الإمارات : ظاهرة حرق الأسعار تهدد استمرارية الشركات

انتقلت شركات التأمين من شراسة المنافسة على الأقساط إلى سباق لحرق الأسعار، وفق الرئيس التنفيذي لشركة الهلال الأخضر للتأمين ورئيس لجنة التأمينات الطبية والحياة في جمعية الإمارات للتأمين الدكتور حازم ماضي.
ويؤكد ماضي «بدأ حرق الأسعار بدرجات غير منطقية في التحول ليكون ظاهرة شبه عمومية بعد أن كان محصوراً في عدد لا يذكر من الشركات».
وأشار في حوار خاص مع «الرؤية» إلى أن الشركات التي تعمل بشكل احترافي لا تشكل أكثر من 20 في المئة من إجمالي السوق، الأمر الذي يهدد الثقة في قطاع التأمين.

وشكك ماضي في قدرة بعض الشركات على الاستمرار، الأمر الذي بدأت بوادره بعدم مقدرة بعض شركات التأمين على تسديد التزاماتها تجاه المطالبات.
وعبر عن أمله في تحول الرعاية الصحية للعمل وفقاً لأساس الدفع مقابل الجودة وليس الدفع مقابل الإجراء بأن يتم دفع أتعاب مزود الخدمة الطبية عن علاج المرض وليس على إجراءات العلاج نفسها.
وحمل ماضي مسؤولية خسارة التأمين الصحي لدى بعض الشركات بالدرجة الأولى إلى الشركات نفسها التي تكتب الأقساط دون الكلف الفنية، وبالدرجة الثانية لمزودي الخدمات الطبية بمبالغتهم في الأسعار وبسوء استخدام الوثائق الطبية، وفي المرتبة الثالثة للعملاء حاملي الوثائق الذين يتعاملون مع بطاقات التأمين كالبطاقات الائتمانية، وبالدرجة الأخيرة للجهات الرقابية.
وتالياً نص الحوار:

بداية، ماذا عن نشاطات اللجنة الطبية في جمعية الإمارات للتأمين؟
من أبرز الأمور التي تعمل اللجنة عليها هي التنسيق بين الشركات للوقوف على أوضاع التأمين الصحي ووتيرة التطور المتسارع في التأمين الصحي والرعاية الصحية بشكل عام، إذ ناقشنا مسألة توحيد الأفكار أمام التطورات والتحديات التي تحصل في ساحة التأمين الصحي وعلى رأسها كلفة الرعاية الصحية والتضخم الحاصل، والأمور التي يمكن العمل عليها وأوراق العمل التي يمكن أن نقدمها للجهات الرقابية لكون شركات التأمين المسؤولين الأبرز عن تمويل الرعاية الصحية في الدولة.

دائماً ما كنتم كشركات تأمين معترضين على ازدواجية الرقابة بين العديد من الأطراف، فكيف تنظر إلى الأمر وما هي الحلول؟
نحن لا نملك حق أن نعترض، فالمؤسسة لا يجوز أن تعترض على الرقيب لكن لدينا رغبة بأن يكون هناك تنسيق متجانس بين الهيئات الرقابية وبين شركات التأمين لكونهم محوراً فعالاً في عملية تمويل الرعاية الصحية في الدولة، وبالتالي فنحن المسؤولون عن استمرارية هذا النظام.

هل ترون أن هناك قصوراً في التنسيق بين هيئة التأمين وهيئات الصحة؟
نحن نرى أن أموراً حساسة تجري في قطاع الرعاية الصحية ولا أحد يأخذ برأينا في العديد من القرارات، ونحن لا نريد أن يأخذوا رأينا، لكن نطلب أن يسمعوا وجهة نظرنا في الانعكاسات التي يمكن أن تطرأ على السوق ككل وليس علينا كشركات فقط.
الهيئات الرقابية تعمل جاهدة وتجري الدراسات وتصدر القوانين وغير ذلك، لكن بعض القرارات أو التعليمات لها أبعاد فنية تأمينياً، وبالتالي فدراسة أبعادها يجب أن تكون عبر قطاع التأمين كون الشركات هي الأكثر علماً بالشؤون الداخلية لموضوع التمويل الصحي، وبالتالي المطلوب المزيد من التنسيق للوصول إلى أرقى المستويات.

وهل كنتم مطلعين على مشروع التأمين الصحي الاتحادي؟
المشروع يناقش منذ أكثر من عامين، ونحن مطلعون عليه، فقد جرت مخاطبات مع جمعية التأمين وبعض الشركات لأخذ معلومات عن قطاع التأمين الصحي، لكن لم تناقش آراء شركات التأمين بصورة رسمية، أما عن تفاصيل المشروع فهو يصدر من المشرع.

 
تحدثت هيئة الصحة في دبي عن قاعدة بيانات ستكون أمام الجمهور للوقوف على جودة الخدمات في المراكز الصحية والمستشفيات، فما رأيك؟
أعتبر مثل هذا الموضوع محورياً في مستقبل الرعاية الصحية، باعتبارها خطوة تعكس الرؤى والتفكير الصحيح لموضوع الرعاية التي هي أشمل مع زيارة مريض لطبيب لتلقي علاج، وإنما يجب أن يكون العلاج ذو جودة عالية.
لكن لا بد من السؤال «من الذي يقيم وعلى أي أسس؟» فالجودة لا يجوز تطبيقها أو قولها دون وجود معايير قياس.
في الواقع هناك إمكانية للتقييم عن طريق الخدمة ومدى رضا المريض عنها، لكن هذا المسار حساس جداً فالمريض ليس زائراً يقيم مستوى الرفاهية في فندق، بل يعطي تقييمه من منطلق ألمه ومقدار راحته النفسية، وبالتالي يجب ألا يشكل هذا المسار وهذه الطريقة الركيزة الوحيدة في التقييم، وإنما يجب أن تكون المعلومات مبنية وفق أسس فنية وعلمية بحتة، وهناك مقاييس عالمية موجودة يمكن الاستفادة منها.

ما أهم تلك الأسس والمعايير العالمية التي يمكن أن نستفيد منها في تقييم جودة خدمات مزودي الرعاية الصحية؟
هناك مجموعة من الأسس والمقاييس التي تحدد أداء وجودة الرعاية الصحية كالأمراض المتكررة والعلاج فيها ومستوى المضاعفات، ومدة المكوث في المستشفيات بالنسبة للعمليات الأكثر شيوعاً، وغيرها من المقاييس التي وضعتها منظمة الصحة العالمية والتي يمكن أن تدرس وتحسن لتتناسب وتتجانس مع طبيعة الشريحة وعدد السكان والفئات العمرية والأمراض الشائعة في السوق المحلي.
وفي النهاية فالمعلومات وقاعدة البيانات إن لم تكن مبنية على أسس صحيحة ستكون الاستنتاجات غير صحيحة وبالتالي ستكون معدومة الفائدة ومن الممكن أن تكون مضرة.

 هل من الممكن إعطاؤنا مثالاً عن طبيعة وكيفية بناء معلومات معينة لتكشف صدقية المطالبات من قبل مستشفيات أو مزودي خدمات آخرين؟
نعم، يمكن الحديث عن الكشفيات، فهناك أنواع للكشفيات والمراجعات تبدأ بالبسيطة مروراً بالمتوسطة حتى نصل إلى الكشفيات المعقدة، ومن الطبيعي أن تكون كلفة الكشفية أو الفحص المعقد أكبر من البسيط والمتوسط، وفنياً وعلمياً لا يستطيع الطبيب عمل أكثر من 30 كشفية بسيطة و15 حالة في المتوسطة وعشر حالات من الكشفيات المعقدة، ولكن تجد المطالبات التي تأتي من المستشفيات على أساس أن كل الفحوص أو الكشفيات معقدة من أجل تحقيق عائد مالي أكبر، وهذا الأمر يتناقض مع الفرضيات والدراسات العلمية، ومثل هذه الأمور تحصل في السوق المحلي والكثير من شركات التأمين التي تجري الدراسات تعلم ذلك.

 
أنتم تدركون مثل هذه المخالفات باعتباركم أصحاب مصلحة وأنتم الذين تدفعون كلف هذه الإجراءات؟
في الواقع، أنا أرفض أن يقال إن شركات التأمين هي صاحبة المصلحة فقط، بل جميع الأطراف أصحاب مصلحة مشتركة، فالمبالغة في تكاليف الرعاية لن ينعكس على شركات التأمين فقط التي ستلجأ إلى رفع سعرها عندما تخسر وبالتالي ستصل الانعكاسات بشكل مباشر إلى المريض أو حامل الوثيقة.
إذا حصل تضخم غير مسيطر عليه ستكون شركات التأمين أول المتضررين وثانيهم حملة الوثائق وأخر المتضررين سيكون المشرع الذي سيكون لديه نظام صحي لا أحد يستخدمه.

وكيف ستسهم الوصفة الإلكترونية في مكافحة الاحتيال وسوء الاستخدام؟
أتمنى أن يكون تأثيرها أبعد من الاحتيال، فالجشع لدى البعض لا يمكن لأحد أن يوقفه ولكن يمكن أن يقلل منه ومن آثاره، لكن خلق قاعدة بيانات لن يتم دون تطبيق الوصفة الإلكترونية، فعلم التأمين الصحي مبني على البيانات وتقييم الخطر والتنبؤ به، ومن دون بيانات كافية لا يمكن أن نصل إلى استنتاجات مفيدة، والبيانات غير الدقيقة ستعطي استنتاجات غير صحيحة.

انتقالاً إلى أبرز التحديات، فما هي أبرز التغيرات التي طرأت على مجال التأمين الصحي في عام؟
في الواقع، أرغب في الحديث عن شركات التأمين، فالمنافسة انتقلت من مرحلة الشراسة إلى مرحلة التهور فبعض شركات التأمين تجمع مئات الملايين من الأقساط لكنها لا تجمع عوائد مالية تغطي كلفتها الإدارية، وبالتالي انتقلوا للاعتماد على موضوع الاستثمارات، وسياسة حرق الأسعار أصبحت من بديهيات العمل لدرجة الانتحار، وهناك العديد من الأمثلة عن شركات تضعضعت مراكزها المالية والائتمانية إلى درجة تهدد التزاماتها تجاه حملة الوثائق ومع ذلك فشركات التأمين بمجالس إدارتها لا يحركون ساكناً.
وبدأت سياسة حرق الأسعار في التحول إلى ظاهرة شبه عمومية، فالشركات التي تعمل بشكل احترافي لا تشكل أكثر من 20 في المئة من إجمالي السوق، والبقية تعمل بشكل غير احترافي وليس هناك بوادر تحسن، وهذا يعطي إنذاراً للعاملين بالقطاع، فإصابة إحدى الشركات بتعثر يهدد التزاماتها تجاه عملائها، من شأنها أن تقتل الثقة في القطاع الذي هو حديث الولادة في الأساس.

هل سياسات حرق الأسعار أتت نتيجة لصغر حجم السوق المحلي وازدحامه بالشركات؟
معدلات الاختراق لدينا لا تتعدى 1.98 وهو معدل قليل جداً، وعادة تقفز في الدول المتطورة إلى 12 إلى 13 في المئة، وبالتالي فلدى القطاع مستقبل باهر، ما لا يوجد أي داعٍ لاتباع مثل هذه السياسات، وما على شركات التأمين سوى ابتداع برامج جديدة وحلول تأمينية تغطي معدلات الاختراق، فهناك مساحة أكثر من كافية تسمح للشركات بالنمو ومضاعفة دخلها ونتائجها الفنية.

 
هل وصلت شركات إلى مستويات خطرة؟ وهل تتوقع أن نسمع عن اضطرار البعض إلى الاندماج أو البيع؟
أتوقع ذلك في فترة لا تتجاوز عامين، إذ بدأت بوادر عدم مقدرة بعض شركات التأمين على تسديد التزاماتها تجاه المطالبات، وخروج معيدي التأمين يعد مؤشراً آخر على صعوبة الأوضاع التي وصل إليها السوق.

بالإجمال، على مَن تحمل مسؤولية خسائر الشركات؟
بالدرجة الأولى أحمل المسؤولية على شركات التأمين التي تكتب الأقساط دون الكلف الفنية، وبالدرجة الثانية لمزودي الخدمات الطبية بمبالغتهم في الأسعار وبسوء استخدام الوثائق الطبية، وفي المرتبة الثالثة تأتي مسؤولية العملاء حاملي الوثائق وعدم وعيهم بأن الوثيقة الصحية ليست بطاقة ائتمانية، وبالدرجة الأخيرة للجهات الرقابية التي يجب أن تسهم في بعض الحلول.

تمنيت أن تكون الرسوم على الجودة والنوعية وليس على الإجراءات العلاجية فهل يمكن أن تشرح معنى ذلك والفائدة منها؟
معنى ذلك أن يتم دفع أتعاب مزود الخدمة الطبية عن علاج المرض وليس على إجراءات العلاج نفسها، فبالنسبة لبعض الأمراض العلاجات تكون واضحة، فلا يهم على سبيل المثال ما هي الإجراءات التي تمت لعلاج مرض الرشح فيكون بذلك التعويض على أساس المرض نفسه.

وماذا عن أداء شركة الهلال الأخضر؟
برؤية مجلس الإدارة وفريق العمل القوي، استطاعت الشركة تحقيق نتائج ممتازة في الربع الثاني، إذ وصلت الأرباح المالية إلى ثمانية ملايين درهم ربح مقارنة بخسارة 300 ألف درهم في الفترة المقابلة من العام السابق، وحققنا أرباحاً فنية كبيرة عادلت تقريباً 15 مليوناً مقارنة بـ 12 مليوناً الأمر الذي يعود إلى المنتجات التي أطلقناها.

ختاماً هل ما يقوله البعض صحيح حول أن التأمين الصحي غير مربح؟
على العكس تماماً، فالتأمين الصحي يمكن أن يكون من القطاعات الأكثر ربحية في محافظ التأمين إذا كان اكتتاب الأخطار من جهة وإدارة المطالبات من جهة أخرى يقومان على أسس فنية صحيحة، فشركتنا تكتتب أقساطاً بنحو 100 مليون درهم ونتائجنا أفضل من الكثير من شركات اكتتبت أضعافنا من الأقساط غير الصحية.
القيصرية .. وسيلة لزيادة الربح على حساب التأمين
شدد ماضي على أهمية وجود نسب تحمل مقبولة للولادة القيصرية، إذ تضاعفت القيصريات إلى أرقام غير مسبوقة الأمر الذي يعتبر علمياً غير صحيح.
وأرجع السبب فيها إلى أن عملية التعويض المادي للأطباء في القيصرية أكبر بكثير من تعويض الولادة الطبيعية، إضافة إلى أن الولادة الطبيعية تتطلب جهداً ووقتاً أكبر، وبذلك فحسابياً نصف ساعة عمل في القيصرية توازي أضعاف في حالة الولادة الطبيعية.

سيرة ومسار
تخرج الرئيس التنفيذي لشركة الهلال الأخضر للتأمين ورئيس لجنة التأمينات الطبية والحياة في جمعية الإمارات للتأمين حازم ماضي في كلية الطب في جامعة خاركوف بمرتبة الشرف عام 1994.
وأجرى ماضي امتحانات الزمالة الأردنية ـ الأمريكية، وعمل طبيباً في الأردن لمدة خمسة أعوام وحتى العام 1999.
انتقل في العام 2003 إلى الإمارات وعمل في شركة عمان للتأمين مديراً للتأمين الطبي، ثم انتقل في العام 2011 إلى شركة الهلال الأخضر للتأمين رئيساً تنفيذياً، وهو المنصب الذي يشغله حتى الآن.
اختير ماضي في العام 2013 رئيساً للجنة التأمين الصحي وتأمين الحياة في جمعية الإمارات للتأمين.
نبذة
«
الهلال الأخضر للتأمين» هي واحدة من الشركات المتخصصة في التأمين الصحي وتأمينات الحياة في المنطقة، وتوفر برامجها للمجموعات والشركات.
تأسست عام 2008 كشركة مساهمة عامة مدرجة في سوق أبوظبي المالي، تعمل في السوق الإماراتي، مكتبها الرئيس في أبوظبي.
تمتلك الشركة شبكة علاقات واسعة مع معيدي تأمين وشركات تقدم خدمات الرعاية الصحية عالمياً.
أجرت الشركة أخيراً وفي عام 2012، عملية إعادة هيكلة شاملة، إذ خفضت من خلالها رأس المال، وهيكلت بعض إداراتها وبرامجها التكنولوجية، ودمجت بعض أقسامها لتخفيض النفقات التي تراجعت بنسبة 28 في المئة.

تعليقات