الإحتيال في مطالبات المركبات ، خطره وطُرق الحد منه- بقلم / محمد الشمري

تشير آخر الإحصائيات إلى أن المملكة العربية السعودية تتصدر قائمة الدول في مُعدل نسبة الإحتيال في المركبات المُؤمنة بنسبة 30% أي بفارق 10-15% عن المُعدل العالمي وهذه النسبة تقريبية لعدم وجود دراسة دقيقة، وتُمثل هذه النسبة الحالات المُكتشفة فقط مما يدعنا نتسائل عن نسبة الحالات الغير مُكتشفة ليتبين لنا حجم خطورة هذه الظاهرة على أحد أهم صناعات الإقتصاد وهي صناعة التأمين. ويمكننا أن نعزو سبب الإرتفاع في هذه النسبة إلى عدم وجود آلية واضحة لمكافحة هذه الظاهرة والحد منها، من خلال تجريم هذا السلوك ونشر الوعي بين أفراد المجتمع حول مدى خطورة هذه الظاهرة، ليس فقط على المستوى الإقتصادي حيث أنها تؤثر بشكل كبير على أرباح الشركات منفردة ولكن أيضاً على المستوى الأمني فالحصول على أموال بطرق غير مشروعة قد يؤدي إلى التصرف بها بشكل غير مشروع أيضاً، ويمكن أن نعطي مثالاً حول ذلك وهو غسيل الأموال حيث أن عمليات تعويض الحوادث وصرف المبالغ تُسهل العملية لعصابات غسيل الأموال بإنتقالهم مباشرة للمرحلة الثانية من عملية غسيل الأموال وهي مرحلة التغطية، فبحصول المحتال بسهولة على مستند حادث يُمكنه مباشرة من الحصول على المال النظيف وبطريقة نظامية.


ورغم تزايد تسجيل شركات التأمين في السعودية لخسائر في قطاع تأمين المركبات، إلا أنها ماتزال تعاني من سوء التنسيق فيما بينها وضعف المبادرة بوضع آلية لمكافحة ظاهرة الإحتيال من خلال تبادل المعلومات وتحديد قائمة سوداء تظم معلومات لمرتكبي العمليات الإحتيالية كما هو موجود في القطاع المصرفي والمالي، أملاً في أن تقوم مؤسسة النقد العربي السعودي (ساما) بتحديد هذه الآلية وتعميمها على الشركات بشكل إلزامي، وكما يقول المثل (من يتمطـى جـواد جاره لا يصـل إلى ديـاره) فالمبادرة يجب أن تكون من شركات التأمين لأنها هي المتضرر الأول من تفشي هذه الظاهرة من خلال تسجيل الخسائر بشكل مستمر ومتزايد. إلا أن ذلك لايُعفي مؤسسة النقد العربي السعودي (ساما) من دورها الرئيس كمنظم لسوق التأمين أن لاتكتفي فقط بالتصريح والإعتراف بوجود هذه الظاهرة ولكن في المساهمة والتنسيق بين الجهات الحكومية وشركات التأمين للتقليل والحد من هذه الظاهرة، وقد تم مؤخراً إصدار تعميم بضرورة رفع سعر التأمين بحسب عدد الحوادث المُسجلة على الشخص، حيث ممن المتوقع أن يُساهم هذه القرار بشكل خجول في ردع مفتعلي حوادث الإحتيال ولكن الهدف الرئيس من هذا القرار هو خفض السعر على من يكون سجله خالي من الحوادث والعكس.
وإذا ما أردنا التعرف على أهم الأسباب التي تدفع بالمحتالين إلى المُضي في العمليات الإحتيالية والتنوع في أساليبها، فيمكن الإشارة لها في النقاط التالية:

ضعف الوازع الديني
المستوى المعيشي المتندي
عدم وجود قانون يُجرم هذا الفعل وإكتفاء شركات التأمين برفض المطالبة، مما يجعل المحتالين يطوروا وينوعوا من أساليب الإحتيال
عدم وجود تأمين لدى المتسبب بالحادث
 سهولة الحصول على مستندات الحادث من الجهات الرسمية
إجراءات مؤسسة النقد العربي السعودي التي تُلزم الشركات بسرعة التسوية، أو الإكتفاء فقط برفض الحادث دون أدنى مسؤولية على المُحتال
نظام التأمين الإلزامي لسنة واحدة فيما يقابله ثلاث سنوات مدة صلاحية رخصة سير المركبة، أي أن هناك سنتان بدون تأمين إلزامي على المركبة مما قد يؤدي إلى عملية إحتيال في حال حصول حادث في الفترة الغير مؤمن على المركبة فيها
عدم وجود سجل تأميني مُفصل للأشخاص والمركبات يتم ربطه وتحديثه في أنظمة شركات التأمين
عدم وجود جهة تقوم بالتنسيق بين شركات التمين أأمنسشتيمنتسأمين وبين الجهات الحكومية بهدف التحقق من صحة الحوادث

ومن أخطر ماتواجهه شركات التأمين، هو الإحتيال المُنظم والذي يقوم به أكثر من شخص، فعند تعرض شخص ما لحادث سير وكانت نسبة تحمله لمسؤولية الحادث 100% قد يلجأ أحيانا لشخص لديه تأمين لإشراكه بالحادث وتغيير نسبة تحمل الحادث لتصبح 0% على الشخص المتسبب وبالتالي حصل على التعويض وقام بإصلاح مركبته بدون أدنى خسارة نظراً لسوء وضعه المالي. إذا إفترضنا بأن هذا الشخص قام بهذه العملية مرة واحدة فقط ولاينوي أن يقوم بها مرة أخرى لأنه تعلم من هذا الدرس وقام بالتأمين على مركبته، ولكنها بالتأكيد عملية إحتيال قام بها وحصل على مبلغ التعويض بطريقة غير مشروعة، ولكن إذا نظرنا لعصابات الإحتيال المُنظمة فإننا نجد أنها تقوم بإفتعال الحوادث بشكل مستمر وليس لمرة واحدة والحصول على التعويض بمبالغ هائلة لأكثر من مركبة ومن أكثر من شركة تأمين. لنستعرض ونحلل حالة إحتيال مُنظم يشترك بها عدد من الأشخاص وكيفية حصولهم على مبلغ التعويض. 
الحالة:
قامت عصابة المحتالين بشراء مركبة من نوع بورش كايين من مزاد المركبات التالفة حيث أنها قد تعرضت لحادث سير وغير صالحة للإستعمال، ولكنهم قاموا بإستبدال لوحات المركبة وإصدار لوحات بأرقام جديدة بطريقة ما من الجهة الرسمية المسؤولة.
قامت العصابة بالحصول على تقرير حادث سير عبارة عن إنحراف مركبة من نوع تويوتا يمتلكها أحد أفراد العصابة على المركبة البورش إدى إلى إصدامها بجسم ثابت مما نتج عنه تلفيات تُقدر بـ 250,000 مئتان وخمسون ألف ريال، وقد تقدموا للشركة المؤمنة للمركبة التويوتا و مطالبتهم بمبلغ التعويض فقامت الشركة بدفع التعويض مباشرةً.
كإجراء لدى الشركة المُؤمنة، قامت بالإتصال بالطرف المؤمن لديها صاحب المركبة التويوتا للتأكد من صحة الحادث، وأكد لهم صحته.
قامت الشركة بمحاولة البحث في نظام الجهة المسؤولة عن الحوادث ولكن تجاوبها لم يكن كما هو مأمول ويحتاج إلى جهد، في المقابل قامت العصابة برفع شكوى لدى مؤسسة النقد (ساما) بمماطلة شركة التأمين عن دفع التعويض، فقررت الشركة دفع مبلغ التعويض تفادياً لأي مخالفة تأخير قد تُسجل عليها لدى (ساما) 
تكررت العملية في عشر شركات تأمين وقد حصلت هذه العصابة خلال شهرين على مبلغ 2,250,000 مليونين ومئتان وخمسون ألف ريال.
تمتلك العصابة عشرون سيارة فارههة وقد إستخدمت نفس الخطة في الحصول على التعويض من شركات التأمين لتتمكن في النهاية من الحصول على مبلغ يقارب الـ 22,000,000 عشرين مليون ريال خلال ستة أشهر
التحليل:
استخدمت العصابة المرونة في النظام الذي يتيح تغيير لوحات المركبة بدون الحاجة لفحصها فنياً
تقارير الجهة المسؤولة عن الحوادث عبارة عن دفاتر تحتوي على أوراق تُكتب بخط اليد ولاتصدر إلكترونياً، مما سهل للعصابة الحصول على نسخة من هذه الأوراق وتسجيل بيانات الحادث ومن ثم إدخاله في نظام الجهة المسؤولة عن الحوادث
عدم وجود تصوير للحوادث من قِبل الجهة المسؤولة، سهل للعصابة عملية تكرار نفس الضرر في أكثر من شركة تأمين، ولم يُمكن شركات التأمين من الإطلاع عليه
استخدمت العصابة، مرونة نظام الجهة المسؤولة عن الحوادث في عملية حذف الحوادث السابقة عن المركبة، ليتبين لشركة التأمين بأن هذا هو الحادث الأول على المركبة
لم يكن هناك مايدعوا للخوف في حال إكتشافهم، فلا يوجد أي قانون يُجرم ماقاموا بفعله، و لو تم إكتشاف أن الحادث غير صحيح فستكتفي شركة التأمين برفضه وكأنها تقول لهم (لم يحالفكم الحظ هذه المرة، حاولوا مرة أخرى وشكراً)
ثقة العصابة في عدم وجود قاعدة بيانات مشتركة بين شركات التأمين، كان بمثابة صمام الأمان بالنسبة لهم في ضمان عدم تكرار أسمائهم، أرقام هوياتهم أو أرقام هواتفهم في قائمة الحوادث المُسجلة لدى شركات التأمين

وتتنوع أساليب الإحتيال وطرقه في تأمين المركبات، وكل هذه الأساليب تشترك في هدف واحد وهو الحصول على الأموال بطرق غير شرعية، والخاسر هو شركات التأمين، وقد صرح المتحدث الرسمي لشركات التأمين في 2016 بأن خسائر شركات التأمين في تأمين المركبات هو 100% الأمر الذي يُعد علامة إستفهام كبرى حول سبب عدم التحرك للحد من هذه الظاهرة والإستفادة من تجارب الدول الأخرى في تحجيم هذه الظاهرة والحد من الخسائر والتي قد تصل إلى نسبة أكبر بكثير عن ماهو معلن عنه، فكما تنظر شركات التأمين في نهاية كل سنة إلى أرباحها يجب أن تنظر إلى خسائرها وتساهم في التقليل منها.


محمد علي الشمري



تعليقات