مساهمة قطاع التأمين الجزائري في التنويع الاقتصادي: تحليل العلاقة بين معدلات النمو الاقتصادي والديمغرافي وحجم الأقساط المكتتبة بالجزائر

مساهمة قطاع التأمين الجزائري في التنويع الاقتصادي:
تحليل العلاقة بين معدلات النمو الاقتصادي والديمغرافي وحجم الأقساط المكتتبة بالجزائر
إعداد الباحثين:
الاسم واللقب
الرتبة العلمية
السيرة الذاتية
الدكتور طارق قندوز
أستاذ محاضر –أ-
عضو الجمعية الوطنية للاقتصاديين الجزائريين بجامعة الجزائر 03
البروفيسور ابراهيم بلحيمر
أستاذ التعليم العالي
رئيس المجلس العلمي للمركز الجامعي لتيبازة

ملخص

لاشك أن قطاع التأمين هو جزء لا يتجزء من النظام المالي لأي بلد، يؤثر ويتأثر ديناميكيا بالعديد من المتغيرات والظروف، على غرار المؤثّرات السياسية والقانونية والطبيعية، والعوامل الإجتماعية والثقافية والتكنولوجية، ينضاف إليها القيود الإقتصادية والسكانية ذات التأثير بالغ الحساسية في مؤشرات الأداء الإكتتابي لنشاط التأمينات (الإختراق والكثافة). وفي هذا الصدد، يشهد سوق التأمين الجزائري موجة من الإصلاحات الليبرالية، تنوي الحكومة من خلالها رفع وتيرة حجم الأقساط المكتتبة، وتحسين مركزها التنافسي ضمن خريطة التأمينات الدولية، وتعتبر كلا من معدلات النمو الإقتصادي والديمغرافي أهم محددات هيكل العرض الإنتاجي للتغطيات التأمينية. لذلك يرمي هذا المقال إلى دراسة أوجه العلاقة التفاعلية بين هذه المتغيرات المعقدة.
كلمات مفتاحية: معدل النمو الإقتصادي، معدل النمو الديمغرافي، سوق التأمين الجزائري، حجم الأقساط المكتتبة، نسبة الكثافة، معدل الإختراق.

Abstract

Undoubtedly, the insurance sector is an integral part of financial system of any country, it dynamically affects and is affected with many variables and conditions like political, legal and natural effects besides of social, cultural and technological factors adding to this the economic and demographic constraints having major impacts on underwriting performance indicators for insurance activity (penetration and density).
In this regard, the Algerian insurance market has been a wave of liberal reforms by which government intends to raise the volume rhythm of premiums written and to improve its competitive position within international insurance map.
Both of the rate of economic growth and demographic growth are considered as important determinants of productive supply structure for insurance coverages, therefore this paper aims to study dimensions of interactive among these complicated variables.
Keywords: economic growth, demographic growth, the Algerian insurance market, the volume of premiums written, density ratio, penetration rate.





مقدمة
يعتبر التأمين في عصرنا هذا عصب حقيقي للحياة الإقتصادية، وعامل مهم تعتمد عليه الدول، وعنصر أساسي في تحقيق ودعم متطلبات المنافسة الدولية، حيث أنه يعمل على تعبئة المدخرات وتجميع الموارد المالية ثم تمويل مشاريع المنشآت الإقتصادية المولدة للقيمة المضافة والدخل في مختلف نواحي النشاط الإقتصادي (زراعة، صناعة، خدمات)، فيستطيع رجال الأعمال وغيرهم تجنب تجميد جزء من رأسمالهم لمواجهة الأخطار المختلفة التي يحتمل وقوعها، حيث أنهم يدفعون قسطا معينا، وبذلك يحققون ضمانا ضد الخسائر المحتملة.
إن الدور الإدخاري والإستثماري المنوط بشركات التأمين جعلها تحظى بثقة زبائنها عبر العالم، فهي تعيد إستثمار تلك المبالغ المالية المدخرة سواء قصيرة أو طويلة الأجل، نيابة عنهم مكنها من تحقيق عوائد تسمح بتقوية قدرتها على تأدية إلتزاماتها، وفي النهاية يحصل المؤمن له أو المستفيد على التعويض الذي يتمثل في الأقساط المجمعة مضافا إليها جزء من عائد الإستثمار، ذلك أن التعويض الذي سيحصل عليه المستفيد عادة ما يكون أكبر من مجموع الأقساط المحصلة، أما الفرق فيتمثل في عائد إستثمار الأقساط المجمعة في شكل مدخرات تم إستثمارها، وبهذا يعتبر التأمين محركا ديناميكيا للتطور الإقتصادي.
تكمن أهمية الحركية في الإقتصاد بأنها تنعكس إيجابا على قطاع التأمين، بإعتبار أن الإقتصاد القوي، هو الذي ينمي قطاع التأمين، ويجعله فعّالا بتوفير ممتلكات ومنشآت تحتية يتوجب التأمين عليها، إضافة إلى توفير طرق إستثمار أموال القطاع المجمعة، ويعتبر نظام التأمين جزء من النسيج الإجتماعي والإقتصادي، وبالتالي فهو يتأثر كغيره من القطاعات بالأوضاع المالية والنقدية والتجارية والثقافية والسكانية، التي قد يكون تأثيرها إيجابا أو سلبا.
تدل أرقام الإحصائيات الصادرة عن مجلة سيجما خلال الفترة 1995-2012 عن وجود تباين وإختلافات في مؤشري الكثافة والإختراق، ففي الدول المتقدمة تفوق الكثير ما يماثلها في البلدان ضعيفة النمو، وهو ما يوحي بوجود عوامل ومحددات مؤثرة في ذلك (مؤسسية، سكانية، تعليمية، صناعية، ... إلخ)، وهو أيضا ما يطرح تساؤلات حول أسباب هذه الفروق، إذن من المؤكد أن نمو نشاط التأمين مرهون بتوفر بعض الشروط والتي لها تأثير وتحكم بالغ عليه، خاصة ما يتعلق منها بتوفر بيئة إقتصادية وإجتماعية مستقرة، فالتأمين والإقتصاد لهما تأثير متبادل على بعضهما البعض.
تمثل الظروف التي تنتاب بيئة الأعمال التأمينية، ذلك المناخ الذي تعمل فيه الشركات الخاصة والعمومية على حد سواء، فلم يكن كلاهما بمنآى عن تبعاتها حيث تعيق السير الحسن لأنشطتها وجهودها، فمثلا يشهد الإقتصاد الجزائري وضعية إجتماعية وسياسية معقّدة ومتناقضة، كارتفاع معدّلي البطالة والتضخّم الحقيقيين، بالتزامن مع إمتلاء الخزينة العمومية بفوائض مالية ضخمة وبلوغ حجم المديونية أدنى مستوياتها، حيث حقّقت الجزائر إستقرارا على مستوى التوازنات الكبرى للإقتصاد الكلي، في حين نجد الجبهة الإجتماعية في حالة غليان وإحتقان جراء تعفن الأوضاع المعيشية وإستفحال ظاهرة الفساد، كل هذه العوامل والمتغيرات ألقت بظلالها السيئة على نجاعة صناعة التأمين.
إنّ مؤشري الكثافة والإختراق يستعملان كمقياس لتقييم الوضعية الإقتصادية الكلية لسوق التأمين، ولقياس هذا الأخير، نستخدم مجاميع أقساط التأمين المكتتبة لكل عام كمؤشر لأداء السوق، حيث أن أهمية نشاط التأمين في الإقتصاد الوطني لأي بلد يقاس من خلال هذين المؤشرين. فمؤشر الإختراق يصطلح عليه كذلك بمعدل الإنتشار أو التغلغل، ليعكس مساهمة أو حصة قطاع التأمين في الناتج الداخلي الخام، وهو حاصل قسمة رقم الأعمال الإجمالي للتأمين خارج الموافقات الدولية (مجموع الأقساط المكتتبة) إلى الناتج الداخلي الخام. فإذا كانت النسبة مرتفعة فذلك يدل على سرعة نموه، وبصفة عامة تكون الدول متقدمة وأكثر حداثة عندما تكون حصص التأمين في الناتج الداخلي الخام مرتفعة أو أعلى النسب، بينما تكون الدول متخلفة أو أقل تقدما عندما تكون مساهمة التأمين في الناتج الداخلي الخام لديها منخفضة وغير معبّرة، وهذه النسبة تعتبر معيارا لتقدم الإقتصاد. أما مؤشر الكثافة فيقصد به ما يخصصه الفرد سنويا لينفقه على طلب منتجات التأمين، أي الإنفاق على شراء الحماية التأمينية، ومنه فهي تعبر عن إجمالي الأقساط المتحقق في البلد منسوبا إلى عدد السكان.
وفي هذا الإطار، بدأت المعالم الجوهرية لملامح معضلة البحث تبرز بكافة أبعادها وتتبلور بجميع جوانبها، ويتبادر إلى أذهاننا في هذا المقام صياغة الإشكالية التي تطرح نفسها بإلحاح كالتالي:
إلى أي مدى يمكن أن تسهم معدلات النمو الإقتصادي والديمغرافي في التأثير على حجم الأقساط المكتتبة؟، أو بعبارة أخرى، ما مدى تأثير كلا من الناتج المحلي الخام وعدد السكان في مؤشري الإختراق والكثافة على الترتيب؟.
تتضح أهمية هذه الدراسة من قيمة تحليل المحيط الذي تعمل في كنفه شركات التأمين، في الوقوف على تلك الفرص والتهديدات التي تواجهها، الأمر الذي يسمح بتحديد مستوى حساسية تأثير قيود البيئة الإقتصادية والسكانية على دالة الطلب في سوق التأمين الجزائري، من زاوية التوجه والإقبال أو العزوف والإعراض عن إقتناء وثائق الحماية والضمان.
المحور 1/ العلاقة بين الناتج المحلي الخام ومؤشر الإختراق
حسب منشور للديوان الوطني للإحصائيات حول الحسابات الإقتصادية، إرتفعت قيمة الناتج الداخلي الخام للجزائر بـ 9.% سنة 2012 إلى 15843 مليار دينار (204.3 مليار دولار) مقابل 14519.8 مليار دينار (199.3 مليار دولار) سنة 2011، حيث حقق الإقتصاد الجزائري نمو بنسبة 3.3% سنة 2012 مقابل 2.8% سنة 2011، وإنتقل الناتج الداخلي الخام للفرد من 5427.8 دولار سنة 2011 إلى 5449.6 دولار سنة 2012، وتأتي هذه الحصيلة في غضون إقتراب الإنتهاء من برنامج الإستثمار العمومي الهادف إلى دفع النمو الإقتصادي. وفي سياق متصل، إرتفع الناتج الداخلي الخام خارج المحروقات بنقطة حيث بلغ 7.1% سنة 2012 مقابل 6.1% سنة 2011.
1- مؤشـر الناتج المحلي الخام
يمكن مناقشة تضاعيف هذا المحور من خلال إدراج الجداول أسفله، والتي تحوي في طياتها أجوبة لعدة تساؤلات يمكن إثارتها:
جدول 1- تطور الناتج الداخلي الخام ومعدل النمو الإقتصادي للفترة 1995–2012
السنة
1995
1996
1997
1998
1999
2000
2001
2002
2003
الناتج الداخلي الخام: مليار دولار
42.1
46.9
48.2
48.2
48.7
54.5
54.8
55.9
66.6
معدل النمو الإقتصادي (%)
3.8
4.1
1.1
5.2
3.2
2.4
2.1
4.1
6.8
الناتج الداخلي الخام للفرد: دولار
1498
1693
1658
1633
1627
1801
1786
1819
2130
السنة
2004
2005
2006
2007
2008
2009
2010
2011
2012
الناتج الداخلي الخام: مليار دولار
85.1
102.8
116.5
131.5
171.3
139.5
162.9
199.3
204.3
معدل النمو الإقتصادي (%)
5.2
5.1
2.7
4.6
2.4
2.1
3.9
2.8
3.3
الناتج الداخلي الخام للفرد: دولار
2620
3133
3503
3970
4915
3959
4496
5428
5450
المصدر: وزارة المالية، صندوق النقد العربي، صندوق النقد الدولي، 2013
جدول 2- تطور متوسط سعر البرميل من صحاري بلند للفترة 1995-2012
السنة
1995
1996
1997
1998
1999
2000
2001
2002
2003
متوسط سعر البرميل  (دولار)
17.6
21.6
19.5
12.8
17.9
28.5
24.8
25.2
28.9
السنة
2004
2005
2006
2007
2008
2009
2010
2011
2012
متوسط سعر البرميل (دولار)
38.6
54.6
65.4
74.4
98.9
62.3
80.3
112.9
111
المصدر: منظمة الدول المنتجة والمصدرة للبترول ومنظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول، 2013
يعد الناتج الداخلي الخام Produit Intérieur Brut مقياس مهم للتعرف على الأداء الإقتصادي للبلد، وعند إلقاء الضوء على تطور السلسلة الزمنية لهذا العنصر، نجد أنه ومنذ بدء تطبيق برامج تفعيل الطلب الكلي وترقية الإستثمار، إتسم إتجاهه الكلي بالإيجابية، وسجلت قيمة الناتج الداخلي الخام للجزائر في هذا المسار التنموي زيادة بثلاثة أضعاف في غضون عشر سنوات، حيث إنتقل من 42.1 مليار دولار عام 1995 ليقفز عام 2012 إلى سقف 204.3 مليار دولار، وذلك بفضل ضخامة الإنتاج النفطي المقدر بحوالي 1.4 مليون برميل يوميا، وتصدير 85 مليار متر مكعب من الغاز، وهو رقم قياسي غير مسبوق في تاريخ الجزائر، وذلك في غضون بلوغ متوسط سعر صحاري بلند قريب من 113 دولار للبرميل، وهي أعلى ذروة تصلها المحروقات الجزائرية في البورصات العالمية.
مرت الجزائر بمرحلة جد حرجة أثرت سلبا على أداء الإقتصاد، نتج عنه ضعف معدلات النمو خلال فترة التسعينات (دوامة العنف الدموية). وحسب الديوان الوطني للإحصاء، شهد نمو الناتج الداخلي الخام معدلا سنويا بـ 4.2% خلال الفترة 2000-2011، حيث إنتقل من 2.4% سنة 2000 إلى 6.8% سنة 2003، قبل أن يتراجع إلى 3.3% سنة 2012، وحسب تقرير مجمع أكسفورد للأعمال فقد تأثر النشاط الإقتصادي في الجزائر نتيجة إشتداد تداعيات الأزمة المالية العالمية، حيث إنخفض إلى معدل نمو بلغ 2.1%. وفي هذا الصدد، وفق تقرير حول التوقعات العالمية يتوقع البنك الدولي، أن نمو الجزائر من المنتظر أن يواصل  منحنى تصاعدي ليبلغ نسبة 3.8% في 2014 و4.3% في 2015، ولكن تبقى معدلات النمو المنجزة غير كافية لمواجهة التحديات الداخلية والخارجية.
إذا أردنا التقييم الجيد للتطور الإقتصادي لبلد، فإننا نلجأ في العادة إلى الناتج الداخلي الخام الفردي Gross National Income (GNI) per capital، وهو قسمة الدخل الوطني على عدد السكان، وقد إرتفع الناتج الداخلي الخام للفرد إلى 5450 دولار سنة 2012 مقابل 1498 دولار سنة 1995([1]).
مما سبق يمكن القول، بأن التأمين لا يصنع إقتصادا قويا، وإنما هذا الأخير هو الذي يحفز التأمين وينميه، وبالطبع كلما زادت معدلات النمو الإقتصادي Taux de Croissance du PIB زادت فرص التأمين والإكتتاب على الوحدات الإنتاجية، فالنمو الإقتصادي يتبعه زيادة في الشركات الصناعية والتجارية والخدمية، وتلك تواجه المزيد من الأخطار القابلة للحماية، وبالتالي تتقدم لطلب الخدمة التأمينية التي تتناسب مع درجة تطورها، وحجم الأموال المستثمرة، وحجم الإنتاج، ونوعية التكنولوجيا المستخدمة، وطبيعة العملية الإنتاجية، والمخاطر التي تتعرض لها([2]).
2- مؤشر الناتج المحلي الخام خارج المحروقات
يمكن مناقشة تضاعيف هذا المحور من خلال إدراج الجدول أسفله، والذي يحوي في طياته أجوبة لعدة تساؤلات يمكن إثارتها:
جدول 3- إسهام القطاعات الإقتصادية في الناتج المحلي الخام للفترة 1995-2010
الفترة
1995
2000
2005
2010
الصناعة الإستخراجية (%)
26.7
40.5
45.2
57.0
الصناعة التحويلية (%)
8.50
5.20
3.90
6.00
الزراعة (%)
12.1
9.7
7.7
9.0
الخدمات (%)
52.7
44.6
43.2
20.0
المجموع
100
100
100
100
المصدر: الموقع الإلكتروني لصندوق النقد العربي (26-2-2013)
يتضح من القراءة الإقتصادية للأرقام والمعطيات الواردة في التقارير السنوية الصادرة عن الهيئات الوطنية والدولية، أن التحسن في معدل النمو الإقتصادي للفترة 1995-2010، يعزى إلى حصيلة نشاط صادرات مجمع سوناطراك، أما القطاعات المنتجة خارج المحروقات Hors Hydrocarbures، فما تزال ضعيفة الأداء رغم زيادة الإنفاق العمومي في إطار البرامج الخماسية التنموية. والجدير بالذكر هاهنا، وحسب تصريح كتابة الدولة المكلفة بالإحصاء فإن 80% من القيمة المضافة خارج المحروقات ساهم فيها القطاع الخاص، والنسبة المتبقية أي 20% فتمثل نسبة مساهمة القطاع العام عام 2010.
وفي السياق نفسه، وحسب الديوان الوطني للإحصائيات، عرف الناتج خارج المحروقات نموا خلال الفترة 2000-2011 حيث إنتقل من 3.8% سنة 2000 إلى 7% سنة 2007 ليبلغ ذروته سنة 2009 بـ 9.6% ثم تراجع سنة 2011 ليصل إلى 5.6%، وقد تحقق هذا النمو المسجل بفضل دعم برنامج الإستثمارات العمومية، ومع ذلك فالنمو يبقى نوعا ما هشا بسبب بعض العوامل الخارجية، مثل أسعار النفط والتغيرات المناخية، كما تم تسجيل مساهمة متفاوتة لهذه القطاعات في هذا النمو، حيث يتعلق الأمر على وجه الخصوص بقطاعات الفلاحة الذي ساهم في حدود 8.6% والصناعة 4.9% والبناء والأشغال العمومية والري 9.8% والخدمات التجارية بـ 17.3%.
وقد أبدى مجموعة من الخبراء الإقتصاديين إمتعاضهم الشديد من النسب المعلن عنها من طرف وزارة المالية، والمتعلقة بمعدل نمو القطاعات خارج المحروقات، وشككوا في صحتها على إعتبار أنها تتنافى تماما مع الواقع المتأزم والخانق للإقتصاد الجزائري، إذ لا توجد مبررات موضوعية أو أسباب منطقية لهذا النمو، لأن النمو خارج البترول يواصل تبعيته لمخلفات ورواسب سياسات الدعم للميزانية، ولأن التمويل الخاص والقروض الإئتمانية تبقى دون تطلعات التخصيب، فالإقتصاديين يقومون عادة بحساب نسبة النمو من خلال القيم المضافة في مختلف القطاعات مقارنة بالسنة الفارطة([3]).
المحور 2/ العلاقة بين عدد السكان ومؤشر الكثافة
يمكن مناقشة تضاعيف هذا المحور من خلال إدراج الجداول أسفله، والتي تحوي في طياتها أجوبة لعدة تساؤلات يمكن إثارتها:
جدول 4- تطور عدد سكان الجزائر للفترة 1995-2012
السنة
1995
1996
1997
1998
1999
2000
2001
2002
2003
العدد: مليون نسمة
28.06
28.5
29.1
29.5
29.9
30.4
31.1
31.5
31.9
السنة
2004
2005
2006
2007
2008
2009
2010
2011
2012
العدد: مليون نسمة
32.4
32.9
33.5
33.8
34.6
35.4
36.5
37.1
37.9
المصدر: الديوان الوطني للإحصائيات (7-7-2013)
جدول 5- نسبة السكان أقل من 15 سنة من المجموع للفترة 1999-2010
السنة
1999
2000
2001
2002
2003
2004
2005
2010
(%)
35.5
34.8
34.3
33.5
31.2
30.4
29.6
39.5
المصدر: البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة (7-7-2013)
جدول 6- نسبة السكان 65 سنة فأكثر من المجموع  للفترة 1998-2010
السنة
1998
1999
2000
2001
2002
2003
2004
2005
2010
(%)
3.7
4.1
4.1
4.2
4.2
3.6
4.5
4.5
6.8
المصدر: البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة (7-7-2013)
جدول 7- المعدل الإجمالي للخصوبة للفترة 2000-2010
السنة
2000
2001
2002
2003
2004
2005
2006
2007
2008
2009
2010
الخصوبة (%)
2.8
2.72
2.63
2.55
2.04
1.92
1.89
1.86
1.82
1.79
1.76
المصدر: البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة (7-7-2013)
من تضاعيف الجداول أعلاه، بلغ عدد السكان بالجزائر 37.9 مليون نسمة عام 2012، بعدما كان 16 مليون نسمة عام 1975 ثم 28.1 مليون نسمة عام 1995، أي أن الوتيرة السنوية للنمو الديمغرافي La Croissance Démographique أو متوسط معدل النمو السنوي Annual population growth rate خلال الفترة الزمنية 1975-2010 بلغت 1.86%، والملاحظ أن نسبة الزيادة السكانية في الجزائر تعرف أحيانا تذبذبات، تعكس إنخفاض نسبة الإنجاب أو ما يعرف بمعدل الخصوبة  Fertility أي 2.4%، وهذا بسبب سياسة تباعد الولادات، وإنتشار إستعمال موانع الحمل، وعزوف الشباب عن الزواج مبكرا، بمعنى تراجع معدل سن الزواج (29 سنة بالنسبة للإناث و33 سنة بالنسبة للذكور)، بسبب تفاقم أزمة السكن وتدني مستوى المعيشة، وتبقى نسبة السكان فتية للغاية، سن نصفها تقريبا أقل من 19 سنة (48.3%)، وثلثها أقل من 15 سنة Population under age 15 ، ولا يكاد يمثل الذين يفوق سنهم 65 سنة Population aged 65 and Above  إلاّ 5% فقط من العدد الإجمالي.
وحسب صندوق الأمم المتحدة للسكان (UNFPA) United Nations Population Fund تلعب الإتجاهات الديمغرافية Demographic Trends عاملا محفزا لجلب الشركات الأجنبية، على إعتبار أن معدل النمو فيها يمثل حجم السوق أو دالة الطلب التي تحتاج إلى تغطية واسعة لإحتياجات المجتمع بصفة مستمرة. ومن ناحية أخرى، يلعب التطور السنوي في عدد السكان، من خلال توفير يد عاملة مؤهلة تسهم في رفع مستويات الكفاءة الإنتاجية، وهذه كلها معطيات تخدم قطاع التأمين، من زاوية زيادة الطلب الإكتتابي([4]).
المحور 3/ عرض المعايير الأدائية للقطاع للفترة 1995-2012
شهد النشاط التأميني بالجزائر تطورات ملموسة خلال الفترة من عام 1995 إلى غاية سنة 2012 من حيث النتائج التقنية: الإنتاج المباشر والمتخصص وإعادة التأمين، حجم الأقساط المكتتبة، الشبكة التجارية، التعويضات عن الخسائر الجسمانية والمادية، الديون الفنية، والنتائج المالية والمحاسبية. بالإضافة إلى عدد العارضين، القوانين والتشريعات، هيئات الرقابة والإشراف، تؤشر هذه التحولات على طموح الجهات الوصية في إحداث تغييرات جذرية على المنظومة التأمينية.
إن سمة الهشاشة لا تزال طاغية رغم الإمكانات الهائلة المسخّرة لمنظومة هامة بهذا الوزن، حيث يعدّ القطاع آلة منشّطة للإستثمار لو جرى توظيفها على النحو الأكمل، وسط إنتقادات لاذعة لمتخصصين يجزمون أنّ الإصلاحات غير كافية والقطاع بحاجة إلى إصلاح عميق([5]):
جدول 8- المؤشرات الأدائية لسوق التأمين الجزائري للفترة 1995-2012

1995
1996
1997
1998
1999
2000
2001
2002
2003
إجمالي الأقساط: مليون دينار
13028
15068
15600
16027
17139
19489
21783
28985
31311
الترتيب العالمي
-
64
66
66
68
69/88
72
68
71
معدل الكثافة: دولار للفرد
9.74
9.79
9.43
9.42
8.36
8.52
8.96
11.37
13.03
الترتيب العالمي
-
75
79
81
80
82/88
83
83
82
معدل الإختراق (%)
0.67
0.58
0.58
0.59
0.54
0.49
0.52
0.64
0.59
الترتيب العالمي
-
76
81
84
80
86
88
86
85

2004
2005
2006
2007
2008
2009
2010
2011
2012
إجمالي الأقساط: مليون دينار
35758
41620
46474
53789
67884
77339
80660
87300
99900
الترتيب العالمي
65
64
68
71
65
70
61
64
67
معدل الكثافة: دولار للفرد
15.12
16.58
16.84
22.5
31.0
32.0
32.8
33.0
34.3
الترتيب العالمي
81
80
81
82
80
82
81
81
81
معدل الإختراق (%)
0.6
0.55
0.55
0.57
0.61
0.7
0.8
0.7
0.67
الترتيب العالمي
86
87
86
61
86
86
67
80
85
المصدر: مديرية التأمينات بوزارة المالية، المجلس الوطني للتأمينات، مجلة سيجما السويسرية، 2013
إن تقييم مستوى أداء شركات التأمين في الجزائر، يتم من خلال نتائج العمليات التأمينية التقنية، إذ يتطلّب الأمر دراسة أهم المؤشرات المعروفة في القطاع، وخلافا للمستوى النوعي الذي بلغته منظومة التأمينات في دول الجوار، حتى لا نقول القارة العجوز وما لفّ لفها، يشكو سوق التأمينات في الجزائر من تخبط مزمن في مآزق بالجملة، حيث بات هذا الدينامو الحيوي يسبح في الجمود، وسط فداحة تنظيمية وضعف متنامي، وتسببت الفوضى العارمة في إنحدار التغطية العامة إلى مستوى 0.67%، وبمعدل كثافة محدود بـ 34.3 دولارا لكل ساكن.
يرجع الناشطون بقطاع التأمين ضعف رقم الأعمال الذي تحققه شركات التأمين الجزائرية إلى عدة عوامل، أبرزها ما يسمونها الفوضى التنظيمية، وكذا سلسلة التخفيضات العشوائية للتكاليف، والتي أضرت بتوازنات القطاع في ديارنا، بيد أنّ متعاملين يبدون تفاؤلا بآفاق السوق وقابليتها للتطور، شريطة تدارك السلطات، وعملها على تذليل العقبات، وإذكاء التنافسية أمام شركات التأمين، دون ممايزة بين المؤسسات العامة والخاصة.
المحور 4/ تحليل الأداء الإكتتابي لقطاع التأمين الجزائري للفترة 1995-2012
من الجدول أعلاه، نقدم التوصيفات والتحليلات وزوايا النظر التالية([6]):
1- مؤشر إجمالي الأقساط المكتتبة
إرتفع رقم أعمال قطاع التأمينات الوطني بنسبة تعادل 14.1%، بحيث بلغ 99.9 مليار دينار سنة 2012 مقارنة بعام 2011، ويفوق هذا النمو ذلك المتوقع من قبل المجلس الوطني للتأمينات الذي كان يراهن على إرتفاع بنسبة 11% أي 95.7 مليار دينار من منح التأمينات الممنوحة سنة 2012. وحقق القطاع سنة 2011 رقم أعمال بقيمة 87.3 مليار دينار بزيادة قدرها 7% مقارنة مع عام 2010، وتوجد بالجزائر حاليا 23 شركة تأمين من بينها سبع شركات للتأمين على الأشخاص. وإذا رجعنا نصف قرن إلى الوراء، فإن رقم أعمال القطاع كان يبلغ 71 مليون دينار سنة 1964، وبدأ في الإرتفاع تدريجيا حيث بلغ 10 ملايير دينار سنة1994 ، ثم 13.1 مليار دينار سنة 1995، وبعدها 41.6 مليار دينار سنة 2005، ليبلغ تقريبا 100 مليار دينار سنة 2012. ويتضح للوهلة الأولى، أن سوق التأمين الجزائري قد حقّق تطورا ملحوظا من حيث معدل النمو السنوي لإجمالي حجم الأقساط المكتتبة الذي بلغ زهاء 37% (أي يتوفر على هامش تطور معتبر)، منتقلا بوتيرة محسوسة ومتزايدة بلغت حدود 666%، أي أن رقم الأعمال إنتقل من 13028 مليون دينار تترجم قيمة 274 مليون دولار عام 1995 ليرتفع إلى حوالي100  مليار دج تترجم قيمة 1250 مليون دولار عام 2012، مسجلا إنتعاشا بإنتاج إضافي قياسي مقارنة مع السنوات الفارطة وصلت زيادته الصافية خلال نفس الفترة 86872 مليون دينار، حيث سجلت كل الفروع والشعب إرتفاعا وإنتعاشا في حجم نشاطاتها بنسب متفاوتة.
ويرجع الخبراء هذه المحصلة الإيجابية نسبيا في القيمة الإجمالية لمنح التأمينات إلى عدة عوامل وأسباب نذكر من أهمها:
- الإصلاح الهيكلي للقانون 06/04 المؤرخ في 20 فيفري 2006 المعدل والمتمم للأمر 95/07 المؤرخ في 25 جانفي 1995، الذي أقحم الشركات في حلبة المنافسة، وبالخصوص بعد فصل تأمينات الأضرار عن الأشخاص، مما سمح بإعادة تنظيم السوق، فهذه الأرقام مرشحة للإرتفاع خلال السنوات القادمة، مع دخول شركات تتوفر على خبرة حقيقية وتوفير منتجات حديثة في مجال التأمين، ومع تثبيت ميكانيزمات التنافس النزيه. وفي هذا الإطار، إستبعدت الحكومة اللجوء إلى خوصصة الشركات العمومية كحل لترقية القطاع.
- تزامن توقيت الإصلاحات مع إطلاق برامج النفقات العمومية ذات الطابع التوسعي (2001-2014)، حيث إستفادت غالبية الفروع من المخططات الخماسية التنموية، والحقيقة أن الإقتصاد الجزائري يشهد حركية كبيرة، لذلك فالحاجة ماسّة إلى متدخلين مؤهلين قادرين على المساهمة في رفع عدد نقاط البيع، ومنتجات التأمين المقترحة في مختلف القطاعات للمواطنين والمتعاملين.
- توسع قنوات التوزيع باعتماد صيغة صيرفة التأمين من سنة إلى أخرى، حيث تعمل إلى جنب وسطاء التأمين التقليديين، وهو ما مكن من تحريك الطلب نوعا ما. والجدير بالتنويه، أن تطوير قطاع التأمينات مرتبط بتطوير السوق المالية، وبروز بنوك التأمينات موازاة مع أعمال إتصال مكثفة، لكن مع ذلك يبقى معدل التغطية بمتوسط نقطة بيع لكل 28000 ساكن (عجز)، مقابل نسبة عالمية تقدر بنقطة بيع واحدة لكل 5000 نسمة.
- الإنتشار الواسع لقروض السيارات، أدت إلى إتساع الحظيرة الوطنية للسيارات بشكل ملفت للإنتباه في السنوات الأخيرة، كما أن إزدهار عملية بيع السيارات بالتقسيط بواسطة البنوك، والتي تشترط عقد التأمين كل الأخطار.
- إرتفاع تعريفة تأمين السيارات عدة مرات، أهمها الزيادة التي تمت في 1 جانفي 1995 بـ 30% ثم 40% في سنة 1998، والتي تخص المسؤولية المدنية (تأمين السيارات يندرج ضمن التأمينات الإجبارية)، وتطالب شركات التأمين من سلطة الضبط بوزارة المالية بتطبيق بنود الإتفاق المبرم في صيف 2011 بين المؤمنين لتحديد سقف التخفيضات بالنسبة للتأمينات على السيارات التي إعتبروها مفرطة، فهناك طلب ملح برفع سعر أحد مكونات التأمين على السيارات -المسؤولية المدنية- المقدرة حاليا بـ 1500 دينار.
- تسويق شركات التأمين بصيغة جديدة لتأمين السيارات الأقل من 05 سنوات بعقد كل الأضرار بين 2 و4 ملايين دينار جزائري، والتي كانت تخص السيارات التي لا يقل عمرها عن 05 سنوات فقط.
- دخول قرار إلزامية التأمين على الكوارث الطبيعية حيز التطبيق إبتداءا من سبتمبر 2004، والذي يلزم التأمين على الأملاك العقارية.
- كثرة الكوارث الطبيعية التي عرفتها البلاد في السنوات الأخيرة (فيضانات باب الواد، زلزال بومرداس)، رفعت نوعا ما من درجة الوعي التأميني للأفراد بغرض حماية ممتلكاتهم.
- فرض عقد تأمين السفر للراغبين في الحصول على تأشيرة إلى إحدى دول الإتحاد الأوروبي إبتداءً من سنة 2003، والقطاع يراهن كثيرا على شركات تأمين الأشخاص الجديدة من أجل إستغلال السوق.
- الحركية التي عرفتها قروض الإستهلاك، والتي تشترط إظهار عقد التأمين بالنسبة للراغبين في شراء عقار، إضافة إلى التأمين على القروض.
- تطبيق مخطط الدعم الفلاحي، والذي يشترط التأمين ضد الأخطار الفلاحية، على الفلاحين الراغبين في الإستفادة من الإعانات والخدمات التي يقدمها.
في نفس النسق التحليلي لمحتوى الجدول، يمكن القول أن الإعتماد على مؤشر معدل نمو الإنتاج الوطني من التأمينات من سنة إلى أخرى هو عامل غير حاسم في الحكم النهائي عن ثمرة الإصلاحات بل مضلل، فمن الجدول نقرأ المنحى التصاعدي اللافت للنظر لعوائد العلاوات، بالإضافة إلى التحسّن النوعي لأداء المتعاملين، لكن عند رصد موقع ووزن الجزائر ضمن التأمينات الدولية نجدها بعيدة عن المعايير العالمية، حيث تحتل مراتب ذيلية متأخرة، إذ جاءت في المركز 67 من أصل 88 بلد شملته الدراسة المسحية التي قامت بها مجلة Sigma السويسرية المتخصصة في سوق التأمين الدولي المعتمدة من طرف الإتحاد الدولي لشركات التأمين بلندن في تقرير عام 2012، بحصة سوقية 0.03% تكاد تنعدم وتؤول إلى الصفر، وضمن سوق التأمين الإفريقي 1.61% فقط، حيث تحتل المركز الخامس على الصعيد القاري أي إفريقياً، والسادس على النطاق الإقليمي أي عربياً. إذن تكشف لغة الأرقام مدى ضعف الأداء الإكتتابي للشركات الناشطة بالقطاع، وما يطرح علامة إستفهام وتعجب عن دور القطاعين العمومي والخاص بشكليه المحلي والأجنبي في ترقية الصناعة التأمينية بالجزائر، وما يزيد الأمر موضوعية بعيدا عن التحامل هو عدم الإستفادة من ضخ تلك الأغلفة المالية الموجهة لتمويل المخططات الخماسية للحكومة.
2- مؤشري الإختراق والكثافة
إنّ مؤشر الإختراق ضعيف جدا رغم تذبذباته، فمن 0.49% عام 2000 إلى 0.8% عام 2010 ليتقلص متراجعا إلى 0.67% عام 2012 مترجما بذلك الرواق 85، ليظل بعيد تماما عن المستويات الدولية والقارية المقدرة بـ 6.5%، 3.65%، وهذا مقابل معدلات أكثر إرتفاعا لدول الجوار. ومن ثم تبقى نسبة مساهمة قطاع التأمين في الناتج المحلي الخام بالجزائر أقل من 1%، فهي متدنية ومقلقة بكافة المقاييس، ولا تعكس القدرات الموجودة والإمكانات المتاحة التي يتمتع بها، ولا تمثل النمو المحقق في مختلف القطاعات الإقتصادية خارج المحروقات.
وحسب المجلس الوطني للتأمينات وجمعية البنوك والمؤسسات المالية، يسهم قطاع التأمينات من خلال شركاته الـ 21 وتعاضديتيه بنسبة 3% فقط في تمويل الإستثمار الوطني، وقد تراجعت هذه النسبة خلال السنوات الأخيرة، لأنها إنتقلت من 3.8% سنة 1995 إلى 3.6% سنة 2005 و3.4% سنة 2006 لتسجل 3% فقط سنة 2011. حتى وإن كانت مخصصات شركات التأمين الموجهة للإستثمار قد إرتفعت بشكل ملموس خلال نفس الفترة. فقد بلغت تلك المخصصات 22.2 مليار دينار سنة 1995 قبل أن تسجل 60.4 مليار دينار سنة 2005 و66.2 مليار دينار و140 مليار دينار سنة 2011، أما الإستثمار الوطني الذي حظي بثلاثة برامج عمومية للإستثمار منذ سنة 2001، فقد إنتقل من 580 مليار دينار سنة1995  إلى 1661 مليار دينار سنة 2005 ثم إلى 4618 مليار دينار سنة 2011.
أما مؤشر الكثافة هو الأخر ضئيل ومتواضع للغاية، ويعتبر المواطن الجزائري من أقل شعوب منطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط من حيث التغطية، حيث لا تتجاوز نسبة الإكتتاب السنوي لكل جزائري 34.3 دولار للساكن عام 2012، رغم التحسن في الإنفاق خلال هذه الفترة بسبب إرتفاع أسعار المحروقات في البورصات العالمية، حيث إنتقل دخل الفرد إلى 5414 دولار عام 2012، إلا أن النسبة تبقى بعيدة مقارنة بمعظم دول العالم (المرتبة 81)، ونشير إلى أن المعدل العالمي لهذا المؤشر يقدر بـ 655.7 دولار للساكن.
مما سبق يمكن أن نستنتج بأن المؤشرات الإيجابية التي حملها قطاع التأمين الجزائري هي صورية وشكلية، وعلى ضوء هذه النتائج تبين أن القطاع أمام رهان صعب، وقد تكبد قطاع التأمين الوطني خسائر جسيمة كفرص ضائعة ومهدورة، بسبب عزوف غالبية الجزائريين عن تأمين بيوتهم ومحلاتهم وكل أنواع الممتلكات الأخرى بإستثناء السيارات، وعدم الإقبال على طلب الخدمات التأمينية له مبررات موضوعية ومسوغات منطقية، تتمثل في المشاكل المستعصية التي يتخبط فيها، والتي تكبح جماح التعاقد مع شركات التأمين في الجزائر. وفي نفس الوقت، هناك إمكانات إستثمارية ضخمة يتمتع بها تؤدي إلى نموه بسرعة متزايدة، إذ يجمع الخبراء على أن سوق التأمين الجزائري يزخر بكل مقومات النهوض، فهو يمتلك مردود معتبر غير مستغل بشكل جيد مقدر بـ 7 مليار دولار (لم تصل إلى التشبّعوهناك مؤشرات محفزة وواعدة كقوى دافعة لتنامي قطاع التأمينات في الجزائر، بفعل تسجيل آلاف المشاريع في قطاع البنى التحتية وزيادة عدد المقاولات الصغيرة والمتوسطة وطرح منتجات جديدة في المجالات العقارية وتأمين الحياة، وتزايد عدد المتعاملين في هذا المجال.
وقد أكد إتحاد التأمين وإعادة التأمين، أن رقم أعمال القطاع، قد يرتفع بخمسة أضعاف في آفاق سنة 2020 لينتقل إلى 5 ملايير دولار أي بحوالي 400 مليار دينار، ويمكن بلوغ هذا الإرتفاع في سوق التأمينات، بفضل تنويع الفاعلين في مجال التأمينات، وبروز بنك التأمين، حيث سترتفع منحة التأمين الشهرية بالنسبة للفرد الواحد إلى 3000 دينار أي 40.5 دولار سنة 2020 وهو مبلغ يعد ممكنا. ويرى العارفون بخبايا القطاع، أن تجسيد هذه الأرقام يحتاج إلى توزان في المحفظة التأمينية، على إعتبار أن الإرتفاع في رقم الأعمال مدفوع بشكل خاص بفرع تأمين الضرر الذي يمثل 94.8% من البنية العامة للسوق، بينما يحوز فرع التأمين على الأشخاص على 5.2% فقط.
خاتمة
لمعرفة أهمية التأمين في الإقتصاد، لا بد من معرفة الأقساط للفرد الواحد، وعلاقته مع الناتج الوطني الخام، فكلّما كانت العلاقة مهمّة سيكون دليل على تطوّر البلد المعني، وللوقوف التقييمي على ترتيب الجزائر مقارنة بسوق التأمين الدولي والإفريقي والعربي، نستعمل كلا من مؤشري الكثافة والإختراق، حيث نجد أن نسبة التغلغل تتراوح ما بين 0.6%-0.8% وهي من أضعف النسب في منطقة شمال إفريقيا، أما نصيب الفرد وإنفاقه على التأمين فضئيل جدا بلغ 34.5 عام 2012، لنخلص إلى تواضع المركز التنافسي.
ومن الوقوف على مؤشر الإختراق، نجد رقم أعمال قطاع التأمين في الجزائر أقل من 1 بالمائة من الناتج الداخلي الخام، في الوقت الذي كان يمكن أن تصل العلاوات إلى 7 مليار دولار في الظروف العادية، مقابل 2 إلى 3 بالمائة في المغرب وتونس كبلدان مجاورة، فنسبة التغلغل الضعيفة والتي تعد الأكثر تخلفا في منطقة المتوسط تعكس تواضع وهامشية مردودية القطاع، على الرغم من الفرص القوية غير المستغلة التي يتوفر عليها، ففيه مجالات  خصبة غير مكتسحة وفرص نمو هائلة واعدة.
تفضي قراءة مؤشر الكثافة إلى نتيجة مفادها أن إنتعاش سوق التأمين المحلي مستقبلا له أفق واسعة، فالفرد الجزائري لا يصرف سوى 34 دولاراً سنويا على إكتتاب عقود تأمين، وهو الرقم المرشح للإرتفاع خلال السنوات القادمة، لأن القطاع يتصف بأنه من أهم الأسواق البكر، على إعتبار أن الجزائريين من بين أقل الشعوب من حيث التغطية في مجال التأمين في المنطقة العربية، فهو قطاع قابل للتطور بالنظر للإمكانات والقدرات الكامنة التي يزخر بها.


([1]) عملية تحليل المعطيات وإستنطاق الأرقام تمت من خلال إستقراء المادة العلمية التالية:
- الموقع الإلكتروني للديوان الوطني للإحصاء <<وثيقة الحسابات الإقتصادية>> (http://www.ons.dz)
- الموقع الإلكتروني لوزارة الطاقة والمناجم (http://www.mem-algeria.org/Annuaire-2007_2012/Annuaire_Energie_Mines_arabe.pdf)  
- الموقع الإلكتروني للمجلس الوطني الإقتصادي والإجتماعي (http://www.cnes.dz_conjoncture_S1_ S2.1996_2006/doc
- الموقع الإلكتروني للشركة الوطنية لنقل وتسويق المحروقات (http://www.sonatrach-dz.com)
- الموقع الإلكتروني للوكالة الدولية للطاقة (http://www.iea.org)
- الموقع الإلكتروني لمجمع أكسفورد للأعمال (http://www.oxfordbusinessgroup.com/country/Algeria)  
- الموقع الإلكتروني لمنظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول (http://www.oapec.org
- الموقع الإلكتروني لجريدة الشرق الأوسط (http://www.aawsat.com/details.asp?section=6&issueno=12013&article=645734
- الموقع الإلكتروني لقناة الجزيرة (http://www.aljazeera.net/NR/exeres/A3134AFA-F71E-4013-A23D-F4BD6DA8DC9F.htm)
([2]) لمزيد من التفصيل حول العلاقة التفاعلية بين الإقتصاد ومنظومة التأمين أنظر إلى:
- زروقي إبراھیم: دور قطاع التأمين في تنمية الإقتصاد الوطني دراسة مقارنة بين الجزائر  مصر، الملتقى الدولي حول الصناعة التأمينية (الواقع العملي وآفاق التطويرتجارب الدول)، جامعة الشلف، الجزائر، 2012  (http://www.univ-chlef.dz/LABORATOIRES/LSFBPM/seminaires_2012/intervention_zerouki_et_badri_2012.pdf)
- بلال ملاخسو: دور التأمينات على النمو الإقتصادي في الجزائر للفترة 1997-2010، مجلة العلوم الإنسانية، جامعة بسكرة، العدد 27/28 ، 2012 (http://www.univ-biskra.dz/revue-sh/images/revue-sh/28_27/09.pdf)
([3]) عملية تحليل المعطيات وإستنطاق الأرقام تمت من خلال إستقراء المادة العلمية التالية:
- الموقع الإلكتروني لوزارة المالية (http://www.finance-algeria.org)   
- الموقع الإلكتروني للمجلس العالمي للحبوب (http://www.igc.int
- الموقع الإلكتروني لمنظمة الأمم المتحدة للتغذية والزراعة (http://www.fao.org
- الموقع الإلكتروني للصندوق الدولي للتنمية الزراعية (http://www.ifad.org)
- الموقع الإلكتروني للمنظمة العربية للتنمية الزراعية (http://www.aoad.org)
- الموقع الإلكتروني للمنظمة العالمية للتنمية الصناعية (http://www.unido.org)  
- الموقع الإلكتروني للمنظمة العربية للتنمية الصناعية (http://www.aidmo.org 
([4]) عملية تحليل المعطيات وإستنطاق الأرقام تمت من خلال إستقراء المادة العلمية التالية: 
- الموقع الإلكتروني لصندوق الأمم المتحدة للسكان (http://www.unfpa.org)  
- الموقع الإلكتروني للمركز الوطني للدراسات والتحاليل من أجل السكان والتنمية (http://www.ceneap.com.dz
- الموقع الإلكتروني للديوان الوطني للإحصاء (http://www.ons.dz/-Demographie-.html
- الموقع الشبكي للوكالة الوطنية لتطوير الإستثمار (http://www.andi.dz/ar/?fc=demographie)
([5]) أنظر إلى المادة العلمية التالية:
- François-Xavier Albouy: L’Algérie est un marché facile à développer, L’argus de l’assurance, N°6965, 2006, p.21
- Abdelmadjid Messaoudi: Libéralisation, Conseil national des assurances, 4ème Forum des assurances d'Alger, Hôtel El Aurassi, 2005
- Abdelmadjid Messaoudi: Situation et défis du secteur des assurances, 4ème Forum des assurances d'Alger, Hôtel El Aurassi, 2005
([6]) لمزيد من التفصيل أنظر إلى المراجع العلمية التالية:
- رشيد بوكساني: إصلاح وواقع سوق التأمين الجزائري، مجلة الإصلاحات الإقتصادية والإندماج في الإقتصاد العالمي، العـدد 1، المدرسة العليا للتجارة، الجزائر، 2006، ص ص.57-59
- Mokhtar Naouri: Etude sur le marché Algérienne des assurances <<un fort potentiel à exploiter>>, Revue Algérienne des assurances, Edition UAR, N°4, 2001, p.16
- Sigma (N°6/2001)(N°2/2013), L'assurance dans le monde en 2000-2012 (http://www.suissre.com/Sigma)(Consulté le 5-3-2011)
- Bulletin des assurances (N°14/2011)(http://www.cna.dz/bulletin14/pdf)(Consulté le 1-7-2011)
- Marché des assurances en Algérie <<le taux d'évolution>>, Revue l'actuel international NRA (les nouvelle revues Algériennes), N°77, Alger, 2007, pp.18-19
- Dossier (le marché des assurances et l'assurance dans la mondialisation), Investir Magazine, N°26, Alger, 2008, p.49 

تعليقات