الإرهاب الإلكتروني يخلط أوراق صناعة التأمين

حتى وقت قريب كان قادة المجتمع المدني في كونا، وهي مدينة في ولاية أيداهو يبلغ عدد سكانها 15200 نسمة، ينفقون كثيرا من الوقت في التفكير في تكاليف الإرهاب العالمي. لكنهم الآن انتقلوا إلى مرحلة أخرى. في الوقت الذي تستعد فيه المدينة لوضع ميزانيتها لعام 2016، كان مكتب خزينتها يناقش سؤالا جديدا: هل يجب على كونا أن تنفق ما يقدر بـ 40 ألف دولار من أموال دافعي الضرائب لشراء بوليصة تأمين لتعويض الأضرار، إذا تعرضت مدينتهم في أي وقت لهجوم إرهابي؟ أم أن ذلك مضيعة للأموال؟


الذي حدث هو أن مجلس المدينة صوَّت ضد شراء هذه البوليصة. جون مارش، أمين الصندوق في المدينة، يقول “إن كونا مغطاة أصلا ببوليصة على مستوى المقاطعة، والمخاطر في الولاية لا تبرر بالضرورة هذا المبلغ الإضافي”. ويضيف “نحن لا نعتبر أنفسنا هدفا للإرهاب هنا في ولاية أيداهو”. ويتابع “إنها منطقة ريفية”. ومع ذلك يخلص إلى القول “نحن في عالم متغير وربما نحتاج إلى أن ننظر إلى هذا نظرة أعمق في المستقبل”.
هذا يدل على الدرجة التي ينتشر فيها ظل الإرهاب – أو بعبارة أدق، تقارير الإرهاب – في أماكن غير متوقعة. كما يسلط الضوء على معضلة أكبر لقادة الشركات والمجتمع المدني.
في الوقت الذي كان فيه العالم يترنح من هول هجمات باريس، كان التركيز يتجه إلى سؤال يحتاج إلى مزيد من النقاش: هل يمكن للمؤسسات حماية أنفسها من المخاطر المالية للإرهاب – وأن تفعل ذلك بطريقة فعالة؟
الجواب: نعم ولا. الخبر السار هو أن صناعة التأمين في الولايات المتحدة وأوروبا حققت في العقد الماضي تقدما هائلا في وضع إطار للتعامل مع التهديدات التقليدية للإرهاب – أي الهجمات من النوع الذي وقع في باريس، التي تقتل الناس وتلحق الضرر بالممتلكات.
كانت هناك حاجة ماسة إلى هذا التقدم. أسفر الهجوم على مركز التجارة العالمية في نيويورك عام 2001 عن تكاليف على المدينة قدرت مبدئيا بـ 40 مليار دولار، لكن كان من غير الواضح أولا ما إذا كان يتعين على شركات التأمين دفع مبالغ التأمين مقابل المخاطر الإرهابية. وفي الوقت نفسه اندلع نزاع مرير في عالم التأمين حول ما إذا كانت الحالة يجب تعريفها على أنها هجوم واحد أم عدة هجمات. في الواقع كانت المخاطر صعبة من حيث وضع نماذج لها، إلى درجة أن كثيرا من شركات التأمين توقفت عن تقديم تغطية على الإطلاق.
منذ ذلك الحين تمت تسوية عديد من عوامل اللبس القانونية “على الأقل لمواجهة المخاطر الإرهابية التقليدية” وقدمت الحكومات مساندة صريحة أو ضمنية.
في عام 2002 قدم الكونجرس قانونا يضمن أن تستوعب حكومة الولايات المتحدة الخسائر المادية الكارثية الناجمة عن الإرهاب ـ وتم تجديد القانون هذا العام. الصيغة معقدة بشكل كبير – لكن بشكل أساسي من المتوقع لصناعة التأمين استيعاب أول 37.5 مليار دولار من الخسائر الناجمة عن الهجوم، وبعد ذلك تدخل الحكومة.
وهذا، بدوره أقنع مجموعات التأمين الأمريكية بتقديم غطاء لمؤسسات الأعمال والحكومة – مثل المسؤولين في كونا – وأبقى رسوم التأمين على الإرهاب مستقرة نسبيا.
لكن الخبر السيئ لقادة الشركات والمجتمع المدني هو أن الإرهاب الإلكتروني يقدم موجة جديدة كاملة من عدم اليقين. حتى الآن، عندما حاول مجتمع الاستخبارات – وصناعة التأمين – قياس تكلفة الإرهاب كان هناك ميل إلى التركيز على الاعتداءات المادية. مثلا، في الأسبوع الماضي نشر معهد الاقتصاد والسلام، وهو مؤسسة فكرية في أستراليا، تقريرا يشير إلى أن الأعمال الإرهابية كلفت نحو 52.9 مليار دولار في العام الماضي على مستوى العالم، وهو الرقم الأكبر منذ عام 2001. ويشير هذا الحساب بشكل حصري تقريبا إلى الاعتداءات المادية، على اعتبار أن الإرهاب الإلكتروني حتى الآن لم يكن واضحا جدا.
لكن خطر الإرهاب الإلكتروني في ازدياد مضطرد. والمشكلة هي أنه إذا حدث هجوم، فمن غير الواضح كيف يمكن التعامل مع هذه التكلفة. في العامين الماضيين بدأت صناعة التأمين تقديم بوالص تأمين ضد القرصنة الإلكترونية بصورة عامة. الاستطلاعات تشير إلى أن ما بين 30 و50 في المائة من الشركات الأمريكية الكبيرة تستخدم الآن هذا النوع من البوالص.
لكن الإرهاب الإلكتروني يغلفه نوع من عدم اليقين القانوني، وتكاليف الهجوم من الصعب وضع نماذج لها. وهناك أيضا شكوك عميقة حول الدور الذي يمكن أن تلعبه الحكومة في أمريكا، والأهم، ما إذا كان الضمان من الحكومة الفيدرالية يمكن الاستناد إليه في حالة حدوث هجوم.
هذا يشير إلى أن هناك الآن حاجة ملحة لكي تعمل واشنطن على تطوير إطار أوضح: بل إن السؤال المعقد بأكمله، الذي يدور حول من الذي يجب أن يتحمل تكاليف الأمن الإلكتروني، بحاجة ماسة إلى جدل أوسع.
لكن الأمر المحزن هو أن هذا لن يحدث إلا بعد وقوع حادث إرهابي إلكتروني كبير. في عالم تسوده الاتصالات الفائقة، الإرهاب الإلكتروني على الإنترنت يمكن أن يسبب أذى على مستوى جديد تماما، سواء كان ذلك في باريس، أو واشنطن، أو أيداهو

موقع السياسي

تعليقات