ندرة خبراء «تخمين المخاطر» تعبث بسوق التأمين

 توقعتمصادر مطلعة أن يصل حجم سوق التأمين السعودية إلى 60 مليار ريال بحلول عام 2020م، وهو أمر يعكس دور التنظيم المنهجي للسوق من خلال نظام مراقبة شركات التأمين التعاوني الذي أخضع تلك الشركات لرقابة دقيقة من قبل مؤسسة النقد السعودي. لكن ثمة مشكلة جوهرية تعاني منها سوق التأمين، وتتمثل في بعض الممارسات الخاطئة لبعض شركات التأمين التي تلجأ إلى خفض مستويات الأسعار متجاهلة تطبيق ما يسمى بالسعر العادل؛ سعياً منها لاقتطاع حصة أكبر في سوق التأمين. ويكشف هذا السلوك عن ظاهرة ندرة الخبراء الاكتواريين، المتخصصين في تخمين المخاطر حيث تقدر بعض المصادر عددهم في المملكة بنحو 20 خبيراً فقط، في الوقت الذي تحتاج فيه السوق لأكثر من ضعف هذا العدد. ويعرف العلم الاكتواري بأنه علم تقدير حجم المخاطر.


أزمة ندرة الخبراء
وقد طرحت مؤخراً على بساط البحث قضية ندرة الخبراء الاكتواريين والمعنيين بتسعير الخدمات وتقويم الالتزامات وتحديد المخصصات. ويكمن الطلب على الاكتواريين بصورة أساسية في مجالات الأنظمة والتطبيق، والأسواق المالية وتعاملاتها، والقواعد والأنظمة الضريبية، ومعايير التنافس والتنظيم الذاتي للقطاع، ومتطلبات المستهلكين وتعقيدات المنتجات. وتعد ندرة هؤلاء الخبراء من أكبر التحديات التي تواجه سوق التأمين في المملكة وازداد الطلب على الخدمات الاكتوارية مؤخراً مع تزايد المضاربة بين الشركات على الأسعار وما نتج عن ذلك من وقوع بعض الشركات في صعوبات مالية وتسويقية. وفي هذا الإطار، اعتمدت مؤسسة النقد شركتين فقط لتقديم الخدمات الاكتوارية في المملكة هما «شركة نطاق للخدمات الاكتوارية» و «شركة منار سيجما لاستشارات التأمين والخدمات الاكتوارية». وتعاني الشركات الاكتوارية من ندرة في الطاقات البشرية المناسبة لتقديم خدمات عالية الجودة؛ ما يجعل إمكانيات تطوير سوق التأمين في المملكة محدودة. وتبدو الحاجة للخبير الاكتواري أكبر في قطاع التأمين الصحي؛ حيث تتركز المخاطر في تحديد سياسات ومطالبات الخصوم.
خطورة العشوائية وغياب التخصص
وتكمن خطورة غياب هذا التخصص العلمي في المملكة، في عشوائية قرارات شركات التأمين التي قد تقودها إلى فقدان القدرة على الوفاء بالتزاماتها تجاه المستفيدين من خدماتها، نتيجة للخسائر الفادحة التي تتكبدها، ما يترتب عليه عدم قدرتها على سداد المطالبات في الوقت المناسب. وهو خطر سعت مؤسسة النقد العربي السعودي إلى حماية شركات التأمين منه؛ بمراقبتها الدائمة للالتزام بتطبيق مفهوم السعر العادل خاصة لقطاعي التأمين على المركبات والتأمين الطبي، اللذين يعدان أكبر قطاعات تأمين في المملكة.
وربما يفسر ذلك، ما رصدته بعض المصادر عن خسائر بعض شركات التأمين في المملكة التي تقدر بنحو 50% من رأس المال، نتيجة للممارسات غير السليمة والقصور في الأداء الفني، حيث لجأت شركات التأمين في السابق إلى تقديم أسعار متدنية للتأمين الطبي وتأمين السيارات لاستقطاب شركات كبرى في المملكة، لكن أسعارها الفنية لم تُتَّخذ على أساس عادل يساوي الأخطار الكبيرة التي تتكبدها، ما يعني أن التسعير الخاطئ الذي اعتمدته هذه الشركات تسبب في خسائر متراكمة لها على مر السنين. وهناك من يعزي هذه السياسات القاصرة إلى غياب الخبراء الاكتواريين؛ وبالتالي تبدو الحاجة ملحة لتوفير خبراء محليين لديهم خبرة كافية بالسوق المحلية، وعدم الاعتماد على الخبراء الدوليين ممن ليست لديهم هذه الخبرة.
معطيات قادت إلى التسرب
وفي المقابل، يعاني الخبراء الاكتواريون في الغالب من صعوبات كثيرة؛ منها صعوبة الحصول على المعطيات الكافية والدقيقة للقيام بعملهم، بالإضافة إلى وجوب إتمام الدراسات في معظم الأوقات وفق جداول زمنية ضيقة للغاية. ومن ثم يشهد هذا التخصص تسرباً بسبب الفشل أو تغيير الاختصاص. ويدعو بعض الخبراء إلى اعتماد تدريس العلم الاكتواري في الجامعات السعودية، حيث يرد البعض ندرة الخبراء الاكتواريين إلى نقص الوعي بهذا التخصص، الذي يختص بتخمين المخاطر من خلال استخدام طرق حسابية وإحصائية لتقدير حجم المخاطر في قطاع التأمين والصناعات المالية. وتضم العلوم الاكتوارية عدداً من المواضيع ذات العلاقة، بما في ذلك الاحتمالات والحساب والإحصاء والتمويل والاقتصاد وبرمجة الحاسب الآلي.
شروط صارمة
ويسود في الوقت الراهن اعتقاد بأن المملكة تحتاج إلى عشر سنوات على الأقل، قبل أن تستطيع استيفاء احتياجاتها في هذا التخصص. ويعزي البعض ذلك إلى صعوبة الحصول على درجة زمالة مهنية تخوِّل صاحبها للقيام بمهام الاكتواري، فضلاً عن الخبرة المطلوبة بالمعايير العالمية، في إشارة إلى الشروط الصارمة التي وضعها نظام مراقبة شركات التأمين التعاوني ولائحته التنفيذية، التي لا تسمح لأي شخص بممارسة أعمال اكتوارية في المملكة إلا بعد الحصول على الموافقة المسبقة كتابياً من المؤسسة وفقاً للشروط المحددة في النظام، التي تشمل أن يكون حاصلاً على درجة زميل من منظمة اكتوارية معترف بها، وأن يتمتع بخبرة كافية بعد حصوله على هذه الدرجة تؤهله للعمل اكتوارياً للشركة في فروع التأمين التي تمارسها، وألا يكون قد صدر ضده أي إجراء تأديبي أو جرى إيقافه أو إلغاء عضويته في أي وقت من منظمة اكتوارية يتمتع بعضويتها، أو ألغي الترخيص الذي يسمح له بتقديم خدمات اكتوارية من أي جهة رقابية. كما يجب ألا يكون أُدين في جناية أو جنحة مخلة بالشرف أو الأمانة أو أشهر إفلاسه دون أن يكون قد رد اعتباره.
مسؤوليات الاكتواري
ووفقاً لمؤسسة النقد، تتركز مسؤوليات الاكتواري في الحصول على جميع المعلومات اللازمة من الاكتواري المسؤول السابق، ودراسة الوضع المالي للشركة بشكل عام، وتقييم رأس المال المناسب للشركة، وتقييم قدرة الشركة على الوفاء بالتزاماتها المستقبلية، وتسعير المنتجات التأمينية للشركة، وتحديد واعتماد المخصصات الفنية للشركة، والتنسيق مع المسؤولين عن إدارة المخاطر في الشركة لتقدير تأثير المخاطر الجوهرية والآلية المناسبة لإدارتها، وتقيم اتفاقيات إعادة التأمين ومستويات الخطر الملائم الاحتفاظ بها، وتحديد الفائض أو العجز الحاصل في الشركة، وتقديم المشورة بشأن توزيع الفائض، ومراجعة أدلة الاكتتاب الخاصة بالشركة. ولنا أن نتصور حال شركات التأمين في غياب متخصصين في هذه المجالات.
واقع السوق التأمينية
وتعمل في المملكة 35 شركة تأمين وإعادة تأمين، إضافة إلى 11 شركة للمعاينة وتقدير الخسائر هي «نوبل للمعاينة وتقدير الخسائر»، و«نجم لخدمات التأمين»، و«مكلرنز يونج السعودية للمعاينة وتقدير الخسائر»، و«الشركة السعودية للفحص والمعاينة وتقدير الخسائر»، و«كوننجهام ليندسي السعودية لمعاينة وتقدير الخسائر»، و«أحمد عمر بادحيدوح وشركاؤه»، و«التجارية المحدودة للفحص والمعاينة وتقدير الخسائر»، و«كروفورد السعودية للمعاينة وتقدير الخسائر المحدودة»، و«نسيم المحيط للفحص والمعاينات المحدودة»، و«البلور للفحص والمعاينة المحدودة»، و«صولات للمعاينة وتقدير الخسائر المحدودة».
مخاطر تهدد أكبر قطاعين
ووفقاً لتقارير مؤسسة النقد السعودي، فإن التأمين على المركبات والتأمين الصحي، يمثلان 75.4% من إجمالي أقساط التأمين المكتتب بها في عام 2012. وقد حافظ التأمين الصحي الإلزامي وغير الإلزامي على الصدارة كأكبر نشاط تأميني في المملكة بحصة بلغت 53.3%، فيما احتل التأمين على المركبات المرتبة الثانية بنسبة 22.1%، فيما احتل التأمين على الممتلكات المرتبة الثالثة بنسبة 6.4%. وارتفعت جميع أنواع التأمين خلال عام 2012، باستثناء تأمين الحماية والادخار الذي شهد انخفاضاً بالنسبة للعام 2011. وفي السياق ذاته، كشفت تقارير مؤسسة النقد عن ارتفاع إجمالي المطالبات المدفوعة إلى 13.6 مليار في عام 2012 صعوداً من 11.5 مليار ريال في عام 2011، وبنسبة تقدر بنحو 18.5%. وشهدت المطالبات المدفوعة على التأمين الصحي نمواً بنسبة 16.6 %، فيما نمت المطالبات على تأمين المركبات بنسبة 26.9 %. وارتفع مستوى إنفاق الفرد على الخدمات التأمينية بمتوسط سنوي بلغت نسبته 11% في الفترة من 2008 إلى 2012.

نشرت هذه المادة في صحيفة الشرق المطبوعة العدد رقم (٦٧١) صفحة (١١) بتاريخ (٠٥-١٠-٢٠١٣)
الدمام – يوسف علي

تعليقات