قطاع التأمين الموريتاني وجهود الإصلاح - بقلم / محمد يسلم يرب ابيهات

مشكل العقلية، وحدود الحقوق والواجبات
مواصلة للحديث عن تداعيات جهود تطبيق الإصلاحات التي تقوم بها الجهات الوصية علي قطاع التأمين في بلادنا، نواصل الحديث في عدة حلقات متتالية عن كل جهة معنية، علي حدة
 - المؤمن لهم.
- مؤسسات التأمين. 
- الدولة والجهات الوصية.
 وذلك في محاولة لإبراز ما لكل طرف و ما عليه، في إطار المساعي الإصلاحية، التي من المفترض أن تكون همّ وشغل كافة الشركاء في عملية التأمين. وفي هذا الإطار نبدأ اليوم بالجهة الأهم في كل عملية تأمينية ألا وهي فئة حملة الوثائق، أو المؤمن لهم، أو المكتتبين، وهم المواطنون بشكل عام.


العقلية الصعبة للمواطن الموريتاني قلة الوعي بأهمية التأمين واعتباره كضريبة.
إن نسبة تغلغل التأمين في المجتمعات الحديثة، أصبح من المؤشرات الاقتصادية المهمة، نظرا لما تلعبه صناعة التأمين في اقتصاديات الدول الحديثة. ومما لا شك فيه أنه كلما كبر المبلغ الذي يخصصه المواطن العادي للتأمين في بلد معين، كلما اعتبر ذلك البلد بلدا ذا اقتصاد مهم وواعد. و يرجع ذلك إلي ارتباط الثقافة التأمينية بمستوي التقدم والوعي بالمخاطر الاقتصادية المتنوعة والمتزايدة التي تواجه الأفراد والمجتمعات في عصرنا الحديث.

ويعكس وعي الفرد بأهمية التأمين في مجتمع معين مدي حيوية وفاعلية ونشاط مواطنيه واستعدادهم للإسهام في الدورة الاقتصادية لبلدهم. ومتى ما انعدم أو تناقص هذا الوعي، كان لزاما علي الحكومات، خصوصا في العالم الثالث، أن تتدخل بشكل فعال، وعلي أصعدة مختلفة، لضمان وجود واستمرارية الـتأمين كقطاع، وكرافعة أساسية للاقتصاد الوطني، لا غني للدول الحديثة عنها.

وهكذا، نجد الدولة الموريتانية تعمد في مرحلة أولي من مراحل تاريخ التأمين في بلادنا، إلى إنشاء المؤسسة الوطنية للتأمين وإعادة التأمين '' اسمار'' لإيجاد الإطار العام الذي يلبي الحاجة الدنيا للمواطنين من التأمين. وظلت هذه المؤسسة الوطنية تزاول، علي انفراد في السوق، أهم فروع التأمين بالنسبة للمواطنين، ألا وهو تأمين السيارات. فدرج المواطن الموريتاني علي اعتبار التأمين علي سيارته كجزء من الإجراءات التي تُلزمه الدولة بها، كي يتمكن من الحرية في التحرك بسيارته في الطرقات العامة، وفي كل نقطة من الأراضي الوطنية، في بلد مترامي الأطراف كموريتانيا، يمتاز بضعف البنية التحتية وشبه انعدام المواصلات في ذلك الوقت. فتعامل الناس مع ''اسمار'' كشركة للدولة، تمنحهم وثائق، هي أقرب إلي الضريبة السنوية أو الإتاوة منها إلي تأمين يحفظ للشخص مسؤوليته المدنية، ويعوض له الخسائر المادية التي قد تلحق بسيارته، بشروط معينة. فلم يكن للمؤمن له دخل في نقاش تلك الشروط قبل التوقيع عليها، ولا حتى إدراك مغزاها ومراميها وأهدافها العميقة، إذ كانت تحرر، كاملة، في اللغة الفرنسية- ولا تزال للأسف-، وهي لغة حكر علي الطبقة المتفرنسة، والقليلة آنذاك.

وظلت هذه الوضعية سائدة لفترة طويلة، كانت كافية لترسيخ مفهوم الإتاوة أو الضريبة، وهو مفهوم واعتبار لا يزال يطبع، إلى حد كبير، عقلية المواطن في التعاطي مع التأمين بشكل عام، ويستلزم تغيير العقلية التي نجمت عنه ورسخت، جهدا كبيرا، مضاعفا ومتواصلا، لابد أن يدرك رجال أعمالنا، ملاك شركات التأمين، أهمية وضرورة بل إلحاح القيام به، اليوم قبل الغد، إذا كنا نريد للوعي التأميني والثقافة التأمينية أن تجد طريقها إلي الرسوخ في عقول مواطنينا.

ولا تزال هذه العقلية، منذ 1993، أي بعد اثنين وعشرين سنة من خصخصة القطاع أو ليبراليته أو تحريره، لا زالت نفس العقلية مخيمة بشكل يعوق إلي حد كبير تقدم وازدهار قطاع التأمين في بلادنا. ومع ترسخ وتجذر عقلية كهذه، لن نجد صعوبة في تفهم كون الهاجس الأكبر، بل الهم الوحيد لغالبية المواطنين، أو كلهم هو ما دام التأمين علي سيارتي مجرد ضريبة أو إتاوة تفرضها الدولة، فما هي أنجع طريقة للحصول علي وثائق التأمين بأرخص ثمن ممكن؟ هذا هو الهاجس الوحيد.

ولا يزال هذا الهاجس يقود المواطن الموريتاني، حتى المثقفين و رجال الأعمال والطبقة المتعلمة، في تعاملهم مع التأمين لغاية يومنا هذا. وإن وضعية كهذه لا بد من علاجها بشكل مركّز، وبجهود جادة، لم تقم بها - للأسف الشديد- أي جهة في البلد. ومما أسهم في ترسخ هذه العقلية، التي تحولت إلى حالة مرضية يستعصى علاجها، تقاعس شركات التأمين الخصوصية وتخاذلها عن القيام بواجب التوعية حول أهمية التأمين وضرورته، عبر تنظيم حملات توعية، تشرح للناس التأمين من خلالها، وتزودهم بالمعلومات اللازمة حوله، و ذلك عبر الإنفاق السخي علي الجهود الدعائية التي من شأنها تثقيف المواطنين وترغيبهم في اكتتاب عقود التأمين المختلفة، والتي تشكل بحق دعامة لا غني عنها في عالمنا المعاصر لحماية الأفراد، والأسر، والصحة، والتعليم، والتقاعد، وكذا الحفاظ علي كافة أنواع الممتلكات، والاستثمارات والأنشطة الاقتصادية المختلفة. الفردية والجماعية.

فنحن ندرك، في ظل وضعية كهذه، أنه من الطبيعي جدا أن تتحدّد وتتركّز نظرة المواطن علي الثمن والثمن فقط. كم سيكلفه التأمين؟ كم سيصرف علي تأمين سيارته، التي قد لا تكون في الكثير من الأحيان تستجيب للمعايير الفنية اللازمة، والتي لا بد أنه عاني كثيرا حتى حصل عليها...، وقد تكون مصدر رزقه الوحيد...، ولا بد له كذلك من تسديد رسوم الضريبة السنوية للدولة ''فنيت''...، فمن أين له بكل هذه التكاليف، التي يعتبرها مجرد ضرائب، لن يبخل في التهرب منها؟...إنها بحق وضعية صعبة ومعقدة، تتضافر عوامل كثيرة لتعقيدها، كالعقلية، وانعدام الثقافة التأمينية، وضعف القوة الشرائية في أحيان كثيرة....

لا بد أن ندرك، والحالة هذه، ضرورة تجاوز هذه الوضعية الصعبة، والعمل علي الرفع من مستوي الوعي لأهمية التأمين وضرورته، مهما كان الثمن باهظا، حتى نجعل المواطن مقتنعا أولا وقبل كل شيء بأهمية التأمين، فيكون أشد حرصا عليه، وطلبا له، ورغبة فيه، أكثر من مؤسسات التأمين نفسها. وللوصول إلي هذا الهدف، لا بد من أن تصرف مؤسسات التأمين عندنا علي التوعية، وكذا الدولة، وبسخاء، عبر حملات تحسيسية مدروسة، منظمة، منهجية، دقيقة و فعالة، ترصد لها الوسائل اللازمة ويُعهد بها إلي خبراء وطنيين، أو يُستدعي لها خبراء أجانب، إذا اقتضت الضرورة.

 لكن لا بد كذلك أن يسهم أرباب العمل، من ناقلين، وملاك سيارات، منضوين تحت اتحاديات، أو روابط، أو جمعيات أو تعاونيات، لا بد أن يسهم هؤلاء بالخصوص في جهود التوعية. ولا ينبغي أن يقتصر دورهم علي النظر إلي كلفة التأمين، دون الحرص علي تصحيح وضعية قطاع التأمين في بلادنا. فالاختلالات كثيرة، والنواقص جمة، ومكامن الضعف لا تحصر. ومتى أدرك الناقلون وملاك أساطيل السيارات ذلك، هان عليهم الارتفاع البسيط في مستوي المبالغ التي كانوا يدفعونها للحصول علي التأمين. وسيهون عليهم ذلك الفارق أكثر، إذا أدركوا أن انخفاض السعر كان ناتجا عن تحايل، وليس عن توفير سليم وصحيح.

وسيهون عليهم تسديد الأقساط كاملة، إذا أدركوا أيضا أنهم في الحقيقة، كانوا يحصلون علي أوراق، مجرد أوراق، لا تعويض معها للمتضررين، ولا خدمات، ولا إصلاح للأعطاب التي قد تلحق بالسيارات في أماكن بعيدة، ولا سحب للسيارة المعطلة ، ولا مرآب للتصليح الميكانيكي، ولا سيارة تعويضية، ولا استفادة من فائض يوزع، ولا حتى إسهام في الاقتصاد الوطني...

إن الارتفاع البسيط في مستوي المبالغ الذي لا بد أن يقع،  فور الشروع في التطبيق الصحيح للتعريفة الرسمية لتأمين السيارات، هو ارتفاع عادي، وطبيعي. علي الجميع أن يصبح أكثر استعدادا للدفع، بطيب نفس، وبإدراك حقيقي لضرورة الدور الهام الذي يلعبونه في إنعاش سوق التأمين في بلادهم.

حدود الحقوق والواجبات
وسنحاول فيما يلي تقديم بعض النقاط، والشروح، والمقارنات التي من شأنها أن تجعل رجال أعمالنا، وتجارنا، وناقلينا أكثر تفهما واستعدادا لدفع ثمن الـتأمين كاملا دون نقص.

أولا إن مقارنة مستوي أقساط التأمين علي المسؤولية المدنية الناجمة عن استخدام العربات والمركبات ذات محرك، في الدول المجاورة، تُطلعنا علي الفرق الكبير في التسعرة. فأقساط تأمين السيارات، ضد الغير، والخسائر المادية التي تلحق بالسيارة، و التأمين الشامل، أكبر ثمنا بكثير في دول الجوار، سواء منها تلك الإفريقية، أو المغاربية.

ثانيا هنالك فرق كبير بين أن أدفع قسطا لا يسمن ولا يغني في عملية التأمين، ولا يمكّن الجهة المسؤولة من الوفاء بضماناتها التي تقدم من خلال عقد التأمين، وهي شركة التأمين، فأكون قد أهدرت الوقت والمال والجهد؛ وبين أن أدفع قسطا كاملا، صحيحا، يمكن لمؤسسة التأمين من خلاله، أن تلتزم بتعهداتها، وتفي بالضمانات التي تقدم لي. أي، هناك فرق كبير بين تطبيق التعريفة الرسمية بشكل صحيح وبين التلاعب بها، وهو ما كان سائدا.

 ثالثا إن من يسهم في تردي أقساط التأمين، ظنا منه أنه يخفف من أعباء ضريبة عليه، لا يجهل أو يتجاهل أهمية التأمين فحسب، بل يسهم من حيث لا يدري، والعياذ بالله، في تضييع حقوق الضحايا، الذين قد تتسبب سيارته في موتهم أو وفاة أقاربهم، أو إلحاق إعاقة دائمة بهم. أو إتلاف ممتلكاتهم، أو قتل مواشيهم.

رابعا توجد عدة خطط وطرق، يمكن الاتفاق عليها مع المؤسسة المؤمنة، وبعد موافقة الجهات الوصية طبعا، من أجل إقرار تخفيضات مهمة، يستفيد منها، فقط، ودون غيرهم، ملاك السيارات الذين يثبتون حيازتهم الفعلية، عن طريق بطاقات رمادية باسمهم، لعدد يتجاوز حدا معينا، يرتفع مع ازدياده طرديا،  مبلغ ذلك التخفيض، حتى يصل إلي مستوى معين.

ونحن نعلم أنه، ولحد الساعة، كانت النصوص المنظمة، الصادرة عن الجهة الوصية، تقضي بتطبيق ''تخفيض 25% (في المائة) في حق كل أسطول، أو مجموعة سيارات، شريطة أن تزيد علي خمسة، وأن تكون كلها باسم شخص واحد''. والله يعلم كم أدي التطبيق الأعرج، المتحايل، الفاسد، لهدا القرار، من مشاكل لا يمكن حصرها. فهو القرار الذي أدي إلي العصف كليا باحترام التعريفة الرسمية. ولقد تسبب هذا القرار، أو بشكل أدق تطبيق هذا القرار، في فوضي عارمة، نتج عنها تسيب مهول وتدهور ماحق في مستويات الأقساط.

ومن المعلوم أن هذا القرار أتي في الأصل نتيجة ضغط من اتحادية النقل، في عهد السجاد ولد اعبيدن، خلال حكم الرئيس معاوية ولد سيد أحمد الطايع. ولم تزل أقساط التأمين في انحطاط منذ ذلك العهد إلي اليوم.

ومن أجل تصحيح وضعية كهذه، يلزمُ الجميعَ التقيدَ الحرفيَ بالنصوص، والالتزامَ الحقيقي بها. وعلي سبيل المثال، نجد رجال الأعمال، ومؤسسات النقل العمومي، والسياحي، والمصانع، ومقاولات البناء، التي تملك سيارات وشاحنات ومعدات كثيرة، تستفيد في الدول المجاورة من تطبيق أنظمة ومخططات مختلفة تمكنهم من الاستفادة القصوى من التأمين، عن طريق توفير حزمة من الخدمات، والمزايا المختلفة التي يحق لهم الاستفادة منها. بل قد يستفيدون من جدولة تخفيضات ترتبط بعدم تسجيل الحوادث، علي مدي فترة معينة مثلا، و كذا تطبيق   '' تعسير'' في حالة تسجيل حوادث، جسمانية أو مادية. وهو ما يعرف ب نظام '' المكافأة'' و''المعاقبة'' في تطبيق التسعرة اللازمة في حساب أقساط التأمين.

خامسا علي المؤمن له أن ينظر إلي أهمية كون القسط في المستوي المطلوب، الذي يمكن مؤسسة التأمين من التعويض العادل، السريع، والمرضي. فإذا لم يكن القسط يفي بكل ذلك فلا فائدة من التحايل، و التواطؤ علي الغش، و دفع مبالغ زهيدة، لن تكون إلا مقابل أوراق لا معني لها، سوف لن يعدم بائعها ألف طريقة وطريقة للتنكر والتملص من أي دعوي لإثبات  كل حق في التعويض قد يُلزم به. فالتأمين عملية جادة، يُتوخي من خلالها الإسهام في تعويض المتضررين عن كل أو بعض الأضرار أو الخسائر أو الكوارث التي قد تصيبهم. و لا بد لهذه العملية من احترام مبادئ أساسية من أهمها دفع القسط المستحق أو اللازم. فبدون تجميع أقساط كافية، واستثمارها استثمارا راشدا، صحيحا، مع كامل الحيطة والحذر، ومع مراعاة هامش السيولة الضروري، لا يمكن ضمان أي تعويض.

سادسا فور الشروع في التطبيق الصارم والصحيح للتسعيرة الرسمية لحساب أقساط السيارات، سيكون لزاما علي مؤسسات التأمين أن تبدأ في التنافس الايجابي علي التحسين من مستوي، ووتيرة، ونوعية التعويضات جراء الحوادث. وهذا هو الهدف الأول والغرض الأصلي من إلزامية التأمين ضد الغير، أو الطرف الثالث في معظم دول العالم. كذلك سيكون لزاما علي مؤسسات التأمين الوطنية أن تتنافس في إضافة حزمة من الخدمات إلي جانب التغطية الأساسية والمتمثلة في المسؤولية المدنية اتجاه الغير. وأن تفكر بجد في الاتفاق فيما بينها علي إبرام اتفاقية لإنشاء نظام التعويض المتبادل، والمرآب المشترك، واللائحة الموحدة لأسعار قطع الغيار المعتمدة في التعويضات، واللائحة الموحدة للخبراء المعتمدين من مهندسين، وأطباء، وأكتواريين. والكثير مما يجب علي مؤسسات التأمين العمل علي توفيره، ويحق للمؤمن له المطالبة به. ولا يقل أهمية عن كل ما ذكرنا، المطالبة بالشرح والتوضيح لكل بند وشرط قبل التوقيع علي العقد.

سابعا علي حاملي وثائق التأمين الذين أبرموا عقودا تأمينية مع شركة معتمدة، أن يدركوا أهمية الالتزام بما وقعوا عليه، حتى يُفَوِّتوا علي المؤمِّن إمكانية التذرع بعدم احترام بنود العقد. من ذلك، مثلا، سلوك شائع عندنا يقضي بأن يشتري أحدهم سيارة ولا يكترث بإشعار مؤسسة التأمين بانتقال الملكية إليه، مع العلم أن انتقال الملكية يؤدي إلي التوقف التلقائي والمؤقت لكل الضمانات. كذلك، وهذه صورة أخري، يشتري صاحب سيارة الأجرة تأمينا لاستخدام شخصي، ويواصل مع ذلك النقل العمومي أو''التاكسي'' (أجرة). فهو في هذه الحالة يعتبر في وضعية ''تحريف استعمال'' تمنعه من الاستفادة من أي ضمانات، وستجعل الشركة تتملص من ضحايا أي حادث يتسبب فيه للغير، وسيعطيها الحق، في حالة ما إذا عوضت للضحايا، أن تتبع ذمته، وتلزمه برد ما عوضت للضحايا جراء مسؤوليته. كل ذلك يحتم علينا الابتعاد عن هذا النوع من الممارسات، الذي يدل علي قلة وعي لمعني التأمين ولمراميه وأهدافه.

ثامنا إن علي المؤمن لهم الابتعاد عن الزيادة غير المرخصة في عدد الركاب، وكذا الامتناع عن السياقة أو قيادة السيارة مع عدم الحصول علي رخصة السياقة، أو فئة رخصة السياقة اللازمة، كأن يسوق سيارة نقل عمومي، أو شاحنة أو صهريجا، وهو غير حاصل علي الفئة المناسبة. كما يجب الابتعاد عن''تبادل'' أو ''إبدال'' رخص السياقة، و''تبديل'' السائق بعد وقوع الحادث، والكذب والافتراء علي الغير، ومحاولة التملص من المسؤولية، أو الرشوة من أجل إحالة المسؤولية علي الطرف غير المسؤول عنها، خصوصا في الأماكن القصيّة، أو الهروب بعد وقوع الحادث. كل هذه الأنواع من التحايل تجعل مؤسسات التأمين في حِلّ من أمرها بخصوص الالتزام بالتعويض، وتؤدي في أحسن الحالات إلي تعذر التصالح والتفاهم الودي، واللجوء إلي التقاضي، والمحاكم، وهو ما يعني التسبب في ضياع حقوق الكثير من الضحايا الأبرياء، والعياذ بالله.

تاسعا إن تزوير الوثائق، كالتزوير المتعلق بقوة المحرك، ورقم هيكل السيارة، قد تؤدي، بعد وقوع حادث، وأثناء التحقيق ب''الخبرة'' و''الخبرة المضادة''، إلي رفض التعويض من طرف مؤسسة التأمين، مما يؤدي أيضا إلي ضياع حق ذوي الحقوق الثابتة، لا سامح الله. فيجب الابتعاد عن كل هذه الأصناف من التزوير والغش، وعدم التذرع بغلاء السعر، أو زيادته من فئة ''عدد الخيول'' إلي أخري أعلي منها سعرا، في المحركات مثلا. والأوْلي، في حالة وجود ضائقة مالية، أو العجز عن تسديد القسط كاملا مرة واحدة، الأولى، مصارحة مؤسسة التأمين وطلب تسهيلات في التسديد، مع الالتزام المطلق طبعا، بدلا من اللجوء إلي التزوير في قوة المحرك الجمركية.

عاشرا إن السلوك المدني، المتحضر، الذي يتماشي مع روح التأمين ومتطلباته، وقبل ذلك وازعنا الديني النابع من واجب امتثال تعاليم ديننا الحنيف، تجعلنا نبتعد عن كل أشكال الغش والتحايل والتزوير وقلب الحقائق، التي تسيء إلي الجميع أكثر مما تفيد. ومن المفترض أن نكون أكثر حرصا من غيرنا علي الصدق و التعامل ب ''منتهي حسن النية'' ،وهو أحد مبادئ التأمين الأساسية وهو المبدأ الذي تبني عليه نظرية التأمين وتأسس عليه كل قواعده الخاصة به. و والله العظيم إننا لأحق الناس بتطبيق هذا المبدأ والحرص عليه. وأخيرا، وليس آخرا، كما يقول الانجليز، علينا أن نعمل جميعا ومن غير تسييس، علي التعريب الهادئ والعلمي الدقيق والرصين والمحكم، لجميع فروع التأمين وتقنياته، ووثائقه، ومبادئه، والعمل الجاد، ومن غير تسييس كذلك علي الاستفادة من تقنيات التأمين الإسلامي التعاوني أو التكافلي الذي بدأ، حتى في العالم غير الإسلامي، يحتل مكانة لا يستهان بها إلي جانب التأمين التجاري، الذي يسمونه ''التأمين التقليدي''، وهو ، أي التأمين الإسلامي، تأمين يشبه إلي حد بعيد التأمين ''التعاوني'' المعروف والمزدهر في الغرب والشرق، ويرفع الحرج عنا جميعا بإبعاد الجوانب التي تخالف شريعتنا السمحة.

والسلام عليكم ورحمة الله تعالي وبركاته.

في الحلقة القادمة، نتحدث إن شاء الله، عن شركات التأمين في بلادنا، ما لها وما عليها.

تعليقات