سيكولوجية الحوادث

 أثناء بحثي عن كتب تبحث أسباب الحوادث, وقعت يداي على هذه المقالة الرائعة والقديمة جداً والتي أقدر أنها تعود إلى الستينيات من القرن المنصرم وللأسف لم أتمكن من معرفة كاتبها,غير أن فيها معلومات وثوابت لم تتغير إلى اليوم وإليكم المقالة.


أولا: سيكولوجية الحوادث
مقدمة: الحوادث ظاهرة ملازمة للمجتمعات قديمها وحديثها , وإن كان هناك فرق بين حوادث كل منهم من حيث الكم والكيف ... فتقدم الحياة التكنولوجية والاجتماعية والاقتصادية في عصرنا الحاضر , كان له أثر كبير على الحوادث كماً وكيفًا لم يتوافر لحياة القديمة , فدولة كالولايات المتحدة الأمريكية يقتل الحوادث فيها ( سواء كانت مهنية أو غير مهنية ) حوالي 100,000شخص سنوياً وتصيب أكثر من عشرة ملايين بإصابات مختلفة.
كما أن الحوادث قتلت عام 1958 في بريطانيا  19000فرد وأصابت 200,000فرد بإصابات مختلفة , كما أن الذين أصيبوا بجروح أو قتلوا في حوادث الطريق سنة 1962 يزيدون عن 500,000 فرد.

وهناك إحصائيات أخرى للحوادث مقسمة حسب نوعية الحادثة , وأيام الانقطاع التي حصل عليها العامل , ووصف دقيق لها . إلا أن الظروف لم تسمح بإعطائها الشكل العلمي ولإفادة منها , ولا يخفى أن الأثر الذي تركه التقدم التكنولوجي والاجتماعي والاقتصادي على الحوادث جعل للحوادث تبعاً أهذا أثراً على الاقتصاد والمستوى الفرد والعام وعلى الحياة الاجتماعية أيضاً . ومجتمعنا في نهضته الحديث يتجه بكل قوته إلى التصنيع ثقيلة وخفيفة , واضعاً نصيب عينيه توفير الرفاهية لقوى الشعب العاملة التي يحققها الإنتاج الجيد المرتفع , ولا يشغلها وأمراض المهنة . والتقدم التكنولوجي له بطبيعة الحال أثره على التغير الاجتماعي وعلى الفرد لذلك ينبغي لكل فرد في مجاله أن يعد العدة للاستفادة من تجارب الأمم التي سبقتنا إلى الصناعة واعلم لنفيد منه مجتمعا ولنحمى أفرده .


فلسفة توزيع الحوادث :
إن الحوادث في وقوعها تتبع توزيعاً خاصاً بعيداً عن الصداقة , وهي في وقوعها توزع طبقاً لواحد أو آخر من هذه المبادئ العامة الأربعة في أي مكان: 
1- قد يكون التوزيع عشوائياً بمعني أن كل الأفراد يكونون عرضة للحوادث بالتساوي .
2- قد يكون هناك توزيع عادل . حيث نجد الرجل الذي يرتكب حادثة لا يميل نسبياً إلي ارتكاب أخرى لبعض الوقت .


3- وقد تكون الحال علي عكس النقطة الثانية – أن الرجل الذي ارتكب حادثة حديثاً . يكون أميل لارتكاب حوادث أخرى .
4- أن بعض الأفراد يكونون علي أنهم أكثر قابلية لإحداث الحوادث عن الآخرين سواء لأسباب سيكولوجية أو بيولوجية.
ونستطيع الكشف عن هذه الاحتمالات بملاحظة سجلات الحوادث لمختلف الناس لفترة من الوقت , أو لفترتين منفصلتين , فإذا كان المبدأ الأول صادقاً فسيكون توزيع الحوادث إذاً عشوائياً , وبذلك لا يكون هناك مبدأ معيناً لوقوع الحوادث , بل هي تقع بمحض الصدفة .. ولكن كل الدراسات تقريباً قد أثبتت أن الحوادث لا توزع توزيعاً عشوائياً , بل بالعكس توزيع توزيعاً ذا دلالة , فلقد قورن تواتر الحوادث بين 198 عاملة خلال فترتين متتاليتين فدل التحاليل علي أن 136 عاملة لم يرتكبن حوادث إطلاقاً خلال شهر فبراير , بينما ارتكبت 62 عاملة حادثة أو أكثر خلال الفترة نفسها ( أي بمتوسط قدره 3,1 حادثة ) أما من شهر مارس إلي يوليو فكان متوسط ما ارتكبه أفراد الفريق الثاني 35,0 حادثة في شهر أي أكثر من ضعف متوسط الفريق الأول .
وهكذا يبعد أن تتبع الحوادث في توزيعها المصادفة , بل هي تشير إلي أن هناك أفراداً ينالون من الحوادث أكثر من غيرهم , وأنهم يعاودون ارتكاب الحوادث مرة أخرى .


فالحادثة لا تقع بمحض الصدفة أو لا توزع توزيعاً عشوائياً إنما هي تقع لبعض الناس الذين لديهم استعداد فطري لأن يقاسوا من الحوادث تحت أي ظروف وفي أي عمل بل إننا نلاحظ أن جرينوود وودزGreen Wood & Woods يلاحظان أن المبدأ الرابع هو الفرض الصحيح , ولقد وجدوا في المجموعة التي درسوها أن 80% من الحوادث إنما وقعت لـ 20% فقط من العمال ولقد أيد هذا دراسات الدكتور رونالد ماكيث Mackeith في مقالة ((القابلية للحوادث )) Accident Liability وقد اختبر (مارب) Marb العالم النفسي الألماني الذي عالج نفس المشكلة من نفس وجهة النظر السابقة سجلات الحوادث للضباط الألمان الذين أمنوا علي حياتهم لمدة عشر سنوات فوجد أن الضباط الذين لم تقع لهم حوادث في خلال السنوات الخمس الأولي , بلغ متوسط عدد الحوادث التي وقعت لهم في السنوات الخمس التالية 52,0حادثة .
وأما الذين حدثت لكل منهم في حادثة السنوات الخمس الأولي فقط فقد بلغ متوسط عدد الحوادث التي حدثت لهم في السنوات الخمس التالية 91, 0 حادثة .وأما الذين حدثت لهم حادثتا أو أكثر في السنوات الخمس التالية 34,1 حادثة .

يمكن لنا إذاً أن ندرك أهمية الحوادث وأثرها . فما هي الحادثة ؟
1- تعريف الحادثة : 
الحوادث لها تعريفات متعددة , إلا أن معظمها يشترك في نقطتين أساسيتين :
الواقع المفاجئ اللاإرادي وحدوث إصابات جسدية ولكن Mittenecker ((متن اكر)) يقترح عدما اعتبار الإصابة الجسدية بنداً رئيسياً في المفهوم السيكولوجي للحوادث , وحجته في هذا أن السلوك المهدد للأمان سواء أدى إلى إصابات جسدية أو خسارة مادية فقط أم لم يؤد إلى إصابات وخسارة خارجية ؛ هو سلوك أخر بالأمان , أما مدى الإصابة والخسارة فهذا رهن الصدفة وليس له علاقة بالمجال السيكولوجي , ويعرف جيزللى وبراون الحادثة بأنها كل ما يحدث دون أن يكون متوقع الحدوث مما ينجم عنه ضر للناس أو الأشياء . ولكن هذا التعريف تعريف واسع يمكن أن يشمل التخريب الذي يقوم به عامل للآلة , وهذا الفعل لا يعلم به العامل نفسه . وهناك تعري آخر ضيق للحادثة . فهو يعتبر الحادثة يلك التي تحدث مباشراً من موقف العمل .. أي أننا نخرج من تعريف جيزللى وبراون إلى أن هناك تعريفين للحادثة أحدهما واسع ولآخر ضيق . ويقول جيزللى وبراون (( إن المصيبة يمكن لها أن تهد كحادثة عندما يصاب أحد الأفراد أو العمال , ونتيجة لهذا يتسبب ضياع وقت من عمله )) .
والحادثة إذا أصابت إنساناً سميت ’’Injury’’ كما أن الإصابة أيضاً يمكن أن تنقسم في مضمار الأمن الصناعي إلى , الحادثة الصغيرة والحادثة الكبيرة . ولا يعتبر رجل الأمن الصناعي الإصابة إلا إذا نجم عنها تعطيل للعامل لمدة يوم أو أكثر من نوبة العمل الذي وقعت الإصابة فيه .
ويعرف رسل ”Russel” الحادثة فيقول : (( الحادثة هي الفشل الذي لا يحقق التوقع الظاهر أو الكامن للأمان أثناء العمل )) . وفي رأيي أن تعريف جيزللى وبراون للحادث سواء كان تعريفها الضيق أو الواسع أشمل وأدق .

 تصنيف الحوادث :
التعقد والتقدم في الحياة اليومية أدى إلى أن تكون الحوادث ظاهرة ملامة للحياة الحديثة لذا حظيت الحوادث بدراسات كثيرة ومتعددة . والملاحظ علي هذه الدراسات أنه في كثير من الأحيان نجد تعارضاً بين نتائجها . وفى رأيي أن مرجع هذا هو عدم الدقة في تصنيف الحوادث خاصة عند المقارنة الإحصائية .
فالحوادث يمكن تصنيفها من حيث النوع , والنتائج , والأساليب , وإمكانية تجنبها أو عدم تجنبها ومن حيث ما يترتب عليها من نتائج , أي أن هناك محاكاة مختلفة لا يسعى لها كثير من الباحثين عند تحديدهم للحادثة والمقارنة بين الحوادث , فالمقارنة الخاصة بطبيعة الأعمال المختلفة تستعمل عندما يكون المحاكاة المستخدمة في تقسيم الحوادث في عمل واحد ليس كالمحاكاة المستخدمة في أعمال أخرى , فالحوادث في النقل الصناعي عندما تكون للمصائب الطبيعية دور فيها لا تقارن مع الحوادث التي تقع في مكاتب الموظفين تلك التي لا يكن فيها أثر أو وجود ليلك المصائب . وكثير من الباحثين لا يدركون هذه المشكلة في تقسيم الحوادث ويستمرون في مقارنة حوادث تختلف من حيث طبيعتها وظروفها , لذا تأتى الصورة
 
المقارنة الإحصائية بين الحوادث وحساب معدلاتها :
ويظهر إذاً أهمية المقارنة بين الحوادث على أساس سليم , فأحد المظاهر الصعبة في تحليل الحوادث هو صياغة الإحصائيات الكافية أو المناسبة للمقارنة بين الحوادث , فلكي نؤكد أياً من اثنين من السائقين أقل حوادث من الآخر فإنه من الواضح أن نقارن بينها علي أساس عدد الحوادث التي وقعت لكل منها , فسجل الحوادث ؛ لواحد من السائقين يغطى فترة طويلة من الزمن عن سجل الآخر . ونعرف فقط أن واحداً من هؤلاء السائقين قد وقعت له كافية مطلقاً لمقارنتهما ولكن من المؤكد أن معرفتنا بأن السياق الأول قد وقعت له حادثتان وأن الآخر قد وقعت له أربع حوادث .... نجد أن هذه المعلومات غير كافية مطلقاُ لمقارنتها ولكن من المؤكد أن معرفتنا بأن السياق الأول قد وقعت له حادثتان في شهر واحد وأن الآخر قد وقعت له أربع حوادث في ثلاث أشهر تمكننا من مقارنتهما وأن نحسب حوادثها علي أساس الوقت ونعرف معدلات حوادثهما , ففي هذه الحالة سنرى أن معدلات الحوادث للسائق الأول هي 0.2حادثة لكل شهر واحد وأن الآخر 3,1حادثة لكل شهر .
ومن هذا يمكن أن نقول أيضاً إن السائق الأخير إنما هو شخص ( أمن ) أي أن حوادثه أقل من عدد حوادث الشخص الآخر ومن هذا نعرف أهمية المقارنة علي أساس محك واحد . ولكن يمكن أن تكون المقارنة أكثر دقة لو توافرت لدينا بيانات أكثر من هذه , فمثلا لم توافرت لدينا بيانات عن عدد ساعات السياقة لكل منهما ونوع الطريق الذي ساق فيه كل ومنهما لأمكن لنا بذلك أن نعطى صورة واضحة جليلة عن كل سائق .

ففي دراسة قام بها كرفت وفوربس Kraft & Fords نجد أن هذين الباحثين لم يضعا في اعتبارهما المسافة الكلية لطريق السفر فقط إنما اهتما أيضاً باختلاف الطرق وساعات العمل وأيام العمل الأسبوعية .
ويلاحظ أن هناك طرقًا مختلف لحساب معدلات الحوادث فمثلا يمكن حساب معدل الحوادث علي أساس ساعات العمل وعلي أساس أميال العمل إلا أن هذا الاختلاف في حساب الحوادث علي أساس معدلات مختلفة يؤدى إلي اختلاف في النتائج .

النظريات التي تفسر الحوادث :
إن للحوادث أسباباً كثيرة ومتداخلة , منها الأسباب الخارجية أو التي لا ترجع إلى الفرد أو الإنسان , ومنها الأسباب الإنسانية . وقبل أن نبين أنهما أكثر أثراً , العوامل الخارجية أم العوامل الإنسانية , نفرض الآراء المختلفة المتعلقة بنوء الحوادث , وعندئذ تظهر لنا الرؤية واضحة وجليلة .. وعرضنا لهذا الآراء سوف ينقسم إلى أربعة أقسام ويدور في نطاق نظريات .

1- النظرية القدرية :
أصحاب هذه النظرية يرون أن الناس صنفان , أحدهما سعيد الحظ , والآخر تعس الحظ ؛ فمنهم من لديه حصانة ضد الحوادث ومنهم من يفقد هذه الحصانة ويكون أكثر قابلية للحوادث بل وهناك من يصاب بها بصفة مستمرة .ويفسرون استمرار هذا الشخص أو ذاك في وقوعه المستمر في الحوادث إلى القدرة وسوء الحظ . وينسى هؤلاء أثر الإنسانية نفسه في وقوع الحادثة له , ذلك الأثر الذي سوف يتضح لنا بعد قليل أنه فعال ويعني كلام أصحاب هذه النظرية عدم وجود استهداف للحوادث ونحن نرفض هذه النظرية كما أن منتز وبلو ”Mintz and Blum” قد أثبتا عكس هذا ونشير إلى الدراسات التي قام بها Green Wood & Woods,Mards وآخرون لخصت أعمالهم بواسطة Viteles أثبتت أن الحوادث تقع دائماً لبعض الأفراد ونادراً لآخرين كنتيجة منطقية لتوحيد الظروف .
ولقد أثبتت دراسات كثيرة متعددة أن هناك بعض الأفراد يكون نصيبهم من الحوادث أكثر مما ينتظر من أن يكون محض مصادفة إذاً فإن وجهة نظر أصحاب هذه النظرية مرفوضة لأنها تقوم علي وجهة نظر ينقصها المنطق العلمي
 
النظرية الطبية :
وتقول هذه النظرية إن الشخص دائم الإصابة إنما يعانى خللاً جسدياً أو عصبياً وأن هذا الخلل هو السبب في هذه الحوادث ونحن لا ننكر هذا ولكن ننكر أن يكون هذا هو السبب القوى والفعال أن حوادث العمل أن حوادث المتكررة . فلقد وجد ”Graf” في بحث أخراه علي 708 من العمال أن حوادث العمل في 9,75 % من الحالات ليس لها أي سبب متعلق بالناحية الطبية وأن 4,1% فقط من حوادث هذا المصنع لها أسباب طبية وتدخل في هذه النسبة الضئيلة الخلل السمعي والبصري .
وفي دراسة قام بها Solcombe & Bingham وجد أن السائقين الذين يعانون من ضغط الدم المرتفع تبلغ حوادثهم ضعف حوادث الذين لا يعانون من ضغط الدم . وفي دراسة لحوالي 15 ألف حرفي وتلاميذ الترسانة البحرية وجد كل من فارمر وتشامبر Farmer and Chamber أن هناك ارتباطً يبلغ حوالي 30% بين الحوادث والأمراض وتقول الدكتورة فلاند دنبار إن المستهدفين للحوادث عادة ما يكون لهم سجلات طبية , ولا يعانون خاصة من أمراض البرد وسوء الهضم .

3- نظرية التحليل النفسي :
وتعتبر هذه النظرية الحوادث إنما هي أفعال مقصودة لا شعورياً , وهي تشبه الهفوات , ومثال ذلك الصراع الذي نشأ بين سائق العربة وزوجته ( في الحالة الأولى ) فلقد صدم السائق الصخرة وهي مثال أو رمز لزوجته التي يريد أن يكلمها في وجهها ويرغب في طلاقها . وفعلا تلت هذه الحادثة وفاة الزوجة .
ويعتقد أصحاب هذه المدرسة التحليلية أن الإصابة الجسدية إنما هي عدوان لا شعوري موجه للذات وهذا أيضاً ما حدث لسائق العربية (في الحالة الأولي) الذي بقي كسيحاً طوال حياته بعد حدث المصادمة . ويظهر كذلك في حادثة عامل شركة مصر للحرير الصناعي (الحالة الثالثة) الذي فقد ذراعه 
ويعتبر فرويد Freud معظم الحوادث تعتبراً عن صراعات عصابية وأن عقاب الذات هو إحدى المركبات التي تستند عليها سببية الحوادث .
وترى مدرسة التحليل النفسي أن سبب معظم الحوادث إنما Unconscious Motivation ( الدافعة اللاشعورية ) فهل وقعت حادثة العامل بشركة مصر نتيجة الإحساس بالذنب والشعور بالاضطهاد وتمرده علي السلطة الأبوية وسلطة العمل ؟
وهل وقعت حادثة السائق ( الحالة الأولى ) نتيجة الإحساس بالذنب والغيظ والحقد علي زوجته وكان إحساسه بالذنب بسبب هذه المشاعر ؟
وهل كانت حادثة الشاب الذي ذكرها Franz Alexander فرانز الكسندر مراجعها التحرر من سلطة الأبوين والتزوج بدون رضاهم , وحنقه عليهم بسبب عدم الاعتراف بهذا الزواج ؟ أي هل للحوادث هذه أسباب نفسية غير الأسباب أخرى , والتي سنذكرها ؟ ولنري النظرية الرابعة والأخيرة ونعود بعد قليل بعد للإجابة علي ما آثرناه من أسئلة .

4- نظرية علم النفس التجريبي :
هذه النظرية تلتقي مع فكرة الباحث وفكرة خبراء النقل في أن للحوادث أسباباً كثيرة ومتعددة – فالسائق مثلا يكون تحت تأثيرات متغيرة عديدة , فالمركبات والمارة وقواعد المرور كلها مؤثرات لها فعلها وأثرها علي الوظيفة النفسية للسائق (الإدراك الحسي والذاكرة والتفكير ) ومثله مثل العامل الذي يقع تحت تأثيرات كثيرة ومتغيرة , وإذا كان هناك أسباب متعددة للحوادث , فإن لها أيضاً أهدافاً متعددة , وفقد يكون الدافع لها الرغبة في الحصول علي تعويض مادي أو الرغبة في زيادة الأهل , إذا كانوا في بلدة أخرى , بعيدة عن مكان عمل العامل , أو الرغبة في جذب الاهتمام , أو تخفيف المسئولية عن نفسه .
يمكن القول إذاً أن هناك أسباباً شخصية وأسباباً خارجية للحوادث ؛ إلا أننا نسأل : ما هو العامل الغالب الذي له اليد الطولي في وقوع الحوادث ؟

العوامل المسببة للحوادث : 
هناك تشابه بين المرض والحوادث في أن لكل منها عدة أسباب , وإن كان هناك خلاف بيّن بينهما . ولكن ندلل حقاً علي أن للحوادث أكثر من سبب , نعطى الأمثلة التالية ثم نعرض أسبابها .

عرض لثلاث حوادث :
والمثال حادثة يعطيها لنا نورمان روبرت ليكز (N.B. Lykes ) وقعت لشخص ما , ساق عربته ولم ينم في الليلة السابقة سوى ساعتين , حيث قضى الليل يلعب بوكر مع شلة من أصدقائه . ولقد كان الطريق الذي يسير فيه بعربته ملائماً , وكانت الشمس مشرقة وكل الشروط المطلوبة للقيادة موجودة ومثالية ... وفجأة نشب بينه وبين زوجته مناقشة حادة , ويتخيل هو كم من الجميل أن يلكمها في وجهها وأن يطلقها . ثم يضغط بقوة علي عجلة القيادة وبضيق شديد , ويركز على أسنانه . وفي نفس الوقت يضغط على دراسة البنزين بقوة . وفي نفس اللحظة يغمض عينيه فجأة لإبعاد حشرة مرت أمام وجهه وتصرخ الزوجة , عندئذ تنحرف منه عجله القيادة عن الطريق , وفي محاولته العودة إليه يصطدم بصخرة بارزة عن الطريق ترتفع بمعدل ثماني بوصات عن الأرض . ولقد كان من نتيجة وجود هذه الصخرة أن صدمتها السيارة بعنف من الأمام فأدى هذا إلى دوران السيارة إلى الشمال حول نفسها فانقلبت , وفي نفس اللحظة اصطدمت أيضاً بعمود التليفون كان يقع علي جانب الطريق .
قتلت الزوجة وبقي هو كسيحاً طوال حياته .


ثم نسأل ما الذي أدى إلى وقوع الحادثة ؟
هل هو التعب ؟ الجدل ؟ التوتر الجسماني الذي نجم عن الجدال الذي اشتعل بين الزوجين ؟ السرعة ؟ صرخة الزوجة ؟ الصخرة البارزة علي جانب الطريق ؟ الحشرة التي زنت أمام وجه الزوج ؟
والمثال الثاني لحادثة يوردها فرانز الكسندر ”F. Alexander” عن شاب في متوسط العمر, يقاسي من حالة اكتئاب, نشأت عنده من كفاح فاشل. فقد نشأ هذا الشاب في عائلة مشهورة . إلا أنه تزوج من مستوى اجتماعي يختلف عن مستواه , ولقد كان نتيجة هذا الزواج أن قاطعة والده وقاطعته عائلته وانتهى كفاحه من أجل المعيشة بالانهيار النفسي . وكان هناك موعد بين ((دكتور فرانز الكسندر)) وبين هذا الشاب . إلا أنه لم يحضر وقد عرف فيما بعد أنه قد أصيب بجوار منزل الدكتور فرانز الكسندر لقيادته السيارة بسرعة

ولقد أخذ بعد ذلك إلى المستشفى معانياً من إصابات عنيفة ولم يكن يظهر سوى عينيه فقط وكل وجهه في ضمادات ... إلا أن روحه المعنوية كانت مرتفعة , متحرراً من الاكتئاب النفسي الذي كان يعانيه في الأيام الماضية ... لقد بادر الدكتور فرانز بقوله بعد تحيته .... ((الآن لقد دفعت ثمن كل شئ ... سوف أخبر والدي برأي فيه ... )) .
ثم حرر إلى والده خطاباً مطالباً فبه بحقه في وراثة والدته وأخذ يفكر في حياة جديدة .


والمثال الثالث عرضه الدكتور سامي محمود على لعامل بشركة مصر للحرير الصناعي بكفر الدوار يبلغ من العمر 25 عاماً أصيب في حادثة فنتج عنها قطع ذراعيه اليمين أثناء عمله في المصنع , وكانت ظروف العامل تتلخص في التالي:

العامل يعول أسرة مكونه من سبعة أفراد مضافاً إلى هذا العدد والده المسن الذي لا عمل له , وكان العامل هو العائل الوحيد لهذه الأسرة , وكانت ظروفه في العمل أنه تنقل لعدة أقسام وكان هذا النقل يتم دون رغبته , كما أنه كان دائم الشكوى من رؤسائه , وكان يعتقد أنهم يضطهدونه لأن زملاءه يشون به عندهم , كذلك هو نفسه لا يعرف كيف يتأقلم، إلا أنه دائم المطالبة بحقوقه مما جعله علي علاقة متوترة برؤساء العمل , فكان مثلا يرفض تنفيذ الأوامر التي كان يجد أنها خارجة عن عمله , أي أنه بالنسبة لرؤسائه كان يشعر بأنه مضطهد , من ناحية أخرى كان في حاله عدم رضى بالنسبة لزملائه العمال لأنه كان يرى أنهم عن طريق سلوكهم يتمتعون بامتيازات لا يتمتع بها هو وذلك نتيجة لسلوكهم . أي أن العامل في حاله غيرة وتوتر بالنسبة لزملائه وتمرد . كذلك هذه حالته في المصنع .
هذا من ناحية العمل ... أما في حياته العائلية فنجد أنه غير سعيد في حياته العائلية لأنه هو العائل الوحيد لسبعة أفراد بالإضافة إلى والده . كذلك أنفق نقوداً كثيرة علي جهاز أخته قبل عدة أشهر من وقوع الحادث . أي أنه كان في ضيق مادي , ومن جهة علاقته الشخصية كان يحب زميلة له في المصنع وكان يريد الزواج منها .
وعرض الأمر علي أسرته فكانت النتيجة أن الأسرة رفضت لأن مورد الأسرة سيقل إذا تزوج , إلي جانب ذلك يوجد شك في أخلاق البنت ... المهم كان هناك خلاف شديد بين العامل ووالديه بسبب علاقته بهذه الفتاه وكان التوتر أكثر بينه وبين والده يوم الحادث . وكانت العلاقة بينه وبين والده في أقصى درجات التوتر .. ففي صباح يوم الحادث وقبل ذهاب العامل إلى المصنع طلب منه والده أن يعطيه النقود التي يدخرها ليبني بها حجرة فوق المنزل .. إزاء هذا الطلب وهذه المعاملة تطاول العامل علي والده بالسب وترك المنزل مهدداً بعدم العودة . ذهب العمل إلى عمله وبعد انتهاء ورديته طلب منه أن يعمل وردية أخرى فوافق وهو الذي لم يكن يوافق علي مثل هذا الطلب من قبل .. والغرض هنا هو عدم الرغبة في العودة إلي المنزل . وبعد ابتداء الوردية الزائدة بساعتين حدثت له الحادثة التي أدت إلي قطع ذراعه اليمين . إذاً يمكن وراء هذا الحادث دوافع لا شعورية كونتها ظروف نفسية معينة .

يلاحظ علي هذا الأمثلة الثلاثة للحوادث التي ذكرناها :
أن هناك عوامل خارجية وعوامل داخليه ( شخصية) أدت إلى وقوعها وإن كان العامل الشخصي والسيكولوجي هو البارز في هذه الأمثلة الثلاثة .
ولتحليل كل حادثة على حدي لكي تتضح أمامنا زوايا الموضوع بوضوح وجلا .. لقد تساءلنا عن أسباب حادثة الشخص الأول وذكرنا الاحتمالات التي يمكن أن تؤدى للحادثة ونعود إليها مرة أخري : هل التعب هو الذي أدي إلي وقوع حادثة الحالة الأولي؟

(1) العوامل الفيزيقية المسببة للحوادث 
1- العمل المتعب :
إن عامل التعب ظاهرة جداً في الحالة الأولي , فلقد سهر طوال ليلة حدوث الحادثة ولم ينم إلا ساعتين . فإذا لم يمكن متعباً ربما لم تكن هناك دواع للمناقشة الساخنة بينه وبين زوجته ولكان قد أوقف العربة وتفاهم معها بلطف , ونزل معها من العربة وسارا بضعة أمتار يتحدثان معاً أو كان قد طلب منها أن تؤجل المناقشة حتى يصلا إلى المكان الذي يقصدانه أو بعد عودتها إلى المنزل . ولكن التعب لم يمكنه من أن يتصرف بهذه الطريقة , إذاً التعب هو الذي أدى إلى وقوع الحادث .. ولكن الإعلانات في الصحف والإذاعة والتليفزيون تحذر من التعب عند السايقة . ومع هذا ساق وهو تعب . إذاً ما الدافع وراء هذا .. ؟
وفي حالة العامل بشركة مصر للحرير الصناعي .. يبدو أن التعب له أثر في وقوع حادثته , لأنه كان يعمل طوال ثمانية ساعات ثم يطلب منه العمل ثمانية ساعات أخرى فيوافق ... إذاً التعب هو سبب الحادث خاصة وأنه كان دائم الرفض أن يعمل في ورديتين متتاليتين . وفيرنون (Vernon) , وقد أشار إلي أن معدل الحوادث يتأثر بالتعب ونتيجة لهذا يزيد . كما أشار إلي أن التعب يرتبط بالسرعة فإن السرعة توصلنا إلي التعب كما أننا إذا عملنا بسرعة فإننا لا نستطيع أن نصل إلى الحذر الذي يتوفر لنا عندما نعمل ببطء أكثر وعندئذ تصدق فكرة أن الحادثة إنما نتائج السرعة .

2- السرعة : 
فهل السرعة هي سبب الحادثة التي وقعت للشخص الأول وهل هي أيضاً السبب في الحادث للشاب الذي ذكره لنا دكتور فرانز الكسندر Frans Alexander (الحالة الثانية) أن كلا منهما قد وقعت له الحادثة في حاله كونه يسوق بسرعة كبيرة فلو لم يكن قد ساق بسرعة لتمكن من السيطرة علي العربة ولما خرجت عن الطريق وصدمت بالصخرة .
إذن يمكن القول أن السرعة والتعب لهما دخل في الحوادث كما كل من فيرنون Vernon وجيزللى وبراون , وماير وجراى , وتتيفين , والسرعة والتعب يعدهما كثير من علماء علم النفس الصناعي علي أنهما من العوامل الخارجية التي لها أثر كبير علي معدلات الحوادث . وهناك عوامل أخرى مثل معدلات الإنتاج وهذه أقرب إلي الارتباط بالتعب والسرعة من غيرة من العوامل .
فالعامل إذا رغب في زيادة الإنتاج طوال فترة العمل فإنه يزيد من سرعته , وقد تؤدى هذه الزيادة إلي أن يعمل بدون حذر مما يؤدى به إلي الوقوع في الحوادث بل وتكون حوادثه متسمة بالعنف . والرغبة في زيادة معدلات الإنتاج قد تدفعنا لزيادة ساعات العمل .
إلا أن ( فيرنون) Vernon يكتشف نتيجة هامة جداً , وهي زيادة ساعات العمل قد تؤدى إلي زيادة في عدد الحوادث , إلا أن هذه الزيادة في عدد الحوادث تفوق الزيادة في عدد ساعات العمل الزيادة , كما يدل علي أن زيادة ساعات العمل لا تزيد الإنتاج , إنما تزيد الحوادث بل وتزيد التعب أيضاً إذا تجاوزت الحد المعقول , ويظهر هذا في حادثة مصنع الحرير الصناعي ( الحالة الثالثة ) التي ذكرنا فيها أن العامل عمل في ورديتين متتاليتين .

3- الإضاءة ودرجة الحرارة :
من هذا نستنتج أن هناك عوامل متعددة تؤدى إلي وقوع الحادثة , ولا تقع نتيجة عامل واحد . إلي جانب هذا هناك الإضاءة . وهي فعالة في حدوث الحوادث وشدتها ومعدلاتها وآثارها المختلفة باختلاف فترات العمل النهارية والليلية , وهناك دراسات أيضاً تدل علي ذلك . ومن العوامل أيضاً في الحوادث وشدتها ومعدلاتها درجات الحرارة والرطوبة وقد أشار إلي ذلك Osborne and Vernon وكما أن هناك دراسات تؤكد أهمية الكحول وأثره علي الحوادث ومعدلاتها .

4- عوامل مادية : 
هناك عوامل مادية أيضاً بمكن أن تسبب حدوث الحوادث ولا يكون للإنسان السيطرة عليها , مثل حالة الطريق والصخور المحيطة بجانبي الطريق والأشجار والحشرات التي تظهر فجأة أمام عين السائق , (كالحشرة في حادثة الحالة الأولي) والآلة في الحالة الثانية , وأشياء أخري أشار إليها هنريش Heinrich, H.W . 


من هذا يتأكد لنا أن هناك عوامل كثيرة تؤدى إلي وقوع الحوادث .. وإذا ما عدنا إلي حادثة الحالة الأولى نجد أن هناك عاملين ماديين لا نستطيع السيطرة عليهما , وهما الحشرة التي مرت أمام وجه السائق , وبسببها أغلق عينيه والأخرى الصخرة البارزة عن الطريق والتي لم يتمكن من تجنبها بسبب السرعة وبسبب صرخة زوجته التي ملأته انفعالا غاضباً .. ولكن نلاحظ أن هذه الصخرة موجودة بصفة دائمة ويمر بها عدد كبير جداً من السيارات , فلم يصطدم بها هذا السائق فقط وحده , ولم يقع له الحادثة في هذا المكان ..؟
يقول خبراء المرور إن الظروف التي تحيط بأية مصادمة واسعة جداً لدرجة أنه من الصعب تحديد كيفية حدوثها بدقة , والحادثة يمكن أن تنتج عن عدد غير محدد من هذه العوامل المتحدة أو الممتزجة , حالة الطريق , حالة الطقس , موتور العربة – حالة السائق العقلية والجسمانية .. الحالة الانفعالية – القوة الإبصارية . 

وكل هذه تكون عوامل مساعدة للحادثة . ولكن ما يحير لماذا يسافر 100000سائق علي طريق طويل تحت ظروف قيادة مثالية بلا حادثة ويسوق واحد من 100 ألف بطريقة تخريجه عن الطريق ويموت ؟ . 

إلا أن التساؤل الذي أثاره الباحث , والذي أثاره خبراء وسائل النقل , يضع أمامنا سؤالا ملحاً ..
لم تقع الحوادث لهذا الشخص ولم تقع لذلك ؟ ..
هل الحوادث تقع بطريقة عشوائية أولها فلسفة توزيع طبقاً لها .. ؟
هل الحوادث تقع بفعل العوامل التي ذكرها الباحث في الصفحات السابقة وبفعل العوامل التي ذكرها خبراء النقل فقط , أو أن هناك عوامل أخرى ترجع للفرد نفسه ؟
أي أن السؤال يمكن أن يكون علي هذا النحو : ما هي الأسباب الأخرى للحوادث ؟ ولماذا تقع الحادثة لفرد ولم لا تقع لآخر .. ؟ وهل يمتاز الشخص الذي يتردى في الحوادث بكثرة عن غيرة ؟ .

(ب) العوامل الإنسانية للحوادث
1- العامل السيكولوجي في الحوادث :
لقد أثبتت كثير من الدراسات وجهة النظر القائلة بأن الحوادث إنما لا يقع نتيجة الصدفة إنما هي متعمدة لاشعوريا ويقول فرانز الكسندر Fran Alexander في هذا المجال (( إن التقصي العلمي أظهر أن غالبية الحوادث لا ترجع لبعض الصفات الإنسانية البسيطة , فبعض الأفراد يستهدفون لأكبر عدد من الحوادث أكثر مما يستهدف له زملاؤهم , وليس هذا لكونهم خرقاء أو شاردي الذهن , ولكن يرجع ذلك إلي التكوين الكلي لشخصياتهم , والعامل الهام ليس سمة منفردة مثل بطء الاستجابة أو انحطاط الذكاء , ولكن شيئاً آخر أساسياً أكثر من هذا ينتسب إلي مجموع الشخص كفرد )) , ويقول ايزنك Eysenck (( إن الحوادث تقع لبعض الناس الذين لديهم استعداد فطرى لأن يقاسون من الحوادث تحت أي ظروف وفي أي عمل )) . إذاً الحوادث تبعد أن تقع نتيجة الصداقة , إنما العامل الإنساني هو المحرك لها وإن أخذ صورة الخطأ غير المقصود وهي في هذا تشبيه الهفوات ويقول هنريش Heinrich إن 10% من الحوادث فقط ترجع إلي أسباب غير إنسانية مثل , الآلات والمباني . 

كما تحقق أخ (Ach) في عام 1929من أن 90% من حوادث المرور مرجعها العامل البشرى , وفي بحث أجرى علي مجموعة من العمال الإسبانيين أجراه أبارولا Ibarolla سنة 1943 عن الحوادث وجد أن 75% من الحوادث نرجعها التكوينات الشخصية لهؤلاء العمال . وهناك بحث آخر أجرى بتاريخ لا حق لتاريخ بحث ( أبارولا) أجرى بواسطة لاميش Lamich علي مجموعتين من العمال الإسبانيين أن الوقاية من الحوادث بزيادة الأمان التكتيكي لم تقلل إلا من 9-18% من مجموع الحوادث .

ويقول Hersy إن 90% من الحوادث ترجع ألي عوامل إنسانية وإن كانت هذه الحوادث تقع للعمال وهو في حالة هبوط أو توجس .
وتحدث هذه الحالة في 20% من وقت العامل من جراء متاعب بيئية وعمله , ومن أثر التعب وقلة النوم وفي الولايات المتحدة الأمريكية أجرى بحث عن حوادث الطيران بواسطة Henyl وكان ذلك في سنة 1948 فقد وجد أن 90% من الحوادث مرجعها أخطار الطيارين أنفسهم .

ونشرت في ألمانيا الغربية إحصائية علي الوجه التالي 8,81% من الحوادث ترجع إلي السائقين , 4,2 من الحوادث يرجع سببها إلي عطب في الآلة أو عطب تكنيكي , 7,11% يرجع سببها إلي حالة الشوارع , أما الأحوال الجوية فكان العالية جداً إنما ترجع الإنسان – للفرد – للسائقين وقد نشرت هذه الإحصائية عام 1957.

وهناك بحث قد أشرنا إليه فيما سبق ذكره هنا , هو بحث ((جراف)) Graf ذلك البحث الذي أجراه بأحد المصانع التي تصمم 708 من العمال , ووجد أن حوادث العمل في 9,75% من الحالات ليس لها أي سبب متعلق بالناحية الطيبة وأن 4,1% من الحوادث بهذا المصنع لها أسباب طبية وتدخل في هذه النسبة الضئيلة الخلل السمعي والبصري .

ويخبرنا هوف شيير Hofstaettter أن جزءاً كبيراً من الحوادث بالمصنع والمرور ( حوالي 50% ) يصيب عدداً قليلا نسبياً من العمال والمارة ( حوالي15% ) أي أن هناك بعض الأشخاص ميالون للحوادث أكثر من غيرهم وفي مدينة برلين قام ترام Tramm ببحث أثبت فيه أن سائقي الترام الذين عينوا بناء علي اختبارات اللياقة السيكولوجية لهذه المهنة تسببوا في عدد إصابات تقل عن زملائهم المعينين بدون اختبارات بمقدار 40 إلي 50% .
وفي بحث Speroff & Kerr علي 90 رجلا وجد أن العمال المحبوبين أكثر من زملائهم يميلون لأن يكونوا بدون حوادث , بينها الذين لديهم معدلات حوادث مرتفعة قد وجدوا غير محبوبين لزملائهم .

ويقول جيزللي وبراون Ghiselli, E.E. &Brown إن من 80% إلي 90%من الحوادث الصناعية ترجع إلى الأخطاء البشرية ”Human Errors” .وأن من 10%من 20% ترجع إلي الآلات أو عدم كفاية الماكينة .

ويرى (متناكر) (Mittenecker) إن النسبة الإجمالية لحوادث المرور قد انخفضت في باريس بعد الأخذ بنظام الاختبار السيكولوجية في اختبار سائقي الأتوبيس والترام بمقدار 37% بالرغم من زيادة عدد المركبات بمقدار 30%


وأشار فارمر وتشامبر في سنة 1926أثر الاختبارات السيكولوجية في لاختبار العمال في خفض نسبة الحوادث بالمصنع فوجدا أن 339عاملا من الذين حصلوا علي درجات عالية في الاختبارات السيكولوجية تسببوا في 77% فقط من متوسط نسبة الحوادث المألوفة , بينما تسبب 311عاملا من الذين حصلوا علي درجات منخفضة في نفس الاختبار في 125% من متوسط الحوادث .
من ذلك تظهر أهمية العامل السيكولوجي كسبب رئيسي لنشوء الحوادث لذا نشير إلي العوامل الشخصية المختلفة التي تؤدى إلي الحوادث .

2- السن :
لقد أثبتت الدراسات أن السن عامل مهم جداً في وقوع الحوادث , وفي نوعيتها ومعدلاتها , فصفار السن وكبار السن يكونون أكثر استهدافاً للحوادث , ممن هم متوسطو السن , ففي دراسة عن معدل حوادث النقل وجد أن الأفراد الذين يبلغون من العمر ما بين 15- 24سنة تقع لهم حوادث بمعدل 9,30 لكل مائة ألف من السكان . والأفراد الذين يبلغون من العمل ما بين 25-44 سنة تبلغ نسبة حوادثهم 1,20 والأفراد بين 45-64 بلفت بلغت نسبة حادثهم 1,25 , أما من هم فوق 65 سنة فإن معظمهم تقع لهم حوادث تبلغ نسبتها 3,50 , كما بينت هذه الدراسة أن الحوادث تكون شديدة جداً لدى كبار السن عنها عند الصغار .


أما دراسة Chany & Hanner فتظهر أن الحوادث التي تنجم عنها الوفاء عند البالغين لما فوق 40 سنة تصل إلي 5,2, بينما يكون معدلها لدى البالغين أقل من (40 سنة ) 07,1 فقط . كما وجد أيضاً نفس الباحثين في صناعات الحديد والصلب آن الحوادث التي يرتكبها العمال المسنون تقضى إلي الموت أو إلي العجز دائماً .
ولقد لاحظ الحوادثVernon, Bedford & Warner أنه عندما يصاب عمال مناجم الفحم المسنون في الحوادث , فإنهم يتغيبون فترات طويلة عن عملهم . ويقول ((Tiffin)) : 
((إن العامل الصغير الذي لديه مسئوليات عائلية قليلة نسبياً يكون أقل حذراً وأكثر ملا لأن ينتهز الفرص أكثر من العامل المسن , وعندئذ يتورط في نسبة كبيرة من الحوادث )) .


وإذا حاولنا أن نفسر ميل كبار السن في أن يكون معدل حوادثهم أبر من معدل حوادث صغار السن , فإن هؤلاء الناس قد اعتادوا الخطر , لذلك يكونون أقل حذراً من العمال الذين لا خبرة لهم ( صغار السن ) وبذلك يقع لهم هذا القدر من الحوادث.


وعلي ذلك يمكن أن نستنج أن هناك زيادة في الحوادث مع زيادة السن , وأن هناك زيادة مع قلة السن وإلى جانب هذا هناك دراسات توضح أنه كلما زاد السن زادت الخبرة , وبالتالي قلت نسبة الحوادث , ولكن ما يهمنا هنا هو أن الخلاف في نتائج الأبحاث مرده إلى أن لكل عمل ظروفه .

3- الخبرة :
الخبرة لها صلة بمعدلات الحوادث من ناحية , وبالسن من ناحية أخرى , ولكن الخبرة وحدها ليست المسئولة عن زيادة ما يتورط فيه الشباب من حوادث , كما أن الخبرة ليست وحدها المسئولة عن حوادث كبار السن , فهؤلاء الناس مع خبرتهم للتي اكتسبوها طوال مدة عملهم , واعتيادهم الخطر والأليفة عليه , تجعلهم أقل حذراً , بل إن هناك من هم قليلو الخبرة , مع ذلك فمعدل حوادثهم منخفض , ومرد ذلك إلي أنهم يدركون هذا النقص فيكونون أكثر حذراً , وبدا يتجنبون الوقوع في الحوادث . ومن دراسة Fisher أثبت أن معدلات الحوادث تتناسب تناسباً عكسيا مع الخبرة , ففي الستين يوماً الأولي من الاستخدام وقع 1,48 % من الحوادث التي وقعت في مناجم الفحم , و 5,20% حدثت خلال السبعة الأيام الأولى من الاستخدام .
وقد وجد فيرنون Vernon أن معدلات الحوادث تزيد لدي العمال صغار السن في الثمانية أشهر الأولي ويمكن التغلب علي هذه المشكلة , والتقليل من عدد الحوادث بالتدريب الجيد , مع أن هناك دراسات أثبتت أن الارتباط بين معدلات الحوادث والخبرة ارتباط منخفض , والخبرة ليست مؤثرة في تقليل كل أنواع الحوادث , فبعض أنواع من الحوادث أكثر سهولة في التجنب , أو الابتعاد خلال التعلم عن العمل أكثر من الأنواع الأخرى .
ولكن الكلمة الهامة في هذا الموضوع هو أن هناك كثيراً من الباحثين يثبتون إن هناك علاقات بين الخبرة والحوادث , إلا أن (( ستيفنسون)) يقول :
((إن الحوادث تقل مع زيادة الخبرة , ولكن ربما يلعب السن دوراً أكبر من دور التجربة )) .


4- البصر :
للبصر أهمية بالغة , خاصة في الأعمال التي تقتضي استعداد بصريه خاصة فلقد أثبتت الدراسات أن هؤلاء العمال الذين يتناسب مسوي أبصارهم مع أعمالهم إنما هم أفراد يرتكبون عدداً أقل من الحوادث من ذلك الذي يرتكب بواسطة الأفراد الذين لا يتناسب مستوي بصرهم مع أعمالهم , ففي فحص أجرى علي (3500) عامل متقدمين لأجد الأعمال التي تتطلب دقة الإبصار , وجد أن أقل كم 3/1 هؤلاء يتمتعون بقدرة سوية علي الإبصار بكلتا العينين . كما أن هناك دراسة أثبتت أن 23حالة لديها تآزر بصري معيب , و23 تقل قوة الإبصار لديهم في عين أو في العينين عن نصف القوة السوية , وكان عدد الذين أجريت عليهم هذه وجد Tiffin أن هناك علاقة بين البصر و الحوادث وأن الاختبارات الإبصار يه يمكن لها أن تحدد أفراداً معينين مستهدفين للحوادث.

5- الصحة :
هناك علاقات بين الحوادث والصحة . ففي دراسة قام بها Farmer& Champer فارمر وتشامبر لحوالي 15 ألف حرفي وتلاميذ الترسانة البحرية قد وجدا أن هناك ارتباطاً يبلغ 30% بين الحوادث والأمراض .
ولقد وجد نيوبول Newbold هذه النسبة تقريباً لعمال صناعيين يعملون في صناعات مختلفة . ويقارن Viteles بين عمال لديهم عيوب جسمية وآخرين ليس لديهم عيوب جسمية , فقد تبين أن الحوادث عند الأولين ثلاثة أمثال حوادث الآخرين .
وفي دراسة قام بها Bingham & Slocombe وجدا أن السائقين الذين يعانون من ضغط الدم المرتفع تبلغ حوادثهم ضعف حوادث الذين لا يعانون من ضغط الدم .

6- التأزم النفسي :
لقد وجد في بحث عن سلاح الطيران الإنجليزي أن التأزم النفسي قد رفع عدد حوادث التصادم بين الطائرات , ولما زال هذا التأزم انخفاض معدل الحوادث ويقول Hersy : (( إن أكثر من نصف أربعمائة حوادث درست دراسة إكلينيكية وقعت حين كان العامل في حالة هبوط أو توجس أو قلق )) , وفي تقديره أن العامل العادي تغشاه حالة الهبوط وتستغرق حوالي 20% من وقته إلا أننا نسأل ما هو التأزم النفسي أو الهبوط ؟ إنها حالة من التوتر تنشأ من إعاقة جهود الفرد عن إرضاء دوافعه وبلوغ أهدافه . ويمكن القول إن هذه حالة العامل الثالث الذي حدثنا عنه دكتور سامي محمود على , وكان هذا العامل يرغب في الزواج ويدخر جزءاً من المال لتنفيذ هذه الرغبة , إلا أن أسرته وقفت تعارض هذه الفكرة أو هذا الاتجاه .
وهذا ما حدث أيضاً في حالة الشاب الذي حدثنا عنه دكتور فرانز الكسندر الذي تزوج دون رغبة أهله .. فهذا الموقف يثير وخز الضمير . ويسبب للفرد صراعاً نفسياً .

7- الجنس :
يلاحظ أن الرجال أكثر عرضة للحوادث من النساء , ويرجع هذا إلي أن أعمالهم تتسم في الغالب بالخطورة , إلا أن من الملاحظ أيضاً أن النساء يملن نوعاً ما لأن يرتكبن من الحوادث أكثر من الرجال وذلك إذا ما تعرضن لنفس الظروف التي يتعرض لها الرجال ففي بحث قورن فيه نسبة حوادث 3 آلاف سائق مع مثيلها عند 40 سائقة تاكسي , وتعمل كل مجموعة في نفس الشروط إذ يمثلان جميع العمال المستخدمين في شركة نقل في فيلاديليفيا . وكانت نسبة حوادث السائقين لمدة 11 شهراً 257,0حادثة في كل ألف ميل سياقه , بينما كانت هذه النسبة عند السائقات اللاتي اخترن بعناية , ودربين بدقة , ومن ثم يمثل أرقى سائقات , بلغت هذه النسبة 722,0 لكل ألف ميل سياقه , أي ثلاثة أمثال نسبة الرجال , ونفس النسبة وجدت في نسبة الحوادث إلي كل ألف دولار دخل.

8- الذكاء :
تضاربت نتائج الباحثين فيما يتصل بالعلاقة بين الذكاء وحوادث العمل , فمنهم من يرى أن بينما ارتبطاً سلبياً , أي أنه كلما ارتفع مستوى الذكاء قل عدد الحوادث . والعكس , ففي دراسة أجراها (( لاور )) Lauer وجد أن سائقي السيارات الذين يبلغ مستوى ذكائهم أقل من (75) يكونون أكثر عرضة للحوادث كما يوجد فريق آخر من الباحثين قد توصل إلي أنه ليس هناك ارتباط ما بين الذكاء والحوادث , كما تبين لآخرين منهم أن هناك ارتباطاً موجباً بين الحوادث والذكاء , ففي بحث أجراه , (( جيزوللى وبراون )) علي مجموعة من سائقي سيارات الأتوبيس , قد تبين لهما أن هناك ارتباطاً ذا دلالة إحصائية بدرجة ثقة (05,0) بين الذكاء والحوادث .
ولقد أرجع (( الدكتور عزت راجح )) سبب هذا التضارب بين نتائج الباحثين قيما يتصل بهذه العلاقة إلي سببين : السبب الأول اختلاف الباحثين علي تحديد مفهوم الذكاء يؤدى فعلا إلي الوقوع في الحوادث , ولكن زيادته عن المطلوب لا ينقص منها.

9- التكيف المهني :
أثبتت دراسات أخرى فعالية عامل آخر , وهو التواؤم المهني . فقد وجد أن 90% من الحوادث ترجع إلي هذا العامل . والسبب يرجع إلي أن عدم القدرة علي المواءمة المهنية سبها العامل نفسه , وذلك لجهله أو لعدم خبرته أو لفشله في الحصول علي المعلومات المفيدة , أو قد يكون النقص في المعلومات الخاصة بالبيئة أو العامل .


الاستهداف للحوادث
باستعراض نظريات علم النفس المختلقة في تفسير الحوادث ذكرنا أهمية العامل الإنساني في الحوادث , ورأينا كيف أن العامل الإنساني في الحوادث يسبب حوالي 90% منها ويقول هنرى في هذا المجال إن 10% فقط من الحوادث ترجع إلي أسباب غير إنسانية مثل الآلات والمباني . بل وهناك أيضاً دراسات تقول بأن 5/4 الحوادث ترجع ألي أسباب إنسانية , وأن هذه النسبة قد ترتفع إلي 10/9 , كما أن هناك دراسات Green Wood & Woods لجرين وود وغيرهما تثبت أن الحوادث توزع بطريقة معينة , الأمر الذي يجعلنا نتساءل لماذا يحتل أفراد معينين مكان الصدارة في الحوادث , وبعضهم لا تكون لهم هذه الصدارة ؟


تعريف الاستهداف :
الاستهداف إنما هو استعداد يقوم علي مجموعة من الصفات والمميزات الشخصية تهيئ الفرد للوقوع في الحوادث , فتجعل معدلها عنده أعلي دائماً من معدل ما يقع لغيره من الأفراد الذين يعملون في نفس ظروف عمله .


أنواع الاستهداف :
هناك ثلاثة أنواع من الاستهداف , النوع الأول وهو الاستهداف العصابى Neurotic Proneness ويتسم به من يعانون أمراضاً نفسية , واستهداف غير عصابى ينجم عن أثر العوامل الشخصية للفرد والتي لا تتسم بطابع عصابى ( كنقص الذكاء وقلة الخبرة والمران , والتأزم النفسي وعيوب البصر).
أما النوع الثالث فيجمع بين الاثنين ( بين العصابي , وغير العصابى ) ويتميز به من يعانون أمراضاً نفسية , وتتسم شخصياتهم بالنقص في بعض قدراتها .


الاستهداف والتعرض للحوادث: Accident Liability & Accident Proneness 
التعرض هو جملة العوامل الشخصية والخارجية والاتفاقية التي تقضي إلي الحوادث ... فتعرض السائق لحوادث الطريق قد يكون مرتفعاً لأنه يسوق كثيراً , أو يسوق بسرعة , أو يسوق في طرق مزدحمة , أو يسوق في السرعة دون استجمام , أو لأن فرامله وكشافة معيبة , أو أن لدية عيباً في الإبصار بإحدى عينيه , أو في درجة تآزره الحركي أو لأنه قلق أو منهبط , أو لأنه لا يكف عن الكلام مع الراكبين , أو عن تدخين السجائر . هذه وغيرها هي العوامل التي تعرضه للحوادث .. أما العوامل التي تجعله مستهدفاً للحوادث , فتنحصر في العوامل الشخصية التي ترجع إلية بالذات أي أن الاستهداف يرجع إلي السمات الشخصية والتي لا يتحتم أن تنسحب علي سائق آخر في نفس موقفه , ولا يخفي أن درجة التعرض للحوادث ترتفع في الأعمال والمهن التي تحفها المخاطر , غير أن الفرد ذا الاستهداف الطفيف يكون أقل تعرضاً للحوادث حتى في عمل محفوف بالمخاطر .. لكن تعرضه للحوادث لابد أن يكون أكثر من تعرض عامل آخر يساويه في درجة الاستهداف ويقوم بعمل مأمون .

تعريف المستهدف :
المستهدف للحوادث هو ذلك الشخص الذي يقع له عدد من الحوادث بصفة دائمة أكثر من متوسط عدد حوادث العامل العادي , Average Employee لأسباب ذاتية لا لأسباب موضوعية . ولو أن هذا العريف يتعرض لاعتراضات إلا أننا نؤجل الكلام عنها لمكان أخر . وهناك تعريفاً يوردهما (جراى) Gray أن المستهدفين للحوادث قد يكونون مولودين بهذه الطريقة , وذلك إذا كانوا مستهدفين في كل وقت .. وهناك مستهدفون في أحيان وأحيان أخرى غير مستهدفين وهذا يعتمد علي الظروف , وهؤلاء يكونون مستهدفين بفعل الظروف بفعل الظروف .
فالاستهداف تختلف درجته من فرد لآخر كما تختلف درجته لنفس الشخص من عمل لآخر , بل إن الاستهداف قد يكون أثره لدي بعض الأفراد قوياً عميقاً فإذا به يورط الفرد في الحوادث , حتى إذا كانت الظروف الخارجية للعمل ملائمة مواتية .

الدلالة اللاشعورية للاستهداف العصابي :
إن الحوادث في وقوعها لأفراد معينين بصفة مستمرة إنما تدل علي أن هؤلاء الناس , إنما هم مستهدفون لها , ومهما قيل في هذا المضمار فإن الأحداث والظواهر إن تكررت وتواترت كان هذا دليل علي صدورها عن نزعة ملحة وكان من الصعب أن تعزى إلى مجرد المصادفة لكنها تتلاءم كل التلاؤم مع فكرة القصد والتصميم . أي أن الحوادث لا تقع بمحض المصادفة إنما هي تقع بطريقة العمد فهناك جدال في ميدان الطب النفسي عن الحوادث , يرى أن الحوادث ليست حوادث , إنما هي تقع في الغالب نتيجة الناحية المزاجية الخاصة بالضحية نفسها , فالملاحظ أن الحوادث يكون حدوثها عرضياً , وخارج تحكم الفرد . فسقوط شئ علي رأس شخص سائر علي قدميه إنما هي حادثة عريضة , خاصة إذا لم يكن هناك علامة تحذره أن هناك شيئاً سيسقط في هذا المكان . وغالبية الحوادث التي تقع في الصناعة وفي المرور والمنازل من طبيعة مختلفة , فنحن نجد أن الشخص المصاب فيها يلعب دوراً هاماً وكبيراً في وقوعها , إن كان هناك ادعاء بأنه كان أخرق أو ملخوماً أو شارد الذهن , ولولا ذلك لما وقعت له الحادثة
.
فتكرار وقوع الحادثة لأشخاص معينين لا يدل علي أنهما وقعت لهم نتيجة المصادمة , إنما هم متعمدون لا شعورياً علي الأقل . ولقد أجمع كثير من العلماء أن أغلبية الحوادث نجد فيها عنصر القصد , وهذا القصد وهذه النية بدون أية وساطات شعورية فالحوادث كالهفوات كلاهما منحتم تلعب فيه الدوافع اللاشعورية لعبتها , وكل هفوة من ورائها قصدان , قصد أصلي وآخر يتعارض معه وهذا ما يكون أيضاً في الحوادث , فحادثة الحالة الأولي نجد أن السائق يحب زوجته , وفي نفس إحساساً بالذنب – لأن هذه الرغبة لا تروق له شعورياً اصطدام بالعربة , وقتل زوجته وفي الوقت نفسه أصاب نفسه تخليصاً لها من الشعور بالذنب وهي مثل أن تضع خطاباً في غير مكانة أو أن تخطئ في نطق كلمة أو لفظ ويعطى فرويد Freud هذا المثال لحادثة يلبس القصد فيها لبوس المصادفة الموفقة , فقد كان أحد المهندسين يجرى مع نفر من زملائه سلسلة من التجارب , وبينما كان ذاهباً في اليوم إلي المعمل مع صديقة ((ف)) وإذا به يجده برماً يشكو ما سيضيعه من الوقت في ذلك اليوم , فقد كانت لديه أعمال كثيرة منتظرة بالمنزل ويقول المهندس : ((فلم يسمعني إلا أن أوافقه , وقلت له ما جناً أشير إلي حادثة وقعت لنا في الأسبوع السابق : عسي أن تعطل الآلة اليوم كما عطلت ذلك اليوم , فيتسنى لنا أن نكف عن العمل , وأن نعود إلي إلى منازلنا مبكرين ثم وزع العمل فكان من حظ صاحبي هذا تعديل صمام الكباس أي فتح الصمام في عناية وحذر حتى ينساب ضغط السائل ببطء من المركم إلي أسطوانة الكباس المائي . وكان المشرف علي التجربة يقف إلي جانب ما نومتر , وعليه أن يأمر بالتوقف فوراً حين يصل الضغط حداً معيناً , فلما صاح المشرف , إذا بصاحبنا ((ف)) يمسك الصمام ويديره بكل قوته .. إلي اليسار ! (في حين أن الصمامات كلها دون استثناء تقفل بإدارتها إلي اليمين ) وبدا انتقل الضغط كله فجأة من المركم إلي الكباس , مما لم تطقه أنابيب التوصيل . فانفجرت إحداهما علي التو : هذه الحادثة لم ينجم عنها ضرر , ولكنها اضطرتنا إلي أن يقف العمل طوال اليوم وأن نعود إلي منازلنا والغريب في الأمر أني تحدثت مع صاحبي ((ف)) في هذه الحادثة بعد وقوعها بزمن غير طويل , فرأيت أنه لا يذكر شيئاً عن العبارة التي قلتها له مازحاً في حين كنت علي ذكر تام منها .


هذا الدافع اللاشعوري أدى عمله لا شعورياً , ولقد كشف كثير من علماء التحليل النفسي عن طبيعة الدوافع اللاشعورية التي تدفع الناس لأن يعملوا بطريقة تؤدى إلي وقوع الحادثة أن الدافع العام الغالب هو الإحساس الخفي بالذنب , ذلك الشعور الذي تكفر عنه الضحية بتوقيع العقاب علي نفسها , والحادثة تؤدى هذا الهدف , في الحالة الثانية التي ذكرها لنا فرانز الكسندر F. Alex. يظهر فيها الإحساس بالذنب والحنق والغيظ والإحباط والرغبة في الانتقام . 
و
كذلك الحالة الأولي والحالة الثالثة , فهذا الشاب له رغبة أن يتزوج فتاته , وتزوجها فعلا , وعائلته تريد حرمانه من الميراث وهي تقاطعه أيضاً , والشاب يكن الغيظ والحنق , ولإحساسه أن هذه المشاعر لا يصح أن يحملها لعائلته ولا يستطيع أن يقرها شعرياً , ولإحساسه بالذنب , ذلك الإحساس الذي يحمله لوالديه لا شعورياً منذ الطفولة امتزجت هذه الأحاسيس ببعضها اتجه الشاب إلي الوقوع في الحادثة , وهنا حصل الشاب علي إغاثة انفعالية وصل إليها عن طريق إصابته , لقد حررته هذه الإصابة من ضغط ضميره , الغاضب الذي تهيج بالمشاعر العدائية ضد عائلته ويخبر والده برأيه . ونحن نجد أن 60% من المصابين بكسور قد اعترفوا بالذنب والغيظ والخنق في علاقتهم ببعض الأفراد المتصلين بهم بالحادثة .


إلي جانب هذا قد تكون هناك دوافع لا شعورية في العمل في إحداث الحوادث مثل الرغبة اللاشعورية في تجنب المسئولية , أو أن يجذب الانتباه له ليكون موضع عناية ورعاية أو أن تكون الحادثة وسيلة للحصول علي تعويض أو القلق النفسي والخوف من فقدان العمل أو الإحساس بالذنب والرغبة في الانتقام كما أن الحادثة قد تكون تعبيراً عن عدوان اتجه به الشخص لنفسه لكونه لم يستطيع الاتجاه به إلي مصدر الإحباط , والمستهدف للحادثة لا يهدف إلي قتل نفسه , إنما يهدف أن يعاقب نفسه , أو أن يحل مشكلة وبذلك يظهر بالسلام الداخلي , كما هذا بطريقة عصابية كونها حياتهم المبكرة .


السمات النفسية للمستهدف العصابى : 
حددت الدكتورة فلاندر دونبار F . Dunpar صفات المستهدف للحوادث بأنه حاسم – مندفع – يركز علي اللذات السريعة هيئ لأن يعمل ارتجالا يميل للمخاطرة والإثارة ولا يميل للإعداد للمستقبل أو التخطيط له , كما أن غالبية المستهدفين للحوادث نجد أن تربيتهم في الطفولة تربية قاسية , لذا نجد لديهم كراهية لمن هم في السلطة ... هم إذاً رجال عمل وليسوا رجال تخطيط أو ترو يتأرجحون بين الدوافع والإتقان , هذا التهور أو الاندفاع ربما يكون له أسباب متعددة ولكنه ظاهريا ثورة ضد قيود السلطة الخارجية , ولكنه يثور أيضاً نفسه . والمستهدفون للحوادث يميلون لأن يكونوا غير متعاونين كما يمتازون بالإهمال والعدوانية وعدم تحمل السلطة والانفعالية وكلها سمات سيكوباتية وإن عدداً كبيراً منهم مرضى نفسيون أو عصابيون إلي جانب أن أغلبهم ممن لا يحبون أن يسيطر عليهم أحد سواء أكان ذلك الوالدين أو الزوجة أو المدرسين فهم يدأبون علي التمرد علي السلطة , إذا حتمت الظروف عليهم الاحتكاك بها وقعت الحادثة
 
ثالثاً : الدراسات السوسيومترية 
التطبيقات العلمية للاختبارات الوسيومترية :
كانت لدراسة التون مايو ( تجربة هاوتورن ) فضل السبق في توجيه نظر السيكولوجيين ناحية العلاقات الإنسانية في الصناعة .
فلقد أثبتت هذه الدراسة أن أهم ما في الموضوع هو اتجاهات العمل .. نحو بعضهم البعض ونحو العمل ونحو الإدارة , وأثر القيادة الرسمية وغير الرسمية في الإنتاج , وفي اتجاهات العمال بل أن الدافع الكافي أكثر أهمية من ظروف البيئة الفيزيقية . ولقد وضح في هذه التجربة أن المشاعر أكثر فاعلية من الأجر نفسه , فلقد اعتقد في يوم من الأيام أن الدافع الاقتصادي هو الذي يتحكم في العامل أكثر من أي شئ آخر ثم قام سيبروف وكير Speroff & Kerr في بحث عن ( القابلية للحوادث وبين مكانة الاختبار السوسيومترى ) ولقد وجدا أن هناك ارتباطاً سلبياً بين هذين العاملين .. ويرى هذان الباحثين أنه يمكن الإقلال من الحوادث في المصنع عن طريق إعادة توزيع العمال طبقاً لاختياراتهم السوسيومترية وعن طريق العلاج النفسي للأفراد الذين يحصلون علي اختيارات قليلة .
ويمكن للأساليب السوسيومترية أن تقيس مستوى الروح المعنوية , وفي اختيار الرؤساء والمشرفين , ويمكن لبحثنا هذا إذا أثبت أن هناك ارتباطاً بين الاستهداف للحوادث والمكانة السوسيومترية أن نوجه النظر إلي ضرورة إجراء مثل هذا البحث علي قطاعات عملية أخرى , إذا ثبت أن النتائج التي وصل إليها يمكن تعميمها أن نطالب بتوزيع العمال طبقاً لاختياراتهم السوسيومترية .
وهناك عدة طرق لدراسة التفاعل بين الجماعات , سواء كانت جماعات طلبية أو عمال جنود أو غير ذلك من الجماعات .. من هذه الطرق , الملاحظة بأنواعها والإشاعات , دراسة تقارير الآخرين والسجلات . ولكن الملاحظ أن المعلومات التي تتصل بإحدى هذه الطرق متحيزة أو غير كافية , لذا فإن هذه المصادر تكون ذا فاعلية بعد التحليل السوسيومترى وليس قبله مع الإحاطة بأن مورينو Moreno لا ينبذ طرق الملاحظة الخارجية والملاحظة المشاركة . فإذا كنا نلاحظ ملاحظة خارجية لتجمعات العمال التلقائية , يمكن أن نلاحظ أن عاملا يسير مع آخر أو يقف مع آخر , أو يتناول الطعام , وبذلك يمكن لنا أن نحدد سطحياً مركز كل فرد في الجماعة , ولكن إذا كانت ملاحظتنا ملاحظة مشاركة ففيها نكون عضواً في الجماعة يشارك ويحس باحساساتها وبالتالي يقع تحت الضغوط التي يتعرض لها أعضاء الجماعة , إلا أننا مع هذا يمكن لنا أن نحصل علي بيانات أعمق . وقد يقوم بعملية الملاحظة في المصنع رئيس العمال , إلا أن تقديره قد يكون أيضاً غير دقيق لأنه جزء من الجماعة .

أما في الاختيار السوسيومترى فإن الأمر مختلف , وذلك لأن الاختيار التلقائي للرفقاء هو الوسيلة المستخدمة , وبالتالي بواسطته توصف العلاقات الاجتماعية والسمة المميزة الخاصة بالطرق السوسيومترية هي مقدرتها في وصف الصورة الكاملة للتفاعل التلقائي والاختبار السوسيومترى كما يحدده مورينو Moreno أداء تستخدم في قياس مدى التنظيم الذي يظهر في الجماعات وهو يتألف من سؤال الفرد صراحة أن نختار في نطاق الجماعة التي ينتسب إليها الأفراد الذين يود أن يجعل منهم رفاقاً , ويطلب من الفرد التعبير عن اختياراته بغير تحفظ سواء كان – أو لم يكن – الذين يختارهم ضمن جماعته الحالية والاختيار السوسيومترى أداة لدراسة الأبنية الاجتماعية علي ضوء ضروب التجاذب والتنافر التي ظهرت داخل جماعة ما , وفي مجال العلاقات القائمة بين الأفراد فتستخدم ألفاظاً مثل ( الاختيار أو النبذ) بمعنى أضيق , وألفاظ التجاذب والتنافر أكثر اتساعاً , وهي لا تنطلق علي الجماعات الإنسانية فحسب , وإنما تدل علي وجود صورة اجتماعية مماثلة خارج الجماعات الإنسانية بالمعني الدقيق للكلمة .
وفي هذا التحديد يظهر بوضوح أن الاختيار السوسيومترى يستهدف تحديد (الذرة الاجتماعية) المميزة للفرد ويقصد بهذا المفهوم نمط ( التجازب والتنافر) بين فرد وغيرة من الناس وقد تكون هذه العلاقة فعلية , أي محققة في الحياة اليومية أو مرغوباً فيها (( أي يسعى إليها الفرد دون أن يحققها)) .


نفترض أن القياس الاجتماعي السوسيومترى لا يدرس الفرد منفصلا عن غيره , ولا الجماعة مستقلة عن أعضائها , وإنما يدرس العلاقات المختلفة بين الأفراد والأنماط البنائية المميزة لهذه العلاقات ليس هذا فقط , بل يفترض مورينو أن كل شخص ,(( يكون حراً خلاقاً )) إذا وجد المركز الملائم له لذا وجب أن يحقق للفرد ما يبديه من تفصيلات كلما كان ذلك ممكناً حيث تقول جنيجز Jennings, H . (( يجب أن يحصل كل فرد علي درجة تصور من الرضى تتفق والحد الأعلى من سعادة كل من الأفراد الآخرين , والحد الأعلى من الحث المتبادل بينهم )) بتعبير مختصر هو أن نوفر لكل فرد من وجهة نظره أفضل الحلول الممكنة . وتوضح لنا التجربة التالية أهمية الاختبار السوسيومترى . وهي تجربة قلم بها فان زلست Van Zelst فقد كانت هناك جماعة من النجارين تعمل مع جماعة من البنائين في إقامة بناء , وظلتا تعملان معاً لمدة خمسة أشهر عرف فيها العمال بعضهم البعض معرفة جيدة ومهارات كل منهم وشخصيه , وبعد هذه الفترة بدأ Van Zelst ( فان زلست ) تجربته بإعادة تقسيم العمال علي أساس اختياراتهم الشخصية بالطريقة السوسيومترية , وظلت التجربة أحد عشر شهراً , فكانت النتيجة أن وفرت الشركة كثيراً إلي جانب سرور العمال بعملهم كما قلت نسبة من يتركون العمل منهم . ولقد عبر أحد العمال عن شعوره بأن كل شئ كان يسير هوناً سهلا دون صعوبة أو عائق.


إذاً السوسيومترية باختصار تظهر مدى تماسك الجماعة , وتكشف عن التكتلات , أو التصدعات التي بها , وتميط اللثام عن الشخصيات السائدة فيها , وتساعد علي انتقاء المشرفين , وتعين المشرف علي تكوين جماعات متلائمة وعلي العمل علي إصلاح نفسه , إن كان غير مرغوب فيه .


تعليقات

  1. احتاج المرجع الاصلى و اسم المحرر للموضوع

    ردحذف

إرسال تعليق