التأمين التعاوني ...عود علي بدء - بقلم د/صديق الحكيم

يطفو إلي السطح بين حين وآخر حديث عن مشروعية التأمين التعاوني أو التكافلي ومع أن الموضوع كما يقال بلغة الباحثين قد قتل بحثا وصار قاعدة يقاس عليها ومسلم بها إلا أنني أجد أنه من المناسب الكتابة في هذه الجزئية فقط للتذكير والتأكيد حتي يطمئن قلب الخليل
وعود علي بدء في موضوع التأمين التعاوني نبدأ بتحرير المفاهيم وتعريف (التأمين التعاوني )في اللغة والاصطلاح وهو موضوع يذكرني بدراستي الأزهرية التي أفتخر بها وقد قسمت هذا المقال علي ثلاثة جزئيات التمهيد والتعريف اللغوي وأخير التعريف الاصطلاحي
فلنبدأ بالتمهيد : يقول الدكتور فخري خليل في بحث قيم له عن التأمين التعاوني : إن من طبيعة الحياة تفاوت الناس في المواهب والملكات والجهود والطاقات، وإذا ترك هذا التفاوت دون امتداد الأيدي المصلحة للتخفيف من حدتها، أصبح ذلك من عوامل الهدم في المجتمع.


لذا كان لابد من تقريب التفاوت عن طريق التراحم والتعاون بين أفراد المجتمع.
والباحث في علم الأحياء يجد أن التعاون غريزة في أنواع مختلفة منها، فأسراب النمل تتعاون في دأب وصبر على أعمالها المتعددة والمتكررة.
وجماعات النحل تتعاون في دقة تنسيق على القيام بواجباتها وتنظيم بيوتها وتعمير خلاياها.
والإنسان هو سيد الأحياء وأذكاها وأرقاها، لذا كان لزاماً أن يكون تعاونه أوثق وأعمق.
وأسلوب التعاون هو دعامة من عقيدتنا حيث يقول تعالى: { وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ } [المائدة: 2].

ثانيا : التأمين لغة:
مشتق من مادة أمن، والتي تدل على طمأنينة النفس وزوال الخوف، والأصل أن يستعمل في سكون القلب (1)
ويقال أمن أمناً وأماناً وأمانة وأمنة: اطمأنَّ ولم يخف فهو آمن وأمين، ويقال لك الأمان: أي قد أمنتك.
وأمن البلد: اطمأن فيه أهله، وأمن الشر: منه سلم، وأمن فلاناً على كذا: وثق فيه واطمأن إليه أو جعله أميناً عليه (2)
أما التعاون فيقصد به المساعدة المتبادلة، ولأهمية ذلك جاءت النصوص القرآنية، ونصوص السنة النبوية تحث عليه من ذلك قوله تعالى: { وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ }. وقوله تعالى:{وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ} [آل عمران: من الآية 103].
وفي السنة النبوية قوله صلّى الله عليه وسلّم: ”المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضاً“ [متفق عليه].
وقديماً ذكر عن أفلاطون أنه قال: "إن الجماعات ظهرت قبل كل شيء نتيجة للحاجات البشرية التي لا يمكن إشباعها إلا حين يكمل الناس بعضهم بعضاً، فللناس حاجات كثيرة ولا يوجد من يستطيع العيش على أساس الاكتفاء الذاتي، ومن ثم كان لزاماً أن ينشد كل من الآخر العون والمبادلة" (3)

ثالثا :التأمين التعاوني في المفهوم الاصطلاحي:
ولأن التأمين التعاوني  قد ظهر إلي حد ما حديثا حوالي ربع قرن أو أكثر فقد وردت مفاهيم متعددة لـه نختار منها:
1 -  قيل إنه: "نظام يقوم على التعاون بين مجموعات أو أفراد يتعهدون على وجه التقابل بتعويض الأضرار التي تلحق بأي منهم عند تحقق المخاطر المتشابهة، وهؤلاء المساهمون في تحمل المخاطر لهم من المصالح ما للمؤمّن لـه الذي أصابه الضرر"(4)
2 -  وقيل في معناه إنه: "اشتراك مجموعة من الناس في إنشاء صندوق لهم يمولونه بقسط محدد يدفعه كل واحد منهم، ويأخذ كل منهم من هذا الصندوق نصيباً معيناً إذا أصابه حادث معين" (5)
فالتأمين التعاوني بهذا المفهوم لا يهدف إلى تحقيق الربح، كما لا يهدف إلى تحقيق الغنى لأفراده، بل مجرد رفع الضرر اللاحق بهم.
وفكرته يمكن أن تكون بيت مال مصغر لمجموعة من المسلمين ترعى بعض جوانب التكافل الاجتماعي الأكثر ضرورة عندهم (6)
3 -  ونجد تعريفاً آخر للتأمين التعاوني يقول: "بأنه عمل مجموعات من الناس على تخفيف ما يقع على بعضهم من أضرار وكوارث من خلال تعاون منظم، يضم كل مجموعة يجمعها جامع معين، وبحيث يكون المقصود من هذا التعاون المؤازرة، ورأب الصدع الذي ينزل ببعض الأفراد من خلال تكاليف مجموعهم على ذلك، فقصد التجارة والكسب والربح الذاتي معدوم عند كل منهم في هذا التجمع" (7)

والباحث  يجد أن هذه التعريفات جميعها متقاربة من حيث المفهوم، وتعبر عن أفضل الصور التطبيقية لمبدأ التعاون والتضامن الذي أمر بها الإسلام.
وخاتمة القول :الرجوع إلي الجانب النظري من العلم  من وقت لآخرمفيد لأنه يحقق القواعد ويحرر المصطلحات التي يعلوها غبار الجانب العملي المتراكم وسط الانشغال بمعارك السوق وأخباره المتلاحقة فهذا الجانب النظري بحق استراحة محارب حتي يتمكن من استكمال معاركه
في المقال التالي ليسمح لي القراء الأعزاء باستكمال مابدأت وسأجيب  إن شاء الله عن السؤال المتكرر هل التأمين التعاوني موافق للشريعة؟

قائمة المصادر
(1)            المصباح المنير للفيومي ج1 ص42
(2)            المعجم الوسيط ج1 ص27.
(3)            عبد الرحمن بدوي: أفلاطون ص118
(4)            [محمد زكي السيد نظرية التأمين، ص230].
(5)            [فيصل مولوي: نظام التأمين ص136].
(6)            [فيصل مولوي: ص137].
(7)            [محمد بلتاجي: عقود التأمين ص202].

تعليقات