قبل ان نندم على نظام التأمين الصحي - محمد اليحيى

يبدو أننا في السعودية على وشك تطبيق نظام التأمين الصحي على الموظفين الحكوميين، وهو - على ما يبدو - اختياري حالياً وليس إجبارياً (وهذا أفضل).
ولكن قبل أن نتجه لتطبيق التأمين الصحي أو الطبي، من المهم التعرف على تجربة غيرنا من الدول في هذا المجال، على سبيل المثال تطبيق نظام «أوباما كير» في أميركا.
يلزم نظام «أوباما كير» شركات التأمين باستقبال كل الحالات، بما فيها من تعاني من أمراض سابقة، فنظام «أوباما كير» يشبه من لا يؤمّن على سيارته إلا بعد وقوع الحادثة!
أيضاً يلزم هذا النظام كل المواطنين بالتأمين الطبي حتى الشباب صغار السن الذين لا يريدون التأمين الطبي، ومن لا يؤمّن يدفع غرامة كبيرة توضع في صندوق، ووعدت الحكومة شركات التأمين أنها ستخصص هذا الصندوق ليكون تعويضاً لشركات التأمين التي تخسر، وهذا ما لم يحدث.


ساهم نظام «أوباما كير» خلال السنوات الثلاث الماضية في إفلاس العديد من شركات التأمين وخسارة شركات أخرى ولم يسعف الشركات ذلك الصندوق لأنها لم تغطِ مقدار تلك الخسائر. وبالتالي رفعت شركات التأمين التي لم تفلس أسعارها من ٣ إلى ٤، وربما ٥ أضعاف في بعض الولايات، تفادياً للخسارة، وأصبحت بعض العيادات والمستشفيات لا تقبل منسوبي «أوباما كير» بسبب نوعية وكثرة المراجعين والمرضى، إذ لا طاقة للمستشفى أو العيادة في استقبالهم في مقابل المبلغ الضئيل (المخفض) الذي يجنونه من شركات التأمين وتأخر السداد، فرأت كثير من المستشفيات رفض التعامل مع منسوبي النظام الجديد، لأنهم لم يجدوا جدوى اقتصادية في التعامل مع تلك الشريحة، ولم يصبحوا عملاء مستهدفين لهم النتيجة.
فشل نظام «أوباما كير» فشلاً ذريعاً، والإدارة الحالية الأميركية تسعى إلى إلغائه أو تعديله. في سنغافورة تم تطبيق نظام صحي جدير بالاهتمام، وفي رأيي هو أفضل بكثير من إلزام شركات التأمين باستقبال تأمين كل المواطنين مع وجود حالات مرضية، وهو استقطاع مبلغ شهرياً من الموظفين يصل إلى ٣٠ في المئة، ليصبح لدى الموظف مبلغ يساوي تقريباً قيمة التأمين الطبي، والذي ستدفعه عنه شركته أو القطاع الحكومي الذي يعمل لديه، وتقوم مؤسسته بخصم الرسوم من راتبه شهرياً.
فالمؤسسة الحكومية أو الخاصة هي من سيدفع لشركة التأمين وليس الموظف، لأن المؤسسة أقدر على الحصول على سعر أفضل لمجموعة من الموظفين أكثر من قدرة فرد واحد يذهب إلى شركة التأمين. ويمكّن المؤسسات الحكومية والخاصة مثلاً من إعطاء مزايا للموظفين المميزين، كإعطاء خصومات أو رفع مميزات التأمين للموظف، وبالتالي شركات التأمين ستتعامل مع مؤسسات بدلاً من التعامل مع أفراد، والموظفون سيقومون بالتوفير والادخار من أجل تأمين قيمة التأمين الطبي، والمستشفيات لن تخسر في التعامل مع مرضى التأمين الطبي، لأن كل مريض دفع رسوم التأمين كاملة، حتى أولئك الذين لديهم حالات مرضية سابقة.
أتمنى أن ينظر المسؤولون لهذه التجربة قبل فوات الأوان، لأن اكتشاف مثل هذا النوع من الأخطاء قد يكون مكلفاً ومؤلماً لاقتصاد البلد بشكل عام، وعندها قد يكون طريق العودة أكثر صعوبة.

محمد اليحيى - اقتصادي سعودي.
المصدر : صحيفة الحياة

تعليقات