التأمين الصحي. . هو السبب في تعثّر شركات التأمين السعودية والاردنية

التأمين الصحي الالزامي نزل وبالاً على شركات التأمين السعودية ,فقد نشرت وسائل الاعلام تقريرا يفيد بأن مؤسسة النقد العربي السعودي SAMA علقت ترخيص احدى شركات التأمين واجبرتها على سحب اسهمها من التداول في البورصة.
كما انذرت »ساما« شركات تأمين سعودية عديدة اخرى بوجوب اعادة تكوين رساميلها بعد ان فقدت اجزاء مهمة منها بفعل تراكم خسائرها الاكتتابية.
والشركة التي تعجز او تتخلف عن اعادة رفع رأسمالها الى الحد الادنى المنصوص عليه في قانون التأمين التعاوني سوف يعلّق ترخيصها وتمنع من متابعة اعمالها.
والسبب الرئيسي لتبخر رساميل تلك الشركات هو انخراطها في تغطية اخطار التأمين الصحي الالزامي، على نحو مكثف، ودون ان تتوافر لها حماية كافية من شركات اعادة التأمين.
فهذه الاخيرة، وبعد ان عانت كثيرا من الخسائر في مجال التأمين الصحي في الشرق الاوسط عموما وليس في المملكة العربية السعودية وحسب، اخذت تمتنع على نحو مطلق عن تغطية الاخطار الصحية على اساس نسبيQUOTA SHARE.


ما يعني ان اتفاقات اعادة التأمين التي تبرمها شركات التأمين العربية مع شركات الاعادة العالمية لن تغطي بعد اليوم نسبة من كل مطالبة صحية على حدة، بل يتعين على شركة التأمين المسندة ان تتحمل تلك المطالبات بكاملها، ولحسابها الخاص.
اما شركة اعادة التأمين فتغطي الخسائر التي يمكن ان تتعرض لها الشركة المسندة في حال تجاوزت نقطة محددة EXCESS POINTS  من محفظة الاقساط الصحية التي تجنيها الشركة خلال سنة كاملة.
ونقطة التجاوز هذه تكون في اغلب الاحيان ذات سقف عال جدا ما يعني ان معظم شركات التأمين في الشرق الاوسط بما فيه المملكة العربية السعودية باتت تغطي اخطار التأمين الصحي من اموالها الذاتية.
وشركات التأمين المباشر تفعل ذلك مكرهة، لان التأمين الصحي قد اصبح السوق الوحيدة التي تشهد اقبالا مكثفا من جمهور المستهلكين.  وان لا تدخل شركة التأمين سوق التأمين الصحي. فهذا يعني انها شركة »لا تشتري ولا تبيع« وبالتالي فإن احدا لا يلمس وجودها.
والامر الذي يزيد من حجم الاخطار التي تتحملها شركة التأمين في المملكة العربية السعودية هو ان عقد التأمين الالزامي أُعِدَّ من قبل المجلس الوطني الصحي في المملكة، وهو عقد شامل يكـــــاد يخـــــلو من الاستثناءاتEXCLUSIONS ويحظّر على شركات التأمين ان تنتقص من شموليته.
وان الشركة التي تختار الانغماس فيه تتخلى عن ممارسة حقها في اكتتاب الاخطار UNDERWRITING اي اختيار المقبول وحذف غير المقبول منها، كما تقف عاجزة عن استيفاء القسط الذي تراه مجديا اقتصاديا لان المنافسة على اشدها ولا يمكنها الا ان تماشي الاسعار الرائجة في السوق.
ولا يلام المجلس الوطني الصحي في المملكة على توسيع اطار عقد التأمين الصحي على النحو الذي ذكرته اعلاه، فتلك هي عليه علة وجوده، اذ انه انشئ ليحمي المستهلك.
وما على شركة التأمين التي ترى في العقد النموذجي خروجا على الاطار المعتمد عالميا، الا ان تمتنع عن مزاولة التأمين الصحي والاكتفاء بتغطية الانواع الاخرى من الاخطار المتداولة في الاسواق، وبخاصة تلك التي تجد لها غطاء لدى شركات اعادة التأمين.
وقد يبدو لبعضنا ان اعتماد عقد نموذجي إلزامي في السعودية امرٌ منافٍ لمبادئ نظام السوق وقاعدة العرض والطلب.
الا ان قانون اوباما للرعاية الصحية OBAMA CARE الذي بُدِئ في تطبيقه في الولايات المتحدة الاميركية وهي كبرى الدول الرأسمالية في العالم، جاء ليكرّس حق الدولة في التدخل في سوق التأمين الصحي. حيث منع على شركات التأمين الصحي استثناء الامراض السابقة للتعاقد PREEXISTING SICKNESSES.
اما لماذا اقدم الرئيس اوباما على التخلي عن النظام الليبرالي، واستصدار تشريع يجيز للدولة ان تدخل »حرما« كان حتى الأمس القريب بمثابة قدس الاقداس لشركات التأمين الخاصة،  فذلك يعود الى ان التخلي عن توفير الرعاية الصحية من قبل الدولة، ترك لشركات التأمين في القطاع الخاص، ان تذهب بعيدا في تسعير وتصعيد شروط عقود التأمين الصحي، ما جعل 40 مليون اميركي عاجزين عن ابرام عقد يوفر لهم الرعاية الصحية.
الا ان القانون الاميركي ذهب الى ابعد مما ذهب اليه القانون السعودي، حيث نص على انشاء »بورصة« للتأمين الصحي EXCHANGE في كل ولاية من الولايات المتحدة تضع في متناول المواطن الاميركي ذي الدخل المحدود وحتى العاطل عن العمل، والمحروم من اي دخل عقد تأمين صحي بسعر متهاود، على ان تقدم الدولة للبورصة وللمعوزين دعماً مالياً، وتساهم في  دعم شركات التأمين الخاصة من خلال اقتطاع نسبة   من الاقساط التي تستوفيها من الميسورين وارباب العمل لمصلحة البورصة المشار اليها.
وفي ظني ان المأزق الذي وقعت فيه شركات التأمين السعودية سوف يطال عاجلا ام آجلا شركات التأمين التي تتعاطى التأمين الصحي في غيرها من الدول العربية.
وقد ورد من الاردن ان 11 شركة تأمين فقدت جزءاً من ملاءتها وقد انذرتها هيئة التأمين بوجوب رفع نسبة الملاءة ضمن مهلة زمنية محدّدة تحت طائلة تعليق التراخيص الممنوحة لها.
اما السبب الذي افقد بعض شركات التأمين السعودية رساميلها وافقد بعض شركات التأمين الاردنية ملاءتها، فهو ان  التأمين الصحي يغطي امراضا وعوارض صحية هي في غالبيتها »اخطار« متوقعة وحصولها محتم او لا بد منه، كلما تقدم المرء في السن.
ولذا يمكن القول ان التأمين الصحي هو اقرب الى الصيانة MAINTENANCE منه الى الخطر غير المرتقب. ولا اغالي القول ان شركات التأمين بدخولها حقل التأمين الصحي انما تجاوزت حدودها ودخلت حقلا يخرج اساسا عن طبيعة اعمالها ويعود للدولة ان توفره لرعاياها اولا واخيرا.
ولا بد ان نذكر هنا ان امارة ابو ظبي سبقت سائر الحكومات العربية عندما انشأت شركة ضمان DAMAN لتوفير التأمين الصحي الشامل والخالي من الاستثناءات بأسعار متهاودة لمواطنيها وهي فعلت ذلك بمشاركة كبرى شركات اعادة التأمين في العالم، التي تتولى ادارة الشركة، مقابل اتعاب تتقاضاها حكومة ابو ظبي، وتحمل الى ذلك ضمانة تأخذ حكومة ابو ظبي بموجبها على عاتقها تغطية الخسائر التي يمكن للشركة ان تتكبدها جراء منحها المواطنين تغطية صحية غير محدودة، سواء لجهة الامراض التي يمكن للمضمون ان يتعرض لها او لجهة المبالغ المغطاة في عقد التأمين وذلك بأسعار تلائم ذوي الدخل المحدود.
اما المعوزون والذين لا يملكون القدرة على سداد القسط حتى ولو كان زهيدا، فيتكفل صندوق خاص بدفعها عنهم.
خلاصة القول ان شركة التأمين التي دخلت حقل تغطية الامراض والعوارض الصحية في المملكة العربية السعودية او غيرها من الدول العربية، بما في ذلك لبنان والاردن وسوريا وغيرها، انما تجاوزت الحدود المرسومة لها ودخلت منطقة محظورة ويعود للدولة دون سواها ان ترعاها وتسهر عليها.
وفي لبنان يتضمن قانون الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي الذي صدر العام 1964 نصوصا واضحة بوجوب تطبيقه على ثلاث مراحل:
الاولى: ضمان الطبابة والاستشفاء وتعويض نهاية الخدمة.
الثانية: ضمان اخطار طوارئ العمل.
الثالثة: ضمان الطبابة والاستشفاء لجميع اللبنانيين بلا استثناء.
وعليـــــه يفتـــــرض بشركـــــات التأميـــــن ان تصـــــدر عقـــــــود تأميـــــن تكميليـــــة COMPLEMENTARY للغطاء الذي توفره الدولة وللدرجات الاستشفائية الفخمة وعدم الانغماس في التأمين الصحي، ابتداء من الدولار الاول لكل مطالبة على نحو ما نشهده حاليا في سائر الاسواق العربية .

جوزف زخور


تعليقات