بدايات أول شركة تأمين بحرينية - بقلم / مهدي عبدالله

من الكتب القيمة التي صدرت في السنوات الأخيرة كتاب (تاريخ التأمين في البحرين) الذي أصدرته جمعية التأمين البحرينية في عام 2014 وقام بإعداده الأستاذ علي قاسم ربيعة، وهو شخصية معروفة لها سجل حافل في العمل الوطني، إذ كان أحد أعضاء المجلس الوطني (البرلمان) لعام 1973 علاوة على خبرته الطويلة التي تزيد على 42 عاما في حقل التأمين، إذ شغل مناصب عديدة من بينها مدير عام صندوق التعويضات التعاوني لحوالي 20 سنة متواصلة.


 وتكمن أهمية الكتاب في كونه الأول من نوعه الذي يتناول تاريخ وتطور صناعة التأمين في البحرين، وهو يتألف من 8 أقسام، يبدأ القسم الأول بالحديث عن البدايات الأولى لصناعة التأمين والقوانين والمراسيم التي صدرت في تلك الحقبة والكيفية التي تم فيها تأسيس صندوق التعويضات التعاوني، أما القسم الثاني فيتحدث عن سوق التأمين في الستينات، والقسم الثالث عن هذا السوق في مطلع التسعينات وكيف تأسست شركات التأمين الوطنية، والقسم الرابع يتطرق إلى المرسوم بقانون رقم 3 لعام 1987 وما ترتب عليه من آثار سلبية وخسائر مادية كبيرة، أما القسم الخامس فكان حول شركات التأمين الإسلامية، وفي القسم السادس تم معالجة مسألة حل صندوق التأمين على المركبات، والقسم السابع اختص بالحديث عن الهيكل الحالي لسوق التأمين، والقسم الثامن والأخير فكان عنوانه واقع ومستقبل سوق التأمين في البحرين
ويسرنا في السطور الآتية أن نقتبس بتصرف واختصار بعضا مما جاء في الكتاب حول قصة تأسيس صندوق التعويضات التعاوني، وهو أول شركة تأمين وطنية في البحرين.
يقال إن شركة نورثرن للتأمين التابعة لشركة الهند الشرقية (كري ماكنزي) هي أول من دخل سوق التأمين في البحرين وكان ذلك قبل عام 1948، تلتها مباشرة وكالة شركة اتحاد نورويج للتأمين التي تم افتتاحها في عام 1950. وعلى إثر صدور الإعلان رقم 29/‏1374 في 31 يناير عام 1955 المتعلق بالترتيبات الخاصة بحماية الأشخاص الذين قتلوا أو أصيبوا بسبب استعمال السيارات، وإلزام مالكي السيارات بالتأمين على موت أو إصابة الأشخاص، أصبح التأمين ضد الطرف الثالث إلزاميا كما تم لأول مرة ربط التأمين بفحص السيارة وتسجيلها. وفيما يتعلق بسوق التأمين فقد ظلت الشركات الأجنبية تحتكر سوق التأمين على السيارات من حيث فرض الشروط وتحديد أسعار التأمين، وجاء رد فعل شركة التأمين الأفريقية على صدور الإعلان بتنفيذ مرسوم التأمين على الغير للمركبات الميكانيكية بتاريخ 4 سبتمبر 1954 أن رفعت سعر التأمين 5 أضعاف الأمر الذي دفع السواق إلى رفض القانون واعتباره ذريعة من أجل دعم الشركات الأجنبية التي تحتكر العمل التأميني. فقد قامت الشركة برفع قسط التأمين للطرف الثالث من 50 روبية إلى 250 روبية الأمر الذي أثار امتعاض السواق ودفعهم إلى خلق تجمع وتكوين شركة تأمين باسم صندوق التعويضات التعاوني، لا يتجاوز قسط التأمين لديها 150 روبية سنويا.
والحقيقة أن هناك سببًا آخر للاحتجاج على هذا القانون، هو عدم اقتناع بعض السائقين بأهمية التأمين آنذاك نتيجة لغياب الوعي التأميني وعدم إدراك السائقين ما يوفره التأمين من حماية للمؤمن لهم ضد الأخطار الناجمة من حوادث المركبات، وما يترتب على ذلك من تعويض للمتضررين.
وكان رد فعل أصحاب سيارات الأجرة على قانون التأمين الاجباري وما صاحبه من زيادة هائلة في قسط التأمين هو إعلان الإضراب العام لمدة أسبوع واحد اعتبارا من 25 سبتمبر 1954. ومن حسن حظ المضربين أن هذا الاضراب العام جاء توقيته في أجواء المد القومي والناصري التي امتدت آثاره لتشمل كامل المنطقة العربية، ما هيأ الظرف المناسب لواحد من زعامات الحركة الوطنية وهو الأستاذ عبدالرحمن الباكر لاغتنام فرصة الإضراب ومباشرة الاتصال بالمضربين عارضا عليهم تشكيل جمعية تعاونية للتأمين خاصة بهم. وفي البداية لم توافق الحكومة على طلب تشكيل هذا التجمع التعاوني، ما اضطر الأستاذ الباكر إلى تحريك وساطة الوجيه منصور العريض والوجيه خليل المؤيد، وقد نجحت الوساطة في إقناع أمير البلاد آنذاك الشيخ سلمان ثم موافقة المستشار بلجريف على تأسيس هذ المشروع التعاوني شريطة أن يقوم الصندوق بإيداع 50 ألف روبية باسم الصندوق والحكومة.

في ضوء التطور الإيجابي بموافقة الحكومة على تأسيس مشروع صندوق التعويضات التعاوني، اجتمعت لجنة ممثلي أصحاب السيارات المكونة من السادة يوسف أنجنير وعبدالرسول توراني ومحمد فولاد ومال الله صالح وسيد جواد وعبدالحميد محسن وخليفة النشمي وعبدالله محمد الكوهجي، وذلك في مكتب الحاج يوسف عبدالرحمن فخرو بالمنامة، وتم في هذا الاجتماع المنعقد في 9 أكتوبر 1954 انتخاب أول مجلس إدارة للصندوق برئاسة الحاج خليل المؤيد وأمانة سر عبدالله فخرو وعضوية 12 شخصا من بينهم الحاج منصور العريض، وانتخب عبدالرحمن الباكر سكرتيرًا.
وفيما يتعلق بشرط وديعة الخمسين ألف روبية، بادرت هيئة الصندوق بتشكيل لجنة خاصة للقيام بحملة جمع الاشتراكات من أصحاب السيارات وحاملي رخص السياقة لمدة أسبوع. ولأن ما جمعته اللجنة خلال هذه المدة لم يتجاوز 41 ألف روبية، فقد تطوع الحاج خليل المؤيد بتقديم قرض للصندوق بقيمة 8 آلاف روبية من أجل استكمال رأس المال المطلوب
وقد قام مجلس الإدارة بصياغة القانون الأساسي للصندوق ومناقشته وبعد أن فرغ منه تم إرسال نسخة منه باللغة الإنجليزية إلى المستشار بلجريف طالبًا منه تقديم مقترحاته أو إصدار موافقته عليه. وقد ردّ المستشار طالبًا إدخال بعض التعديلات على القانون. وينص القانون على المبدأ التعاوني وأن الصندوق هو مؤسسة ملك لجميع الأعضاء هيئة عامة، كما ينص على قبول المؤسسة جميع مالكي السيارات وسائقيها الذين سدّدوا اشتراكاتهم السنوية ويعطيها الحق بالتأمين عليهم أو على سياراتهم وحدها حالما يدفعون الأقساط الملائمة. أما البند الرابع من المادة الثانية فينص على إعطاء المؤسسة الحق باستثمار قسم من ماليتها في أي مشروع تعاوني لصالح الأعضاء وفائدتهم شريطة أن يكون تحت يد المؤسسة دائما مبلغ احتياطي معقول يكفي لأن يسد في الحال أي نقص عن الـ50 ألف روبية.
وعلى خلفية استيفاء جميع الشروط ومن ضمنها القانون التأسيسي للصندوق، جاء كتاب مستشار حكومة البحرين المتضمن الموافقة على مزاولة الصندوق أعمال التأمين على السيارات والمركبات.
 لا شك أن قيام هذه المؤسسة الوطنية يعد نقلة نوعية في تاريخ التأمين، ليس على مستوى البحرين فقط وإنما على مستوى الوطن العربي بأكمله، وهذا النجاح يدلل على مدى وعي النخبة البحرينية بالضرورة الموضوعية لوجود الصندوق واحدا من مستلزمات تطور المجتمع البحريني، كما أن التشخيص الصائب للوضع الاجتماعي والاقتصادي يؤكد على سعة اطلاع المؤسسين وانفتاحهم على تجارب الغرب وعلى حصافتهم العلمية التي سبقت تاريخها بعقود من الزمن.
ويمكن أن نلم بكيفية أداء صندوق التعويضات في بدايات تكوينه من خلال الاطلاع على محاضر جلسات مجلس الإدارة، فقد بلغ مجموع السيارات التي التحقت بالعضوية في شهر يناير 1955 479 سيارة، وقد ارتفع العدد في شهر أكتوبر إلى 761 سيارة، وهذه الأرقام تشير إلى أن نسبة الزيادة في مجموع السيارات المؤمن عليها قد بلغت 59% أما نسبة الزيادة في الأموال المودعة لدى البنك فقد ارتفعت بنسبة 28%. هذه النتائج تدل دون أدنى شك على مدى نجاح المؤسسة في احتضان أصحاب السيارات والسائقين من المواطنين
هذا النجاح الكبير دفع مجلس إدارة الصندوق في اجتماعه المنعقد في 17 فبراير 1955 إلى اتخاذ قرار بتعيين الأستاذ عبدالرحمن الباكر مديرًا عامًا للإدارة علاوة على عمله سكرتيرا للمجلس؛ وذلك تقديرًا لجهوده في بناء وإرساء دعائم هذه المؤسسة، وتم تخصيص مكافأة شهرية له تدفع بأثر رجعي اعتبارا من أول فبراير 1955.  
المصدر: كتاب (تاريخ التأمين في البحرين)
إعداد: علي ربيعة.

تعليقات