د. الفنيسان : التأمين الصحي إذا حمل على الجعالة في الفقه فهو جائز

 يعد التأمين - والتأمين الصحي- خاصة من النوازل التي ظهرت في هذا العصر ولم تكن معروفة من قبل ؛ من هنا اعتنت دراسة بحثية للدكتور: سعود بن عبدالله الفنيسان ببحث ذلك الأمر في دراسة له بعنوان: " التأمين الصحي في المنظور الإسلامي "قضية للبحث" ".
وبيّنت الدراسة أن التأمين الصحي : عقد بين طرفين يلتزم به الطرف الأول (المستشفى) بعلاج الطرف الثاني (فرداً كان أو جماعة) من مرض معين أو الوقاية من المرض عامة مقابل مبلغ مالي محدد يدفعه إلى الطرف الأول دفعة واحدة أو على أقساط ·
وأفاد المؤلف أن أكثر الفقهاء يبحثون التأمين الصحي مع الإجارة لشدة الترابط بينهما حيث كل منهما عقد على عمل مباح مقابل عوض ، وبعض الفقهاء يبحثها في آخر باب اللقطة لأن الجعالة طلب التقاط الدابة الضالة مثلاً، وأن الجعالة هي الأظهر لحمل التأمين الصحي عليها.


وأوضحت الدراسة أن الأصل في العقود والشروط الإباحة والحل، ما لم يأت من الشارع دليل على المنع بنص صحيح أو قياس صريح، وأن الجهالة في عقد التأمين الصحي - إن وجدت - مغتفرة معفو عنها كما في الجعالة والإجارة للمنفعة أو ضمان المجهول، وقد نص الفقهاء على أن الجهالة إذا وجدت في هذه المعاملات لاتضر بالعقد ، فلا يقدح في صحة ضمان المجهول جهل المضمون به أو الجهل بالمضمون عنه، كما لايقدح في صحة الإجارة عدم وجود المنفعة المؤجرة عند العقد، ولا يقدح في الجعالة عدم تعيين المجعول له ولا تعيين الجعل أو قدره، وأيضاً إن عقود
المعاوضات في الشريعة مبنية على جلب الصالح ودرء الفاسد وغالب مبناها الاجتهاد بخلاف العبادات فإن مبناها الاتباع والتوقيف وهي من حقوق الله · أما الأخرى فهي من حقوق العباد،· فشرع الله فيها النظر والاجتهاد ·
وأبرزت الدراسة أن ثمة وجوه الاختلاف بين التأمين على الحياة وبين التأمين الصحي، ومنها مايلي :
1- التأمين على الحياة: عقد مبني على جهالة في أثناء العقد وبعده أي حال الحياة وبعد الممات وفيه غرر في قدر العوض وأجله ، أما التأمين الصحي : فهو عقد على منفعة قائمة موجودة خال من الجهالة والغرر المفسدين للعقد ·
2- التأمين على الحياة يقوم على معاوضة مال (المستأمن) بمال المؤمن (شركة التأمين) وهذه المعاوضة المالية فيها التفاضل والتأجيل وهما ربا الفضل والنسيئة المحرمان في الكتاب والسنة وإجماع الأمة ·
أما التأمين الصحي فهو معاوضة مال بمنفعة قائمة أو محتملة الوجود وهذا من باب العقود على المنافع المباحة،والجعالة والإجارة من عقود المعاوضات غير المالية في الشريعة الإسلامية فلا يدخلها الربا ·
3- عقد التأمين على الحياة يدفع فيه المؤمن (الشركة) للمؤمن له (المستأمن) مبلغاً من المال لورثته عند حصول الوفاة ·
أما التأمين الصحي فإن المؤمن (المستشفى) لا يدفع نقوداً للمؤمن له عند حصول الضرر كالمرض أو الوفاة وإنما يقوم بمعالجته مقابل ما دفعه من نقود، فالعقد منصب على العلاج أصالة والمال بالتبع بخلاف التأمين على الحياة فإن المال فيه مقصود أصالة وتبعاً من الطرفين على السواء ·
4- إن شركة التأمين شركة تجارية بحتة فهي عندما تدفع التعويض
للمستأمن أو لوليه عند الموت أو الحادث إنما تدفعه كوسيط فقط، فالتزامها هذا التزام بما لا يلزم شرعاً ؛ لأنها قد تدفع أكثر مما أخذت عند حصول الحادث أو الضرر وقد تأخذ أكثر مما دفعت لو لم يحصل الحادث أو الضرر وكونها وسيطاً يخرجها أن تكون طرفاً شرعياً في العقد ·
أما التأمين الصحي فالتجارة ليست هي الأصل فيه وإن كان الربح المادي مقصوداً لدى المؤمن (المستشفى) لكن طلب شفاء المريض والثقة في المستشفى لدى العملاء أكبر عنده من الربح المادي ·
5- ثم إن شركة التأمين تشغل المال في غير الغرض الذي تعوقد معها من أجله - وهو دفع الضرر كما أنها تقوم بتشغيله بالربا في البنوك وإعطائه المشتركين ·
أما التأمين الصحي فإن المال الذي يقبضه المستشفى يصرف في الغرض الذي من أجله أبرم العقد بين الطرفين ، أو فيما له به علاقة، فيصرفه في شراء الأدوية والتعاقد مع الأطباء المختصين ومساعديهم ، وتأمين الوسائل اللازمة لعلاج المرضى وراحتهم ورفع أداء المستشفى بجملته وكفاءته من حيث النظافة والصيانة ·
6- عقد التأمين على الحياة عقد إذعان وإلزام وهو من عقود المعاوضات المالية، أما عقد التأمين الصحي فهو من عقود التبرع والنفع العام للناس فطلب الربح من أحد الطرفين فقط أو وجود الجهالة والضرر اليسيرين لا يبطلانه بخلاف عقود المفاوضات المالية ·

تعليقات