نظرة علمية إلى العجز الإكتواري

تعتبر العلوم الاكتوارية مزيجا من العلوم لخدمة رياضيات التأمين والتأمينات الاجتماعية، وتجمع العلوم الاكتوارية العلوم التالية:
الرياضيات والاحصاء، الاحتمالات، التمويل والاستثمار، التأمين، الاقتصاد، ادارة الخطر. وتقوم العلوم الاكتوارية بانتقاء النظريات والنماذج الرياضية والاحصائية والمالية لبناء توليفة او خلطة اكتوارية من العلوم السابقة الذكر بهدف التوصل لتوقعات مقاربة للحقيقة لما يمكن ان يتحقق مستقبلا من خسائر مالية لاخطار الاشخاص والممتلكات.
وباختصار فان العلوم الاكتوارية تعتبر الاساس الرياضي لحساب الحاجة المالية المستقبلية لتعويض خسائر او دفع رواتب للمتقاعدين او غيره. وبناء على حساب هذه الحاجة يمكن حساب الاقساط الواجب دفعها حاليا.


مفهوم العجز والموازنة الاكتوارية
دعونا نفرق مؤقتا بين العجز الاكتواري والموزانة الاكتوارية.
وتهدف الجهات المسؤولة عن التأمينات الاجتماعية في اي بلد الى الموازنة في المعادلة التالية اكتواريا:
الاقساط المحلية + استثماراتها+ ايرادات من الدولة او غيرها تعادل تقريبا المزايا المدفوعة حاليا ومستقبلا + المصاريف الادارية.
وتعني ان طرفي المعادلة من الصعب مساوتهما بدقة وذلك لاحتمال تحقق الوفيات الفعلية بفارق خطأ + عن الوفيات المتوقعة.
وعندما يبتعد الفارق بين طرفي الموازنة يبدأ العجز الاكتواري.
وكما اتفقنا فان هناك عجزا اكتواريا بصفة مستمرة لان اصلا طرفي المعادلة لا يمكن مساواتهما بدقة ولكن تبدأ المشكلة عندما يكون العجز الاكتواري كبيرا جدا.

قياس العجز
قياس العجز الاكتواري يكون من خلال قياس الفارق بين طرفي معادلة الموازنة الاكتوارية ومن ثم تحويل هذا المقدار لقيمة حالية اذا اردنا تقدير العجز حاليا او لقيمة مستقبلة لقياس العجز في السنوات القادمة.

عناصر العجز
لابد ان نشير الى ان معادلة الموازنة الاكتوارية تحتوي على عناصر ظاهرة وعناصر غير ظاهرة وكذلك عناصر ممكن ان تظهر مستقلا.
فعلى سبيل المثال العناصر الظاهرة هي عدد المشتركين الحاليين واقساطهم ومساهمة جهات العمل ومساهمة الدولة في الاشتراكات وجميعها في الطرف الايمن من المعادلة.
وكذلك مزايا ومقدار المعاشات الحالية وعدد المتقاعدين الحاليين والمقدرين مستقبلا جميعها عناصر ظاهرة في يسار المعادلة بالاضافة الى مقدار الاستثمارات وعوائدها خلال السنوات السابقة والحالية.
وكذلك من العناصر الظاهرة هي الحدود الدنيا والعليا لكل من سنوات الخدمة وللمعاشات التقاعدية والتكميلية.
كما ان على سبيل المثال من العناصر غير الظاهرة الاستثمارات المستقبلية وعائد الاستثمار المتوقع وهي احتمالية وغير مؤكدة ودقيقة.
وكذلك معدل الفائدة المتوقع للاستثمار وايضا جدول الحياة والوفاة المستخدم لحساب احتمالات استمرار الحصول على المزايا او حتى سداد الاقساط المرتبط بحياة المؤمن عليه سواء كان في الخدمة او متقاعدا، وسوف اتطرق لاحقا لجداول الحياة.
اما العناصر التي يمكن ان تظهر فهي التشريعات والتعديلات على قانون التأمينات والتي من الممكن ان تؤثر على اقساط او المزايا او الاستثمارات او المصاريف الادارية.
فمثلا عندما يتم زيادة المزايا فان العجز الاكتواري يرتفع او عندما يتم خفض المزايا فان العجز الاكتواري ينخفض.. وهكذا.
كما اود اضافة بعض العناصر الممكنة الظهور وهي التضخم والمعدل السعري وسعر السلع والخدمات والمزايا او دفعات المعاشات التقاعدية للمؤمن لهم.
ويرى البعض امكانية تطبيق ذلك في التأمينات الاجتماعية بشرط الحفاظ على الموازنة الاكتوارية.

جدول الحياة والوفيات
الموت حق واقع لا محال، لكن موعد الوفاة او اكتوارية السن عند الوفاة احتمالي او غير محدد.
ولذا يلجأ الاكتواريون لبناء جداول حياة ووفاة وضعوا فيها احتمالات الوفاة والحياة ليتم استخدامها في الموازنة الاكتوارية وحساب اقساط التأمين على الحياة وغيرها.
وتوجد جداول عدة في العالم مثل الجدول الانكليزي 1924، 1965 ... الاميركي 1958 CSO او CSO 1980، والاسترالي والكندي وهكذا.
بالنسبة للكويت لايوجد جدول وان كانت قدرت جدولا تقريبيا في رسالتي للدكتوراه عام 1998 واسميته جدول الحياة الكويتي 1995، الا ان شركات التأمين والتأمينات الاجتماعية تستخدم في الاغلب الجداول الانكليزية 1924 وذلك لان الاكتواريين العاملين في الكويت وحتى في مصر يعتقدون أنه الاقرب لمعدلات الحياة في منطقة الشرق الاوسط.

العجز الاكتواري وعناصر حسابه
كما رأيتم فان هناك عناصر كثيرة تدخل في قياس العجز الاكتواري. ولذا لابد من دراسة كل عنصر على حدة ومقارنتها مع العناصر التي تم استخدامها لقياس العجز الاكتواري في الكويت والتي كما نشرت في الصحف قدرت بثمانية مليارات.

حلول مستقبلية
كما سبق فان قياس العجز الاكتواري بحاجة لدراسة تفصيلية ومقارنتها مع التقارير العالمية التي تمت.
ويجب ان تكون هذه الخطوة الاولى لبداية الحل فلا بد من التأكد من مدى دقة قياس العجز الاكتواري بناء على العناصر السابقة الذكر.
يلي ذلك، يجب ان تكون هناك دراسة اكتوارية وقانونية لقانون ومزايا نظام التأمينات الاجتماعية.
وفي المرحلة الثالثة يجب ان تبدأ الدولة في البحث في مجال ادخال القطاع الخاص للمساهمة في خفض العجز الاكتواري والا يتم نقل العبء كليا على الدولة. فنرى ان الالتزامات المالية طويلة الاجل على الدولة.
خصوصا اذا واجهنا انخفاضا لاسعار النفط، قد يؤدي الى نتائج سلبية على خطة التعامل مع العجز الاكتواري، لذا لابد من مشاركة القطاع الخاص في حلول التعامل مع العجز الاكتواري، وهنا مرة اخرى نحتاج الى بحث ودراسات تفصيلية.
ولكن استشهد في هذا الجانب بقانون بريطاني الزم المواطنين هناك بدفع 3% من رواتبهم شهريا لشركات التأمين الخاصة في بوالص التأمين على حياة او دفعات معاش، وذلك للتعامل مع التضخم وعدم امكانية الدولة من رفع الرواتب التقاعدية للتأمينات الاجتماعية.

د. محمود بهبهاني
استاذ التأمين والعلوم الاكتوارية
جامعة الكويت
Behbehan@cba.edu.kw

تعليقات