هل التأمين ضرب من القمار ؟ مدثر الفكي محمد الحسن

يشبه التأمين القمار في حقيقة إن المقامر والمستأمن كليهما يدفع مبلغاً محدداً من المال ثم يستقبل المقدار, فربما كسب أضعاف ذلك المبلغ وربما خسر جميع ما دفع لشركة التأمين ولا زال الناس يقارنون بين عقد التأمين والقمار منذ نشأة التأمين, بل ورد إن بعض القضاة في المحاكم البريطانية في القرن الثامن عشر لم يكونوا يرون فرقاً بين القمار والتأمين. ولذلك ما كانوا يحكمون بضرورة إن يكون الأصل المؤمن عليه ملكاً للمستأمن لأنهم يقيسونه على القمار ويحكمون فيه بالقوانين المنظمة للخطر والمراهنة (ولم يكن القمار عندهم محرماً) . حتى صدر قانون التأمين البحري سنة 1745 فمنع مثل ذلك.

ويرى أرباب التأمين أن الفروق جوهرية بين التأمين والقمار وأن هذا التشابه لا يخفي حقيقة إختلاف العقدين عن بعضهما البعض للأسباب التالية :


أولاً  - إن المقامر يدفع مبلغاً من المال لتوليد خطر مصطنع ينبني عليه خسارة ما دفع من مال, أو الفوز بأضعاف ذلك, وإن هذه الخطر غير موجود في الطبيعة وإنما هو من صنع المقامرين يتولد عندما يدفع كل مشترك حصته في القمار (كاليانصيب وما شابه ذلك). وفي نهاية اللعبة يربح الرابح ويخسر الخاسر.
أما التأمين فهو يتعلق بأمر خارج عن إرادة كل الأطراف وهو خطر حقيقي ناتج عن ما قدر الله عليهم من المصائب والمكاره التي تصيب الأموال والأولاد. ومن ثم فإن غرض دفع القسط التأميني ليس الإسترباح من ذلك الخطر بل الإحتماء منه والتعويض عن أضراره.
ولذلك فإنهم يفرقون بين الخطر القماري   Speculative Risk لأنه يحتمل الربح والخسارة ,والخطر في التأمين فيسمونه الخطر المحض Pure Risk  لأنه لا يحتمل إلا الخسارة أو بقاء الأمور على ما هي عليه.

ثانياً – إن القمار وسيلة للإثراء, لأن المقامر إذا استفاد في العملية أصبح أغنى مما كان عليه قبل المغامرة وإذا خسر صار أقل ثراء مما كان عليه .
أما التأمين فليس وسيلة للإثراء إذ يقتصر على التعويض عن الضرر الواقع فحسب بمثل ثمنه أو أقل من ذلك.
وتمنع أعراف وقوانين التأمين أن يحصل المستأمن على أكثر من ذلك حتى لاينقلب العقد إلى وسيلة للإثراء الغير مشروع.

وسائل إبعاد التأمين عن القمار :
صار جلياً أن التأمين في نظر أربابه مختلف عن القمار ومع ذلك فإن هذه الفروق إنما هي نتيجة تقيد نشاط التامين بقواعد وشروط تبعده عن القمار ولا ريب إن المنطق الذي اعتمد عليه التأمين يفسده إستخدام الناس لهذه الوسيلة النافعة لغرض المقامرة. ولذلك تحرص القوانين المنظمة لعمل التأمين وتسعى الشركات المتخصصة في ذلك إلى تبني الطرق والقيود والإجراءات التي تضمن عدم إنقلاب عقد التأمين إلى وسيلة للقمار. من ذلك مثلاً :

أولاً : لا تقبل هذه الشركات التأمين ضد أي خطر بل لا بد أن يكون ضمن ما يسمى "الخطر القابل للتأمين" INSURABLE INTEREST  ومن شروطه أن يكون للمستأمن مصلحة مباشرة فيما أمن عليه مثل أن يكون الأصل المؤمن عليه مملوكاً له أو يكون مرهوناً عنده بدين ، ويشترك أن تكون هذه المصلحة موجودة عند وقوع المكروه.

ثانياً : لا تقع التغطية في التأمين إلا بمقدار الضرر الواقع حتى لا يكون سبيلاً للإثراء ولا توليد الحوافز على المجازفة بإحداث المكروه للحصول على التعويض. فإذا أمن على بيته ضد الحريق بمبلغ مليون درهم وهي قيمة البيت عند إصدار الوثيقة ثم لما وقع المكروه كانت قيمته لا تتعدى 750 ألفاً، لم يحصل إلا على المبلغ الثاني لأن هذا هو مقدار الضرر الذي وقع عليه عند وقوع المكروه.

ثالثاً : تنص أكثر القوانين على ضرورة أن يتنازل المستأمن لشركة التأمين عن كل ما يمكن أن يحصل عليه من تعويض عن الضرر من محدث الضرر. وإذا كان مؤمناً فوقع المكروه بفعل فاعل وإستحق التعويض ليسل له إلا أن يقوم هو بمقاضاة الفاعل والحصول منه على تعويض زيادة على ما حصل عليه من شركة التأمين إذ لا يستحق من ذلك شيئاً إلا إذا كان ما يحصل عليه من الشركة المؤمنة أقل من مقدار الضرر الحقيقي فيحصل عندئد من الفاعل (أو من الشركة المؤمنة الحق في أن تقوم هي بملاحقة المتسببين في حصول الضرر إن كان بفعل فاعل).

رابعاً : كما لا تسمح القوانين وكذا يشترط في وثائق التأمين إن لا يؤمن على نفس الأصل لدى أكثر من شركة وإذا فعل لم يستحق إلا على مقدار ما وقع من ضرر يشترك فيه المؤمنون.

خامساً :  لتقليل ما يسمى المخاطرة الأخلاقية في العقود تلزم شركة التأمين المستأمن بدفع جزء من مبلغ التعويض ويسمى Deductible  لغرض إبعاد عقد التأمين عن القمار.

مدثر الفكي محمد الحسن

تعليقات