التأمين الصحي الاجتماعي بين الواقع والمأمول - د. احمد الديب

في خضم الجدل الدائر حول الرعاية الصحية المقدمة ومعايير جودتها ومدي استجابة مقدمي الخدمات الصحية والتزامها بهذه المعايير, ثمة تباين واضح بين منظور المنتفع النهائي من الخدمات الصحية و منظور واضعي سياسات القطاع الصحي.
فبينما يهتم المنتفع النهائي (من تقدم اليه الخدمة الصحية) بتوفر الخدمة وسهولة الوصول اليها في الزمان والمكان المناسبين ومردود هذه الخدمة كأن يتمتع بصحة جيدة تمكنه من مواصلة اعماله ونشاطاته المختلفه ,تدور في قاعات المؤتمرات وورش العمل وخلف ابواب واضعي سياسات القطاع الصحي المغلقة نقاشات اكثر سخونة واكثر تعقيدا واثارة للجدل.
يواصل واضعي سياسات القطاع الصحي نقاشاتهم حول الطرق التي يمول بها النظام الصحي ,ومدي ملائمة الطرق المطروحة لتواكب الواقع الاقتصادي والسياسي والاجتماعي للدول, وما هي الطريقة الانسب لكل دولة .ولا يقتصر استعراض طرق تمويل الانظمة الصحية علي الدول منخفضة الدخل لكنه يبقي بنفس القدر من الأهمية عند وضع سياسات صحية لدول متقدمة او ذات الدخل المرتفع.

ويمكن تعريف التغطية الشاملة(UNIVERSAL COVERAGE) بأنها تقديم الخدمات الصحية الوقائية أو العلاجية أو التأهيلية للجميع دون استثناء بتكلفة ميسورة .

ومن اجل تحقيق الانصاف في التمويل يشترك الأفراد والمجموعات في عملية التمويل عن طريق تحصيل مساهمات مالية(اقساط تأمينية) حسب قدرتها المتفاوتة علي دفع التكاليف بحيث يتقاسم الجميع تكاليف الخدمة الصحية ولا يتحملها الفرد الذي يعاني من المرض فقط و يتم تحديد آليات التحصيل ونظم دفع تكاليف الخدمات الصحية المتزايدة باضطراد.

وهناك خيارات كثيرة للتغطية الشامله اهمها التمويل الصحي عن طريق الضرائب عن طريق استخدام الأيرادات الضريبية في تمويل النظام الصحي 

والخيار الثاني وهو الذي تحاول هذه المقالات القاء الضوء عليه هو التامين الصحي الاجتماعي(SOCIAL HEALTH INSURANCE) والذي يتم تنفيذه عن طريق تحصيل اشتراكات محددة(أقساط تأمينية) للانتفاع بالخدمات الصحية من العمال والشركات والحكومات وتجميع كل هذه الاشتراكات في صندوق واحد او اكثر. علي ان تقوم الحكومات بدفع اشتراكات الغير قادرين .

والحق اقول إنه لا يوجد نظام تأمين صحي يستطيع تحمل كامل تكاليف الخدمات الصحية المقدمة, وعليه يتوجب علي المنتفعين دفع نسبة من التكاليف عند تلقي الخدمة شريطة ان لا تكون هذه النسبة مرتفعة الي الحد الذي يثقل كاهل المنتفعين ويذهب بالتامين الصحي الاجتماعي بعيدا عن الغرض الذي تم تأسيسه وتطبيقه من اجله والذي يستلزم ايضا ضرورة استخدام التمويل بافضل طريقة ممكنة دون الافراط في الاستخدام او التفريط فيه.

ويجدر بنا هنا الإشارة الى ان التحول الي التغطية الشاملة المدارة ليس بالأمر الهين أو اليسير ,فقد يستغرق هذا التحول عدة سنوات بل وعدة عقود ,فثمة عوامل تحدد وتيرة التحول ومنها:

1- القبول النسبي المجتمعي والوعي باهمية التضامن الاجتماعي لتأسيس نظام تأمين صحي تضامني.

2- ثقة السكان في حكوماتها ومؤسساتها في قدرتها. 

3- ارتفاع معدلات النمو الاقتصادي والذي يعزز قدرة الأفراد والحكومات علي تأسيس نظام تأمين صحي فعال.

4- قدرة الحكومات علي شحذ وتوجيه السكان الي الاشتراك في نظام التأمين الصحي وقدرتها علي حشد الاشتراكات.

5- توافر الاداريين المهرة المحترمين لأدارة النظام وتسييره بفاعلية.

وفي نهاية هذه المقدمة لا بد ان نؤكد ان الدولة لا بد لها من قوامة فعالة تبدأ من اختيار نظم التمويل المتناسبة مع الظروف الاقتصادية والسياسية والديموغرافية مرورا باجراء الدراسات الأكتوارية اللازمة لتأسيس النظام ثم اجراء التطبيق الجزئي التجريبي ثم التطبيق الكلي وتقييمه تقيما موضوعيا واجراء التعديلات لتحقيق الي الأهداف والمضي قدما في طريق التطوير المستمر. 

تعليقات