التطبيقات المعاصرة لإدارة مخاطر الاستثمار في شركات التأمين الإسلامية - د . محمد فوزي

أصبحت المؤسسات المالية الإسلامية واقعا عالميا، تزاول نشاطها وفق أحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية وتعتبر صورة حية من صور التعاون والتضامن بين أفراد المجتمع الذين تربطهم علاقة التكافل الاجتماعي، فصناعة التأمين (إسلامي – تجاري) إحدى الوسائل الحديثة والهامة في منظومة القطاع الاقتصادي والمالي بالإضافة لدوره المتعاظم في تطور القطاعات الزراعية والصناعية والتجارية والاجتماعية وسائر الأنشطة الاقتصادية في حياة المجتمع، بل أصبحت صناعة التأمين التكافلية تضاهي أكبر الصناعات الاستثمارية في العقد الأخير..


وفي ضوء الأهمية الجوهرية الاقتصادية والاجتماعية لصناعة التأمين التكافلي على المستويين (محلي – دولي) بصفة عامة والمستوى الإسلامية بصفة خاصة، فإن هذه الشركات تحتاج إلى وجود نظام فعال يمكنها من التنبؤ بالأخطار ومواجهتها وترشيد آثارها عند تحققها ولا يتم ذلك إلا من خلال هياكل سليمة للممارسة العملية من الإدارة في مجالات (التخطيط والاستثمار والمخاطر والجودة والحوكمة)، لأنشطتها وتقديم خدماتها وحتى لا تتسبب فيما بعد بتحقيق أزمات أو صعوبات ناتجة عن ضعف أنظمة الرقابة في عمل هذه المنظومات المالية والكيانات الاقتصادية العظيمة في صناعة التأمين التكافلي التي تواجه العديد من صعوبات أو مخاطر أثناء أداء أنشطتها وخدماتها، ولعل أهم هذه المخاطر عدم قدرتها على الوفاء بالتزاماتها تجاه دائنيها مما يعني ضعف قدرتها التنافسية الأمر الذي يتطلب اتخاذ التدابير والإجراءات الملائمة لإدارة وضبط هذه المخاطر، وفق أفضل الممارسات (المحلية - الدولية)..
وبغرض تفعيل أداء وكفاءة شركات التأمين التكافلي قامت العديد من الهيئات المالية والاقتصادية الإسلامية المهتمة بصناعة التأمين الإسلامي بإصدار العديد من المعايير الشرعية والمالية التي تسعى لنشر دعائم الشفافية والإفصاح في المؤسسات الإسلامية وترسيخ معان جديدة ظهرت في الأسواق العالمية مثل (الجودة – المخاطر – الحوكمة – الالتزام – الرقابة بأنواعها)..
والتقرير يشمل تطبيقات ومبادئ ضبط وإدارة الاستثمار في تفعيل أداء وكفاءة صناعة التأمين التكافلي وفق محاور رئيسية:
أولا: صور الاستثمار في شركات التأمين التكافلي
تأسيس شركات التأمين التكافلية وجه من وجوه الاستثمار المهمة وهي أداة من أدوات التنمية الاقتصادية، فهي تمثل وتسهم في التنمية الاقتصادية بتقديم التمويل اللازم للمشاريع لاستثمار السيولة المتوفرة من الأقساط التأمينية وكذلك توفير الأمن والأمان للمشاريع الاقتصادية بتعويضها عند تحقق المخاطر، إضافة لتوفير فرص تشغيلية لعدد كبير من العاملين مما يسهم في محاربة البطالة وتعتبر فرصا استثمارية لمؤسسي وملاك الشركات، حيث إنهم يستفيدون مما تأخذه هذه الشركات من أجر من المؤمنين.. وذلك في حالة الوكالة بأجر أو في حالة القيام بأعمال المضاربة الشرعية سواء برأس مالها أو بأموال المؤمنين ويمثل فائض الأقساط التأمينية ما تفيض مبالغ معينة تمثل الفارق بين الإيرادات المتأتية من الأقساط التأمينية التي يدفعها المؤمنون والمصاريف الممثلة بالتعويضات التي يدفعها الصندوق إلى المتضررين والمصاريف الإدارية التي تدفع لإدارة العملية التأمينية واستثمار هذه الأقساط في نشاطات مالية واقتصادية وتنموية أخرى.
ثانيا: مفهوم إدارة ترشيد مخاطر الاستثمار
تمثل كافة الإجراءات التي تقوم بها الإدارة التنفيذية للحد من الآثار السلبية الناتجة عن المخاطر وإبقائها في حدودها المنخفضة فهذه الإجراءات تستوجب وجود إدارة مستقلة للمخاطر في المؤسسة التأمينية تقوم بمجموعة من المهام من شأنها الحد من الآثار السلبية الناتجة عن المخاطر أو خفضها تشمل الوقوف على أية مخاطر ممكنة أو محتملة والاطمئنان أنها ضمن الحدود المقبولة والتي يمكن التصرف تجاهها بنجاح والتوصل أيضاً إلى أنسب الوسائل للسيطرة على المخاطر وتقليل تكلفة التعامل معها إضافة للتأكد من كفاية الموارد في حالة وقوع هذه المخاطر وترتب الخسارة والقدرة على أداء جميع التزاماتها على أسس منهجية علمية وعملية وشرعية.
ثالثا: مجموعات المخاطر التي تتعرض لها شركات التأمين التكافلي
ترتبط المخاطر عامة بالمؤسسات المالية والاقتصادية إلى ثلاثة أمور تمثل (الربحية والسيولة والأمان)، وحيث إن التأمين التكافلي ليس معاوضة مالية يستهدف العائد فإن جانبي الأمان والسيولة إضافة إلى عنصر التوافق مع مبادئ وأحكام الشريعة الإسلامية هما عناصر إدارة المخاطر ومن مجموعات الحالات التي تتعرض لها شركات التأمين التكافلية لمستويات المخاطر:
(المجموعة الأولى):
تمثل العجز في صندوق المشتركين عند سداد التعويضات مقابل الخسائر، وتتمثل في حالة السيولة والملاءة المالية لصناديق التأمين بشركات التأمين الإسلامية عندما تكون حجم التبرعات والاشتراكات المالية لها المقدرة على تغطية التعويضات المطلوب سدادها، وتكون معدلات السيولة المتوفرة ورأسمال الصندوق كبيرة وإذا كانت هذه الأصول والموجودات لا تغطي قيمة المطلوبات وأن السبيل لتوفيرها بدون أعباء أو تكاليف إضافية هو القرض الحسن بدون فوائد أو غرامات وإلا ستواجه هذه الصناديق مخاطر السيولة والملاءة المالية في حال عدم قدرتها على دفع التعويضات المطلوبة لتغطية الخسائر وستظهر معه أنواع من المخاطر الأخرى مثل مخاطر السمعة التجارية والمنافسة السوقية والتصفية لأنها تعتبر المسؤولة عن هذه الصناديق وإكمالها لتغطيته في حالة العجز وإلا سيعرضها للخسائر والإفلاس خاصة أن هذه الشركات تعمل في بيئة قانونية ونظامية لا تسمح لها بتلقي أي مساعدات في حالة العجز لاسمح اللـه.
(المجموعة الثانية):
تمثل الأخطار الناتجة عن الاختلافات الفقهية في أقساط المشتركين المتبرع بها، فالاختلاف في وصف الطبيعة أو العلاقة العقدية للتبرع تنطبق على اشتراكات التأمين الإسلامي في تحديد ملكية موجودات الصناديق كذلك المسؤولية عن الملاءة المالية لهذه الصناديق وهذا هو جوهر الضمان وتحمل تبعية الهلاك عند حدوث الخسائر وسداد التعويضات، فإدارة مخاطر أقساط التأمين تدخل ضمن عمل المضارب ولا يستحق عليها إضافيا بخلاف ما يحصل عليه كنسبة شائعة من أرباح المضاربة لأقساط التأمين مع الاشتراك في تحمل المسؤولية عند الحوادث.
(المجموعة الثالثة):
تشمل المخالفات الشرعية في عدم التزام الشركة بأحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية عند تنفيذها لأنشطتها من قبل المكلفين بالرقابة أو إدارة أو موظفي الشركة ويمكن تقسيم المخالفات الشرعية إلى أنواع متعددة مثل إجراءات غير موافق عليها من هيئة الرقابة الشرعية أو مستندات وثائق التأمين واتفاقيات الإعادة، بالإضافة لحالة عدم اكتمال البيانات والمعلومات بشأن الخطر محل التأمين لمسألة علاقة المؤسسين والأفراد المشتركين من جهة وعلاقة شركة التأمين الإسلامية مع صندوق إدارة مخاطر محافظ التأمين التعاوني سيؤدي إلى تعدد في النماذج المطبقة في شركات التأمين الإسلامية التي تؤدي إلى مخالفات لا تتوافق مع مبادئ الشريعة الإسلامية مثل الغرر في الخدمات التأمينية المقدمة وهو بالتالي ينعكس على مخاطر جديدة مثل مخاطر المنافسة والسمعة التجارية، والتأثير على مستوى الطلب في سوق صناعة التأمين الإسلامي ويضر بالهدف الأساسي الذي قامت من أجله فكرة التأمين التعاوني الإسلامي ويبث الشكوك في نجاحه.
رابعا: ضوابط إدارة الاستثمار في شركات التأمين التكافلي
يقدم التأمين التكافلي دورا مهما في المجتمعات الحديثة، فبالإضافة إلى الحماية الاقتصادية التي يوفرها لكثير من المشروعات فهو يساهم في تجميع المدخرات اللازمة لتمويل خطط التنمية في المجتمعات النامية وللاستثمار في أوعية اقتصادية ومؤسسات مالية التي توجهت لممارسة أنشطتها وفقا لمتطلبات الفكر الإسلامي، فأصبحت واقعا ملموسا تزاول أنشطتها وخدماتها وفقا لأحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية وتعتبر صورة حية عن التعاون والتضامن بين الأفراد الذين تربطهم علاقة التكافل الاجتماعي لذلك بدا الاهتمام بإنشاء شركات التأمين التكافلي باعتبارها مقومات النظام الاجتماعي والاقتصادي والمالي خاصة بعد عجز النظم التقليدية المعاصرة عن تحقيق عنصر التكافل واتجاهها لتحقيق مصالحها وتعظيم أرباحها كوسيلة للتجارة وليس للتكافل.. ومن هذه الضوابط:
§ الاستثمار في وجوه مشروعة فلا تستثمر في محرمات أو المضاربات غير الشرعية أو المساهمة في الشركات غير المشروعة أو المؤسسات الربوية.
§ الالتزام بالأحكام الشرعية بعيدا عن الربا والغرر والمقامرة مع الالتزام بمبادئ الشريعة الإسلامية.
§ توافر هيئة رقابة وتدقيق شرعي تدقق أعمالها للتأكد من دائرة المشروعية.
§ الحرص على الجانب الأساسي في عملها وهو التكافلي التعاوني حيث إن المقصد الأساسي لإنشائها ليس الربحية ودرجاتها وأساليب تحقيقها بل الآداب الإسلامية في التعامل وتحقيق التنمية الاقتصادية والتعاون والتكافل من أولى أهدافها.
§ استخدام الأساليب والأدوات الحديثة في تدريب وتطوير الموظفين ذوي المهارات المهنية العالية الملمة بالعلوم الشرعية والمالية الاقتصادية والأخلاق الإسلامية مع الالتزام بالمبادئ الأساسية للتأمين التكافلية.
خامسا: مخاطر الاستثمار في صناعة التأمين التكافلي
هناك مخاطر عديدة تواجه الاستثمار في صناعة التأمين التكافلي مما يعيق هذا المجال ومن هذه المخاطر تتمثل الكوارث المفاجئة كالحرائق والعواصف التي تحدث دمارا في المنشآت والممتلكات مما لا تستطيع معه شركات التأمين التكافلية أن تواجهه منفردة بعيدا عن إعادة التأمين مع الشركات الكبرى، وهذه الشركات لا تلتزم بأحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية في أنشطتها وأعمالها بالإضافة لمخاطر الاحتيال على شركات التأمين من المؤمنين بأساليب وطرق مختلفة كالحوادث المدبرة مثلا أو ضعف خبرات العاملين غير المؤهلين والمدربين على تقديم رسالة شركات التأمين التكافلية إضافة لمخاطر عدم الالتزام الشرعي وهي المخاطر المترتبة نتيجة عدم التزام المؤسسة المالية بالضوابط والأحكام الشرعية والتي تعد من المخاطر الجوهرية التي تؤدي إلى وقوع المؤسسة التأمينية لمخالفات شرعية ممحقة للبركة وتضر بسمعة المؤسسة التي تجذب العملاء إضافة لحصول المؤسسة على أرباح غير شرعية والتي يجب إنفاقها في وجوه البر ودعم هيئة الرقابة الشرعية للمؤسسة المالية وهو أساس العمل التكافلي لشركات التأمين الإسلامية.
سادسا: التطبيقات المعاصرة لترشيد وإدارة مخاطر الاستثمار في صناعة التأمين التكافلي
تقوم هيئات الرقابة والتدقيق الشرعي في ترشيد المخاطر التي تتعرض لها شركات التأمين الإسلامية من خلال وحدة التدقيق الشرعي، وذلك لأن مسؤوليات التدقيق الشرعي ليست في مرحلة المراجعة الشرعية اللاحقة فقط وإنما يجب أن تكون متداخلة في ثلاث مراحل من السيطرة على ترشيد إدارة المخاطر وتشمل هذه التطبيقات:
(مرحلة تحديد المخاطر):
الأصل أن الإدارة العليا ممثلة لجنة المخاطر هي الجهة المسؤولة من تحديد نوع المخاطر ومستواها المقبول بالنسبة للمؤسسة التأمينية، فعلى سبيل المثال تحدد لجنة المخاطر لفئة العملاء التي يجوز تغطيتها ونوع ووسائل الضمانات التي يجب أن يوفرها العميل وفي مرحلة لاحقة يتم عكس نوع المخاطر ومستواها في السياسات المنظمة للعمل التأميني تم ترجمة تلك السياسات في تطوير منتجات تفي باحتياجات العملاء كل ذلك في الإجراءات الخاصة بكل منتج وإدارة، حيث إن لكل منتج وإدارة في المؤسسة دور محدد وإجراءات محددة في منظومة تسعير المنتج، وذلك لأن هناك علاقة وطيدة بين المخاطر المقبول من قبل المؤسسة والعائد على رأس المال أن دور الرقابة الشرعية الفعال يكون متداخلا في جميع المراحل السابقة من خلال إبراز المخاطر التي تترتب على كل خيار من الخيارات التي ترتضيها الإدارة مما جرى الموافقة عليه من قبل الرقابة الشرعية وهذه المسائل يمكن تطبيقها على سائر المنتجات بحيث يكون للمراقب الشرعي دور رئيسي في تحديد المخاطر المصاحبة للعمل المؤسساتي الإسلامي.
(مرحلة تقييم المخاطر):
تتعدى مسؤولية مسؤول الالتزام الشرعي والرقابة للإسهام في تقييم المخاطر وذلك من خلال توضيح المآلات الشرعية لقرارات هيئة الرقابة الشرعية، فعملية تقييم المخاطر تستنتج على أساس تحديد ما إذا كانت المخاطر المعينة هي مخاطر عالية أو متوسطة أو منخفضة وذلك على أساس مدى الأثر المترتب على وقوع تلك المخاطر إذ يترتب على المخاطر العالية مخاطر جسيمة سواء أكانت مخاطر مالية أم مخاطر في السمعة، أما المخاطر المتوسطة أو المنخفضة فهي دون ذلك ووفقا لهذا فإن مسؤولية التدقيق الشرعي هي توضيح المخاطر الناشئة عن كل إجراء من الإجراءات التي اعتمدتها هيئة الرقابة والتدقيق الشرعي.
(مرحلة العرض والتصحيح والمتابعة):
تشمل وحدات إدارة المخاطر والإدارة القانونية وإدارة الالتزام، إذ أن جميع هذه الوحدات من مهامها توضيح المخاطر كل حسب مجاله ويكون دور الرقابة الشرعية في مرحلة الكشف عن الأخطاء وإبراز الانحرافات في التنفيذ التي تقع فيها الوحدات المختلفة بالمؤسسة التأمينية، ويتم ذلك عن طريق تنفيذ التدقيق الشرعي للمنتجات والأعمال التي يقوم بها في ضوء القرارات الصادرة عن الهيئة الشرعية ثم تحديد درجة المخاطر الناشئة عن تلك الانحرافات، وما إذا كانت تلك المخاطر هي مخاطر (عالية - متوسطة - منخفضة) على أساس الأثر الشرعي المترتب على الانحراف وتتولى إدارة التدقيق الشرعي إبلاغ الوحدات المختصة والإدارة العليا بالمؤسسة بتلك الأخطاء من خلال رفع تقرير مفصل ودرجة المخاطر المترتبة عليها وضرورة العمل على تصحيحها ويستتبع إبلاغ الوحدات بالانحرافات مطالبة تلك الوحدات بإعداد الخطط التصحيحية وتحديد البعد الزمني اللازم للقيام بتلك الخطط ولعل أهم مساهمات التدقيق الشرعي في تخفيض المخاطر المقترحات التي تتقدم بها إدارة التدقيق الشرعي لسد الثغرات التي تنشأ عنها تلك الانحرافات وذلك نحو المطالبة بتعديل السياسات أو الإجراءات أو تطوير النظم الآلية أو تأهيل العاملين وتدريبهم على نحو يمكنهم من تنفيذ الرقابة والتدقيق الشرعي.

تعليقات