الشركات العالمية توظف الكوارث في تحسين إدارة المخاطر
إنه
الكابوس الذي يقض مضجع كل رئيس تنفيذي: أن تَقع كارثة للشركة تُحوِّل إلى مهزلة
أية تأكيدات تعطيها الشركة بصورة روتينية حول المستوى العالي لإدارة المخاطر
بداخلها.
ومنذ اندلاع الأزمة المالية وقعت خلال
السنوات الأخيرة أزمات متنوعة احتلت عناوين الصحف، من استدعاء شركة تويوتا لعدد من
سياراتها بسبب مشاكل تحدث بصورة مفاجئة أثناء قيادة السيارة، إلى بقعة النفط
الضخمة التي انسكبت في خليج المكسيك في بئر تابعة لشركة بريتش بتروليوم، وهي أزمات
جعلت الشركات تعيد تقييم الكيفية التي تقوم فيها بتحليل وإدارة المخاطر.
وفقا لما يقوله رتشارد وِتِنجتون،
أستاذ الإدارة الإستراتيجية في كلية سيد لإدارة الأعمال في جامعة أكسفورد، فإن
العواقب أكثر خطرا مما كانت عليه الحال من قبل. ويقول: ''أصبحت الأمور الآن أوسع
نطاقا وأكثر اتصالا، بالتالي فإن الشركات معرضة للمشاكل أكثر من ذي قبل، كما أن
العواقب أوسع نطاقا''.
ويتفق معه في ذلك ستيفن كارفر، وهو
محاضر في إدارة المشاريع في كلية كرانفيلد لإدارة الأعمال. ويقول: ''الأمور
الموجودة على المحك هذه الأيام أعلى بكثير حين ترتكب الشركة خطأ كبيرا. في الماضي
كان لدى الشركات وقت أطول للتفكير قبل أن يتعين عليها أن تتصرف، لكن لا بد لها
الآن من الاستجابة بصورة فورية. مشكلة تويوتا لم تكن مشكلة فنية - ذلك أن استدعاء
السيارات من المشاكل الشائعة في صناعة السيارات - وإنما كانت مشكلتها أنها كانت
بطيئة فوق الحد في استجابتها''.
لكن بعد أن تتعامل الشركة مع الأزمة
المباشرة، فكيف تعيد تنظيم قواتها بعد وقوع حدث أظهر أن أنظمة إدارة المخاطر
بداخلها تفتقر إلى الكفاءة؟
من بين القرارات الأولى التي تحتاج
الشركة إلى اتخاذها هو ما إذا كانت ستستعين باستشارات خارجية. في الصيف الماضي،
أصدرت هيئة من الخبراء الخارجيين شكلتها ''تويوتا'' في أعقاب أزمة السلامة تقريرا
يوصي بإجراء 15 تغييرا في الطريقة التي تدار بها الشركة.
من جانب آخر، أجرت ''بريتش بتروليوم''
تحقيقا داخليا إلى جانب البحث عن أجوبة من مصادر خارجية. وكانت كلية كرانفيلد هي
من أوائل الجهات التي توجهت إليها الشركة طلبا للاستشارات. يقول كارفر: ''بمجرد أن
هدأت الزوبعة قالت لنا شركة بريتش بتروليوم: ’نحن نعلم أنكم ستقومون بدراسة ما حدث
ضمن دراسات الحالات، ونود أن نعمل معكم''.
في بنك سيتي جروب، حين عُيِّن بريان
ليتش في منصب كبير الإداريين المسؤولين عن المخاطر في شباط (فبراير) 2008، كان البنك
يعاني صدمة الخسائر المتراكمة في الأوراق المالية المدعومة بالقروض العقارية، وكان
على رأس أولوياته تطبيق الدروس المستفادة من أكثر من 20 سنة من خبرته كمتداول في
''وول ستريت'' في التخلص بسرعة من المحافظ ذات الرفع المالي العالي، حتى بأسعار
’محروقة‘. ويقول: ''إذا كانت المخاطر كبيرة فوق الحد بالنسبة لحجم الشركة، فإن أهم
شيء هو التخلص من التعامل الموجود لديك على الفور''.
وفي حين أن وِتِنجتون يقول إن الحصول
على منظور خارجي أمر يستحق القيام به، إلا أنه يحذر من أن لهذا النهج مزالقه.
ويقول: ''ربما تأخذ الشركة النصيحةَ الخارجية على محمل الجد للسنة الأولى، لكن بعد
ذلك فهذه مسألة أخرى. إذا كانت النصيحة الخارجية رخيصة، فإن من السهل تماما
تجاهلها. لكن إذا كانت تكاليف الاستشارات الخارجية مرتفعة، فربما تكون النصيحة
معتمدة فوق الحد على الأتعاب''.
في الوقت نفسه، لإحداث تغييرات دائمة
وجوهرية لا بد من إعادة تنظيم الشركة لإعطائها تركيزا أوضح من ذي قبل على المخاطر
في مختلف أقسام المنظمة. ففي بنك سيتي بانك أضاف ليتش طبقة من إدارة المخاطر وقام
بترتيبات لأنظمة جديدة في تكنولوجيا المعلومات بحيث إن جميع الأقسام في البنك
تستطيع التخاطب مع بعضها بعضا ''باستخدام اللغة نفسها''.
وفي ''بريتش بتروليوم'' عمل بوب دادلي،
الذي يتولى منصب كبير التنفيذيين منذ شهر تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، على تفكيك
قسم التنقيب والإنتاج في الشركة، وهو قسم يتمتع بنفوذ قوي ويطلق عليه بعض العارفين
بأمور الشركة عبارة ''قلعة التنقيب والإنتاج''، وهو القسم الذي كان المسؤول
النهائي عن حفر بئر ماكوندو المنكوبة - إلى ثلاث وحدات مستقلة. وكان الهدف من هذا
الإجراء هو تحسين إمكانية المساءلة من خلال تفكيكه إلى أجزاء أكثر قابلية للتعامل
معها.
كذلك أنشأت الشركة قسما جديدا للسلامة
يتمتع بسلطة أكبر وصلاحيات أوسع لمراجعة عمليات الشركة والتدخل فيها، وكذلك تحويل
قسم الحفر في الشركة إلى إدارة مركزية لضمان توحيد المعايير في الممارسات.
وإذا قبلت ''تويوتا'' التوصيات الواردة
في تقرير الهيئة الأمريكية الشمالية للجودة فإن عمليات إعادة الهيكلة التي تواجه
الشركة ستكون حتى أكثر أهمية (من حالة ''بريتش بتروليوم)''؛ لأنها تستلزم إجراءات
تغييرات شاملة في كيفية إدارة الشركة لأعمالها. في الوقت الحاضر تدار عمليات
المجموعة من خلال ''صوامع'' عالمية، يكون كل واحد منها مسؤولا بصورة مباشرة أمام
مقر ''تويوتا'' في طوكيو. ويقول التقرير إن هذا عمِل على إعاقة اقتسام المعلومات،
وأسهم في حالات الإخفاق في التواصل، وأجَّل إصدار القرارات؛ ما جعل الشركة تبدو
وكأنها غير متجاوبة مع الأزمة.
نتيجة لذلك أخذت ''تويوتا'' في ترقية
عدد أكبر من المديرين الأجانب في مسعى منها لتخفيف الطابع المركزي لعملية اتخاذ
القرارات، وأنشأت مناصب تنفيذية جديدة مختصة بالسلامة. ومن شأن هذا إنهاء عزلتها
التي أعطتها صفة مفادها أنها الشركة الوحيدة في صناعة السيارات التي لا يوجد فيها
تنفيذي مسؤول مختص بالتحديد بالإشراف على سلامة المنتجات. فقد كانت ''تويوتا''
تعامل قضايا السلامة على أنها جزء من مراقبة الجودة.
إن تعيين مديرين إضافيين مسؤولين عن
المخاطر هو فقط جزء من الجواب. يقول كارفر إن التغير يمكن أن يفقد أثره حين ''يصبح
بسرعة جزءا ثابتا من النظام''. كذلك، كما يقول وِتِنجتون: ''لدى مديري المخاطر
حياة مهنية كذلك، وبالتالي لديهم حوافز متنوعة لعدم تحطيم السفينة''.
الأمر الأهم هو تغيير ثقافة الشركة،
حيث ينبغي أن يأتي العامل المحرك من كبير التنفيذيين. لاحظ أن مارك بلاي، رئيس قسم
السلامة في ''بريتش بتروليوم'' ومؤلف التقرير الداخلي حول الأسباب المؤدية إلى
انسكاب النفط في خليج المكسيك، مسؤول مباشرة أمام دادلي، وهو ما يعتبر تغييرا عن
الهيكل الذي كان معمولا به في ظل كبير التنفيذيين السابق. وفي ''سيتي بانك''
يستخدم ليتش علاقته القوية مع كبير التنفيذيين فيكرام باندِت، حيث عمل الاثنان معا
في ''أولد لين بارتنرز''، وهو صندوق تحوط اشتراه ''سيتي بانك'' في عام 2007 -
لضمان أن تظل إدارة المخاطر على رأس الأولويات. ووفقا لما يقوله ليتش فإنهما
يتحدثان معا مرات عدة في اليوم.
يقول كارفر إنه لا يتعين فقط على
الرؤساء التنفيذيين أن يؤمنوا بأهمية إدارة الخاطر؛ إذ لا بد كذلك أن يكون هناك
استعداد بين فريق الإدارة، الذي ربما لا يكون على علم بمواقع المخاطر، للإنصات إلى
أولئك الذين يعلمون مواقعها في الشركة. وهذا يعني أن التنفيذيين الكبار في حاجة
إلى أن يكونوا على استعداد للإنصات إلى مَن هم دونهم من الموظفين وإلى أشخاص
خارجيين كلما لزم الأمر. على سبيل المثال، تشجع ''تويوتا'' بصورة تقليدية عمال
الشركة على إبراز المشاكل، لكن يغلب عليها أن ترد بغضب على النقد الخارجي.
مهما كانت الإجراءات التي تتخذها
الشركات لتحسين إدارة المخاطر بداخلها، تبقى مشكلتان. الأولى هي أنه حتى أقصى
إجراءات الوقاية المكثفة لا يرجح لها أن تكون ذات كفاءة تامة، وربما تأتي معها حتى
بمخاطر خاصة بها. أحد الأسباب وراء قيام ''تويوتا'' بتوسيع الشمال الشرقي، الذي
تعرض للدمار بعد كارثة فوكوشيما، كان لحماية نفسها ضد الزلازل في المنطقة الوسطى
المليئة بالصدوع في اليابان. وقال أحد أعضاء مجلس الإدارة: ''كنا نظن أننا تجنبنا
الوقوع في المخاطر من خلال تنويع مصادر التوريد، لكن تبين أن الأمر لم يكن كذلك''.
الأخرى هي أنه يجب ألا تنسى الشركات أن
المخاطر لا يمكن الحؤول تماما دون وقوعها من خلال الهياكل الإدارية. بل إن من
المستحيل أن نعلم مدى كفاءة وقوة ممارسات إدارة المخاطر إلا حين تتعرض الشركة
لإحدى الكوارث.
يقول كارفر: ''إن غياب الكارثة ليس
دليلا على ما إذا استطاعت الشركة تحسين إدارة المخاطر بداخلها. والواقع أنه كلما
طالت الفترة التي لا تقع فيها كوارث، أصبح من السهل على الناس أن يصبحوا متهاونين''.
10.10.2011
تعليقات
إرسال تعليق