التأمين على الحياة في الجزائر ...حاجة كمالية وسلعة حرام

يختلف الكثير من الفقهاء ورجال الدين حول إشكالية «التأمين على الحياة»، لاعتبارها أنها تتعارض مع «عقيدة الإيمان بالقضاء والقدر» واعتبارها عقد ربوي، غير أن هذا النوع من التأمين هو شكل من أشكال التكافل الاجتماعي الذي يكون بين المؤسسة والشخص، حيث طغت الحياة المادية على حياة الكثير منا وأصبح يهتم بنفسه فقط لذلك استغلت شركات التأمين ذلك الفراغ الاجتماعي لإغراء الجزائريين بفكرة التأمين على الحياة ونتائجها، وبين التحريم والإباحة وفي حين يُؤمن لاعبي كرة القدم على أقدامهم بملايين الدولارات وكذلك المغنيين على أصواتهم أصبح التأمين على الحياة فرصة لضمان عيش كريم لعائلة الفرد في حالة إصابته بحادث أو فقدانه للحياة.

يعرف التأمين بأنه عقد يبرم بين صاحب بوليصة التأمين وشركة تأمينية، ويكون ذلك بدفع المؤمن مبلغا من المال على أقساط أو مبلغا من المال دفعة واحدة، ويحدد العقد فترة سريانه ليستفيد الشخص المؤمن من مبلغ مالي يقدم لعائلته في حال وفاته آو عند تعرضه لأي حادث، وهو ما يضمن حصول عائلة الشخص على مبلغ مالي يمكّنهم من العيش لفترة محددة دون اللجوء للاستدانة من الغير.


الهدف من التأمين على الحياة في الجزائر عرفت السوق الجزائرية منذ حوالي عامين ظهور شركات تأمين، منها ما هو عمومي والآخر خاص ''أجنبية''، توفّر هذه الشركات عدّة عروض ترويجية لاستهداف مختلف الشرائح من عمال وطلبة وبطالين وعائلات، بغية التأمين على حياتهم، وحتى للشركات والمؤسسات العمومية قصد التأمين على عمالها.
ويدخل التأمين على الحياة ضمن التأمين على الأشخاص، الذي يشمل التأمين على السفر والحوادث، خاصة حوادث المرور، والمرض وحتى التأمين في حالة الموت، فمثلا يقوم شخص بالتأمين على حياته بدفع أقساط مالية كل سنة لشركة تأمين، وفي حال وفاته أو إصابته بمكروه يتمّ تعويض عائلته ماديا، بناءً على مبلغ محدّد مسبقا، فمثلا إذا كان يدفع 4000 دينار كل سنة لشركة التأمين، ففي حالة الوفاة تحصل عائلته على مبلغ 100 مليون سنتيم، مهما كان عدد السنوات التي دفع خلالها أقساط التأمين، إلا في حالة انتحاره أو مقتله بطريقة غير عادية ''عمل إجرامي''، أما إذا مرض أو أصيب بوعكة صحية أو حادث مرور أو حادث منزلي، فإن شركة التأمين هي التي تتكفّل بعلاجه.
عروض التامين تتبع الشخص حتى في سفره إلى الخارج وتتضمن شركات التأمين مزايا تشمل السفر، فإذا تنقل شخص ما رفقة عائلته إلى الخارج لقضاء العطلة، وتعرّض إلى حادث أو أصيب بمرض، فإن شركة التأمين هي التي تتكفّل به هناك ومنها مصاريف العلاج في المستشفى، وتقوم بإرجاعه إلى بلده الأصلي في حال وفاته، مع تعويض عائلته بمبلغ يتراوح ما بين 50 و100 مليون سنتيم.
كما أنه في حال ضياع الأمتعة للشخص المؤمّن، فإن الشركة هي التي تعوّضه بـ 20 أورو مقابل 1 كلغ، شريطة ألا تتجاوز الحمولة الـ 40 كلغ، وفي حال تأخّر موعد إقلاع الطائرة بأكثـر من 4 ساعات فإن الشركة تعوّضه بـ 150 أورو، وهذه بعض المزايا المرفقة مع عقد التأمين، وقد تختلف من شركة إلى أخرى.
كما أن شركات التأمين لم تُغفل فئة الأطفال، فإن القوانين الجزائرية لا تسمح بتأمين الطفل ما لم يبلغ 4 سنوات، ومن 4 سنوات إلى 13 سنة يؤمّن على الحوادث والمرض فقط، فمثلا إذا كان في المدرسة ووقع له حادث فإن شركة التأمين هي التي تعوّضه، ولا يمكن أن يؤمّن على حياته، إلا إذا تخطّى سن 13 سنة، وهذا وفقا للقوانين المعمول بها في الجزائر.

محاولة منا في تقصي أراء الجزائريين في التأمين على الحياة التقتينا بالبعض منهم، فأما رياض من القبة 39سنة صاحب محل لتصليح الهواتف المحمولة بالحراش، فإنه يرفض فكرة التأمين على الحياة جملة وتفصيلا، لأن ذلك يتنافى مع الشريعة الإسلامية حسب رأيه، فبالنسبة لرياض ''لا يمكن لأحد أن يتنبأ بالغيب، لأن كل هذا يدخل في إطار القضاء والقدر، فعلى المرء أن يتوكّل على الله، لأنه هو الضامن الوحيد وليس شركة التأمين''.

رأي الدين في التأمين على الحياة
اعتبر بعض الدعاة والمتخصصين في الفتوى الشرعية، التأمين على الحياة أمرا لا يجوز شرعا وينصح المسلم الابتعاد عن هذا النوع من العقود، وإن وقع فيه بجهل أو غيره، وجب عليه فسخه، ويرجع لكل طرف ما دفعه، وذلك لقوله تعالى في شأن الربا {وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ}، وقد نص مجمع الفقه الإسلامي، واللجنة الدائمة للإفتاء، وجماهير العلماء المعاصرين، على أن التأمين مبني على أساس غير شرعي، ويشتمل على محاذير شرعية كثيرة، منها أن عقد التأمين يشتمل على الفائدة لأن ما يرد إلى الأول في مقابل ما دفع، وما يدفع الثاني في مقابل ما أخذ غير معلوم في وقت العقد، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الغَرَر. وأن العقد يشتمل على نوع من المقامرة لما فيه من مخاطرة مالية، فقد يستفيد أحد الطرفين بلا مقابل أو بلا مقابل مكافئ، وقد يتضرر بدون خطأ ارتكبه أو تسبب فيه، وهذا يدخل في الميسر الذي حرَّمه الله تعالى حيث قال {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} وفي عقد التأمين أكل لأموال الناس بالباطل، لأن فيه أخذ مال الغير بلا مقابل وقد قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} وفيه إلزام بما لا يلزم شرعاً، فإن المؤمَّن لديه لا يُحدث خطراً أو لا يقوم بأي خدمة، سوى التعاقد مع المستأمن على ضمان الخطر على تقدير وقوعه مقابل مبلغ يأخذه من المستأمن فيصبح حراماً.

خالد سويدي

تعليقات