التأمين التكافلي من منظور جديد - بقلم عبدالله محمد العور

تعود جذور مصطلح 'التكافل' إلى كلمة "الكفالة" التي تشير إلى معاني المسؤولية والضمان. ويتمثل المعنى الحرفي للتكافل في الضمان المشترك أو الجماعي والمسؤولية المشتركة والتعهد المتبادل. وبالتالي، هناك العديد من أوجه التشابه بين التكافل والتأمين المتبادل التقليدي. ولكن في حين يقوم مبدأ التأمين التقليدي على عقدٍ يحدد بنود بيع وشراء الخدمات بين المؤمّن وشركة التأمين، يستند مفهوم التكافل إلى ترتيب معين تحرص بموجبه مجموعة من الأفراد بتأمين بعضهم البعض، بحيث يقوم كل طرف منهم بدور المؤمن وشركة التأمين في آن معاً.
لكن من الضروري هنا أن نفهم هذا الاختلاف بين التأمين التكافلي والتقليدي لكي نتمكن من اغتنام الفرص العالمية التي تنتظر قطاع التكافل، والتصدي بنجاح للتحديات الملحّة التي يمكن أن تؤثر سلباً على مدى الاهتمام بخدمات التكافل في القطاع المالي العالمي.


عندما أعلن صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، عن إنشاء مركز دبي لتطوير الاقتصاد الإسلامي، حدد سموه قطاع التمويل الإسلامي - وهو القطاع الذي يشمل خدمات التكافل - بأنه ركيزة أساسية لتحقيق رؤية دبي وتطلعها لأن تصبح عاصمة الاقتصاد الإسلامي. وأكد سموه على أن نجاح التمويل الإسلامي ودوره الهام في الاقتصاد العالمي، يتطلبان التركيز على التكافل باعتباره مساهماً رئيسياً في نمو وقبول التمويل الإسلامي كبديل عملي ومستدام للتمويل التقليدي.
لقد أفاد تقرير "واقع الاقتصاد الإسلامي العالمي 2014-2015"، بأن قيمة سوق التكافل العالمية بلغت 28 مليار دولار، وأن دول مجلس التعاون الخليجي تساهم بنسبة 62% من القيمة الإجمالية لأقساط التكافل. ورغم أنها قد تبدو ضخمة، إلا أن قيمة هذه السوق لا تتعدى 1% من القيمة الإجمالية لقطاع التأمين. وإذ ترجع نشأة مفهوم التكافل إلى القبائل العربية القديمة التي مارست مبادئ وقيم التكافل قبل مئات السنين، وهي المبادئ التي أقرها وباركها نبينا محمد عليه الصلاة والسلام، فإنه يحق لنا أن نتساءل لماذا لم يحظى التكافل بانتشار واسع، وخاصة في الدول ذات الأغلبية المسلمة؟ فعلى سبيل المثال، أشارت دراسة استطلاعية أجرتها شركة "سويس ري" في إندونيسيا التي تضم أكبر عدد من المسلمين في العالم، أن 5% فقط من المشاركين لديهم معرفة جيدة بالتكافل. وهذا يشير إلى أن التكافل يواجه بعضاً من العقبات التي تحول دون انتشار خدمات وحلول التمويل الإسلامي على نطاق أوسع. وكقاسم مشترك مع المصارف الإسلامية، تحتاج شركات التكافل إلى تثقيف المستهلكين، وضمان الشفافية في عملياتها، وتوفير منتجات متوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية تلبي احتياجات المستهلكين وتخضع للرقابة من قبل مجالس شرعية على درجة عالية من الكفاءة لضمان أعلى معايير النزاهة في المنتجات والخدمات.
ومن القواسم المشتركة أيضاً، الابتكار الذي يلعب دوراً رئيسياً في نمو وتطور قطاع التكافل العالمي مستقبلاً، وكذلك في تغيير النظرة العامة إلى التكافل من كونه أحد أوجه التأمين التقليدي إلى كونه قطاعاً مستقلاً يقوم على ممارسات متوافقة مع أحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية وتستجيب بشكل مباشر لتداعيات وآثار الأزمة المالية العالمية في ما يخص الحوكمة، والمسؤولية الائتمانية، وإدارة المخاطر والمساءلة.
وعلى المستوى الفردي، هناك حاجة لتوفير منتجات بسيطة تتسم بالشفافية وتلبي احتياجات محددة للمسلمين. وفي هذا السياق، فإن خطط الادخار والتقاعد تلبي احتياجات الشيخوخة والتقدم في العمر، وتساعد أيضاً على جعل التكافل أكثر شفافية ووضوحاً. وفي الوقت نفسه، يتعين على شركات التكافل عدم الاكتفاء بالمجالات المعتادة كالتكافل العائلي وتأمين السيارات، بل عليهم التوسع نحو مجالات جديدة تنطوي على إمكانات نمو واعدة مثل الشحن وشركات الطيران وإعادة التكافل، هذا بالإضافة إلى الفرص المتاحة خارج الأسواق التقليدية مثل الشرق الأوسط وجنوب آسيا، وخصوصاً في باكستان وتركيا ونيجيريا وكينيا وتونس، حيث لا يزال قطاع التكافل في مراحله الأولى. وتشمل فرص النمو الأخرى، 'التكافل الأصغر' الذي يلبي احتياجات ذوي الدخل المنخفض، فضلاً عن الأدوات المالية الإسلامية، مثل الصكوك، التي يمكن لشركات التكافل الاستثمار فيها.
يمثل قطاع التكافل فرصة كبرى لتحقيق نمو مضاعف ومستدام. إلا أن استثمار هذه الفرص يتطلب إعادة النظر في استراتيجيات ونماذج أعمال التكافل، مع الأخذ في الاعتبار تطوير وتوسيع القوانين الناظمة، وتزايد المنافسة من شركات التأمين التقليدية، واستراتيجيات التسعير، ونماذج التكلفة، والحاجة لاستقطاب شرائح أوسع من العملاء من المسلمين وغير المسلمين.
في الواقع، إن قطاع التكافل لن يتمكن وحده من تحمل عبء التحول من مجال متخصص ومحدود إلى بديل رئيسي واسع الانتشار للتأمين التقليدي. وعليه، إن نجاح قطاع التكافل مستقبلاً يتطلب تضافر جهود جميع الأطراف ذات الصلة، بما في ذلك الجهات التنظيمية والالمؤسسات الناشطة في السوق والمجتمع ككل لوضع مخطط استراتيجي يحدد الملامح المستقبلية للقطاع. وتمثل هذه المسؤولية المشتركة والمتبادلة - وهي من ركائز التكافل - أحد الأهداف الرئيسية التي يسعى إليها مركز دبي لتطوير الاقتصاد الإسلامي من أجل توفير منصة حيوية ومستقرة تمكّن شركات التكافل من تعزيز قدرتها على التعامل مع المخاطر.
بقلم: عبدالله محمد العور
المدير التنفيذي لمركز دبي لتطوير الاقتصاد الإسلامي
© Zawya 2015

تعليقات