خطاب الضمان - د. عبد القادر ورسمه غالب

تحتاج الكثير من الأعمال إلى تقديم ضمان مالي يضمن المستفيد بموجبه أن الأعمال أو العمل المطلوب سيتم بالطريقة المتفق عليها وبما يرضي تطلعات المستفيد ورغباته. في العادة تقوم البنوك بإصدار هذا الضمان بناء على طلب أو توجيهات من الزبون “الآمر” وذلك في شكل “خطاب ضمان” يصدره البنك ويتعهد بموجبه بدفع مبلغ معين للمستفيد بناء على طلبه وذلك في خلال المدة الزمنية المحددة في خطاب الضمان. وبموجب شرط تقديم هذا الضمان يقوم صاحب العمل بالسماح لمقدم الضمان بتنفيذ العمل المتفق عليه لأن هناك جهة معتبرة تضمن هذا العمل من الناحية المالية، وهي البنك مصدر “خطاب الضمان”، الضامن الغارم.
إن هذه العملية المصرفية المهمة تتم على مدار الساعة في البنوك التي تتحفز لهذا العمل وتتهيأ له يوميا حيث تتلقى العديد من الطلبات من العديد من الجهات خاصة الزبائن من  أصحاب الأعمال والمقاولات والتجار. وعبر هذه العملية المصرفية تساهم البنوك فعليا في إنجاز العديد من المشروعات والأعمال المهمة في البلد والتي قد لا تتم أصلا لولا الضمانات الغارمة الصادرة من البنوك. ولكن هذه العملية بالرغم من أن البنوك تباشرها يوميا، والتي قد تبدو سهلة من أول وهلة، إلا أنها حقيقة لا تخلو من بعض الصعوبات التي تكتنفها من واقع الممارسة الفعلية.

من الصعوبات التي تظهر أثناء التطبيق، والتي يجب مراعاتها في البنوك منذ الوهلة الأولى، عدم تحديد مبلغ الضمان بصورة واضحة ومحددة بالرغم من أن القانون يشترط أن يتعهد البنك بدفع مبلغ “معين” أو “قابل للتعيين”. وتبدو الصعوبة في مبلغ “قابل للتعيين” حيث كيف يكون هذا المبلغ قابلا للتعيين؟ هل من وجهة نظر البنك “مصدر الخطاب” أو الزبون “الآمر بإصدار الخطاب” أو المستفيد “المذكور في الخطاب”، لأن هذه القابلية للتعيين قد تنتج مشكلة إذا لم يتم الانتباه لها منذ البداية وذلك بالقيام بتحديد المبلغ القابل للتعيين بصورة نافية للجهالة لدى الجميع. وأول نقطة يجب الاهتمام بها في خطاب الضمان ذكر المبلغ بالأرقام والحروف ونوع العملة، لأن هذا المبلغ هو مقدار التزامك الذي تلتزم بسداده عند أول طلب من المستفيد. وإذا تقوم البنوك بإصدار خطابات ضمان لا تعرف مبالغها تحديدا بالأرقام ففي هذا عدة مخاطر مصرفية وقانونية.
من الصعوبات أيضا تحديد مدة خطاب الضمان، وهذه النقطة تحتاج للمزيد من العناية في البنوك، لأن مدة الخطاب قد لا تكون محددة بتاريخ مقطوع لعدة أسباب، منها المعلوم ومنها غير المعلوم، بل إن بعض خطابات الضمان يقصد منها أن تكون “مفتوحة” غير محددة المدة. وعندما يكون الضمان “مفتوحا” وغير محدد المدة ففي هذا مخاطرة بل مجازفة كبيرة على البنك، لأن هذا الضمان الصادر منه سيكون على كاهله إلى متى …؟ هذا غير معروف وفي حساب المجهول أو كما يقولون إلى “ما شاء الله”…
فهل ندرك المخاطر المترتبة على مثل هذا النوع من الضمان غير المحدد أجله ؟ ونقول: لا بد من النظر بعمق في مثل هذه الحالات. بل لا بد ويجب على البنوك وضع ضوابط تحكم المخاطر المتعلقة بهذه النوعية من الضمانات. مثل عدم إصدار خطابات الضمان غير المحددة المدة إلا للجهات الحكومية مثلا أو لنوعية معينة من المؤسسات الحكومية أو لنوعية معينة من الزبائن أو لبعض الأعمال المعينة، أو القبول بإصدار هذه الخطابات وفق ترتيبات معينة ملزمة ومحددة في لوائح المخاطر المصرفية وفي هذا تطمين للبنك والعاملين فيه لأنه يعني وجود سياسة محددة ومكتوبة كلوائح يتبعها البنك وعدم ترك الأمور للتقدير الشخصي أو المعايير المتعددة.

وبالنسبة للمدة، يجب أن يكون معلوما أن خطاب الضمان “المفتوح” غير المحدد المدة قد تتم المطالبة به في أي وقت ويكون قابلا للالتزام إلى فترة قد تصل إلى مدة سقوط الحق بالتقادم  فهل هناك استعداد لمقابلة استمرارية هذا الالتزام؟ وكم عدد الخطابات التي يتم ترحيل الالتزام بها؟ وحتى لا تحدث المفاجآت، يجب على البنك التفكير في هذه النقطة عند الموافقة على إصدار خطابات الضمان غير المحدد المدة. نحتاج لرؤية عملية ولسياسة واضحة لديها علم تام بكل المخاطر المتعلقة بهذا العمل.

القانون يشترط أيضا أن يتضمن خطاب الضمان الغرض الذي صدر من أجله الضمان الذي يصدره البنك بتعليمات الزبون الآمر لمصلحة المستفيد. وهذا الغرض يجب أن يكون واضحا للأطراف مع مراعاة أن تكون الصياغة واضحة ولا تضع الأطراف في وضع يمكنهم من إيجاد تفسيرات متعددة مختلفة، وهذا الأمر وارد وقد يظهر إذا حدث خلاف بين الأطراف.
معظم البنوك لديها وثائق جاهزة “فورمات” لخطاب الضمان وهذه الوثائق يتم وضعها مع الأخذ في الاعتبار الممارسات المصرفية السليمة المتبعة مع مراعاة الأحكام والضوابط القانونية مع حسن الصياغة وسلامتها وهذه الوثائق الجاهزة تكون “ستنادآرد” ومكملة بل تصبح جزءا من شروط  وضوابط البنك التي يجب على الزبائن التقيد بها. ولكن قد يأتيك الزبون الآمر أو المستفيد من الضمان بصيغة مختلفة عن الوثيقة “الاستادآرد” الخاصة بالبنك وذلك لأي سبب من الأسباب… فهل ترفض ما يقدمونه لك ؟ إذا فعلت هذا فإنك قطعا ستخرج من السوق وستصبح خاليا من عمل لأنك قفلت الباب أمام هذه الطلبات، وهي عديدة.

وفي مثل هذه الحالات يجب أن تكون هناك نصوص في لوائح العمليات المصرفية والمخاطر تتيح للبنوك التصرف وقبول مثل هذه الوثائق الجديدة أو تعديلها أو حتى رفضها، وفق ممارسات مصرفية وقانونية محددة وبما يضمن حقوق البنك القانونية وحقوقه (حظوظه) في المنافسة في هذه الأعمال المصرفية المهمة. وهذا بالطبع يتطلب حنكة وعقلية مصرفية ناضجة توازن بين الأعمال والمخاطر المرتبطة بها مع توفر الشجاعة اللازمة التي تساعد في اتخاذ القرارات الصائبة.

مجمل القول: إن عمليات إصدار خطابات الضمان من العمليات المصرفية المطلوبة يوميا والتي تدر أرباحا معقولة للبنوك وهي في نفس الوقت، تفتح المجالات للبنوك لارتياد مجالات أعمال أخرى في التعامل مع الزبائن والمستفيدين وهكذا تتطور الأعمال. ولكن هناك مخاطر متنوعة مرتبطة بهذه الخطابات التي تشكل التزاما قانونيا واضحا على البنك الإيفاء به ولا بد من دراسة هذه المخاطر لوضع منهجية متكاملة بغرض التعامل السليم مع خطابات الضمان. وكل ذلك بهدف توفير بيئة مصرفية آمنة يستفيد منها الزبائن من جهة والبنوك من الجهة الأخرى… ومن هذا المنهج يستفيد الجميع.
Email: awghalib@hotmail.com

تعليقات