقات