التأمين على الودائع المصرفية من وسائل تدعيم شبكة الأمان المالية والمصرفية - د.محمد فوزي

د. محمد فوزي
من أهم التحديات التي تواجه القطاع المالي العام، خاصة المصرفي، هو تحقيق الاستقرار والأمان المالي الذي يشكل مقدمة الأهداف التنموية وانسياب نشاط النمو الاقتصادي الحديث في جو من المنافسة الشريفة والشفافية وزيادة الكفاءة والفعالية المصرفية، فمعدلات الودائع في الجهاز المصرفي تمثل أول البنود اللازمة لدعم شبكة الاستقرار المالي والمصرفي المتمثلة في (المصارف المركزية - الرقابة المصرفية وتعليمات الحوكمة والجودة - أنظمة حماية الودائع بأنواعها) في شتى المجالات كبيرة، خاصة المصارف الإسلامية، فهي مستودع المال ومكان حفظها ومنطلق الاستثمارات والتمويل بأنواعه ومن الأعمال التي تقدمها المؤسسات المالية هي قبول الودائع بجميع أنواعها وتصنيفاتها وتتعرض هذه الودائع الادخارية إلى جملة من المخاطر (داخلية - خارجية)، لذلك تسعى الهيئات الرقابية والإشرافية قبل المؤسسات المالية والمصرفية لمجابهة هذه المخاطر والبحث عن آليات الحماية والمحافظة على ودائع العملاء وكسب ثقتهم لاستثمارها، ومن هنا ظهرت أهمية التأمين على الودائع المصرفية وحماية أموال المودعين في الفترة الأخيرة، باعتبار أن التأمين على الودائع من العناصر الفعالة في التغلب على المشكلات التي تواجه المؤسسات المالية (الإسلامية - التجارية) على حد سواء


فهذا النظام يساعد على حصر التحديات المصرفية ويطمئن المودعين على سلامة مدخراتهم ويخفض من هروب المدخرات المحلية للمؤسسات المالية والمصارف الأجنبية الخارجية، كما أنه يخلق جوا من التوزيع العادل للودائع بين جميع المؤسسات المالية المحلية (صغيرة - كبيرة) نتيجة توافر عنصر الثقة لهما معا، وكهدف رئيسي للحكومات لحماية ديون المصارف وودائعها من أي خطر يقابلها يمكن أن يهدد سلامتها ودرجة الثقة في أدائها الذي ينعكس على أداء الجهاز المصرفي ككل.
ويشمل التقرير تفصيلا كاملا عن نشأة أنظمة التأمين على الودائع المصرفية في محاوره المختلفة: 

أولا: التجارب الأولى لأنظمة التأمين على الودائع المصرفية 
إن تأمين الودائع المصرفية أمر قديم في الممارسة المصرفية والسبق لتشيكوسلوفكيا من أولى الدول لتأسيس أنظمة ضمان الودائع والقروض في عام 1924م، حيث تم إنشاء صندوقين، أحدهما صندوق الضمان الخاص لمساعدة البنوك المحلية والآخر صندوق الضمان العام لتشجيع الادخار وسلامة الودائع وتطويرها، ثم تلتها في ذلك المضمار الولايات المتحدة، حيث أصدرت أول تشريع يتعلق بتأمين الودائع المصرفية، هو قانون مؤسسة ضمان الودائع المصرفية في عام 1934 وبعد ذلك صدرت تشريعات مشابهة في أوروبا ومعظم دول العالم العربي، لبنان ومصر والسودان والأردن، بما فيها دول الخليج العربي، منها دولة البحرين التي أنشأت مجلس حماية الودائع عام 1992م وسلطنة عمان، حيث صدر قانون نظام تأمين الودائع المصرفية في عام 1995م ولقد استفادت دول عديدة بعد ذلك من تجربة مجال تأمين الودائع المصرفية. 

ثانيا: مفهوم الودائع المصرفية وتصنيفاتها 
الوديعة المصرفية بالمفهوم العام هي عقد بمقتضاه يسلم المستثمر (فرد - شركة - دولة) مبلغ المال إلى المؤسسة المصرفية الذي تلتزم بالرد عند الطلب وفقا لشروط العقد المتفق عليها ويكون له الحق بالتصرف فيها في أنشطته المختلفة لاستثماره وتنميته والعائد منه للطرفين بصيغ شرعية.
وقد قسم مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره التاسع بأبو ظبي – الإمارات العربية، الودائع المصرفية لنوعين، بحسب واقع التعامل المصرفي، وهي تشمل: 
* الودائع التي تدفع لها فوائد، كما هو الحال في البنوك التجارية هي قروض بفائدة غير شرعية، سواء كانت من نوع الودائع تحت الطلب (الحسابات الجارية) أم الودائع لأجل، أم الودائع بإشعار، أم حسابات التوفير. 

* الودائع بالمؤسسات المصرفية الملتزمة بأحكام الشريعة الإسلامية بعقد استثمار على حصة من الربح هي رأسمال المضاربة وهي بدورها يتم تقسيمها أيضا، بحسب حرية المصرف في التصرف في الوديعة، إلى نوعين تشمل ودائع نقدية عادية مطلقة وودائع نقدية مخصصة وأيضا تقسم بحسب موعد استردادها إلى ثلاثة أنواع، تشمل: 

(الوديعة تحت الطلب / الحساب الجاري) الودائع النقدية التي تتسلمها المؤسسة على أساس تفويضها باستعمالها كما تشاء، وعليها ردها دون أن تكون مقيدة بأي شرط عند السحب أو الإيداع والمصارف الإسلامية لا تدفع أي أرباح عن المبالغ المودعة من الودائع تحت الطلب.

ومن الجدير ذكره أن هذا النوع من الودائع في المصارف الإسلامية تقوم بتشجيع هذا النوع لعدم احتساب أي مصاريف عليها، لأنها مورد مهم من موارد المؤسسة المالية تعمل على توفير السيولة وإتاحة التمويل قصير الأجل والاحتياجات التمويلية. 
(ودائع الادخار والتوفير) ودائع بمبالغ صغيرة وتهدف المؤسسات المالية من ورائها لاجتذاب فائض المدخرات وتتميز بأن أصحاب هذه الودائع يفوضون المصرف باستثمارها عن طريق صيغ المضاربة الشرعية، مثلا (ودائع الاستثمار المشترك) حسابات تحت إشعار وحسابات لأجل وحسابات الاستثمار المخصص وهي حسابات الودائع التي يهدف أصحابها إلى المشاركة في العمليات الاستثمارية التي يقوم بها المصرف الإسلامي لتحقيق الأرباح وتعتبر هذه الودائع أهم مصدر لموارد المصرف الإسلامي الخارجية والسند الأساسي لعملياته الاستثمارية وهي نوعان، الوديعة الاستثمارية المطلقة (الوديعة) والمقيدة (المخصصة).


ثالثا: المخاطر التي تواجه الودائع المصرفية الإسلامية
تواجه الودائع المصرفية الإسلامية جملة من المخاطر بمكن تقسيمها إلى قسمين، المخاطر الخارجية وهي تلك المخاطر المتعلقة بأمور خارجة عن سياسات المصارف الإسلامية وقراراتها والتغيرات الاقتصادية العالمية ويظهر تأثير هذه المخاطر على قدرة المؤسسة المالية في تحقيق الأرباح وقيمة الاستثمارات وقدرتها على الوفاء بالالتزامات نحو العملاء.
أما المخاطر الداخلية هي تلك المخاطر المتعلقة بأعمال وأداء المؤسسة المصرفية ونظامها واستثماراتها، وتتلخص في: مخاطر الائتمان: المتعلقة بعدم تحصيل الأرصدة المدينة والمديونيات المستحقة. 
مخاطر السوق: المتعلقة باستثمارات المصرف في الصكوك وغيرها مع تغير أسعار السوق. 
مخاطر العمليات: المتعلقة بأعمال وتصرفات موظفي المؤسسة المالية وأنظمتها وسياساتها الداخلية. 
مخاطر السيولة: المتمثلة في عدم قدرة المؤسسة على الاستجابة لحركات سحب المودعين لعدم كفاية.
الاحتياطات النقدية أو تسييل الموجودات 

رابعا: أهداف نظام التأمين على الودائع المصرفية 
نظام تأمين الودائع المصرفية لا يحقق ضمان التعويض عن الخسائر للمودعين فحسب عن أي صعوبات تصادف المؤسسة المالية في الاستثمار والتمويل، بل يعتبر نظاما وقائيا، بالإضافة إلى الوظيفة العلاجية، حيث إن السلطة الرقابية والإشرافية المسؤولة عن نظام ضمان الودائع يجب أن تطلع على الوضع المالي للمؤسسات المالية المصرفية وتقوم بتحليله، مما يساعد على وقاية مودعيها من المخاطر التي قد تتعرض لها، وما ينتج عنها من خسائر للمؤسسة المالية نفسها فإن مصدر أهمية وجود نظام حماية الودائع يقوم في الأساس على تحقيق هدفين رئيسيين، الأول حماية حقوق المودعين في حالة تعرض المؤسسة المالية لمصاعب مالية، فهو يحقق نوعا من الضمان لأموال المودعين، والثاني يحافظ على سلامة المراكز المالية لهذه المؤسسات والتي هي عماد النظام المصرفي والمالي وتفادي تعرضها للإعسار المالي والإفلاس.
فهذا النظام يكفل دعم الثقة والاستقرار في الجهاز المصرفي من خلال الآتي: 
1) تحقيق الاستقرار المالي والمصرفي كهدف رئيسي للسلطات النقدية. 

2) تدعيم ثقة العامة من خلال إيجاد إطار محدد لمعالجة التحديات والمشكلات بالمؤسسات المالية.

3) توفير مناخ مناسب للمنافسة بين المؤسسات المالية حسب أحجامها المختلفة. 

4) مساهمة جميع المؤسسات في تأمين وتحمل تكاليف المخاطر المالية للمؤسسات المتعثرة. 

5) الدور الوقائي لمجابهة المخاطر المالية وتعويض المودعين في حالة تحقيقها. 


خامسا: اختلاف طبيعة الودائع في المؤسسات المالية (التجارية والإسلامية)
تختلف طبيعة الودائع في المؤسسات المالية (الإسلامية – التجارية) وذلك حسب العلاقة المشتركة بين المودع أو المستثمر والمؤسسة المالية كالآتي: - 
المؤسسات المالية التجارية: علاقة المودع بالمؤسسة المالية علاقة دائن بمدين والتي تكيف وفقا للرأي الراجح على أنها عقد من عقود القرض ومن ثم فإن يد المؤسسة على الودائع يد الضامن وليست يد الأمين، أي أن المؤسسة المالية تتصرف في مال الودائع تصرفها في مالها الخاص الذي تملكه وتتحمل تبعة هذا التصرف، فبذلك تكون المؤسسة ملتزمة بسداد الودائع وفوائدها أيضا في الموعد المحدد.
المؤسسات المالية الإسلامية: علاقة المودع بالمؤسسة المالية الإسلامية تحكمه قواعد المضاربة الشرعية، فيدها على الودائع يد أمانة وليست يد ضمان، فالمؤسسة الإسلامية لا تضمن رد أصل المبلغ إلى المودع عند الخسارة إلا في حالات التعدي والتقصير وهو ما يجعل يد المؤسسة المالية التجارية يد ضمان وليست يد أمانة، فتكون مشاركة الودائع في الربح دون الخسارة تحولها إلى قرض غير شرعي، الأمر الذي لا يتفق مع طبيعة العمل المصرفي الإسلامي.

سادسا: صور التأمين على الودائع المصرفية 
التأمين التكافلي هو تأمين قائم على أساس التبرع والتعاون بين المؤمنين لمواجهة الأخطار التي تواجههم وتعمل على تفتيت آثار الأخطار ونتائجها على أكبر عدد من المشتركين والشركات وفي حالة تأمين الودائع المصرفية يشمل كلا من (التأمين على الديون – ضد الأخطار الناجمة عن التقصير) وكلاهما جائز شرعا لما فيه المصلحة العامة واعتماده على الأسس العامة المؤيدة للتأمين التكافلي، وتقسم إلى نوعين: -
الصورة الأولى: ضمان الودائع عن طريق مؤسسات حكومية أو شبه حكومية وهي مؤسسات ضمان الودائع. 
الصورة الثانية: التأمين على الودائع لدى شركات التأمين التكافلية ضد الأخطار المتوقعة.
وهو بدوره يقسم إلى قسمين: 

تأمين الودائع الجارية أو تحت الطلب وهي تمثل ديونا على المؤسسة المصرفية للمودعين والعملاء ويلحق بها المبالغ غير الداخلة في الاستثمار من حسابات الودائع الاستثمارية. 
تأمين الودائع الاستثمارية في صورة نتائج العملية الاستثمارية بالمشاريع، مثل صيغة المرابحة، فتتحول الأموال وأرباحها إلى ديون في ذمم طالبي التمويل والمرابحة. 
تأمين الودائع الاستثمارية في صورة المخاطر الناجمة عن التعدي أو التقصير وسوء الإدارة في استعمال أموال المودعين. 

سابعا: القواعـد الأساسية لنجاح تجربة التأمين على الودائع المصرفية .

تعليقات