أخطاء أو مضاعفات طبية.. أين الحقيقة؟ بقلم / سهيل بن حسن القاضي

لا بد من التفريق بين المضاعفات الطبية والأخطاء الطبية، وأن التزام أي طبيب حيال مريضه هو التزام ببذل عناية يقظة تتفق مع الأصول الطبية المتعارف عليها، وليس التزامًا بتحقيق نتيجة، وعلى ضوء هاتين الحقيقتين يمكن اعتبار الخطأ الطبي: كل مخالفة أو خروج في سلوك الطبيب عن الأصول الطبية نظريًا وعمليًا، لتنفيذه للعمل الطبي أو إخلاله بواجبات الحيطة والحذر واليقظة، التي يفرضها القانون، وواجبات المهنة، بعبارة أخرى، إن الطبيب يُحاسب عن كل تقصير في مسلكه الطبي؛ لا يقع من طبيب يقظ في نفس مستواه المهني. هذا ما جرى اعتماده من قبل معظم القضاة والفقهاء على امتداد عصور التاريخ، وهو ما لخّصه ابن القيم رحمه الله بقوله: (إن الطبيب الحاذق فلا ضمان عليه اتفاقًا إذا أذن له المريض بعلاجه وأعطى الصنعة حقها ولم تجنِ يده إذا تولد من فعله المأذون فيه تكلف النفس أو العضو أو ذهاب الصفة)، وهذا ما أخذت به الأنظمة القضائية والإدارية في مختلف دول العالم بما فيها المملكة.


نظام مزاولة المهن الصحية هو النظام الأساس الذي يُحدِّد وسائل التقاضي والجهات المسؤولة عنه والعقوبات المقررة لكل مخالفة، وهذا عدا نظام المؤسسات الصحية الخاصة في هذا الشأن. هناك عوامل عديدة تلعب دورًا في حدوث الأخطاء الطبية لعلنا نذكر بعضًا منها وهي

1- ضعف التواصل أو نقل المعلومات الخاطئة أو صرف بدل علاج بسبب تشابه الأسماء أو إعطاء جرعة مضاعفة... إلخ.
2- أخطاء طبية بسبب نقص الإمكانات الطبية الحديثة أو خلل في أجهزة الأشعة أو المختبرات
3- أخطاء ناجمة عن عدم كفاءة الأنظمة أو عدم تطبيقها بالشكل الصحيح، وقد أظهرت بعض الدراسات أن 80% من الأخطاء البشرية تحدث نتيجة قصور الأنظمة والإجراءات.
4- أخطاء بسبب زيادة ساعات العمل والحرمان من النوم 24 ساعة أو أكثر، حيث لوحظ أن عدد الأخطاء يتضاعف ضعفين إلى ثلاثة أضعاف أثناء المناوبات الطويلة، وبالتالي تزداد حوادث السيارات التي يتعرض لها الطبيب بعد انتهاء دوامه، وقد أقرّ الأطباء بذلك.
5- هناك أخطاء ناتجة عن خلل في المضخة الوريدية، مما يؤدي إلى زيادة أو نقص كمية الدواء المعطى أو خلل في أجهزة المختبر وإعطاء نتائج غير صحيحة، وللحديث بقية، للتعرف على كيفية الحد من الأخطاء الطبية كل في اختصاصه ودور الجهات المعنية
ورغبة في التعرّف عن مستوى الأخطاء في العالم ثم مقارنته فقد وجد أن مريضا واحدا لكل عشرة يتعرض لخطأ طبي، والأوروبيون يعتقدون بأن الأخطاء الطبية تشكل مشكلة مهمة في بلادهم. في بريطانيا أظهرت إحدى الدراسات أن 67% من الحالات التي تعالج ضمن النظام الصحي البريطاني تتعرض لشكل من أشكال الأخطاء الطبية، في ألمانيا قيدت 40 ألف شكوى في عام 2005-2006 كانت نسبة الإدانة 20% وفي وزارة الصحة السعودية تفيد إحصائياتها بأن عدد القضايا التي عرضت على اللجان الشرعية في عام 1432هـ = 1547 ونسبة الإدانة في تلك القضايا 32.7%. 
هل في وسعنا أن نحدّ من الأخطاء الطبية؟ يقول أهل الرأي: لابد وأن نعترف بوجود المشكلة وأن نعمل ما يمكن لمعرفة حجمها وأبعادها الحقيقية، ولابد وأن نقرّ في البداية بأن الخطأ الطبي في الأغلب ليس مسؤولية فردية بل مسؤولية مشتركة، وأن الخطأ لا يصل إلى المريض إلاّ بعد المرور على عدة مخطئين ويكون الخلل في وصول الخطأ للمريض بسبب يكمن في النظام أكثر منه في الأفراد، كما أن تحليل جذور المشكلة في كل حادثة بشكل مستقل يعين على الحد من الأخطاء كما يشجع العاملين بالتعامل الموضوعي معها بهدف اكتشاف الثغرات لمنع تكرار الخطأ وليس البحث عن المخطئ لعقابه.
لعل من أهم العوامل المساعدة على الحد من الأخطاء الطبية:

1- وضع وتطبيق معايير صارمة تحكم جميع تفاصيل الممارسات الطبية في أي موقع طبي.
2- العمل على اختيار الأطباء والفنيين وجهاز التمريض والتأكد من مستواهم العلمي وخبراتهم وعمل دورات ومحاضرات علمية مستمرة لضمان محافظتهم على المستوى وتطوير قدراتهم.
3- توفير الأعداد الكافية من الاستشاريين والأخصائيين والأطباء العامين المدربين والتمريض لتغطية العمل على مدى 24 ساعة بحيث لا تزيد المناوبات عن 8-10 ساعات.
4- توفير الإمكانات الطبية الحديثة لمختلف المرافق وتوفير شبكة اتصالات متطورة تربط بين جميع المرافق الصحية الحكومية والخاصة ووسائل نقل المرضى من مرفق لآخر.
5- وضع نظام مراقبة وتقييم فعّال لسير العمل داخل المنشآت الصحية من قبل جهات محايدة.. بعبارة أخرى نحن بحاجة إلى: (تطوير الأفراد، تطوير الأجهزة، تطوير الأنظمة) والتأكد من مستوى مخرجات التعليم في بلادنا سواء في كليات الطب، كليات التمريض أو معاهده، أو الكليات الطبية. ولا يتبقى وقبل أن نختم إلاّ أن نشير إلى الدور العظيم الذي تقوم به الهيئة السعودية للتخصصات الصحية والمجلس المركزي لاعتماد المنشآت الصحية بهدف حماية المريض والحفاظ على سلامته... والله المستعان.

تعليقات