توضيح من هيئة الإشراف على التأمين السورية : لا تناقض بين القانون المدني و القرار المنظم للتأمين الإلزامي على المركبات

نظراً للجدل الدائر حديثاً حول التأمين الإلزامي للسيارات، و القرار /1915/ لعام 2008 ، الناظم لذلك، وبشكل خاص ما يدور حول تناقض هذا القرار مع القانون المدني السوري، تود هيئة الإشراف على التأمين توضيح ما يلي:

1.    إن القرار /1915/ صدر عن رئاسة الوزراء بناءاً على تفويض من المشّرع حيث صدر المرسوم التشريعي /11/ لعام 2008 الخاص بقانون السير في سورية، وذلك بموجب المادة 198 من هذا القانون، لذا فإن هذا القرار /1915/ هو بمثابة القانون، وقد تم تأييد ذلك بتعميم صادر عن السيد وزير العدل إلى القضاة، طلب فيه التقيد بأحكام هذا القرار لأنه بمثابة القانون.
2.    تضمن القرار /1915/ نظام التأمين الإلزامي للسيارات، أي أنه يتعلق بكيفية وآلية التأمين والجهات المسؤولة عن ذلك، وحدود مسؤولياتها، وأقساط التأمين، ولم يكن هذا القرار بمثابة قانون مدني أو أصول محاكمات أو جزاء أو غير ذلك مما يحد من السلطة الممنوحة للقضاة في تقدير التعويضات الناجمة عن استعمال المركبات وحوادث السير.
3.    إن ما يميل إليه البعض استناداً إلى المادة 184 من القانون المدني التي تنص ((يقع باطلاً كل اتفاق يلغي أو يحدد المسؤولية المدنية)) بأن القرار 1915 قد حدد تعويض المسؤولية المدنية في حوادث السيارات، وهو ما يخالف نص المادة 184 المذكورة، هو أمر في غير محله، حيث أن القرار المذكور 1915 وضح حدود مسؤولية شركات التأمين في دفع قيمة التعويض للمتضررين بشكل مباشر أو من خلال حكم قضائي مبرم تقدره المحكمة، ولم يخفِّض هذا التعويض أو يحد من سلطة المحكمة في تقدير ذلك التعويض بأي شكل من الأشكال.


لذا فإنه لا يوجد أي تناقض بين القرار المذكور وبين أحكام القانون المدني السوري (المواد 222، 223) التي أعطت القاضي السلطة التقديرية في تحديد التعويض، وبالتالي يمكن للقاضي أن يحكم بتعويض يفوق حد مسؤولية شركة التأمين، وهنا تسدد شركة التأمين ما يساوي مسؤوليتها المحددة في عقد التأمين وفي القرار 1915 ويسدد باقي المتسببين في الضرر، بالتكافل والتضامن، ما يفوق ذلك الحد في التعويض المقرر في حكم المحكمة، كما أن المادة 170 من القانون المدني (سنأتي على تفاصيلها أدناه) تنص على تقاسم المسؤولية في الخسارة والضرر بين جميع المسؤولين عن ذلك الضرر، وهو ما يجيز ويؤكد الحق في تحديد مسؤولية شركة التأمين في التعويض.

4.    إن من مبررات تحديد مسؤولية شركة التأمين في التعويض هو أن قسط التأمين محدد، وهو أمر فني بحت، حيث أن قسط التأمين يحدد في ضوء التعويضات المقدرة والمحتملة مستقبلاً، كما أن شركة التأمين لا يمكنها أن تعمل دون تقدير حدود التعويضات التي يمكن أن تدفعها، ولو كان ذلك تقريبياً، وهو أمر فني وعلمي متعارف عليه في كافة أنواع التأمين، وفي جميع أنحاء العالم، سواء تأمين الممتلكات أو تأمين المسؤولية المدنية في فروع السيارات أو الهندسي أو الحريق أو أي فرع أخر، ففي تأمين المسؤولية المدنية الملحقة بعقد تأمين الهندسي يتم تحديد مسؤولية شركة التأمين تجاه المتضرر، وتسمى حد التعويض، إلا أن هذا لا ينفي أن المتضرر قد يحصل على تعويض أكبر من حد التعويض المنصوص عنه في وثيقة التأمين، وذلك بناءاً على حكم قضائي، وهنا يضطر المؤمن له أو من تقع عليه المسؤولية في الضرر (المقاول مثلاً) إلى سداد قيمة الزيادة في الحكم عن حدود مسؤولية شركة التأمين إلى المتضرر، وهذا المثال يؤكد أيضاً ما ذهبنا إليه في الفقرتين السابقتين.

5.    إن ما يميل إليه البعض بأن القرار 1915 ومن خلال تحديده لمسؤولية شركة التأمين في التعويض قد ساوى في التعويض بين جميع الناس بغض النظر عن العمر أو الحالة الاجتماعية أو المهنية، بينما يَفترض المعترضين على ذلك ضرورة وجود تمايز في التعويض من هذه النواحي، فإننا نشير إلى أنه (وبالرغم من أن التأمين لا يميز في التعويض وفقاً لهذه الاعتبارات)، فإن تحديد مسؤولية شركة التأمين في التعويض يعني ترك حرية تقدير هذا التمايز للقضاء، مع التزام شركة التأمين بحدود مسؤولياتها، أي أن القضاء يمكن أن يحكم بتعويض وفاة طفل بمبلغ أقل من تعويض الإنسان الراشد، وهنا أيضاً لم يتم انتقاص سلطة القضاء التي منحها القانون المدني له، ولو كان التأمين كما ذكرنا لا يعتمد التمييز في ذلك.

6.    إن قول البعض بأن عقد التأمين لم يعد من عقود الغرر (التي تحتمل الربح أو الخسارة) وأنه أصبح عقداً رابحاً بشكل مؤكد، هو قول لا يستند إلى أية مبررات فنية، حيث أن شركة التأمين معرضة لسداد تعويضات كبيرة تفوق تقديراتها (في حال حصول تكرار عالي للحوادث، أو حصول حوادث تتضمن خسائر ضخمة جداً (مجموعة سيارات في حادث واحد) وهو ما يحصل كثيراً، ولو أن شركة التأمين، وفقاً لهذه الادعاءات، متأكدة من تحقيق ربح في تأمين السيارات لما كانت مضطرة لإجراء إعادة تأمين لفرع السيارات، بهدف المشاركة في تحمل خسائرها التي تفوق قدرة الشركة.

7.    أثير في الآونة الأخيرة موضوع التضامن والتكافل بين شركة التأمين والجهات المسؤولة عن الضرر من سائق ومالك مركبة وغيرهم، وإمكانية مخاصمة أي من مسببي الضرر للحصول على التعويض كاملاً، وهو ما نص عليه القانون المدني، وادعى البعض أن القرار /1915/ ناقض القانون المدني في هذا الأمر، حيث نص القرار على ضرورة مخاصمة جميع الأطراف المسببة للضرر مجتمعة، وقبل أن نناقش ذلك نستعرض المواد المتعلقة بذلك في كلا التشريعين:
8.    المادة /170/ قانون مدني "إذا تعدد المسؤولون عن عمل ضار كانوا متضامنين في التزامهم بتعويض الضرر وتكون المسؤولية فيما بينهم بالتساوي إلا إذا عين القاضي نصيب كل منهم في التعويض".
المادة /5/ من القرار /1915/ الفقرة الأولى "تعتبر كل من جهة التأمين والمؤمن له والسائق مسؤولين بالتضامن والتكافل عن الضرر الذي يلحق بالغير، وفق أحكام المادة 3 من هذا النظام"
المادة /5/ من القرار 1915الفقرة الثانية: "يعتبر كل من المالك والسائق مسؤولين بالتضامن والتكافل عن أي مبالغ يحكم بها تزيد على حدود التزام جهة التأمين وفق أحكام المادة 3 من هذا النظام" والمعلوم أن المادة 3 تتضمن حدود مسؤوليات شركة التأمين في التعويض.
المادة /13/ من القرار /1915/ الفقرة (ج) "لا تصح إقامة الدعوى بمواجهة جهة التأمين فقط بل لا بد من اختصام مالك المركبة ومسبب الضرر للمطالبة بالتعويض الناجم عن الحادث".

وهنا نأتي لمناقشة الموضوع:
إن المادة /170/ نصت على أن جميع المتسببين بالضرر يجب أن يسددوا حصصهم من التعويض إما بالتساوي أو بقرار القاضي، وهذا الأمر لا يحمل تناقضاً مع المادة /5/ من القرار /1915/ المذكورة أعلاه، حيث أن أحكام التكافل والتضامن تعني إمكانية مخاصمة أي من المسؤولين عن الضرر، ولكن يبقى كل طرف مسؤول عن عن حدود التزاماته فقط، لا بل أن نص المادة 170 يظهر بوضوح أن مسؤولية شركة التأمين يجب أن تحدد إما بالتساوي مع باقي المسؤولين عن الضرر أو وفق ما يقرره القاضي (بناءاً على خبرة فنية تحدد نسب توزيع المسؤوليات بين الأطراف المسببة للضرر)، ولا يجوز أن تتحمل شركة التأمين الخسارة منفردة، وهو ما يؤيد ما أتينا إليه في البندين (2-3) من تحديد لمسؤولية شركة التأمين في التعويض.

أما فيما يتعلق بالمادة /13/ (لا تصح خصومة شركة التأمين فقط بل لا بد من اختصام السائق والمالك) والقول بتناقضها مع أحكام التكافل والتضامن الواردة في المادة 170 قانون مدني، والمادة /5/ من القرار 1915، فقد وجدت هذه المادة لضمان حق المتضرر في تقاضي كامل التعويض الذي يقرره القاضي (المحكمة) وضمان حق شركة التأمين في سداد حدود التزاماتها فقط، وحقها في الرجوع (بما يزيد عن هذه الحدود) على المتسببين بالضرر.
عدا عن أن مسؤولية شركة التأمين هي مسؤولية عقدية وتبعية ناتجة عن ضرر يسببه أساساً المؤمن له أو السائق، لذا من الطبيعي والمنطقي أيضاً إدخال هؤلاء في الدعوى القضائية.

كما أن القرار /1915/ في مادته (13) المذكورة، لم يمنع مخاصمة المالك أو السائق منفردين دون مخاصمة جهة التأمين، بل منع مخاصمة جهة التأمين منفردة دون السائق والمالك ومسبب الضرر، وهو ما يندرج ضمن ما ذكرناه سابقاً بأن القرار /1915/ يتضمن فقط نظاماً للتأمين الإلزامي يراعي مصالح المؤمِّن والمؤمَّن له والمتضرر، ضمن الإطار الفني لعمل التأمين ولا يشكل قانوناً لأصول المحاكمات أو للجزاء أو أي مما يحد من سلطة القضاء والقانون المدني.

-       وإذا دققنا في نص الفقرة الأولى من المادة (5) من القرار 1915 فإن شركة التأمين والسائق والمالك متضامنين متكافلين في مسؤوليتهم عن الضرر ولكن وفق أحكام المادة 3 أي فيما لا يتعارض مع حدود مسؤوليات شركة التأمين، أي أن مسؤولية الشركة في التعويض تبقى كما هي محددة في عقد التأمين رغم وجود التضامن والتكافل الذي يوجب على الأطراف المسؤولة سداد التعويض كاملاً، كلّ حسب التزامه، وفي حال سددت شركة التأمين التعويض كاملاً فلها أن ترجع بالزيادة على المالك والسائق لاسترجاع ما سددته زيادة عن التزامها.

-       أما الفقرة الثانية فتؤكد على التضامن والتكافل بين السائق والمالك فيما يزيد عن حد مسؤولية شركة التأمين.
وبالتالي لا يوجد، من وجهة نظرنا، أي تناقض فيما بين القرار /1915/ والقانون المدني أو فيما بين المادتين المذكورتين من القرار 1915، بعكس ما ذهب إليه البعض.

إن أغلب دول العالم أنشئت محاكم مختصة بالتأمين، تتولى النظر في أمور التأمين وقضاياه، ولهذه المحاكم قوانين خاصة بها تتضمن بعض مما ذكر أعلاه، وقد جاء القرار 1915 ليشّرع نظاماً للتأمين الإلزامي للسيارات، ريثما يتم إنشاء هذه المحاكم وتشريع قوانينها أسوة بباقي دول العالم.

بكافة الأحوال، ولو فرضنا جدلاً وجود التناقضات المشار إليها أعلاه، فإن الهيئة لا ترى أية مخالفة قانونية في تناقض نص القرار 1915 مع القانون المدني السوري، فالقرار 1915 جاء بتفويض منصوص عنه بقانون السير، وبالتالي فهو يخص جزء من الحياة الاقتصادية والاجتماعية في سورية، ووفقاً للمادة القانونية "الخاص يقيد العام" فإن أحكام القرار 1915 المبنية على تفويض قانوني، لها الأولوية في التطبيق عن أحكام القانون المدني "العام" في حال تناقض  بعض نصوص هذين التشريعين "على فرض وجود هذا التناقض".
عدا عن أن المادة 714 من القانون المدني نصت على أن ((الأحكام المتعلقة بعقد التأمين التي لم يرد ذكرها في هذا القانون تنظمها القوانين الخاصة)) وفي هذه الحالة فإن أحكام قانون السير، والقرار 1915 المبني على تفويض منه، تشكل القانون الخاص المشار إليه.
وهو ما نراه يؤيد كل ما ورد ذكره.
3/9/2013

تعليقات