الإمارات : 5 مرتكزات تعزز قطاع التأمين وتحول الشركات إلى الربحية

تتوق الشركات العاملة في قطاع التأمين في الإمارات إلى جني ثمار السياسات والإجراءات التنظيمية التي فرضتها هيئة التأمين، وخاصّة تلك التي شرعتها خلال العامين الماضي والجاري في إطار ضبط وثائق التأمين بما يضمن تحقيق تنافسية وشفافية عادلة بين جميع الشركات، وبما يخدم العميل ويحقق في النتيجة قطاعاً صلباً قادراً على توفير خدمات بمستوى عالمي رفيع والربحية للمستثمرين على حدٍ سواء
حصاد أول قطاف تلك الإجراءات والنظم التشريعية ظهر من خلال ارتفاع أرباح شركات التأمين ونموها خلال الربع الأول، الأمر الذي من المتوقع أن يتواصل وينعكس إيجاباً على نتائج القطاع في النصف الأول بما يضمن تحقيق الفائدة المرجوة منها في النتائج المالية السنوية لكامل عام 2017.


تتمثل الإجراءات والغرس المثمر الذي تم زرعه من قبل هيئة التأمين بخمسة عوامل ومرتكزات المتوقع أن تسهم في تحقيق النتائج المرجوة، والتي بدأت في نقل قطاع التأمين وشركاته من الخسائر المتراكمة إلى الربحية المأمولة، والتنافس على الجودة والخدمة المثلى للعملاء بما يضمن الحفاظ على أسعار سوقية مقبولة بعيدة عن سياسات حرق الأسعار.
ويرى الخبراء أنه كان لتعيين «الخبير الإكتواري» مع مطلع العام الماضي الدور الأبرز في تعديل الدفة لصالح القطاع بشكل عام والانتقال من مرحلة تميزت بحرق الأسعار إلى تقييمها بأسس فنية سليمة، أما ثاني المرتكزات فتمثل في «الوثيقة الموحدة» التي كانت هيئة التأمين قد أعلنت عنها في النصف الأول من 2016 ليتم العمل بها منذ مطلع العام الجاري، والتي حددت بذلك أسعاراً سوقية بحدين أدنى وأقصى فاتحة المجال أمام الشركات للتنافس فيما بينها على أن تكون الأسعار لا تقل ولا تعلو عن الحدين المقررين
ثالث العوامل يتمثل في بدأ تطبيق التأمين «الصحي الإلزامي» والذي بدأ تطبيقه على المقيمين في دبي، وقد عزز بشكل كبير نمو أرباح شركات التأمين في الربع الأخير من 2016، بالإضافة إلى تحول عدد من الشركات التي كانت على أبواب الخسائر للربحية في الربع الأول من 2017 الأمر المتوقع أن يتواصل في دعم ربحية الشركات في كامل عام 2017.
وتمثل رابع تلك المرتكزات في «سياسات وشروط إعادة التأمين» التي باتت أكثر تشدداً على القطاع والشركات العاملة فيه، حيث عمل على زيادة نسبة التأمين على الأبنية بنسبة 0.5% من قيمة البناء المكسو بالألمنيوم «كلادينغ» و0.25% للبناء الذي يخلو من تلك المادة، فيما تعد «زيادة نسبة تملك الأجانب» في رأسمال الشركات حافزاً قوياً نحو زيادة الاستثمار في القطاع وتحقيقه لأقوى معدلات النمو.
ويعد قطاع التأمين من القطاعات الاقتصادية والتي تجذب العديد من الشركات العالمية لدخول سوق التأمين الإماراتي لآفاقه الواعدة خاصة بعد أن قطعت السوق شوطاً كبيراً في إعادة ترتيب أوضاعها وتنظيمها بشكل أفضل من السابق وفق أنظمة وتشريعات حديثة استناداً إلى أفضل الأنظمة والمعايير الدولية، حيث يتوقع أن تواصل سوق التأمين في الدولة نمواً هذا العام بنسبة لا تقل عن 12% ليصل حجمها إلى حوالي 45 مليار درهم، فيما يتوقع أن يرتفع حجم الاستثمار لدى قطاع التأمين في الدولة بنسبة لا تقل عن 9% ليصل حجم المحفظة الاستثمارية هذا العام إلى 50.14 مليار درهم
نتائج الشركات
أظهرت نتائج شركات التأمين خلال الربع الأول من العام انتعاش القطاع بشكل عام وإعادة ضخ دماء جديدة في أوردة وشرايين استثمارات الشركات التي عانت في السنوات القليلة الماضية من تباطؤ في النمو أو نكاد نقول تراجعات مستمرة في أرباحها وأدائها الكلي، بسبب سياسات حرق الأسعار والمضاربة السعرية التي استخدمتها الشركات في سعي منها لجذب عملاء جدد واكتتاب أقساط أكبر على حساب الخدمة والجودة المقدمة للعميل أو حتى «غض النظر» عن بيع أي وثيقة تأمين لحامليها دون الالتفات لدرجة الخطر التي تمثلها تلك «الوثيقة» لحاملها. وقد ارتفعت أرباح شركات التأمين المدرجة في سوقي دبي وأبوظبي الماليين «28 شركة» 36% لتصل إلى 450 مليونا في الربع الأول الماضي مقارنة مع 331 مليون درهم في الفترة المماثلة 2016، وارتفعت قيمة أقساطها المكتتبة 12% بقيمة 6.6 مليار درهم مقارنة مع 5.9 مليار درهم في الربع الأول 2016.
الملفت في أداء شركات التأمين في الربع الأول تحول شركات التكافلي إلى الربحية في الفترة المذكورة بنمو 137% لتصل قيمة أرباحها إلى 30 مليونا مقارنة مع الخسائر التي تكبدتها في الفترة المماثلة 2016 والتي بلغت فيها 80 مليون درهم، واكتتبت أقساطا بقيمة 860 مليون درهم مقارنة مع 790 مليونا في الفترة المماثلة 2016 وبارتفاع 9%.
وفيما يتعلق بشركات التأمين التي تقدم «الباقة الصحية الأساسية» لإمارة دبي، فقد ارتفعت أرباحها 31% لتصل أرباحها إلى 258 مليون درهم مقارنة مع 197 مليون درهم وبنمو 31%، كما ارتفعت قيمة أقساطها المكتتبة 11% لتصل إلى 3.9 مليار درهم مقارنة مع 3.5 مليار درهم في الفترة المماثلة من 2016. كل تلك المؤشرات والبيانات القوية تبشر بأداء مالي مبشر لشركات التأمين خلال النصف الأول الماضي «الربع الثاني» على اعتبار أن صناعة التأمين في الدولة ينتظرها المزيد من فرص النمو الواعدة وطرقها لأبواب أوسع من شأنها أن تعزز من أرباح الشركات خلال السنة المالية 2017، وهذا ما سيعزز من قيمة قطاع التأمين كأحد أهم المساهمين في الناتج المحلي للدولة.
التحول للربحية
تحول قطاع التأمين خلال فترة قصيرة إلى الربحية على هذا النحو ومحط ثقة المستثمرين والمساهمين على حد سواء، خاصة بعد الأداء القوي الذي شهدته حركة أسهم واستثمارات شركات التأمين في الربع الأخير 2016 والربع الأول 2017، يعود بطبيعة الحال للدور الذي لعبته هيئة التأمين في تعزيز تنافسية قطاع التأمين والوصول به إلى أرقى درجات التنافسية محليا وإقليميا وعالميا.
الحلول العلاجية التي اتبعتها «هيئة التأمين» للمحافظة على صناعة التأمين في الدولة من المزيد من المخاطر والخسائر والوقوع في شرك المضاربة السعرية وحرق الأسعار بين الشركات، بدأت بإصدار اللوائح والتشريعات التي تهدف إلى تعزيز قطاع التأمين وتطوير أسس تنظيمه في الدولة، حيث ساهمت في إعادة ترتيبه وتنظيمه من مختلف النواحي لا سيما على صعيد الأداء الفني والمالي السليم والشفافية في التعامل
الخبراء الاكتواريون

واشتملت الحلول والإجراءات التنظيمية على العديد من التشريعات المتطورة منها المتعلقة بالإجراءات والتعليمات المالية والاستثمارية الخاصة بأعمال التأمين التي تهدف إلى المحافظة على احتياطيات فنية مناسبة وملاءة مالية للشركات، كذلك التشريعات الخاصة بقواعد الاستثمار وأموال شركات التأمين وإعادة تنظيم الوثائق من خلال إصدار الوثيقة الموحدة للمركبات كما وتم تفعيل دور «الخبير الاكتواري»، حيث لم يعد خافيا على أحد، أن معظم الشركات خلال الفترة الماضية عانت من خسائر كبيرة أدت في بعض الأحيان إلى رقم سلبي لحقوق المساهمين في بعض الشركات، حيث يعمل الخبراء الاكتواريون على احتساب الأسعار الفنية التي تضمن الربحية المعقولة والمتوازنة لكل شركة ولكل فرع من فروع التأمين والتي من المفترض ان تلتزم بها شركات التأمين، مما يؤدي إلى إعادة التوازن من جديد ووقف عملية حرق الأسعار الذي كانت تعتمدها بعض الشركات مما كان له انعكاسات سلبية لفترة طويلة على نتائج شركات التأمين، وتجلى دوره بأثر إيجابي منذ النصف الأول 2016.
الوثيقة الموحدة

إقرار القانون الخاص بإصدار وثائق التأمين الموحدة على المركبات الجديدة مع مطلع العام الجاري اشتملت على العديد من المنافع الإضافية أحدثت نقلة نوعية في قطاع التأمين على المركبات بشكل عام، ومع صدور الوثيقة الموحدة التي تضمنت هي أيضاً منافع جديدة ومخاطر اكبر توجب ضرورة زيادة الأسعار من جديد على التأمين على المركبات بما يتماشى مع الإضافات المستحدثة بناء على حسابات اكتوارية وفنية مما يسهم في محافظة الشركات على استمراريتها وبالتالي تحقيق أرباح معقولة ضمن الإطار السليم، وهذا ما ساهم في رفع أسعار التأمين على المركبات بنسبة تتراوح بين 20- 40% مقترنا بحسب نوع وموديل المركبة، والمؤهلات التي يمتلكها السائق.
شروط إعادة التأمين
أما مسألة التشدد في شروط إعادة التأمين وخاصّة بالنسبة لتأمين الأبنية ضد الحريق، فهدفه تقليل قيمة حصة شركات التأمين في أية خسائر تترتب على ذلك وأصبحت شركات التأمين المحلية حاليا مطالبة بتحمل حصة أكبر عن ذي قبل من قيمة أي مطالبة ناتجة عن الحرائق التي تصيب البنايات.
أكبر أسواق التأمين العربية
يعد قطاع التأمين الأكبر في المنطقة من حيث حجم الأقساط، ويضم 61 شركة إضافة إلى عدد كبير من شركات وسطاء التأمين، وارتفعت أصول القطاع 10% منذ 2007 ليصل إجمالي أصوله إلى 74 مليار درهم في 2016.
تشير التقارير العالمية حول سوق الإمارات إلى أنه يشهد ريادة إقليمية وبمكانتها العالمية المتقدمة وحلول الإمارات ضمن الأسواق العشرة الأوائل عالمياً على مؤشر نمو في أقساط التأمين، وجاء سوق الإمارات في المرتبة السادسة عالمياً من حيث أقل قدر من المخاطر وفق تقريرٍ أعدته إرنست ويونغ ومؤسسة أكسفورد إيكونوميكس.
وتستحوذ سوق التأمين على 41 % من حجم السوق في المنطقة، كما تعتبر الإمارات الأولى عالمياً في مبادرات تقنين قطاع المعاملات المالية الإسلامية والتأمين التكافلي، ونما إجمالي الأقساط المكتتبة بمعدل سنوي 12 % ليصل حجمها إلى 40 مليار درهم 2016. كما ارتفع نصيب الفرد من أقساط التأمين 146 % ليصل إلى 1185 دولاراً متجاوزاً بذلك المتوسط العالمي البالغ 635 دولاراً.
زيادة تملك الأجانب
يعزز قرار مجلس الوزراء برفع ملكية الأجانب والعرب في رأسمال شركات التأمين، من آفاق نمو القطاع. وكان قد تقرر ألا تقل نسبة ملكية المواطنين ومواطني دول مجلس التعاون في شركات التأمين الوطنية عن 51% من رأس المال، بدلاً من نسبة 75%، وبذلك فتح القرار المجال أمام المستثمرين العرب والأجانب لإمكانية التملك في شركات التأمين الوطنية بحد أقصى 49% من رأس المال. ولم يتم تغيير رأسمال شركات التأمين وإعادة التأمين.
ووافق مجلس الوزراء على تعديل نظام الحد الأدنى للملكية في رأسمال شركات التأمين المؤسسة في الدولة بناء على توصية من الهيئة.
وكانت المادة المعدلة سابقاً تنص على عدم جواز أن يقل رأس المال لشركات التأمين على 100 مليون درهم، وأن يكون رأسمال شركات إعادة التأمين التي تؤسس بحد أدنى 250 مليون درهم، وأن لا تقل نسبة ملكية المستثمرين من مواطني الدولة ومواطني دول مجلس التعاون عن 75% من رأس المال.
وتتوقع «هيئة التأمين» أن تساهم زيادة نسبة تملك الأجانب في رأسمال شركات التأمين في تطوير القطاع وتحقيق زيادة في نسبة مساهمة قطاع التأمين في الناتج المحلي الإجمالي التي تزيد على 2.3%.
الصحي الإلزامي
كان لفرض التأمين الصحي الإلزامي كشرط أساسي للحصول على حق الإقامة في دبي، عاملا رئيسيا في تحسين عوائد الأرباح والاستثمار في شركات التأمين، ومع البدء في تطبيق الغرامات المالية على المخالفين مع مطلع أبريل/‏ نيسان الماضي، ارتفعت عوائد شركات التأمين بشكل كبير في فترة زمنية قياسية جدا لا تتعدى شهرين فقط، وهذا عزز من ضخ المزيد من السيولة النقدية والتدفقات المالية بين الشركات والسوق المحلي، الأمر الذي ساهم بشكل كبير في إحداث تغييرات جذرية على أرباح الشركات في نهاية السنة المالية المنتهية 2016 والربع الأول 2017 وحتى في النصف الأول 2017.
ووسط دعوات لتعميم مسألة التأمين الصحي الإلزامي لتطال جميع المقيمين في الإمارات، ومن شأن التوسع بتقديم باقة التأمين الصحي الإلزامي فتح المجال واسعا أمام جميع شركات التأمين للدخول في باب المنافسة لتقديم هذه الخدمة للمقيمين.

تقرير : فاروق فياض
الخليج

تعليقات