كيف تحتال شركات التأمين على المواطنين؟

أمام أساليب الاحتيال التي يلجأ إليها عدد من شركات التأمين، من التفافٍ على عقد التأمين، إلى إضافة استثناءات بين السطور… كيف يحمي المؤَمّن نفسه من عقود «مُلغّمة»؟ مَن يوقف «سماسرة» التأمين عند حدِّهم؟ ماذا عن «الخط الساخن» المخصّص لخبراء سير متواطئين مع بعض شركات التأمين؟
تتنوّع عقود التأمين التي يلجأ إليها المؤَمّنون، ويتفاوت معها حجم الأضرار التي يتكبّدونها بحسب ضروب احتيال بعض شركات التأمين.
وسيط تأمين أو سمسار؟


قد يَبدأ الاحتيال على المواطن من خلال “وسيط” يقرع بابه على حين غرّة مسوِّقاً رزمة من خدمات التأمين. هذا الوسيط قد يعمل لحسابه الخاص، أو لدى شركة تأمين، وفي بعض الحالات لا يتحلّى بالمصداقية الكافية، ويهدف إلى جمع أكبر عدد ممكن من المؤَمّنين، بصرف النظر عن مضمون العقد، ومن دون تقديم أيّ نصيحة إلى المؤَمّن.
في هذا الإطار، يشدّد رئيس نقابة وسطاء التأمين عصام حتّي على أهمّية التعامل مع وسيط تأمين “شرعي”، قائلاً: “البند الأساسي في قانون تنظيم عمل الضمان واضح، لا يحقّ التوجّه إلى الجمهور لعرض أيّ منتج تأمين إلّا الوسيط المرخّص له قانوناً لمزاولة هذه المهنة”، مشدّداً في الوقت عينه على أهمّية “دور الوسيط في درس حاجة المؤمّن في ضوء قدرته الشرائية على المستويات كافة”.
ويحذّر حتيّ، في حديث لـ”الجمهورية”، من انتشار متطفّلين على هذه المهنة، قائلاً: “صحيح أنّ النقابة ليست إلزامية، ويبلغ عدد الوسطاء فيها 130 وسيطاً، لكن نأسف لوجود مجموعة متطفّلة في السوق، من دون رخصة، كمَن يروّج لدواء فاسد”. ويذهب حتّي أبعد من ذلك، مشيراً إلى خطورة عمل بعض الشركات قائلاً: “قد تعرض بعض شركات التأمين على تجّار السيّارات، على سبيل المثال مع بيع كلّ سيارة عقد تأمين، على أن ينال التاجر حصّة من العمولة، فيبدأ التاجر بتوسيع مروحة أعماله… “. ويضيف متأسّفاً: “يدخل كذلك بعض المحال والسماسرة المنتشرين في محيط الميكانيك في هذا المضمار”.

تواطؤ مع خبراء السير
في وقت يتنقّل المؤمّن مطمئنّ البال، متسلحاً بعقد التأمين، قد يتعرّض لحادث سير يلزمه استدعاء خبير، ومن البديهي أن يتّصل على الرقم الساخن المخصّص للحالات الطارئة. إلّا أنّ بعض شركات التأمين يتبنّى عدداً من الخبراء ويعمد إلى تظهيرهم على الدوام، يبرمجهم في خدمة مصالحه الخاصة، إلى حدّ لا يتردّد الخبراء في التلاعب بالتقارير والتحايل على مجريات الحادث. حتى إنّ هؤلاء يستعينون بمجموعة مندوبين في ذروة انشغالاتهم مقابل 5 أو10 آلاف ليرة”.
قد يكون رأي نقيب خبراء السير في لبنان الياس القزي أصدق تعبيراً عن واقع الحال، فيقول: “يزاول عدد من خبراء السير المهنة كـ”برستيج”، من دون معرفة قانون السير”، مؤكّداً “أنّ النقابة تحاول منذ تأسيسها عام 1998 رفع مستوى الخبراء، إلّا أنّها غير ملزمة، وهناك من يعتبر نفسه فوق القانون، لذا يصعب عليها حصر التجاوزات وضبط المخالفات”.
ويوضح القزي لـ”الجمهورية”: “من أصل 1600 خبير أقسموا اليمين، 900 منهم منتسبون إلى النقابة، لذا تعتمد شركات التأمين التي تخشى على سمعتها، على خبراء النقابة، نظراً إلى حسّهم بالمسؤولية ومبدأ المحاسبة الذي يخضعون له”.
جرثومة الخط الساخن
سرعان ما تتبدَّل ملامح القزي لدى سؤالنا عن موقفه من “الخط الساخن” ، فيجيب: “هذه الخدمة التي استحدثتها مجموعة من شركات التأمين “جرثومة” الخبراء. بعد التجربة المريرة، تعمل النقابة كلّ ما في وسعها لإلغاء الخطوط الساخنة، لكي لا تتحوّل المسألة إلى محسوبيات وصداقات ربحية. لذا نناشد شركات الضمان الالتزام بوضع لائحة بأسماء الخبراء، وترك الخيار للمواطنين في انتقاء من يساعدهم”.
في هذا الإطار، لا يُخفي القزي الغايات الربحية، والمنفعة الشخصية التي قد تتغلّب على مهنية الخبير، “كون اللبناني، في طبيعته، ميزان ذهب، يقيس غرامات ربحه وخسارته، لذا قد يقبل التواطؤ مع شركة التأمين. لكنّ الخبير الذي يتمتّع بعزّة نفس يترك للمؤَمّن حرّية الاتصال به مباشرة”.

تلاعب في بوالص التأمين
بصرف النظر عن المستوى الثقافي للمؤَمّن، يراهن العدد الأكبر من شركات التأمين على أنّ “المواطن اللبناني لا يقرأ”، لذا غالباً ما تتردّد عبارة: “موسيو ما توجّع راسَك مضِي هون، إنتَ توريسك طمِّن بالك”. إلّا أنّ الكلام الشفهي عند إصدار العقد قد يكون مخالفاً للمكتوب.
تكثر المغالطة بين all risks وTotal loss: في الحال الأولى (all risks)، تتكفّل شركة التأمين إصلاح سيّارة المؤمّن والسيارة المتضرّرة على حدٍّ سواء، بما في ذلك حالات الحريق والسرقة. أمّا في الحال الثانية، فلا تغطّي الشركة إلّا إذا تجاوز ضرر سيارة المؤَمّن الـ65% من ثمنها، فيما الحوادث العادية غير مغطّاة على الإطلاق.
وهنا لا بدّ من الإشارة ضمن All risks إلى أنّ المؤَمّن يفاجَأ عند سرقة سيارته ببند خفيّ لم يُحذّره منه أحد قبل توقيع العقد، يقضي بتركيب جهاز إنذار، لأنّ عقد التأمين لا يغطّي السرقة في حال عدم وجود هذا الجهاز.
مبلغ مقتطع Franchise: في بعض الحالات قد يختار المواطن التأمين all risks، لكن لا ينتبه إلى مسألة الـ”فرانشيز”، فبعد وقوع الحادث تبلغه شركة التأمين أنّ أوّل مئة دولار من مصاريف التصليح تكون على عاتقه. لذا يكتشف المواطن بعد فوات الأوان أنّ أحداً لم يلفت انتباهه أثناء العقد إلى وجود بند خاص بالمبلغ المقتطع، والذي يوفّر على شركات التأمين أعباء الحوادث الصغيرة.

وفي التصليح
قد تُلزم بعض شركات التأمين المؤمّنين لديها بالتصليح في كاراجات خاصة بها، غالباً ما تكون سيّئة السمعة، فلا يكتشف المؤَمّن حجم الضرر إلّا عند المعاينة الميكانيكية أو لحظة بيع سيّارته. لذا على المؤَمّن التوضيح لشركة التأمين قبل توقيع العقد، أنّه يريد إصلاح سيارته في الشركة فقط، خصوصاً أنّه قد يخسر في حالات كثيرة ضمانة سيّارته إذا أدخلها كاراجات خارج الشركة.

للمصارف حصّة
غالباً ما يذهب المواطن ضحية العلاقة “المدروسة” بين بعض شركات التأمين والمصارف، خصوصاً أنّ كلا المؤسّستين تحاولان قدر المستطاع الحفاظ على أرباحهما. وهنا لا بدّ من التوقف عند ثغرة أساسية، وهي أنّه إذا أراد أحد المضمونين بيع سيارته وهو في سنة ثالثة تقسيط من أصل 5 سنوات، لا يستطيع نقل التأمين من سيارة إلى أخرى، أو مواصلة التقسيط، فيعود إلى نقطة الصفر، لغياب خدمة changement de vehicule.

رئيس جمعية شركات التأمين
يتعرَّض المواطن اللبناني للأذى من أكثر من جهة”. بهذه العبارة يختصر رئيس جمعية شركات التأمين في لبنان أسعد ميرزا واقعَ الحال الذي يتخبّط فيه المؤَمّن في لبنان، مشكّكاً في الوقت عينه، في مدى حجم التفسيرات المقدّمة للمؤمّن”.
وعمّا إذا كان راضياً على أداء شركات التأمين، يقول ميرزا: “سمعة معظم شركات التأمين في العالم سيّئة “لو ضوِّت العشرة”، ويغيب عن بال البعض أنّها ليست جمعيات خيرية. أمّا بالنسبة إلى واقع الحال في لبنان، فأكتفي بالقول: أصابع اليدين ليست متشابهة”.
وعن دور الجمعية في محاسبة الشركات المتحايلة، يجيب ميرزا: “نحن جمعية ولسنا نقابة، لا سلطة لنا في المحاسبة، يمكننا المساعدة، لكن ليس بوسعنا إلزام أيّ شركة بالدفع إذا تنصّلت من مسؤولياتها. في المقابل، تتابع وزارة الاقتصاد، عبر هيئة الرقابة، أعمالَ كلّ شركة وتُدرك مستواها، وفي الوقت عينه تحتفظ بخصوصية كلّ واحدة”.

رئيس لجنة مراقبة هيئات الضمان
يحرص رئيس لجنة مراقبة هيئات الضمان وليد جنادري على التحلّي بروح إيجابية، على رغم أنّ قانون تنظيم عمل شركات التأمين يعود إلى العام 1968. فهو “منقوص” على حدّ تعبيره، “أمّا النسخة المحدّثة من القانون فلا تزال تقبع في أدراج مجلس الوزراء منذ العام 2007، لذلك يصبح عملنا كمَن يقود درّاجة هوائية في سباق الفورمولا”.
ويوضح جنادري لـ”الجمهورية” أبرز مهمّات هذه الهيئة، وهي: “الرقابة الماليّة للشركات، رقابة سلوكية السوق، وسلامة إدارة الشركة”، مؤكّداً “أنّ دور اللجنة لا يقتصر على ضبط الأخطاء، إنّما هو أكثر ردعاً، وليس بوسع أيّ هيئة رقابة في العالم الوصول إلى مرحلة اللا خطأ”.
ويرى جنادري أنه “ليس من السهل التصدّي لشركة غير مرخّص لها، تعمل في القطاع اللبناني، إذا عمدت إلى أساليب إحتيالية مبطّنة، أو تواطأت مع شركة أخرى سرّاً. لكن في الوقت عينه يصعب على شركة غير مرخّص لها العمل على نطاق واسع من دون أن تكشف”. ويضيف: “ليس من هدف العمل الرقابي الدخول في كلّ شاردة وواردة، وإلّا احتاجت الهيئة إلى 800 شخص مقسّمين على الشركات لمراقبتها.
وردّاً عمّا إذا تمّت محاسبة شركة تأمين معيّنة، يجيب: “منذ ترؤّسي اللجنة عام 2002 حتى اليوم، أقفلنا 9 شركات، إمّا لاندماجها، أو لمخالفتها، أو لأنّها انسحبت، أو لأنّنا وجدنا أنّها على شفير الإفلاس. ومنذ نحو عامين، أقفلنا شركة تأمين بالقوّة بعد مراقبة حثيثة، وضبط حفنة من البطاقات اللاصقة المزوّرة”.
أمّا بالنسبة إلى طبيعة الشكاوى التي تتلقّاها هيئة الرقابة، فيشير جنادري إلى “أنّنا نتلقّى سنويّاً بين 350 و450 شكوى، 60 في المئة منها يكون الحقّ فيها على شركات التأمين، حسب تقدير اللجنة”.

ما الحلّ؟
الاحتكام إلى مجلس الضمان التحكيمي في وزارة الاقتصاد، من أبرز الخيارات التي يمكن الاستعانة بها. ولمعرفة المزيد عن دور هذا المجلس، يوضح الدكتور سعيد حديفه أحد أعضائه أهمّية هذا المشروع، قائلاً: “مجلس الضمان التحكيمي يُعتبر الأوّل في الشرق الاوسط، مجاني، ويستطيع أيّ مضمون التقدّم من خلاله بشكوى على شركة الضمان من دون تكبّد مصاريف توكيل محامٍ أو أيّ رسوم أخرى، مع الإشارة إلى أنّ الحكم يصدر بسرعة قياسية لا تتعدّى السنة”.
ويقول حديفه لـ”الجمهورية”: “ينقسم المجلس إلى هيئتين: للسيارات وللاستشفاء، وتنعقد الجلسات أسبوعيّاً، وقد أخذ المجلس على عاتقه المطالبات الصغيرة قبل الكبيرة والتي تكبّد المواطن في حال لجأ إلى المحاكم العادية”. ويضيف: “يدرس المجلس التحكيمي الملفّ بعد تبلّغه شكوى، ويصدر الحكم بناءً للقوانين اللبنانية المرعيّة الإجراء”. لذا لأيّ استفسار يمكن الاتصال على الرقم 980649 – 01.
يناشد حتّي المواطنين ضرورة التأكّد من رخصة الوسيط، والاحتفاظ بنسخة عن رخصته لملاحقته إذا لزم الأمر. أو يمكن الاتّصال بالنقابة للتأكّد من صحّة ترخيص أيّ وسيط، 512167-01.
يعوّل ميرزا على أهمّية توعية المؤَمّن، قائلاً: “حتى الآن لا تبدو التوعية صحيحة، على شركات التأمين التي بلغ عددها 50 مؤسّسة، تفعيل التوعية حول خدماتها التأمينية، حجم تغطيتها، إستثناءاتها. إلّا أنّه في الوقت عينه يُحمِّل المؤَمّن مسؤولية قراءة، أقلُّه، بنود الإستثناءات.
في وقت يتعطّش المؤَمّن لإيجاد الحلّ المناسب، لا يخفي عددٌ من المراقبين خشيتهم من أصحاب القرار الذين يتقصَّدون إبقاء قطاع التأمين على حاله، لأنّ تنظيمه يحدّ من نفوذهم ويُقلّص أرباحهم.
هل يأتي يوم، وتنطبق على لبنان مقولة الأميركي “هنري فورد”، صاحب طريقة التصنيع بالتجميع، “نيويورك ليست من صنع البنّائين إنّما رجال التأمين”؟

الأربعاء 06 تشرين الثاني 2013 - 06:32

تعليقات