شركات التأمين غموض .. أعذار وتحايل

بات التأمين بكافة أشكاله أمرا ملحا، في مواجهة الحوادث المرورية والكوارث التي تواجه الإنسان في وقتنا الحاضر، ورغم صدور مرسوم سام بالموافقة على تنظيم نشاط التأمين في المملكة عام 1424هـ، وإسناد مهمة الإشراف عليه لمؤسسة النقد التي رخصت حتى الآن لأكثر من 30 شركة، إلا أن عمل هذا النشاط وحجم سوقه البالغ أكثر من 30 مليار ريال، لا زال في رأي البعض ضعيفا، ويعاني مشكلات عدة أبرزها المماطلة في تسديد مستحقات الغير.

في البداية يروي نايف عسيري، أن قيمة التأمين عموماً في ارتفاع مضطرد حتى تحولت إلى حديث الشارع، وقال عدد شركات التأمين معدودة ولا يتعدى الـ27 شركة مقابل ملايين المركبات في الشوارع، ويضيف جئت اليوم لفحص سيارتي وتجديد بوليصة التأمين، ولكنني فوجئت بأن أسعار التأمين قد قفزت إلى أعلى مستوياتها حيث بلغت في بعض الشركات نحو 650 ريالا دون إبداء الأسباب.

وأضاف، زادت دهشتي بعلمي أن سبب ارتفاع قيمة التأمين ارتفاع قيمة الإبل المقدرة التي بموجبها يتم احتساب دية الحوادث، وطالب بأن تكون هناك جهة تراجع سبب ارتفاع الديات التي تتحجج بها شركات التأمين لرفع أسعارها إلى الضعف.

وأوضح الشاب عادل المرزوقي، بأن خلف مكاتب التأمين تدور عشرات القصص، بعضها لا تخلو من المعاناة والركض اليومي، وقال لنكن منصفين هناك من شركات التأمين من تسهيل الإجراءات وهذه عددها قليل جدا، وهناك من الشركات من تعقد الأمور ويقع ضحيتها العشرات من العملاء، ويضيف تتفاوت الأسعار بين شركة وأخرى بحسب الخدمة المقدمة للشخص المأمن لديهم.
بدوره انتقد الشاب بندر الدوسري من مما أسماه بعقدة التأمين، وقال «المشكلة الحقيقية تتمحور حول الإجراءات البيروقراطية بعد وقوع أي حادث لأي مركبة، وتبدأ معها المعاناة الحقيقية في المراجعة ما بين المرور وشركة التأمين لتقدير الخسائر»، مشيرا إلى وجود شركات تخل ببعض الشروط المبرمة معها عند تأمين المركبة لديهم، في حين انتقد أحمد العوبثاني ارتفاع قيمة التأمين ووصفه بغير المبرر، خاصة أن هذه الشركات أرجعت الأسباب إلى الخسائر بسبب احتدام المنافسة بينها بعد إقرار زيادة عدد شركات التأمين على حد قوله.
من جهته، قال عبداللطيف بكر مليباري رجل أعمال في مكة المكرمة، إنه تعامل مع كافة شركات التأمين العاملة في المملكة وللأسف لا تلتزم بالعقود المبرمة بخصوص التأمين سواء التأمين على المركبات بشكل عام أو التأمين الطبي وحتى على تأمين السلع، وأوضح أن المماطلة التي تستمر لفترات طويلة من قبل شركات التأمين اضطرت التجار إلى اللجوء إلى تأمين بضائعهم من الخارج، للتخلص من مماطلات شركات الداخل وعدم التزامها بالعقود في ظل عدم وجود نظام صارم ورادع على حد قوله، مشيرا إلى أن نسبة من يتعامل من التجار على تأمين البضائع من قبل شركات التأمين الداخلية لا تتجاوز 1 في المائة.
وأضاف، يجب التأمين على المركبات من مصدرها مثلها مثل البضائع حتى لا تستغل شركات التأمين المواطنين وتستمر في مماطلتها وعدم الالتزام بالعقود في حالة وقوع حوادث مرورية، خاصة أن المؤمن يواجه معاناة حقيقية جراء المراجعات والمطالبات للحصول على مستحقاته.

تجارب مريرة
فيما أكد أحمد خير الدين (رجل أعمال) تعمد شركات التأمين التأخير في تسديد مستحقات العملاء ومحاولة التخلص من دفع المستحق أحيانا، وقال سبق أن عشت تجربة مريرة مع إحدى شركات التأمين بعد تعرض سيارتي لحادث مروري، وكنت أراجع مقر الشركة بصفة يومية ولأيام عدة حتى حصلت على مستحقاتي، وقد يعاني غيري مثل ما عانيت وهناك من لم يستطيع ولا يتحمل المراجعة اليومية، مطالبا بتشريع نظام صارم وواضح وتفعيل الربط الإلكتروني مع إدارات المرور حتى يضمن المواطن حقوقه دون تأخير أو مماطلة.
وأضاف، بصفتي رجل أعمال فضلت كغيري التأمين على بضائعي في الخارج، وهذا الإجراء يتبعه كافة التجار، وأمل التأمين على المركبات من المصدر في الخارج حتى يضمن الملك مستحقاتها كاملة في حال تعرض السيارة لحوادث الطرق.

بنود العقود
وقال جمال العلي (رجل أعمال) إن القطاع الصناعي والتجاري يواجه مشكلتين في التعاطي مع شركات التأمين، الأولى تكمن في عدم قراءة بعض مديري المصانع والمؤسسات التجارية لبنود العقود المبرمة مع شركات التأمين، فيما تتمثل المشكلة الثانية في كون التعامل مع وسطاء تأمين وليس شركات تأمين، الأمر الذي يفتح الطريق أمام الكثير من الخلافات.
وأضاف «شركات التأمين تفتح ذراعيها وتتعامل بأريحية تامة عند توقيع العقد، فيما تمارس المماطلة في حال وجود مشكلات ناجمة عن عدم تطبيق بنود العقود المبرمة»، مطالبا بضرورة قيام الغرف التجارية بممارس دور أكبر في التعاطي مع الخلافات مع شركات التأمين، باعتبارها المرجعية للقطاع الخاص.
من جهته، شدد عبد العزيز التريكي (رجل أعمال) على ضرورة دراسة العقود بشكل دقيق وكذلك اختيار نوعية الخدمات المقدمة عوضا من البحث عن الأسعار الرخيصة والشركات غير القادرة على تقديم خدمة متميزة، مؤكدا أن المؤسسات والشركات التي تبحث عن السعر الأرخص تواجه مشاكل كبيرة في الحصول على الخدمات الممتازة، مشيرا إلى أن شركته تتعامل مع شركة ممتازة منذ 25 عاما تقريبا، ولم يواجه صعوبات كبيرة في تسديد المطالبات الناجمة عن حوادث السيارات، أو فيما يتعلق بالحصول على التعويض بالنسبة للإصابة على رأس العمل أو تقديم العلاج الطبي.

قيمة التعويض
وذكر المواطن علي الدوسري، أنه تعرض قبل عامين لحادث مروري نتجت عنه تلفيات بالغة في مركبته، وقال: «لم أكن المخطئ وتعرضت سيارتي لتلف كبير ومع هذا لم أستلم قيمة التعويض حتى اللحظة»، ويضيف «أسكن حفر الباطن وتطالبني شركة التأمين بمراجعة المقر الرئيسي بالمنطقة الشرقية من أجل التواصل معهم».
وانتقد الشاب علاء الإبراهيم شركات التأمين لمماطلتها في إنهاء إجراءات التعويض، الذي يستغرق نحو شهر تقريبا، وطالب الجهات المختصة بإيجاد حلول سريعة تنهي معاناة المواطنين، ويرى بأن التأمين بشكل عام مفيد للجميع في حال الإصابات أو الوفاة لا سمح الله، إلا أن تأخير الشركات في تسديد المستحقات هو تصرف غير مبرر – على حد قوله.
أما مشاري العنزي فيرى بأن المعاملات تتم في البداية بأسلوب سلس، ولكنها تتعثر في مرحلة استلام التعويضات.
في حين أوضح عبدالله السبيعي أن شركات التأمين بشكل عام مفيدة عموما إلا أن هذه الخدمة تتعرض لتشويه بسبب مماطلة بعض الشركات في تسليم التعويض وعموما أصبح الوضع أفضل بكثير عما كان عليه في السابق حيث يفاجأ العميل أحيانا باختفاء الشركة التي يتعامل معها وبالتالي ضياع حقوقه.
وفي المقابل بين فيصل المشاري، أنه تعامل مع شركة تأمين وكانت الخدمات مناسبة واستغرقت المعاملة شهرا واحدا فقط، فيما أوضح عبد الحليم عبد العظيم بأنه اكتشف أن الشركة التي يتعامل معها غير مدرجة ضمن شركات التأمين، مطالبا مؤسسة النقد -الجهة المخولة بالتعامل مع هذه الشركات- بكشف وتثقيف المواطنين بكيفية التعامل مع هذه الشركات.
وهنا أوضح الخبير الاستراتيجي وعضو مجلس الشورى السابق الدكتور مشعل آل علي، أن التأمين في المملكة لا زال حديث العهد ومن مستجدات الأمور وتعاملت معها المملكة مثلها مثل غيرها باعتبارها من مستجدات العصر ومن ضروريات الحياة التي لا بد منها، مشيرا إلى أن هذا النشاط يعتبر ناشئا ويريد أن يبقى، وقال أصبحت هناك ضرورة ملحة لوجود تأمين صحي وتعليمي وتأمين مروري، وهذا النشاط يظل قضية محكومة وغالبا ما يتولاه القطاع الخاص والذي تعتبر مفاصله قوية ولديه القدرة في إنفاذ جميع مستلزماته وذلك لوجود التنافس في القطاع الخاص عكس القطاع الحكومي والذي يتصف بالبيروقراطية والجمود لعدم وجود المنافس.

حيل وأعذار
وأكد آل علي، على أهمية دعم الشركات الناجحة لاستمرار نجاحها على أن يكون عملها قائما على أسس متينة تتمثل في القدرة المالية وعدد المشتركين وأن تقدم الحوافز لمثل هذه الشركات من خلال تقييم عملها خلال عام مالي واحد، مطالبا الإدارة العامة للمرور بفرض عدد محدد من المؤمِّنين على شركات التأمين حتى يتم الانتهاء من أداء مستحقاتهم، وكذلك فرض غرامات على الشركات المقصرة.
من جهتها، ترى عضو مجلس الشورى الدكتورة لبنى الأنصاري، أن بعض شركات التأمين تتبع بعض الحيل والأعذار الواهية للتهرب من دفع ما يستحق عليها أو للمماطلة وتأخير تسديد المبالغ المستحقة لوقت طويل من تاريخ وقوع الحادث وتقديم المستندات المطلوبة لها، كما أن الحقيقة تقتضي أن لا نتفق مع الرأي القائل أن الجهات المختصة ألزمت المواطنين والمقيمين بالتأمين على مركباتهم، لكنها لم تلزم شركات التأمين بالالتزام بسرعة تسديد المطالبات، خاصة أننا نجد على أرض الواقع الكثير من القواعد والأسس التي وضعت لحماية المتضررين.
بدورها قالت عضو مجلس الشورى الدكتورة سلوى الهزاع، إن اللائحة التنفيذية لنظام مراقبة شركات التأمين التعاوني قد تطرقت إلى معالجة موضوع التأخير والمماطلة، وألزمت المادة الرابعة والأربعون منها شركات التأمين بأن تقوم بتسديد المطالبات في مدة لا تتجاوز 15 يوماً من استلام المطالبة مكتملة المستندات، كما أن اللائحة ذاتها منحت مؤسسة النقد سلطات واسعة في إيقاع العقوبات على شركات التأمين التي لا تلتزم بتسديد المطالبات المستحقة للمستفيدين دون وجه حق، وتصل إلى سحب ترخيص الشركة وفقاً للمادة السابعة والسبعين من اللائحة في حدها الأقصى.

تفاقم المشكلة
إلى ذلك، يوجه بعض المحللين الاقتصاديين أصابع الاتهام لمؤسسة النقد بمجاملة هذه الشركات على حساب المواطن، مما ساهم في تفاقم هذه المشكلة، وقال المحلل الاقتصادي المعروف عبدالحميد العمري، إن المتطلع جيدا على تفاصيل الحالة الفادحة التي تعيشها سوق التأمين في المملكة، يدرك تماما أن المسؤولية بالكامل تقع على كل من مؤسسة النقد العربي السعودي والأمانة العامة للجان الفصل في المنازعات والمخالفات التأمينية، وأن على الجهات الرسمية الأخرى المعنية بمراقبة أدائها مسؤولية البحث والتقصي في أسباب هذا التقصير والإهمال من قبل المؤسسة ولجان الفصل، مطالبا هيئة مكافحة الفساد «نزاهة» ومجلس الشورى بضرورة التحرك سريعاً لمعالجة هذه التشوهات التي غطّتْ سماء سوق التأمين وظلت تتسع طوال السنوات الأخيرة، مخلفة وراءها عشرات الآلاف من الضحايا.

سلاسة الإجراءات
وذكر الكاتب الصحفي سعيد الدوسري، أن المؤمًن لم يتفاءل حتى الآن بسلاسة الإجراءات في بعض شركات التأمين، أو على الأقل انحسار الكذب والتضليل والمماطلة، مشيرا إلى أن شركات التأمين تعودت في ظل غياب الرقيب على دغدغة مشاعر الناس بكلمات ووعود تدعو للتفاؤل، وطرح الدوسري علامات استفهام كثيرة على جهات الاختصاص تمثلت في .. هل شركات التأمين خصصت لتوظيف أموال الناس والمرابحة بها؟، وكيف يمكن تفسير تأخير المطالبة بالتعويض لأشهر، بل في أحيان إلى سنوات؟ فمتى نلزم شركات التأمين بدفع التعويضات دون مماطلة وإضاعة للوقت؟، وأين اللوائح والأنظمة التي تكفل حقوق المؤمِّنين؟ متى نصون حقوقهم ؟ ونقضي على أساليب المماطلة والالتفاف على اللوائح، إلى من يشكو المتضرر .. إلى المحاكم والدخول في دوامة أخرى، أم يتقدم لـ «نزاهة» ولماذا العميل دائما هو الطرف الأضعف في تعاملاته مع هذه الجهة أو تلك.

آراء مجحفة
وفي موازاة ذلك، نفى نائب رئيس مجلس إدارة الشركة العربية للتأمين فايز المعجل، اتهام شركات التأمين بالنصب والاحتيال، موضحا أن خسائر شركات التأمين تبلغ ثلاثة أرباع مثيلاتها بالسوق العالمية ومرجع هذه الخسائر كثرة الحوادث المرورية وطريقة تعامل مؤسسة النقد مع بعض الحالات وقيودها فيما يخص الاستثمار من قبل شركات التأمين. وذكر أن دائرة النزاعات بمؤسسة النقد تكفل حقوق المؤمِّنين، مشيرا إلى أن بعض آراء هذه الدائرة قد تكون مجحفة في بعض الأحيان في حق شركات التأمين، حيث إن من شروط وثيقة التأمين أن مخالف حركة السير أو قاطع الإشارة أو من يكون في حالة غير طبيعية تحت تأثير المسكر أو تعاطي المواد المخدرة لا يكفله التأمين، ولكن نجد أن المرور وشركة «نجم» لا يدققون في هذه الحالات وهنا تقع المشكلة بأن شركات التأمين لا تستطيع أن تتأكد من الحالة، مشيرا إلى أن عدد المشاكل بالنسبة للمؤمِّنين والمستفيدين فقط ثلاثة في المائة من إجمالي جميع المؤمنين.
وذكر أن مشاكل شركات التأمين تتمثل في أسباب عدة، أبرزها عدم إلمام المؤمن بالإجراءات والأنظمة المتعلقة بالتأمين، بالإضافة إلى عدم قدرة المرور وشركات التأمين في تقدير الحالات.

معضلة جديدة
ففي ظل المطالبات بتفعيل نشاط التأمين في المملكة والذي يشمل التأمين الصحي، الحوادث المرورية والكوارث وغيرها، جعل من النشاط أكثر حيوية وفاعلية، برزت معضلة جديدة تمثلت في عدم وضوح الرؤية من قبل شركات التأمين المتهمة بالمماطلة في صرف المستحقات المالية، وخاصة تلك التي تترتب على الحوادث المرورية في ظل عدم وجود نظام صريح يجبرها على سرعة صرف هذه المستحقات.
من جهة أخرى أدى الإعلان الأخير المتمثل بمراجعة اللوائح التنفيذية لمجلس الضمان الصحي التعاوني، إلى إحداث موجة من القلق بين الشركات في المملكة العربية السعودية، ومن بين الاقتراحات التي استحوذت على اهتمام الجميع زيادة الحد الأدنى السنوي للمطالبات من 250 ألف لتصل إلى 500 ألف ريال سعودي.
ومع أن هذا المقترح لن يؤدي إلى مضاعفة الأقساط المدفوعة، كما يزعم البعض، إلا أن التغييرات المقترحة ستؤدي حتماً إلى زيادة الضغوط التصاعدية على التكاليف، خاصة أنه يأتي بعد وقت قصير من التوجيه الصادر عن مؤسسة النقد العربي السعودي في شهر أبريل لشركات التأمين، والذي تطلب فيه أن تعكس أقساط التأمين كلفة المطالبات بشكل صحيح، ومن المتوقع أن يؤدي هذا التوجيه بحد ذاته إلى مضاعفة التكاليف بمعدل خانتين عشريتين خلال مدة تتراوح من 18 إلى 24 شهراً المقبلة، وعلى نحو يفوق المعدل المعتاد للتضخم في القطاع الطبي.
وفضلا عن ذلك، قد يزداد عدد الحالات الإلزامية الواجب تغطيتها لتشمل أمراضاً مثل علاج التوحد وجراحة التبرع بالأعضاء، وهما من الحالات التي يكلف علاجها مبالغ طائلة، كما أن المقترحات الجديدة قد تثير المزيد من الأسئلة التي لم تتم الإجابة عنها حتى الآن، ومنها ماذا يحدث للشخص الذي تتجاوز تكاليفه الطبية التغطية المحددة؟ وهل يتعين عليه تسوية الفارق من جيبه الخاص؟ وهل يطلب من المرضى العودة إلى منازلهم في مثل هذه الحالات؟ أم هل يتعين على المستشفى دفع التكاليف؟
بالإضافة إلى ذلك، يتعين على الصناعة الإجابة عن هذه التساؤلات من خلال التعرف إلى الحاجة الأساسية لتدخلات الرعاية الطبية لتتم إدارتها على نحو أفضل، إلى جانب تحسين تحليل المخاطر وإدارتها من قبل الشركات (بما في ذلك تحليل المطالبات حتى تكون تكاليف الأقساط لهذه التغييرات عادلة ومعقولة).

كلفة العلاج
ومع أن هذه الإجراءات تعمل فقط على تحويل التكاليف، إلا أنها لا تعالج المشكلة الكامنة وراء سبب وكلفة العلاج الطبي، وهنا أكد مسؤول في شركة «ميرسر» للتأمين بالمملكة تأثر كلفة ممارسة الأعمال في المملكة فعليا جراء ارتفاع أقساط التأمين الطبي، وقال دوريان هانينغتون «تدفع الشركات المحلية حاليا نسبة مئوية أعلى من المرتبات مقارنة مع أي مكان آخر في منطقة الشرق الأوسط، ومن شأن تطبيق هذا الإعلان أن يزيد الوضع سوءا».
وأضاف، في الوقت الذي يمكن فيه استخدام نماذج تخمين المخاطر ومراجعات التدقيق الإكلينيكية للحد من تكاليف التأمين الطبي وإدارة المخاطر في المستقبل، لا يزال هذا المفهوم جديداً في السوق السعودي، وتبدي شركات عديدة تردداً إزاء اعتماد نهج جديد لإدارة البرامج الطبية، وتعتمد بشكل حصري على الطريقة التقليدية المتمثلة في التفاوض على الأسعار عند تجديد العقود.
وأردف، الظرف الذي نشهده في المملكة ليس فريدا من نوعه، بل إنه يعكس ببساطة تجارب سابقة مرت بها أسواق الرعاية الصحية الأكثر نضجا، والمهم في الوقت الراهن ما إذا كانت شركات تقديم الرعاية الصحية وشركات التأمين على أتم استعداد للتحرك في هذا الاتجاه، وبغض النظر عن الجهة التي تدفع الفاتورة النهائية، لن تكون زيادة أقساط التأمين حالة مستدامة.
من جانبه، ذكر رئيس لجنة التأمين في الغرفة التجارية خلدون بكري بركات، بأن أسعار التأمين في المملكة تعد معقولة مقارنة بالدول الأخرى، كما أنها تعد مقبولة مقارنة بالخدمات المقدمة أو التعويضات المدفوعة، مشيراً إلى ارتفاع قيمة التأمين في الوقت الحالي لأنها لم تكن متوازنة مع الخدمات أو حجم التعويضات المتوقعة والمقدرة.
وأضاف، توقعت في أحد اللقاءات قبل سبعة أشهر، ارتفاع أسعار التأمين في السنة الجديدة وتوقعتها أعلى بكثير مما هي عليه الآن، ومع ذلك لم ترتفع بما يتوازى مع الأسعار العادلة، مرجعا ذلك إلى أن التأمين شمولي، وقال، لو لم يكن التأمين على المركبات والصحة إلزامي والخدمة تقدم بناء على طلب العميل لانخفضت الأسعار بشكل سريع وسيكون هناك انخفاض في حجم أقساط التأمين بما نسبته 80 في المائة عما هي عليه الآن.

الوعي بالتأمين
وردا على تساؤلات   حول التأمين الطبي وقيام بعض المستشفيات بالتنصل عن معاجلة المريض المؤمن عليه بحجة وجود بنود في العقد لا يشملها التأمين.. قال في عقد التأمين هناك بعض الأمراض التي لا يغطيها التأمين، وعموما الجهات الرقابية تلزم الشركات إذا تخلفت عن سداد المتوجب، حيث إن شركات التأمين تقدم خدمتها على الشيء المتفق وما يلزمها في التأمين، موضحا أن الوعي بالتأمين مازال غائبا سواء من الناحية التي يغطيها التأمين، أو نفور الكثير من التأمين وعدم استشعار أهميته.
وزاد، لو استشعر المؤمن قيمة هذه الخدمة وحافظ على القيادة الآمنة، هذا بلا شك سيساعد على خفض قيمة التأمين، خاصة أن زيادة الحوادث تنمي من حجم الخسائر التي ستنعكس سلبا على ارتفاع الأسعار.
ونفى خلدون، وجود شركات مهمتها فقط بيع استمارة التأمين وإنهاء إجراءات تجديد المركبة أو تجديد إقامات العمال وبعدها تتوارى عن الأنظار، وقال هناك بعض الحالات ظهرت في البدايات وكانت حالات شاذة وتم رصدها من قبل مؤسسة النقد، وحول أسباب تفاوت الأسعار من شركة لأخرى رغم أنها تقدم نفس الخدمة.. قال تختلف الأسعار بحسب نوعية أو حدود التغطيات ووضع الشركة المالية، فهناك شركات لديها علماء كثر وتجني أرباحا كبيرة وهذه الشركات لا تعاني من مشكلات مالية ويمكنها الاكتفاء بهامش ربح أقل من غيرها.
وختم خلدون بالقول: سوق التأمين سوق واعد يعيب عليه ضعف الوعي التأميني كما يعيب عليه أيضا عدم لجوء الأشخاص إلى التأمين إلا إذا كان ملزما وهذا السوق سيواجه مصاعب حتى يكون توازن بين الخدمة وتكاليفها وما بين الحوادث والربحية التي يجب أن تتحقق استمرار هذه الشركات التي تحافظ على الأرواح.
من جهته، اتهم المحامي الدكتور سليمان بن قاسم الفيفي صاحب مكتب محاماة في مكة المكرمة معظم شركات التأمين بالتلاعب بالمواطنين عبر خلق ثغرات في النظام تمكنها من التهرب عن تسديد مستحقات العملاء عند وقوع الحوادث المرورية، وقال عدم التزام شركات التأمين بالعقود هو سبب مباشر لمعاناة المواطنين، وهي تتعمد على وضع ثغرات لها في عقود التأمين لتجد لها مخرجا حتى تستمر في المماطلة وعدم تسليم المؤمنين حقوقهم.
وأضاف الفيفي، إذا كان من لا يحمل شهادة تأمين مركبة يعتبر مخالفا للأنظمة، لذلك أطالب بمعاقبة شركات التأمين أيضا وإصدار أنظمة صريحة واضحة بحقها عبر آلية تجبرها على سرعة المبادرة في صرف المستحقات المالية المترتبة على الحوادث المرورية وعدم المماطلة والتأخير ما يلحق أضرارا مادية بالآخرين.
وأردف، هناك قصص ومعاناة تعرض لها مواطنون مع شركات تأمين حتى بات المواطن يتردد كثيرا في التعامل مع هذه الشركات ومن هذا المنطلق اتمنى وضع نظام آلي مرتبط مع المرور مباشرة يستطيع المؤمن من صرف المستحقات فورا من فروع هذه الشركات بناء على تقارير الحوادث المرورية في إدارات المرور واعتبارها قاطعة لا تقبل النقاش، مطالبا بتفعيل الربط الإلكتروني مع إدارات المرور لتسريع دفع المستحقات للمتضررين مباشرة.

افتعال حرائق
ونفى مدير إدارة الدفاع المدني بمحافظة جدة العميد سالم المطرفي، ما يتناقله البعض حول افتعال بعض أصحاب المصانع والمستودعات المؤمن عليها الحرائق للاستفادة من مبالغ التعويض، وقال لم يثبت في التحقيقات عن حدوث الحرائق في المصانع والمستودعات من أجل الحصول على مبلغ التأمين، وفي حال ثبت أية حالة يتحول الأمر مباشرة من عرضي إلى جنائي ويتم إحالة القضية إلى الشرطة ومن ثم إلى جهة الاختصاص.
بدوره انتقد المواطن سعد المطيري، شركات التأمين في عملية اعتماد تسعيرة الحوادث، ففي الوقت الذي تعتمد بعض الشركات تسعيرة ثلاث ورش لإصلاح السيارات بأسعار مختلفة، فإن بعض الشركات ترفض هذه الآلية وتطالب باعتماد تسعيرة شيخ المعارض، كما تعتمد بعض الشركات اقتطاع 20 في المائة من قيمة قطع الغيار، الأمر الذي يحول دون القدرة على إصلاح السيارة، في حين أشار المواطن أنور المادح إلى أن آلية إيداع المبالغ في الحسابات البنكية ساهمت كثيرا في اختصار الوقت على أصحاب المركبات عوضا من مراجعة فروع الشركات بشكل دائم للحصول على المبالغ.
وأكدت مصادر ذات علاقة بصناعة التأمين بالمنطقة الشرقية دور الوسطاء الهام بالنسبة للعملاء، وبينت أن الوسطاء يلعبون دورا حيويا في تقديم النصائح للعملاء في حال المطالبات، من خلال تقديم الوثائق المطلوبة لشركات التأمين للحصول على التعويض المناسب مشيرة إلى أن شركات التأمين تفضل التعامل المباشر مع العملاء.

(عكاظ)

تعليقات