التأمين الصحي لذوي الدخول المحدودة - سعود بن هاشم جليدان

تم التطرق في المقالتين السابقتين إلى أهمية حماية أصحاب الدخول الثابتة سواء كانوا متقاعدين أو معتمدين على الضمان الاجتماعي من مخاطر تراجع دخولهم الحقيقية، وتم التأكيد على أهمية تعويضهم عن أضرار التضخم من خلال رفع منافعهم بمؤشرات عادلة تحافظ على مستويات معيشتهم. ولا تقتصر المخاطر التي تحيط بذوي الدخول الثابتة والمحدودة على قضم التضخم لدخولهم الحقيقية، لكن هناك العديد من المخاطر الأخرى التي قد تفوق تأثيراتها السلبية التضخم وتؤثر في رفاهية الضعفاء منهم، خصوصاً المعتمدين بصورة شبه كلية على منافع الضمان الاجتماعي ومخصصات التقاعد.


ويأتي تأثير المخاطر الصحية على قائمة العوامل التي تهدد رفاهية ذوي الدخول المنخفضة والمحدودة. ولا يملك هؤلاء في العادة موارد كافية أو تأمينا صحيا يخفف من مخاطر التعرض للأمراض أو المعضلات الصحية التي قد تقود لعجزهم وزيادة الأعباء عليهم وعلى عائلاتهم. ويعتمد معظم هؤلاء على الخدمات الصحية العامة. وتوجد شبكة واسعة من المراكز الصحية والمستشفيات الحكومية التي تغطي مناطق المملكة، لكن هذه الشبكة مضغوطة، كما أن خدماتها ليست بالمستوى الذي يسمح لها بتقديم خدمات صحية بالسرعة والكفاءة والجودة التي يحتاج إليها أو يتمناها المواطنون.

ويقدم عدد كبير من دول العالم المتقدم تغطية صحية عامة لجميع السكان، لكن جميعها تقدم هذه التغطية لكبار السن من المتقاعدين. وتأتي الدول الإسكندنافية وكندا والدول الأوروبية على رأس قائمة الدول التي تقدم أوسع وأفضل تغطية صحية لمواطنيها. وكانت الولايات المتحدة من الدول القليلة التي تمتنع عن تقديم تغطية عامة لعموم السكان، لكنها توفر تغطية صحية لكبار السن كما توفرها لموظفيها الحكوميين. وحاول الرئيس أوباما في برنامجه الصحي توفير تأمين صحي لمن ليس لديه تأمين من الأمريكيين. وتقدم الشركات والمؤسسات العامة والخاصة في الدول التي لا تتوافر فيها تغطية صحية عامة، تأمينا صحيا للعاملين فيها. وترتفع تكاليف التأمين الصحي مع تقدم العمر، وقد تمتنع شركات تأمين كثيرة عن توفير تأمين صحي للمسنين أو تطالبهم بتكاليف خيالية مقابل تغطيتهم. وأرغم فشل الأسواق في هذا المجال الحكومات على التدخل لتوفير تأمين صحي لكبار السن. وتتحمل العديد من حكومات الدول المتقدمة مبالغ خرافية لتوفير تأمين صحي لكبار السن، لكن التزاماتها الأخلاقية تجبرها على توفيره حتى مع تكاليفه الباهظة. وترتفع تكاليف توفير التغطية لكبار السن لأنهم الأكثر عرضة للأمراض المزمنة والخطرة والمكلفة. وعلى الرغم من معارضة كثير من السياسيين الأمريكيين تقديم رعاية صحية عامة، إلا أن الحكومة الأمريكية تخصص مبالغ ضخمة لتوفير تأمين صحي لكبار السن، حيث من المتوقع أن تنفق نحو 600 مليار دولار على تكاليف التأمين الصحي لكبار السن في عام 2014. ويمثل هذا المبلغ نحو 3.5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة، كما يشكل 15.9 في المائة من إجمالي الإنفاق الحكومي الفيدرالي.

صحيح أن كبار السن والفقراء وعموم المواطنين في المملكة يتمتعون بتغطية صحية عامة من خلال الخدمات التي توفرها وزارة الصحية، لكن الكثير من المواطنين يشعرون بأن هذه التغطية غير كافية، كما أن مستواها ونوعيتها ليست جيدة ولا سريعة كما ينبغي. وكان هناك مشروع لتوفير تأمين صحي لجميع المواطنين ولكن تم تأجيل البت فيه لعدة سنوات، على الرغم من حاجة المواطنين الماسة، خصوصاً كبار السن والفقراء إلى لهذا التأمين. ونظراً لكون كبار السن، خصوصاً ذوي الموارد المحدودة، في حاجة إلى تغطية صحية مناسبة لأنفسهم وعائلاتهم، فإن عدم توافر هذه التغطية في الوقت الحالي يعرضهم خلال سنوات دراسة قضية التأمين الطبي إلى مخاطر كبيرة قد تلحق أضراراً بالغة بالكثير منهم. لهذا فإن هناك حاجة ماسة إلى توفير تغطية صحية كافية لهؤلاء وفي أسرع وقت حتى يتسنى توفير تغطية تأمين صحي للمواطنين كافة.

ويمكن الحد من تكاليف التأمين الصحي لكبار السن والمواطنين بشكل عام من خلال تصميم نظام تأمين صحي يتكامل مع خدمات وزارة الصحة. حيث يمكن أن تتخصص وزارة الصحة في توفير العلاج والتغطية للأمراض المستعصية والمزمنة بينما يوفر التأمين الطبي تغطية للأمراض والحالات الطارئة والعادية. ويمكن أن توفر هذه التغطية من تكاليف التأمين الصحي الباهظة وتخفف في الوقت نفسه من الضغوط التي تتعرض لها منظومة العناية الصحية العامة، ما يمكنها من تحسين مستوى الخدمات المقدمة ويخفف من معضلات الازدحام التي تتعرض لها. إن تخصيص المزيد من الموارد للعناية الصحية أمر لا مفر منه، لأن هذا سيرفع عن كواهل المواطنين، خصوصاً كبار السن وذوي الدخول المنخفضة، الكثير من المصاعب والهموم وسيرفع من رفاهيتهم ويحسن من إنتاجيتهم.


تعليقات