النصف الآخر: دراسة أولية لدور المرأة في شركة التأمين الوطنية – بقلم / إيمان عبدالله شياع

منذ منتصف الخمسينيات من القرن الماضي استطاعت المرأة العراقية ان تدخل مجالات وانشطة العمل الانتاجي والمهني والاداري والوظيفي (خارج مجال اقتصاد الريف وما يرتبط منه بالمدينة) تساعدها في ذلك مؤهلاتها التعليمية والتربوية والتي مكنتها من الولوج الى ميادين العمل جنبا الى جنب مع الرجل. ان نجاح المرأة العراقية في الحصول على قسط من الثقافة والتريبة والتعليم كان الوسيلة التي من خلالها استطاعت ان تتبوأ مختلف الاعمال والمهن والمراكز الوظيفية والقيادية وهي بذلك تخرج عن دورها التقليدي والذي تحدد بالأعمال المنزلية والامومة بل تعداه الى اثبات وجودها وكفاءتها على اشغال مختلف الاعمال اسوة بالرجل.
ان عمل المرأة ومن ثم تنامي معدلات القوى العاملة النسوية قد ساهم ايجابيا في رفع مكانتها الاجتماعية كعضو فاعل ساعدها في المساهمة كي تكون عنصراً منتجاً في المجتمع.


يحدثنا التاريخ المعاصر والذي شهد حركات التحرر للمرأة عن بدايات الحركة النسوية العراقية من خلال النشاط الاجتماعي لمجموعة من النساء المتعلمات من الطبقة الارستقراطية في تأسيس اول نادي نسوي اطلق عليه اسم ( نادي النهضة النسائية ) 1923. وبعدها أخذ هذا النشاط بالتعاظم فساهمت المرأة في المجال الصحفي عند ظهور اول مجلة نسائية (ليلى) عام 1933 وكانت رئيسة تحريرها بولينا حسون. كما عينت وزارة الصحة الدكتورة آنه ستيان كأول طبيبة عراقية. وكانت اول من تخرجت من كلية الحقوق صبيحة الشيخ داود حيث لعبت دورا رياديا اجتماعيا في النهضة النسوية. وعينت الدكتورة نزيهة الدليمي كأول وزيرة عام 1958 وتعتبر اول وزيرة بالوطن العربي وهي الوزيرة التي دوراً مهماً من خلال المساهمة في صياغة قانون الأحوال الشخصية الذي اثبتت المساواة بين الذكر والانثى قانونا.
ولا يسعنا هنا ان نذكر جميع الاسماء في مجالات الطب والصحافة والقانون والادب والفن فالقائمة تطول وكلها تُعبّر عن نجاح المرأة العراقية في دخول كافة مجالات الحياة متحدية التقاليد والنظرة القاصرة لها من قبل المجتمع.
ومن هنا لم يكن عمل المرأة في قطاع التامين بعيدا عن عملها في المجالات الاخرى، فقد بدأت عملها منذ ستينيات القرن الماضي، وربما قبلها في فروع شركات التأمين الأجنبية ووكالات التأمين، وقد بدأت بأعمال بسيطة كالطباعة والسكرتارية لتكون هذه الاعمال المدخل التقليدي لولوج العمل. يذكر بعض زملاء المهنة، والذين عاصروا البدايات الأولى لعمل المرآة في التامين، ان بعض المستندات كالتظهيرات وغيرها كانت تكتب بخط اليد وهي مهمة عسيرة على ما يبدو.
عندما اصبح الأستاذ عبد الباقي رضا مديرا عاما لشركة التامين الوطنية (1966-1978) احتلت المرأة مواقع وظيفية في العديد من الاقسام. نتحدث هنا عن الكثير من السيدات اللواتي عملن في ادارته مما يدل على سعة افقه وانفتاحه وموضوعيته في اختيار المرأة لمواقع قيادية كانت المرأة جديرة بها.
كاتبة المقال من الجيل الذي اتى فيما بعد، فقد سمعت بكثير من الاسماء ولم تتعرف الا على القليل منهن مع الاسف كان لهن دور فاعل وبصمة واضحة في عمل التامين.
لنتحدث هنا عن مي الخضيري، مديرة الاحصاء والتدريب، والتي كانت تتقن اللغة الانكليزية وكانت مسؤولة عن المراسلات التي تهم الشركة وتقوم بترجمتها وكانت تشرف بشكل مباشر على اعمال القسم كافة. بثينة حمدي، مديرة الحسابات الاقدم، وهي من المديرات الرائدات في قسم الحسابات وقد قام السيد عبدالباقي بإيفادها الى لندن؛ ربما كان هو أول رئيس لمؤسسة عامة يختار سيدة للإيفاد. نجيبة كاكا حيث معاونة مدير قسم [فيما بعد] فرع التأمين الهندسي وكانت ايضا تجيد اللغة الانكليزية وهي من الموظفات المتمكنات في عملهن. كذلك سهير حسين جميل الحقوقية المتميزة والتي عرفتها لمدة قصيرة وكانت متمكنة من عملها ولها شخصية قيادية قوية. كذاك هدى الصفواني، مديرة فرع الطيران، والتي عاصرتها لمدة قصيرة قبل ان تهاجر الى نيوزلندا لتتوفى هناك والتي كان قد ارسلها السيد رضا الى لندن مع باقر المنشئ للتباحث مع وسطاء ومعيدي التامين مما يؤكد انه كان محايداً بين المرآة والرجل ولا يفرق بينهما.
تقول السيدة سعاد البيطار، مسؤولة المكتبة في شركة التامين الوطنية، والتي عاصرت عبد الباقي رضا وتتحدث عنه باحترام وتقدير عاليين، تقول انها عندما كانت تقدم له الكتلوكات الخاصة بالكتب المراد شراءها لمكتبة الشركة كان يبادر الى الاشارة الى ان بعض الكتب موجودة في المكان الفلاني او في القسم او الفرع الفلاني. تقول انه عندما ترجع الى الاوليات كانت تجد ان كلامه صحيح وان الكتب فعلا موجودة في المكان الذي توقعه واشار اليه. وهذا انما يدل على حرصه وتمكنه من عمله وذاكرته القوية.
في الختام لم يكن الاستاذ عبد الباقي رضا بعيدا عن عمل المرأة فزوجته كانت تعمل ايضا في احدى دوائر الدولة. من هنا نستطيع ان نقول عمل المرأة في شركة التامين الوطنية خلال ادارة عبد الباقي رضا كان واضحا ومميزا مما يشكل علامة فارقة لتلك الفترة.
لا نعرف إن كانت له سياسة واضحة في استخدام المرأة رغم انه كان معروفاً بتفضيل الذكور على الإناث إلا أن ذلك لم يترجم نفسه إلى حرمان المرأة المؤهلة من استحقاق التوظيف متى ما كانت أفضل من أقرانها من الذكور. ولكن مراجعة سريعة للفترة التي كان فيها مديراً عاماً للشركة ربما تؤكد على ازدياد في عدد النساء العاملات بحيث أصبح حضورهن واضحاً في جميع أقسام الشركة في الإدارة العامة وفي الفروع.
قد لا نغالي إن قلنا بأن عبدالباقي رضا كان مساواتياً، لا يفرق بين المرأة والرجل في العمل، فهمّه الأساس إتقان العمل، وخدمة مصالح المؤمن لهم والحفاظ على سمعة الشركة في التعامل مع الأفراد والمؤسسات داخل وخارج العراق. لم يعرف عنه انه كان ميالاً إلى تفضيل الرجل على المرأة لاعتبارات تقليدية عاكسة لذكورية المجتمع إذ كان مقياس الاختيار بين الأثنين هو جدارة اللياقة مع متطلبات العمل.
المصادر: رابطة المرأة العراقية
[1] كتبت السيدة إيمان عبد الله شياع هذه الورقة لتكون فصلاً في مشروعي لكتاب يُكتب على شرف الأستاذ عبد الباقي رضا festschrift. إلا أن هذا المشروع لم يتحقق حتى الآن لأن من توسمت فيهم المساهمة بكتابة فصولها خذلوني باستثناء المرحوم د. سليم الوردي والسيدة إيمان عبد الله شياع. فلهما أجلّ الثناء. (مصباح كمال)

نشرت هذه المقالة في مرصد التأمين العراقي , الموقع الخاص بالأستاذ مصباح كمال على هذا (الرابط)

تعليقات