رئاسة ديوان التأمين العراقي: نظرة على تضارب المصالح - مصباح كمال

  نشرتُ في كانون الأول 2012 مقالًا نقديًا بعنوان في "’استقلالية‘ ديوان التأمين العراقي ورئاسته،" في مجلة التأمين العراقي[1] ضم العناوين الفرعية التالية:

 

§      لماذا لا يزال الديوان يدار بالوكالة

§      مفارقات في استقلالية الديوان

§      ضمان استقلالية الديوان عن وزارة المالية

§      تعزيز الوظيفة الرقابية للديوان

 

من المفيد للقراء المهتمين الرجوع إلى هذا المقال لعلاقته بالمقال الحالي إذ أنني سأكتفي هنا ببعض الاقتباسات منه.

 

لا يهدف هذا المقال إثارة الشكوك حول سلامة تصرف من يـ/تقوم بإدارة شؤون الديوان وشركة التأمين التي يـ/تعمل فيه، بل إثارة السؤال حول سلامة قرار وزارة المالية في تعيين رئيس للديوان وكالة يـ/تشغل منصبًا آخرًا بالوكالة أو الأصالة.

 

(2)

 

منذ تأسيسه سنة 2005 لم يشهد الديوان تعيين رئيس أصيل له.  فيما يلي عرض سريع لأسماء من شغل موقع رئاسة الديوان وكالة مع حفظ الألقاب وتعريف بسيط بهم.[2]

 

1      فؤاد عبد الله عزيز، 2005-2006

شغل مواقع متقدمة في شركة التأمين الوطنية لغاية 1996، ثم صار مديرًا عامًا لشركة إعادة التأمين العراقية لحين تعيينه لرئاسة الديوان وكالةً عندما كان عادل عبد المهدي وزير المالية.

 

2      فيصل منهل تايه الكلابي، 2006

قبل تعيينه رئيسًا للديوان كان مدير عام الدائرة الإدارية بوزارة المالية، وقبلها كان مديرًا لقسم الحسابات في شركة التأمين الوطنية.  صار رئيسًا للديوان وكالة عندما كان باقر الزبيدي وزير المالية.

 

3      ضياء حبيب الخيون، 2006-2007

كان مديراً لمصرف الرافدين قبل 2003، واحتفظ بمنصبه في بداية الاحتلال الأمريكي بصفته محافظاً لمصرف الرافدين، ثم عُيّن مستشاراً مالياً في عهد الاحتلال ثم وكيلاً لوزارة المالية.  شغل رئاسة ديوان التأمين بالوكالة عندما كان باقر الزبيدي وزير المالية إضافة إلى موقعه في وزارة المالية.  (لاحظ الازدواجية في إشغال المنصب).

 

4      فيصل منهل تايه الكلابي، 2007-2009

كان مديرًا لقسم الحسابات في شركة التأمين الوطنية ثم صار مديرًا عامًا لشركة إعادة التأمين العراقية.  عُيّن ثانية لرئاسة الديوان عندما كان باقر الزبيدي وزير المالية.

 

5      ضياء حبيب الخيون، 2009-2010

أعيد تعيينه لرئاسة الديون عندما كان باقر الزبيدي وزير المالية.

 

6      فيصل منهل تايه الكلابي، 2010-2015

أعيد تعيينه لرئاسة الديوان عندما كان رافع العيساوي وزير المالية.

 

7      صادق عبد الرحمن الخالدي، 2016-2018

كان المدير العام لشركة التأمين العراقية، ثم المدير العام لشركة التأمين الوطنية (2015-2017).  (لاحظ الازدواجية في إشغال منصبين في شركة التأمين الوطنية وديوان التأمين في نفس الوقت).  ليس واضحًا إن كان تعيينه لرئاسة الديوان عندما كان هوشيار الزيباري وزير المالية (2014-2016) أو عندما كان عبد الرزاق العيسى وزير المالية (2016-2018).

 

8      أحمد عبد الجليل الساعدي، 2018-2019

شغل في وقت واحد أربعة مناصب: مدير عام هيئة التقاعد ورئيس ديوان التأمين والضمان الاجتماعي وشركة الدواجن والعلف الحيواني، وكلها بالوكالة.  اعتقل في أيلول 2020 من قبل القوات الأمنية لصـدور أوامر قضائية بحقه من قبل هيئة النزاهة لضلوعه بعمليات فساد مالي في هيئة التقاعد.  ليس واضحًا إن كان تعيينه لرئاسة الديوان عندما كان عبد الراق العيسى وزير المالية أو عندما كان فؤاد حسين وزير المالية (2018-2020).

 

9      ناجحة عباس علي، 2019-2020

كانت تشغل موقع مدير عام في هيئة الضرائب.  شغلت موقع معاون مدير عام ديوان التأمين نقلت بعدها إلى الدائرة الاقتصادية في وزارة المالية.  عُينت لرئاسة الديوان عندما كان فؤاد حسين وزير المالية.

 

10     إسراء صالح داؤد، أيلول 2020

مدير عام شركة التأمين الوطنية وكالة (اعتبارًا من 1 كانون الثاني 2020)، كُلفت بتمشية أعمال الديوان إضافة إلى وظيفتها.  كانت قبل ذلك مديرًا لفرع نينوى للشركة.  (لاحظ الازدواجية في إشغال منصبين في نفس الوقت).  عينت لرئاسة الديوان مع تسنم علي علاوي لمنصب وزير المالية سنة 2020.

 

سيلاحظ القراء أن رئاسة الديوان وكالة تناوب عليها عشرة أشخاص خلال خمسة عشر سنة.  كيف يمكن لهذا النهج في إدارة الديوان تطوير أداء الديوان وتعزيز مكانته في قطاع التأمين العراقي وفي حضوره في الحياة العامة؟  تغيير المسؤولين إجراء معروف في العديد من المؤسسات والشركات للحيلولة دون تكلس الوظيفة الإدارية أو قيام فرصة لظهور الفساد، أو تطوير كفاءات إدارية تحمل تجارب عملية متنوعة تسهم في التطوير والابتكار.  ولكن ما الحكمة في سرعة تبديل وزارة المالية لشاغل رئاسة الديوان؟  أهو تحيّز وزير المالية لتنصيب من يرغب به لأسباب شخصية أو سياسية طائفية؟

 

علّقتُ في مقال نقدي كتبته عن شركة إعادة التأمين العراقية على إشكالية إشغال أحمد عبد الجليل الساعدي لعدة مناصب في نفس الوقت كما يلي:

 

أن يحتل شخص واحد أربعة مواقع إدارية يعكس خللاً في النظام السياسي الاقتصادي المحاصصي الذي أنشئ بعد 2003.  إن كان ما كتبه الشابندر صحيحًا كان على أحمد عبد الجليل الساعدي، من رأيي، أن لا يقبل بهذه المناصب، مهما كانت قدراته الإدارية كبيرة، ولسبب بسيط وهو أن الوقت المتوفر له خلال يوم العمل لا يكفيه للاهتمام بشؤون جميع الإدارات التي يقودها.  إضافة إلى ذلك فإن كلاً من هذه الإدارات تتطلب اختصاصاً معرفياً ومهنياً قد لا تتوفر لديه وإن توفرتا فستكونان هزيلة.  إزاء هذا الوضع فإن المتضرر هي الشركات التي يرأسها.[3]

 

ومما له علاقة بموضوع هذه المقالة اقتبس التالي من مقالي المنشور في مجلة التأمين العراقي:

 

وقد استعلمتُ من فؤاد عبد الله عزيز، باعتباره أول رئيس بالوكالة، عن تاريخ إشغاله للموقع وما آل إليه وضعه فأفادني بالتالي في رسالة إلكترونية بتاريخ 29 تشرين الأول 2012:

 

استلمت رئاسة الديوان بالوكالة منذ تأسيسه ولغاية تقاعدي في 31/12/2005.  وقد كتب وزير المالية قبل التقاعد بثلاثة اشهر تقريبا لغرض تثبيتي بما يعني التعاقد لخمسة سنوات أو ثلاثة وفق القانون ولم يصل رد بالموافقة او الرفض لحين مغادرتي الوظيفة.

 

كما تعلم فاني عملت في الوطنية منذ 14/9/1966 وقد اصبحت مديرها العام بداية عام 1992 وفي 18/11/1996 نقلت الى وزارة المالية كمدير عام فيها بعدها نقلت الى مدير عام المركز التدريبي المالي والمحاسبي ثم الى مدير عام شركة اعادة التامين العراقية منذ عام 1998.  نقلت بعد التغيير، عند استيزار عادل عبد المهدي للمالية، الى مستشار فني للوزير وبقائي مشرفا على الاعادة العراقية وعند تأسيس الديوان عينت رئيسا له بالوكالة ثم وكيلا لوزارة المالية عندما اصبح علي عبد الامير علاوي وزيرا للمالية وعندها تركت ادارة الاعادة العراقية لتعارض ذلك مع رئاستي للديوان.  (التأكيد من عندي)

 

هناك نقطتان مهمتان في إفادة فؤاد عبد الله عزيز.  الأول، هو مشروع تثبيته رئيسًا أصيلًا للديوان بعقد عندما كان عادل عبد المهدي وزيرًا للمالية.  الثاني، تصرّفه المهني السليم بتركه لإدارة شركة إعادة التأمين العراقية لقناعته بتعارض الجمع بين أدارتين.

 

(3)

 

لدينا حالتان لتضارب المصالح يتمثلان بإشغال مدير عام شركة التأمين الوطنية لرئاسة ديوان التأمين: صادق عبد الرحمن الخالدي وإسراء صالح داؤد.

 

في حالة صادق عبد الرحمن الخالدي نشأ تضارب حقيقي فيما يخص تبنّيه مشروع دمج شركة التأمين العراقية بشركة التأمين الوطنية فقد كان الخالدي وقتها (2016) مديرًا عامًا لشركة التأمين الوطنية (وقبلها مديرًا عامًا لشركة التأمين العراقية) ورئيسًا لديوان التأمين وكالة.  وقد كان المشروع مشوبًا بفقر الالتزام بالقواعد الإجرائية الصحيحة[4] إضافة إلى التضارب بين ممارسة صلاحيات رئيس الديوان وإدارة شركة تأمين عامة من قبل نفس الشخص.

 

في حالة إسراء صالح داؤد لم يظهر حتى الآن، حسب علمي، ما يؤشر على قيام تضارب في ممارسة الصلاحيات ولو أن التضارب قائم بالقوة.  ما وصلني من معلومات تفيد أن داؤد تدرك وضعها الحالي الذي ينطوي على تضارب في المصالح، ويبدو أنها تمارس صلاحيتها في رئاسة الديوان بحيادية كون الديوان مُشرفًا على شركات التأمين كافة.  مع ذلك ليس هناك معلومات عن تطبيقها للأدوات المستخدمة في الرقابة regulation على شركات التأمين.  ويرد ببالنا تطبيق الأدوات التالية:

 

-الرقابة على الأسعار (أقساط التأمين) لضمان تحقيق محفظة آمنة لمقابلة مطالبات التعويض دون تعريض الملاءة المالية للشركة إلى خطر الإعسار.

 

-الرقابة على المُنتج التأميني (صياغة وثيقة التأمين لتكون مختلفة عن وثيقة تأمين شركة منافسة، وهي ما تلجأ إليه شركات التأمين في حال عدم قدرتها على التنافس على الأسعار)

 

-الرقابة على الاستثمار الرأسمالي (التأكد أن الاستثمارات لا تؤثر سلبًا على ملاءة شركة التأمين، فبعض الاستثمارات ذات الربحية العالية قد تنطوي على أخطار وتتدخل الرقابة لضبطها، ومن هنا منشأ التأكيد على الاستثمارات الآمنة كالسندات الحكومية)

 

ترى هل أن ديوان التأمين يُطبّق هذه الأدوات في ممارسة رقابته على شركة التأمين الوطنية وشركات التأمين الأخرى؟

 

(4)

 

من باب التبسيط، ينشأ تضارب المصالح conflict of interest عندما يكون للشخص، الطبيعي أو المعنوي، علاقتان/موقعان تتنافسان مع بعضهما البعض على ولاء الشخص تؤثر على تصرفه أو حكمه أو قراراته.  ولذلك تلجأ الهيئات الرقابية إلى وضع القواعد لتجنب التعارض والحيلولة دون وقوعها لدى الشركات التي تقوم بالرقابة على نشاطها. على سبيل المثل، فإن هيئة الرقابة على القطاع المالي، ومنه التأمين، في بريطانيا تفرد فصلًا كاملًا من كتاب قواعد الرقابة لهذا الموضوع.  كما أن شركات التأمين في أسواق التأمين المتقدمة لها قواعدها التنظيمية لتشخيص حالات تضارب المصالح وسبل التعامل معها.[5]

 

هناك مشكلة قد تنشأ من جمع الشخص بين موقعين توصف بالإنجليزية بالـ regulatory capture، ويمكن ترجمته بالانحياز أو الولاء المعاكس أو الاستيلاء التنظيمي.  ويعني هذا خضوع هيئة الإشراف والرقابة (ديوان التأمين) لتأثير أو هيمنة الجهة التي تخضع لرقابتها (شركة التأمين الوطنية).  وهذا احتمال قائم رغم أننا لم نرصد من تصرفات تشير إليه.

 

هذا الانحياز التنظيمي الذي ينشأ من تضارب المصالح غائب في قرارات وزارة المالية عند تعيينها لشخص واحد لإشغال موقعين في نفس الوقت.  ويستغرب البعض غياب المعرفة بموضوع التضارب لدى وزير المالية الحالي على علاوي خاصة وأنه مُطّلع على إدارة المؤسسات في العالم الغربي حيث تلقى معظم تعليمه الجامعي.

 

إن هيئات الإشراف والرقابة على النشاط التنظيمي في الاتحاد الأوروبي، على سبيل المثل، تهتم بموضوع تضارب المصالح وتضع الضوابط لمنع قيامه.  فقد أصدرت الهيئة الأوروبية للتأمين والمعاشات المهنية European Insurance and Occupational Pensions Authority (EIOPA) مجموعة من المعايير لضمان استقلالية هيئات الإشراف تحت عنوان معايير استقلال السلطات الإشرافية[6] Criteria For The Independence Of Supervisory Authorities.

 

وقد تناولت الهيئة الموضوع تحت العنوان الفرعي "تضارب المصالح"، ص 13-14.  ومما جاء في معايير الهيئة أن السلطة الإشرافية يجب أن تلزم الموظفين وأعضاء مجلس إدارتها بالإبلاغ عن تضارب المصالح.  كما يجب على موظفي وأعضاء الهيئة الإدارية للسلطة الإشرافية النأي بأنفسهم من القرارات التي يكون لديهم فيها تضارب في المصالح.

 

نأمل أن يثير هذا المقال اهتمامًا لعله يؤدي إلى تصحيح خطأ تعيين نفس الشخص لإدارة كيانين يوفر فرصة قيام التضارب في المصالح.

 

 5 أيلول 2021


نشرت في موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين

 

 

[1] مصباح كمال، "’استقلالية‘ ديوان التأمين العراقي ورئاسته،" مجلة التأمين العراقي:

http://misbahkamal.blogspot.com/2012/12/on-independence-of-diwan-and-its.html

[2] سأكون شاكرًا لمن ينبهني إلى أي خطأ في المعلومات المدرجة هنا.

[3] مصباح كمال، "عزت الشابندر يتهم مدراء شركة التأمين الوطنية ورئيس ديوان التأمين بالفساد،" موقع شبكة الاقتصاديين العراقي:

http://iraqieconomists.net/ar/wp-content/uploads/sites/2/2019/07/عزت-الشابندر-يتهم-ديوان-التأمين-وشركة-التأمين-الوطنية-بالفساد-1.pdf

 

[4] مصباح كمال، "مشروع دمج شركات التأمين العامة،" موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين

http://iraqieconomists.net/ar/2016/02/21/%d9%85%d8%b5%d8%a8%d8%a7%d8%ad-%d9%83%d9%85%d8%a7%d9%84-%d9%85%d8%b4%d8%b1%d9%88%d8%b9-%d8%af%d9%85%d8%ac-%d8%b4%d8%b1%d9%83%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%a3%d9%85%d9%8a%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%b9/

 

مصباح كمال، "عودة إلى مشروع دمج شركات التأمين العامة،" موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين:

http://iraqieconomists.net/ar/2016/11/19/%d9%85%d8%b5%d8%a8%d8%a7%d8%ad-%d9%83%d9%85%d8%a7%d9%84-%d8%b9%d9%88%d8%af%d8%a9-%d8%a5%d9%84%d9%89-%d9%85%d8%b4%d8%b1%d9%88%d8%b9-%d8%af%d9%85%d8%ac-%d8%b4%d8%b1%d9%83%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84/

 

[5] على سبيل المثل: https://www.zurich.co.uk/en/services/uk-conflict-of-interest-policy-summary

 

[6] European Insurance and Occupational Pensions Authority, Criteria For The Independence Of Supervisory Authorities. Luxembourg: Publications Office of the European Union, 2021.

https://www.eiopa.europa.eu/sites/default/files/publications/reports/eiopa-bos-21-167-independence-criteria.pdf

 

 

تعليقات