التأمين الصحي وكلفته على الاقتصاد الوطني -د. عابد بن حمود البدر

يكثر طرح التأمين الصحي كأحد الحلول لمعضلات الرعاية الصحية للمواطنين، وعياً بأن جميع الدول المتقدمة قد تدرجت في تطبيق التأمين الصحي لتوفير وتمويل الرعاية الصحية لمواطنيهم. إلا أننا في المملكة العربية السعودية قد سبقنا جميع الدول العربية في تطبيق التأمين الصحي على المقيمين، ليتبعنا عدد من أشقائنا كالإمارات، فقطر، فالكويت، ثم البحرين. علماً بأن تطبيقه الشامل على المواطنين هو التحدي الأكبر في ظل الازدياد المطّرد في تكاليف الرعاية الصحية مع محدودية الموارد المالية. وقد تحدثت التقارير و الدراسات البحثية بالمملكة عن عدم رضا المواطنين بمستوى الرعاية الصحية الحكومية المقدمة اليهم مجاناً، بينما يحظى المقيمين من موظفي القطاع الخاص بمستوى أعلى من الرعاية الصحية من خلال التأمين الصحي.
ويقوم التأمين الصحي على مبدأ توزيع مخاطر الصحة على شرائح المجتمع، بحيث تتوزع التكاليف الباهظة لرعاية عدد محدود من المرضى على عدد أكبر من أفراد المجتمع. فكلفة علاج بعض الأمراض (كالسرطان) قد تصل لتكاليف لا يستطيع السواد الأعظم من الناس تحملها بمفردهم، مما أبرز دور التعاون بين الأقرباء، والتكافل الاجتماعي، وظهور مؤسسات جديدة لتلعب دور "الطرف الثالث" بين الطرفين الأساسيين في الرعاية الصحة وهما المريض ومقدم الرعاية الصحية. كما للتأمين فوائد أخرى بفعل العدد الكبير من المشتركين (المؤمنين) في الصندوق التأميني، وهو يعطيهم ميزة تفاوضية مع مقدمي الخدمة الصحية في تخفيض الرسوم العلاجية وتحسين الجودة.
وكما يلعب التأمين الصحي أدواراً أساسية في تنظيم وتمويل الرعاية الصحية، فتحدياته الكبيرة قد أرّقت الساسة والدول، ويكمن التحدي الأكبر في كيفية السيطرة على التضخم السنوي الكبير في تكاليف الرعاية الصحية. حيث يمثِّل وجود التأمين الصحي حافزاً لزيادة مطّردة في تكلفة الرعاية الصحية بسبب الهدر وسوء الاستغلال من بعض مقدمي الرعاية الصحية، والإسراف في الاستهلاك من المرضى (المؤمنين). فاصبح من المسلمات بأن التضخم السنوي لتكلفة الرعاية الصحية هو اضعاف نسب التضخم السنوي لكلفة الاقتصادات. وقد أظهرت دراسة عالمية لتضخم تكاليف الرعاية الصحية بأنه بينما كان المعدل العام للتضخم بالمملكة العربية السعودية في العام 2014م هو 3.6%، كان التضخم الإجمالي لتكلفة الرعاية الصحية 11.5%. كما أظهرت الدراسة بأنه فيما انخفض معدل تضخم اقتصاد المملكة في العام 2015م إلى 3.25%، ازداد معدل تضخم الرعاية الصحية 17%. كما ظهرت في تقرير مؤسسة النقد السنوي للعام 2014م الزيادة الملحوظة في إجمالي مطالبات التأمين الصحي بين الأعوام 2010م و2014م، فقد نمى إجمالي المطالبات المدفوعة من 5.4 مليارات ريال إلى 11.6 مليار ريال، بينما ارتفع متوسط قيمة المطالبة المدفوعة للمؤمن عليه من 652 ريال إلى 1,193 ريال سنوياً خلال نفس تلك الفترة الزمنية.
وهنا تطرح بعض الأسئلة، ومنها: كم حجم تأثير تضخّم تكاليف الرعاية الصحية على الاقتصاد إذا استمر في النمو بنفس الوتيرة؟ وهل ستضطر الحكومة للحد من مسؤولياتها في تقديم الرعاية الصحية لمواطنيها؟ وهل سيستمر صاحب العمل بتحمل زيادة تكاليف موظفيه؟ وهل سيتمكن المواطن العادي من الوصول للرعاية الصحية المرجوه؟ اسئلة تحتاج لإجابات، وهذا ما سأحاول عمله في المقال القادم بإذن الله.

تعليقات