الأردن : التأمين الصحي تمييز بين المواطنين

سيبقى ملف «التأمين الصحي» مفتوحا وضاغــــــطا سواء لجهة الكلفة المالية الباهظــــــة التي تعادل نحو 9,5 % من الناتج المحلي الإجمالي، أو لجهـــــــة نوعية الخدمات الصحية المقدمة للمواطنين، أو لجهة توسعة مظلة التأمين لتشمل جميع المواطـــــنين، او لجهــــة التمييز في الخدمات المقدمة للمواطنين.
وحسب أرقام دائرة الإحصاءات العامة لسنة 2012 فان عدد الأردنيين وصل في نهاية العام الماضي الى ما مجموعه 6,338,000 نسمة، ويتلقون العلاج في 106 مستشفيات موزعة على القطاعات الحكومية والعسكرية والخاصة.
ووفقا لدائرة الإحصاءات العامة لسنــــة 2012 فان عـــــدد الأسرَّة الطبـــــية في المستشفيات الحكوميـــــة والخاصة والعسكرية يبلغ 12106 ســــــريرا بواقـــــع سرير لكل 528 مواطنا، على افتراض ان جمـــــيع المواطنين الأردنييــــن يتمتعون بالتامين الصحي الشــــــامل.


منطق الأرقام والحسابات
تشير الإحصاءات الرسمية الأردنية الواردة في التقرير الثالث عن الحسابات الصحية الوطنية لسنة 2012 الصادر عن المجلس الصحي العالي إلى أن مجمل الإنفاق على الصحة في الأردن يبلغ مليارا و700 مليون دينار، أي ما يعادل 9.5 % من الناتــــــج المحلي الإجمالي، ويوصف هذا الرقم بأنه من المعـــــدلات المرتفعــــــة قياسا بالعـــــديد من دول المنطقة والإقليم.
وحسب الأرقام الإحصائية الصادرة عن دائرة الإحــــــصاءات العامــــــة فان عدد سكان الأردن يتـــــزايد سنويا بنسبة 3,5 % ، وان عدد السكــــــــان الإجمالي وصل هــــــذا العـــــام «2013» إلى حوالي 6.7 مليون نسمــــــة.
وليس كل المواطنين الأردنيين يتمتعون بالتأمين الصحي، وحسب وزير الصحة الأسبق عدنان الجلجولي في تصريحات سابقة له، فإن عدد المواطنين غير المؤمنين صحيا في المملكة يقدر بنحو مليون ومئتي ألف مواطن، وفي حال تم حذف المواطنين المؤمنين لدى وكالة الغـــــوث «الأونـــــروا» كون تأمينها لا يغطي العلاج داخل المستشفيات وهو الأهم، فسيكون أكثر من ربع السكان غير مؤمنين صحيا.
وحسب تصريحات صحافية سابقة لمدير التأمين الصحي في وزارة الصحة د. خالد أبو هديب فإن كل مواطن يحمل رقما وطنيا يجوز له الاشتراك في التأمين الصحي بموجب المادة 30 من نظام التامين الصحي، وضمن بدلات مالية حسب الشريحة العمرية، في حين تتكــــفل الدولة بنصف القيمة المحددة لكل شريحة، ويتم دفعها سنويا من قبل المستفيد من التامين الصحي الحكومي.
وحسب الإحصائيات الرسمية فإن كلفة علاج المواطن الأردني تصل إلى «270» دينارا سنويا، وتصل قيمة الدعم الموجه لغير الأردني إلى « 132» دينارا في عام 2012 .

التأمين أنواع .. من الوظيفة إلى الجذور
في حديثه لـ«العرب اليوم» يقول نقيب الأطباء الأردنيين د. هاشــــم أبو حـــــسان حول واقع التـــــأمين الصحي في الأردن وأنواعـــــه: إن الأردن يعتـــــبر بلدا متميزا في الــــــتامين الصحي قياسا بمستـــــواه في بعض الـــدول الأخرى، وتتم تغطيتــــــه للمواطنـــــين مــــن عــــــدة جهــــــات.
ويضيف د. أبو حسان، هناك التأمين المدني، ويختص بالموظــــــفين الحكوميين وعائلاتهم سواء من كان منهم على رأس عمله أو المتقاعدين، وهناك الخدمات الطبية الملكية التي تقدم خدماتها العلاجية للعسكريين وعائـــــــلاتهم والمتقـــاعدين منهم، وهناك التأمــــــين الصحي الجامعي، ويخــــتص بطلبـــــة الجامـــــعات.
ويتابع نقيب الأطباء بالقول: هناك أيضا التامين المتعلق بالشركات الخاصة، التي تقوم بتامين موظفيها وعائلاتهم في القطاع الصحي الخاص، كما أن هناك التامين الصحي الذي توفره الشركات والمؤسسات العامــــة.
ويشير د. ابو حسان إلى وجود التامين الصحي غير المنظور لكنه ملموس وواضح وهو الإعفاءات الطبية التي يصدرها الديوان الملكي لكل مواطن يطلب هذا التامين، مؤكدا انه لم يتم رفض أي طلب للإعفاء من كلفــة العلاج في المستشفيات الحكومية من أي مواطن تقدم بطلب إعفاء للديوان الملكي.
ويقول هـــــناك نوع من التأمين الصحي غير المفعل وهو المتعـــــلق بدور مؤسســـة الضـــــمان الاجــــتماعي التي يتوجب عليهـــــــا وبموجب قانونها أن تقدم التامين الصحي لمشتركيها، ونحن كنقــــــابة أطباء نطـــــــالب بتفعيله.
ويعتقد د. أبو حسان أن من الضرورة العمل على إلغاء ازدواجية التأمين الصحي، فهناك العديد من المواطنين يتمتعون بأكثر من تامين صحي وبالتالي يتوجب إلغاء هذه الازدواجية، ونحن في نقابة الأطباء نطالب بالمزيد من التنظيم للـــــتامين الصحي، لنصل إلى التغطية الشاملة، وهو مشروع نعمل عليه نحن والعديد من الجهات المختصة.
وفي الوقت الذي يرى فيه نقيب الأطباء أن الخدمات الصحية الطبية التي تقدم للمواطنين ذات مستوى عال جدا، فإنه لا ينكر وجود قطاعات عديدة من المواطنين محرومين تماما من أي تأمين صحي، ويتوجب العمل على توسعة مظلته للوصول إلى التأمين الصحي لكل المواطنين الأردنيين، مشيرا إلى أن نحو 80 % من المواطنين يتمتعون بنوع ما من أنواع التأمين الصحي، وان 20 % على الأقل لا يحصلون على أي نوع من أنواع التامين الصحي.
ويتضح من تصريحات نقيب الأطباء أن التامين الصحي يتنوع ويتوزع حسب الوظيفة، وحسب الجهة التي ينتمي إليها المستفيد من التامين، وفي التفاصيل العديدة فان أي مواطن مدني لا يمكنه الاستفادة من الخدمات الصحية التي تقدمها المستشفيات العسكرية، إلا بعد أن يحصل على إعفاء طبي من الديوان الملكي أو الحكومة، وهو الإعفاء الذي لا يختص أيضا بالمستشفيات العسكرية، وإنما ينسحب على المستشفيات الحكومية الأخرى.

التمييز في المعالجة
وهناك أنواع أخرى لم يتطرق إليها نقيب الأطباء د. أبو حسان، من أهمها التأمينات الصحية التي تقدم لرجالات الدولة ومسؤوليها الكبار وعائلاتهم من عاملين ومتقاعدين، فهم يتمتعون بأرقى أنواع الخدمات الصحية التأمينية.
ولا يعرف على وجه الدقة الكلف المالية التي يتم تحميلها لموازنة الدولة وخزانتها سنويا مقابل الخدمات التي يتلقاها كبار مسؤولي الدولة الذين تتم معالجتهم في المستشفيات الخاصة المحلية، وإذا اقتضى الأمر تتم معالجتهم في الخارج.
ولا تبدو أن قضية التمييز بين المواطنين في المعالجة الطبية تتوقف عند هذا الحد، فهناك تمييز واضح بين المواطنين في تلك الخدمة التي تعتبر حقا من حقوق الإنسان، وللحقيقة فإن الفساد الإداري واستشراء المحسوبية أدت إلى اختلالات واضحة في تقديم الخدمات الطبية والتامين الصحي بشكل متساو بين جميع المواطنين.

«الأونروا»
ووفق ما قالته الناطقة الإعلامية لوكالة الغـــــوث «الأونروا» أنوار أبو سكينه في تصريحاتها لـ«العرب اليوم» فان عدد اللاجئين الفلسطينيــــين المسجلــــــين في الأردن حــــــوالي 2 مليون و 347 ألف نسمة وفقا لإحصاءات الأونروا التي أجرتــــــها في شهر كانون ثاني يناير 2013، ويبلغ عدد المخـــــيمات الرسمية عشـــــرة مخيمات يقطنهــــــا حوالي 370 ألف نسمة.
وتقول أبو سكينه إن برنامج الصحة لوكالة الغوث «الأونروا» في الأردن يعتمد على تقديم خدمات الرعاية الصحية المجانية للاجئين الفلسطينيين المسجلين لديها، وتشمل الرعاية الصحية الأولية الوقائية والعلاجية ورعاية أمراض السكري والضغط وصحة الأسنان ورعاية الأطفال والحوامل وخدمات تنظيم الأسرة والعلاج الطبيعي وخدمات المختبر والصحة المدرسية.
وتضيف أبو سكينه نيابة عن مدير الخدمات الصحية في الأونروا الذي لا تجيز له قوانين الوكالة التصريح للصحافة إن برنامج خدمات الصحة يتم تقديمه من خلال 24 مركزا صحيا داخل وخارج المخيمات، كما تقوم الأونروا بتعويض المرضى الذين يتم تحويلهم إلى المستشفيات الحكومية بنسبة 75 % من مجموع المعالجة بسقف يبلغ 100 دينار ما عدا الحالات المسجلة تحت شبكة الأمان الاجتماعي وحالات الحمل الخطر؛ حيث يتم تعويض المرضى بنسبة 85 % من قيمة المعالجة بسقف 150 دينارا أردنيا. وتعتبر خدمات التعويض جزءا من تكاليف الاستشفاء وليست تأمينا صحيا.
وتؤكد الناطق الإعلامــــــي باسم «الأونروا» في الأردن أن عدد الاستشارات الصحية السنوية التي تقـــــــدمها «الأونروا» تصل إلى حوالي 2 مليون اســـــــتشارة قاصدة بـ»الاستشارة» المعالجات الطبية التي تقدمها الوكالة للاجئين في 10 مخيمات فقط، بينما يوجد في الأردن 13 مخيما للاجئين الفلسطينيين لا تعترف وكالة الغوث بثلاثة مخيمات منها، وبالتالي تحرم قاطنيها من أية خدمات صحية وتعليمية.


وزير الصحة.. يشكو
وحسب وزير الصحة د. علي حياصات فان اللاجئين السوريين إلى الأردن أضافوا أعباء جديدة على موازنة الدولة، في الوقت الذي لم تصل فيه المساعدات والمساهمات الدولية الحد الأدنى منها للمساهمة في التخفيف على الأردن.
وقال د. حـــــياصات لـ«العرب اليوم» إن هــــــــذا العدد الكبير من الأشقـــــــاء الســــــوريين الذين لجأوا إلى الأردن قد رفعوا من كلفة الخدمات والرعاية التي تقدمها الدولة الأردنيـــــــة لهم، خاصة ما يتعلق منها بالرعاية الصحية.
وأشار وزير الصحة إلى أن إمكانات الأردن المالية والاقتصادية لا تحتمل كل تلك الأعباء التي وضعت على كاهل الأردن تجاه الأشقاء السوريين الذين تقاسمنا معهم طعامنا وماءنا وشرابنا وكل ما نملك، واستقبلناهم استقبال الأشقاء، ولن نتخلى عن دورنا تجاههم، لكن على المجتمع الدولي أن يساهم في تحمل ولو جــــــزء يسير من الأعباء التي يتحملها الأردن في هذا الجانب.
خلاصة المشهد.. «الأمان بالتأمين»
تبدو حكاية»الــــــتأمين الصحــــــي « في الأردن متشعبة، وتتوزع بين قـــــــطاعات تتمتع ببذخ التامين الصحي، وقطاعات أخرى تفتقد لهذا الحق، فيما لا تزال قضايا الواسطة والمحسوبية القائمة على عدم توافـــــر مبادئ المساواة بين جميع المواطنين في حصـــــولهم على حقوقهم بتلقي الخدمات الصحية هي التي تفرض نفسها على منطق العمل اليومي، وهو ما يمكن ان تكشف عنه أية زيارة عابرة لأي مركز صحي او مستشفى في أية منطقة من مناطق المملكـــــــة.
وبالرغم من أن هذه المعطيات تبدو في هذا الجانب مظلمة ومثيرة، إلا أن الأردن بالمقابل يتمتع بنوع من التقدم في التأمينات الصحية والمعالجات الطبية قياسا بدول أخرى في المنطقة والإقليم، بالرغم من أن نحو 20 % من المواطنين لا يزالون خارج مظلة التأمين الصحي.

العرب اليوم

تعليقات