أوضاع سوق التأمين الكويتي - بقلم - داوود سالم توفيق *

إذا كنا نؤمن بأن الصحة تاج على رؤوس الأصحاء لا يعرفها إلا المرضى, فإن التأمينيين يعرفون أن التأمين تاج على رؤوس المؤسسات والأفراد, لا يعرف هذا التاج إلا من وقع ضحية لكارثة أو حادثة مؤلمة غير مغطاة تأمينيا. ولهذا فإن المتخصصين في التأمين يؤكدون على أهمية دور قطاع التأمين في المشاريع التنموية وعلى أنه أحد المرتكزات الاقتصادية في أي دولة, ذلك لأن شركات التأمين تعتبر السقف أو الدرع الواقية من انهيار هذا الاقتصاد عند وقوع أي كارثة طبيعية أو غير طبيعية. 
إلا أنه وللأسف الشديد هناك فراسخ من الاختلافات بين هذه الحقيقة الوردية وبين الواقع المرير الذي يعيشه قطاع التأمين المحلي. فأوضاع التأمين المحلي تفيض بكثير من المشكلات الفنية والمعوقات القانونية التي يجب أن تعالج من أجل تعزيز نمو القطاع وذلك من خلال زيادة النشاطات التأمينية وتوسيع رقعة قاعدة العملاء وجذب الاستثمارات الواعدة التي تزيد من إيراداته ومن قوته المالية, وإلا فإن هذا الواقع التأميني الكويتي سينعكس على علاقات القطاع مع شركات إعادة التأمين العالمية بشكل سيئ للغاية, هذا إن لم تكن قد ساءت بالفعل.
 
ولم يعد سرا أن هناك شركات تأمين كويتية خاسرة, إذ إنه في مثل هذه الظروف الاقتصادية التي نعيشها لابد أن تتأثر بعض شركات القطاع. فإذا كانت هناك شركات تأمين كويتية تعاني أصلا من انخفاض إيراداتها قبل انطلاق الشرارة الأولى للأزمة الاقتصادية العالمية الأخيرة, فما بالك بأداء نفس هذه الشركات خلال سنوات هذه الأزمة وما بعدها?! ولولا تراجع الأداء العام لكثير من شركات قطاع التأمين, لما أجمع عدد من قيادات القطاع خلال لقاءات صحافية متفرقة على ضرورة قيام حالة اندماج وتزاوج بين شركات التأمين الكويتية التي تعاني من تداعيات هذه الأزمة الاقتصادية العالمية. 

كلنا يجمع على أن السوق الكويتية عموما ليست محدودة الإمكانات فحسب, وإنما طاردة للاستثمار أيضا بسبب غياب قوانين اقتصادية عديدة والبيروقراطية القاتلة. وهي في نفس الوقت تعاني من طفح غير مبرر في عدد شركات التأمين, وكلها تقدم خدمات ومنتجات تأمينية تكاد أن تكون متشابهة تخلو من الإبداع ولا تحقق الهدف لجذب المزيد من العملاء. كما أن أغلب شركات التأمين تعاني من في بند المصاريف مقارنة بالإيرادات التي تواصل تراجعها في عدد غير قليل من شركات التأمين الكويتية. 

من هنا تبرز على السطح فكرة الاندماج التي إذا ما طبقت بين أي شركتين من شركات التأمين الكويتية المتراجعة من حيث الأداء فستستعيدان حيويتهما الغائبة, وسوف تتمكنان من ترسيخ قدراتهما الفنية والإدارية في حلبة المنافسة المحتدمة في السوق الكويتية من أجل الانتشار. وستزيدان من إيراداتهما ورأس مالهما وتقلصان من مصروفاتهما. ولهذا نتساءل إذا كانت بعض شركات التأمين المحلية تشعر بالعجز في مواجهة منافسة شركات أجنبية في السوق المحلية, فكيف ستواجه المنافسات الحادة في الأسواق العالمية?

وعلى الرغم من أن المنطق يقول إن »ترمومتر« الأنشطة التأمينية يرتبط ارتباطا وثيقا بالأنشطة الاقتصادية الأخرى, فإن هي ازدهرت تحسن أداء قطاع التأمين, وإن هي تدهورت تراجع أداء قطاع التأمين, إلا أن هذا القطاع في الكويت تحديدا لم يرتق أبدا إلى مستوى النشاطات الاقتصادية الأخرى حتى في أكثر الفترات ازدهارا, بل كان قطاع التأمين يعمل باستقلالية غريبة عما يدور حوله من تطورات اقتصادية وكأن لا علاقة للتغيرات الجارية في القطاعات الاقتصادية بقطاع التأمين الكويتي. 
وما عليك إلا أن تقارن مؤشرات سوق التأمين الكويتي مع مؤشرات سوق التأمين في أي دولة خليجية أخرى خلال السنوات الخمس الأخيرة لتتأكد من انخفاضها عن مثيلاتها في الخليج, ولتعرف أن سوق التأمين الكويتي تعاني من مشكلات عدة هي أساس انعزالها عما يدور حولها من تحولات في القطاعات الاقتصادية الأخرى. وهي مشكلات مرتبطة ببعضها البعض حينا ومتداخلة ببعضها البعض الآخر أحيانا أخرى, وما كثرة عدد شركات التأمين في سوق الكويت المحدودة الإمكانات وعدم قيام أي من هذه الشركات بتقديم الجديد في عالم التأمين إلا صورة مصغرة لما يعانيه هذا القطاع من مشكلات. 

وحقيقة الأمر, ليس من السهل إجراء أي مقارنة ولو بسيطة ما بين حجم سوق التأمين الكويتي بحجم أي سوق من أسواق التأمين المتطورة في العالم, وهي أسواق تتميز بسيادة القانون وزيادة الوعي والثقافة والتعليم بين المواطنين, الأمر الذي يساهم وبشكل مباشر في زيادة الأقساط من حيث العدد والقيمة, ولو قارنا وضع التأمين في الكويت بوضع التأمين في أي دولة خليجية لصدمنا بتراجعنا المخيف بعد أن كنا في المقدمة. فحصة الكويت من سوق التأمين الخليجية لا يتجاوز الخمسة في المئة, بينما حصة كل من السعودية والإمارات تجاوزتا حاجز الثلاثين والأربعين في المئة على التوالي.  

وكان لقطاع التأمين إلى ما قبل عامين تقريبا منفذ ووسيلة انتشار غير مباشرة عن طريق البنوك الكويتية التي كانت تسوق بعض الخدمات والمنتجات التأمينية, إلا أنه وبسبب المبالغة في تحصيل الرسوم من قبل بعض البنوك وسلبية بعض شركات التأمين في عقد اتفاقات تسويقية مع البنوك لتأكيد أهمية التعاون بالنسبة لطرفي الاتفاق, فقد تدخل بنك الكويت المركزي لمنع تسويق خدمات التأمين عبر البنوك حفاظا على مصلحة عملاء البنوك. وعلى الرغم من أن المجال مازال مفتوحا وفرص الاستثمار التأميني عبر البنوك مازال مجديا, إلا أن العلاقة التسويقية بين هذين القطاعين تكاد تكون شبه منقطعة. 

ومن هنا نستطيع القول: إن أهم مشكلات قطاع التأمين في الكويت تكمن في غياب الوعي عند الفرد والمجتمع بأهمية التأمين, وغياب هيئة عامة للإشراف على التأمين أو هيئة سوق التأمين تنظم العمل بين مختلف الجهات ذات العلاقة, وغياب قانون ينظم العلاقة التأمينية بين مختلف الجهات داخل وخارج القطاع, وغياب الاهتمام الأكاديمي بالتأمين, وغياب لوائح الترخيص المقنن لشركات تأمين جديدة, وغياب الصف الثاني من القيادات التأمينية, وغياب الحداثة والتجديد في سوق التأمين للمساهمة في تنميته, وغياب الدور الفاعل لاتحاد شركات التأمين, وغياب الاستخدام الأمثل للإعلام, وغيرها الكثير من المشكلات التي تعيق تطور قطاع التأمين في السوق المحلي على الأقل فتؤثر بطريق مباشر أو غير مباشر على علاقة هذا القطاع بالأسواق الإقليمية والعالمية. وهو ما سوف نناقشه في مقالات مقبلة إن شاء الله.

* العضو المنتدب والرئيس التنفيذي في شركة غزال للتأمين

تعليقات