الأخطاء الطبية في السعودية - التأمين ليس حلاً

الخطأ في القانون انحراف عن السلوك المعتاد، وهو سلوك سلبي يؤدي إلى إحداث ضرر يترتب عليه مساءلة من انحرف عن هذا السلوك القويم، الذي ينبغي أن يكون عليه الإنسان، على اعتبار أنَّ السلوك هو الذي يُنظم علاقة الإنسان بغيره، وإذا كان هذا الخطأ بشكل عام، فإنَّ الخطأ المهني يكون أكثر ضرراً وتأثيراً، حيث إنَّ صاحب المهنة هو شخص يتميز عن غيره بإتقانه لمهنته والمهارات المتعلقة بها، لذلك فهو حينما يقع منه خطأ ما، فإنَّه يُلام أكثر من غيره، وبالتالي فإنَّ مسؤوليته الأخلاقية والاجتماعية والقانونية تكون في مواجهة زملائه ومجتمعه والجهة التي وثقت فيه ورخصت له ليُمارس هذه المهنة.
وتُعدّ مهنة الطبيب من المهن التي لا تحتمل الخطأ، لأنَّ الطبيب يتعامل مع جسد الإنسان وحياته وكيانه المادي والمعنوي، فالخطأ الطبي هنا له أثر بالغ على المريض الذي وثق فيه وسلَّم له جسده، فأيّ خطأ قد يسلب من الإنسان روحه أو يحرمه من وظيفة عضو من أعضائه أو يشوه جسده، فيترتب على ذلك حرمانه من التمتع بقدراته الجسدية، وقد يصل الأمر إلى حرمانه من مصدر عيشه وعيش أسرته.


إهمال الطبيب
وقال "د. فهد البسي" -نائب مدير الإدارة الطبية بالتأمينات الاجتماعية-: "هناك أخطاء تأتي من التمريض، بسبب عدم إعطاء المعلومة الصحية للطبيب أو عدم التواصل معه، أو أنَّها لم تكن متابعة بالشكل المناسب"، مُضيفاً أنَّ الخطأ الطبي يقع بنسبة (100%) نتيجة إهمال الطبيب متابعة المريض، سواءً بعد العملية أو بعد العيادة، مشيراً إلى أنَّ خبرة الطبيب تشكل (50%) في وقوع الخطأ الطبي، لافتاً إلى أنَّ عدم الإفصاح عن الأمراض الثانوية له دور رئيس في زيادة المشكلة.
وشدَّد على أهمية تقييم عمل الطبيب بشكل سنوي، بناءً على أخطائه أو التقارير المُقدمة من المستشفى الذي يعمل فيه، داعياً لتشكيل لجنة خاصة بمحاسبة الطبيب على أخطائه الطبية، مرجعاً وقوع الأطباء الجانب في الأخطاء الطبية إلى قلة الخبرة والعمل في غير التخصص، مُشيراً إلى أنَّ كثرة هذه الأخطاء في المستشفيات الأهلية تعود إلى الاختيار غير الجيد لنوعية الأطباء، إلى جانب النظر للمردود المالي دون النظر لأهمية الجودة في العمل، موضحاً أنَّه لا يمكن التشهير بالطبيب، وإنما التشهير بالمنشأة التي يعمل فيها.

أمراض ثانوية
ولفت "د. سامي العبدالكريم" -رئيس اللجنة الوطنية الصحية بمجلس الغرف السعودية- إلى أنَّ تدني الحالة النفسية وقلة الخبرة للطبيب، تُعد سببا رئيسا لوقوع الأخطاء الطبية بالمملكة، مؤكداً على صحة ما ذكره (70%) من أفراد العينة من أنَّ وقوع الأخطاء الطبية يعود إلى عدم إفصاح المريض عن الأمراض الثانوية التي يعاني منها، مُبيّناً أنَّه من الخطأ أن يتم التشدّد في منح التراخيص الصحية للممارسين في المجال الصحي.
وأضاف أنَّ عدم محاسبة الطبيب على أخطائه يزيد من تماديه في الخطأ، مؤكداً صحة ارتكاب (85%) من الأطباء غير السعوديين للأخطاء الطبية، رافضاً تحميل المستشفيات الأهلية مسؤولية وقوع الأخطاء الطبية بنسبة (60%)، مقدراً نسبة انتشار الأخطاء الطبية بين الأطباء السعوديين بحوالي (10%).

إحصائية موضوعية
وأشار "د. فهد العنزي" -متخصص في مجال التأمين- إلى أنَّ الأخطاء الطبية أصبحت هاجساً يؤرق بال الكثير من الناس، موضحاً أنَّ ذلك يتمّ تناوله ومناقشته في المجالس وبعض المناسبات الاجتماعية باعتباره حدثاً متكررا، مُبيّناً أنَّ هذا الأمر يعكس وعي أفراد المجتمع وانشغالهم بالقضايا الأساسية المرتبطة بالخدمات الصحية وتقييمها، مؤكداً أنَّ ارتفاع وتيرة شكاوى الناس من الأخطاء الطبية وتكرر حصولها، في ظل ما تعرضه وسائل الإعلام من حوادث متكررة في هذا الشأن بشكل شبه يومي، يدعونا للتأمل في هذه المشكلة.
وأوضح أنَّه يصعب إعطاء إحصائية موضوعية عن الأخطاء الطبية، وذلك بسبب إحجام نسبة كبيرة ممَّن يتعرضون لهذه الأخطاء أو من ورثهم عن التقدّم بالشكاوى، خاصةً في حالات الوفاة، موضحاً أنَّ القرارات الصادرة بشأن الأخطاء الطبية، التي تقدم ذوو الشأن بشكاوى إلى الهيئات الطبية الشرعية بشأنها -بحسب ما صرَّح به أحد مسؤولي وزارة الصحة في إحدى الندوات التي عقدت قبل نحو عام لهذا الغرض- بلغت (670) قراراً، إذ صدر منها (51) بالحق الخاص، و(130) بالحق العام.

حجم التعويضات
وبيّن "د. العنزي" أنَّه لا يُعرف على وجه الدقة حجم التعويضات في هذا المجال، وإن كانت إحدى كبريات شركات التأمين قد أعلنت عن دفعها تعويضات تقدر بنحو (20) مليون ريال، خلال خمس سنوات، إلاَّ أنَّ هذه التعويضات لا تُعدّ مؤشراً دقيقاً تقاس عليه نسبة الأخطاء الطبية، موضحاً أنَّ حجم التعويضات، التي حكمت بها اللجان الطبية الشرعية متواضع جداً، مرجعاً ذلك لعدَّة أسباب، منها: أنَّ مبلغ الدية المعمول به في السابق كان قليلا جداً، ولم يكن يتماشى مع المتغيرات الاقتصادية.
وأضاف أنَّ من بين الأسباب أيضاً: أنَّ مفهوم التعويض المعمول به في اللجان الطبية الشرعية وشموليته لأضرار معينة بحاجة إلى مراجعة أيضاً، خصوصاً فيما يتعلق بالأضرار المعنوية والنفسية، التي تطال من وقع ضحية للأخطاء الطبية، وعلى وجه التحديد أولئك الذين تعرضوا لتشوهات جسدية نتيجة هذه الأخطاء، حيث لا يجب أن يقتصر الحكم بالتعويض على الوفاة أو فقد المنفعة، بل يلزم أن يمتد التعويض للأضرار المعنوية، التي تطال ضحايا الأخطاء الطبية.
وأكَّد أنَّ التأمين على الأخطاء الطبية لا يقضي على الأخطاء، ولكن يساعد في الحد منها، لأنَّ شركات التأمين ستتشدَّد في شروط التغطية التأمينية على الأطباء والممارسين الصحيين، موضحاً أنَّ الهدف من التأمين على الأخطاء الطبية هو ضمان تعويضات مجزية وسريعة للمتضررين من حصول هذه الأخطاء وذويهم، كما أنَّ التأمين يُشكل محفزاً مهماً لضمان عدم تردد اللجان الطبية في الحكم ضد مرتكبي الأخطاء الطبية في حال ما إذا كانت بعض جوانب مسألة الإدانة خاضعة لسلطتها التقديرية.
ولفت إلى أنَّه إذا تكرر الخطأ من الطبيب، فإنَّ النتيجة الطبيعية هي رفع القسط التأميني أو التشدّد في شروط تغطية الخطر الذي تمَّ التأمين عليه في السابق، موضحاً أنَّ نسبة رفع مبلغ القسط من قبل شركة التأمين هنا تخضع لعدة اعتبارات، ومنها عدد الأطباء في المستشفى ومصلحة الشركة في البقاء على علاقة مع المستشفى أو المركز الصحي، مُبيّناً أنَّ التأمين إذا حصل بين الشركة والطبيب مباشرة، فإنَّ نسبة رفع مبلغ القسط ستكون عالية جداً، مُشيراً إلى أنَّ التأمين على الأخطاء الطبية أمرٌ في صالح المريض والطبيب والمستشفى، مؤكداً أنَّ التأمين يساعد الأطباء على غرس الثقة في عملهم ويجنّبهم الخوف والتردد في علاج المرضى.

كشف استبيان "الرياض" تم إجراؤه على حوالي (115) عينة شملهم الاستبيان، من موظفين وإداريين وفنيين وأطباء عاملين في المجال الصحي وبعض شركات التأمين، إلى جانب عدد من المعلمين والمعلمات، تحميل نحو (100%) من العينة الطبيب مسؤولية وقوع الأخطاء الطبية في حال تدني حالته النفسية وقلة الخبرة لديه، فيما حمَّل (70%) من العينة المريض مسؤولية وقوع الأخطاء الطبية نتيجة عدم الإفصاح عن الأمراض الثانوية التي لديه، مثل: مرض السكر والضغط والكولسترول، التي تؤدي إلى حدوث مضاعفات أثناء إجراء العمليات الجراحية.
ودعا (95%) من أفراد العينة إلى تشديد إجراءات منح التراخيص الصحية للممارسين في المجال الصحي، وعدم استغلال التأمين بصورة سيئة للقطاع الخاص، فيما ذكر (59%) من العينة أنَّ عمليات التجميل والولادة تحدث فيها الأخطاء الطبية بكثرة، وأكد (80%) على أنَّ عدم محاسبة الطبيب على أخطاءه، يزيد من تماديه في الخطأ، فيما حمَّل (85%) من العينة الأطباء غير السعوديين مسؤولية ارتكاب الأخطاء الطبية، وبيَّن (60%) أنَّ المستشفيات الأهلية هي الأعلى من حيث ارتكاب هذه الأخطاء.
وأوضح (73%) من أفراد العينة أنَّ الأخطاء الطبية تعود إلى عدم وجود التغطية اللازمة للأطباء المبتدئين أو ذوي الخبرة القليلة، كما أكَّد (55%) على أنَّ نسبة انتشار الأخطاء الطبية بين الأطباء السعوديين تتراوح ما بين (10 – 30%)، وشدَّد (87%) من العينة على ضرورة فرض عقوبات رادعة وتشهير بالأطباء والمستشفيات التي يحدث فيها الخطأ الطبي، فيما أشار (76%) إلى أنَّ عدم مبالاة الطبيب المعالج بتحديد الجرعات، خصوصاً في الأدوية ذات حد الأمان الضيق، يساهم في حدوث الأخطاء الطبية، ولفت (66%) من العينة إلى أنَّ ضغط العمل وعدم الالتزام بساعات العمل النظامية لها دور كبير في الأخطاء الطبية للأطباء والكادر الطبي.
وطالب (68%) برفع مستوى إمكانات المستشفيات، سواءً الحكومية أو الخاصة، إلى جانب التعامل بشدة مع الأطباء والمستشفيات، وكذلك إدراج الأخطاء الطبية ضمن الاعتداء على النفس لدى الجهات القضائية، وشدَّد (64%) على أهمية إخضاع "وزارة الصحة" للأطباء وأفراد الكادر الطبي لاختبارات نظرية عند استقدامهم، إلى جانب التأكّد من صحة شهاداتهم الطبية، وكذلك إطلاع الأطباء باستمرار على كل ما هو جديد في عالم الطب.
وأكد (58%) على أنَّ المريض له حقوق يجب العناية بها، وبالتالي فإنَّه يجب إنشاء جمعية تُعنى بحقوق المريض ومتابعة حالته نتيجة الأخطاء الطبية ونشر الوعي الصحي بحقوق المريض في المجتمع، وأشار (80%) إلى أنَّ عدم وجود نظام دقيق للإبلاغ ومتابعة الأخطاء الطبية، إلى جانب عدم ربط مفهوم الأخطاء الطبية كجزء من برنامجي الجودة الشاملة والجودة الوقائية، وكذلك عدم تبنيّ القيادات الصحية لمبدأ الشفافية، سواءً في القطاع الحكومي أو الخاص للإبلاغ عن الأخطاء الطبية بشكل دوري، ساهم في تفشيّ ظاهرة الأخطاء الطبية في بعض المستشفيات بالمملكة.
وبيَّن (66%) من العينة أنَّ الأخطاء الطبية تقع في المدن الصغيرة، وذلك لعدم توفر الإمكانات والبعد عن الرقابة، فيما أشار (52%) منهم إلى أنَّ عدم التنسيق وغياب المعلومات بين أفراد الطاقم الطبي، يُعد أحد أهم الأسباب في وقوع الأخطاء الطبية، وقال (71%): "إنَّ الأخطاء الطبية لا تأتي من الطبيب ذي الكفاءة والمهتم بعمله، وإنَّما تأتي من الطبيب المهم، الذي لا يهتم بجودة عمله ويحتكم إلى الافتراض دون وجود الفحوصات"، وطالب (85%) من العينة بعدم توقف الأمر بعد وقوع الخطأ الطبي عند مجرد التعويض المادي فقط

تحقيق _ فهد الموركي

تعليقات