إدارة المخاطر في أسواق المال - بقلم / محسن عادل

لا يزال كثيرون من مستثمرى أسواق المال فى المنطقة يعانون من انخفاض مستوى ثقافة المخاطرة فى الاستثمار بأسهم الشركات المدرجة، فلا يأخذون فى الاعتبار الأخطار المختلفة التى قد تترتب على هذا الاستثمار قبل اهتمامهم بالعائد المتوقع.  والمقصود بالأخطار احتمال التعرض إلى خسائر أو فشل المستثمرين فى تحقيق العائد المتوقع، أو الفجوة الكبيرة بين العائد الفعلى والعائد المتوقع، أو عدم انتظام العائدات سواء فى قيمتها أو نسبتها. 
وتقوم معظم قرارات الاستثمار فى الأسواق المالية سواء بالبيع أو الشراء على تحليلات وتوقعات سواء تتعلق بأداء مؤشرات الاقتصاد أو أداء الشركات المدرجة أو حركة أسعار أسهمها فى الأسواق. 
وفى ظل ظروف استثنائية وسيطرة حال من عدم اليقين واختلاف التوقعات بين مستثمر وآخر، ثمة صعوبة كبيرة فى التحليل والتوقع، وتكون النتيجة تقلبات مستمرة فى أسعار أسهم الشركات المدرجة وفى مؤشرات الأسواق. 

وكانت الخسائر الجسيمة التى تعرض لها المستثمرون فى أسواق المال فى المنطقة خلال السنوات الأربعة الماضية نتيجة المفاجأة وعدم توقع حدوث العديد من الأزمات وفى مقدمها الأزمة المالية العالمية وما تبعها من أزمات اقتصادية ومالية ومصرفية واستثمارية عالمية ومحلية، انعكست سلباً وبوضوح على الأوضاع الاقتصادية والمالية والاستثمارية فى المنطقة فى ظل انفتاح هذه الاقتصادات على الاقتصاد العالمى وانفتاح أسواق المنطقة على الاستثمار الأجنبى (الاستثمار غير الأردنى فى بورصة عمّان، مثلاً، تتجاوز ملكيته أكثر من نصف رءوس أموال الشركات المدرجة فى السوق(.
كذلك كانت المفاجأة فى حدوث ثورات "الربيع العربي" التى اجتاحت العديد من دول المنطقة وانعكاساتها السلبية على أداء اقتصادات المنطقة وأوضاعها المالية والاستثمارية. والأسواق المالية هى أكثر الجهات والأسواق تأثراً بأى أحداث سياسية أو اقتصادية أو مالية أو مصرفية سواء كانت إيجابية أو سلبية. 

والمستثمرون الذين يتوافر لديهم مقدار معقول من الوعى بأخطار الاستثمار فى الأسواق يتخذون عادة القرارات المناسبة للحد من هذه الأخطار لجهة تنويع استثماراتهم فى الأدوات الاستثمارية المختلفة، سواء الودائع أو السندات أو الصكوك أو صناديق الاستثمار أو غيرها من الأدوات، ويتجنبون تركيزها فى الأسهم بهدف تنويع العائدات وتنويع الأخطار، ويوزعون استثماراتهم فى أسواق المال على العديد من القطاعات الاقتصادية نظراً إلى اختلاف مواعيد دورات هذه القطاعات. 

وينوع هؤلاء المستثمرون استثماراتهم بين العديد من الشركات المدرجة ولا يركزونها فى أسهم شركة أو شركتين، ويختارون الشركات القيادية والقوية التى تتميز بمؤشرات ربحية ونمو تعكس كفاءة إدارتها باعتبارها حزام أمان المستثمرين فى الظروف الاستثنائية السلبية. ويأخذ هؤلاء المستثمرون فى الاعتبار الأخطار التى تواجه الشركات المساهمة العامة، وفى مقدمها أخطار التشغيل والإدارة وأسعار الصرف والأعمال والأخطار القانونية والائتمانية وأخطار الأموال والتركيز والتغطية. 
ولا بد من الإشارة إلى أخطار حركة أسعار الفائدة على الودائع وتأثيرها المهم فى أداء أسواق المال باعتبارها منافساً قوياً للاستثمار فى هذه الأسواق حيث يساهم ارتفاعها بنسبة كبيرة فى تحول نسبة مهمة من المستثمرين فى الأسواق إلى الاستثمار فى الودائع تجنباً للأخطار. 

وهكذا تتراجع مؤشرات أداء هذه الأسواق بينما يؤدى انخفاضها بنسبة كبيرة كما هى الحال حالياً فى دول الخليج نتيجة ارتباط العملات المحلية بالدولار إلى تشجيع المودعين بالتحول إلى أسواق الأسهم بحثاً عن العائد الكبير مع تقبلهم تحمل الأخطار المختلفة فتتحسن مؤشرات هذه الأسواق. 

ولا بد من الإشارة إلى أخطار ارتفاع مستوى التضخم الذى يؤدى إلى انخفاض القوة الشرائية للأموال ويتطلب ارتفاع مستوى العائد المرغوب من الاستثمار فى أسواق المال، ما ينعكس سلباً على حجم الطلب فيزداد حجم العرض فى الأسواق. ويجب الأخذ فى الاعتبار أخطار سيولة الأسواق والشركات وقدرة المستثمرين على تسييل استثماراتهم عند الحاجة وفى الوقت المناسب، عند الاستثمار فى أسواق المال. ولا بد أيضاً من الإشارة إلى أخطار سعر الصرف لجهة انخفاض قيمة العملة الوطنية أو ارتفاعها وتأثير ذلك فى حركة الطلب والعرض فى الأسواق. 

ويلتزم عدد كبير من المستثمرين فى أسواق المال من ذوى الخبرة فى الأخطار بتوزيع الاستثمارات على أكثر من أداة استثمار لتنويع العائدات وتوزيع الأخطار، وسيساهم حتماً توافر صناديق استثمار مشتركة فى أسواق المنطقة ونشر ثقافة الاستثمار فيها فى خلق أداة استثمارية منخفضة الأخطار تعزز الاستثمار المؤسسى وتخفض نسبة الاستثمار الفردى المضارب الذى لا يساهم فى استقرار الأسواق أو ارتفاع كفاءتها بل يساهم فى ارتفاع أخطارها. 

تعليقات