هيئات الإشراف على التأمين كتبة في بلاط سيف الدولة - جوزف زخور

قوانين التأمين الإلزامي على السيارات كتبت مطلع النصف الثاني من القرن الماضي، وهي أعطت وزراء المال او وزراء الاقتصاد والتجارة، صلاحية اعداد التعرفات الرسمية، بعد استطلاع رأي هيئات الإشراف على التأمين. وهذه الأخيرة كما نعلم تتكون من أشخاص يختارهم الوزير المعني من بين المحسوبين عليه او على سواه من أفراد البطانة المرضي عليها من  السطات النافذة.
من هنا، يحرص هؤلاء على الا يتقدموا للوزير صاحب الصلاحية الا بما يرضيه من المقترحات ويتجنبون انزال العقاب في حق المخالفين من شركات التأمين والوساطة والاعادة، الا بعد التأكد من ان الخطوة التي ينوون اتخاذها تحظى بموافقة الوزير، ولا تسيء الى علاقاته الشخصية، ويذكرنا اعضاء الهيئات العربية للاشراف على التأمين بكتبة وشعراء »بلاط سيف الدولة« من حيث قدراتهم الفائقة في رفع آيات المديح والتبجيل الى وزراء الوصاية.
وما التخلف الذي يتخبط فيه التأمين الإلزامي بأنواعه كافة، إلا نتيجة مباشرة لعدم تحرك هيئات الإشراف على التأمين لتنفيذ المهام المنوطة بها.
هذا في الوقت الذي يعاني فيه الجمهور العربي من  سوء الخدمات التي تقدمها معظم شركات التأمين والوساطة ومماطلتها في دفع ما يتوجب له من حقوق.
فكيف لشركة ان تقدم للجمهور خدمة نوعية اذا لم تكن هناك سلطة تتحقق من امتثال شركات التأمين والوساطة والاعادة للمعايير والآداب المهنية، وتطلق لها العنان في التفلّت من التزاماتها حيال المتعاقدين معها؟  


والمحامون، والعاملون في قطاع التأمين، يعرفون ان  الدعاوى المرفوعة ضد شركات التأمين والعالقة امام المحاكم سواء في لبنان او سوريا او مصر، على سبيل المثال لا الحصر، يتجاوز عددها  مئات الألوف في كل دولة. وهذه الحقيقة تؤكد ان التأمين الالزامي سجل فشلا على نحو صارخ وهيئات الرقابة على التأمين والوزراء الذين يمثلون سلطة الوصاية على تلك الهيئات هم الذين يتحملون مسؤولية ذلك الفشل.
فالتأمين الالزامي وجد اساسا ليوفر ضمانة مالية للاشخاص الذين يتعرضون لاصابات جسدية او اضرار مادية جراء استعمال المركبة ذات المحرك والتجول بها داخل المجتمع. والزامية التأمين تطبق على فريقي عقد التأمين الالزامي اي السائق وشركة التأمين. وحتى مطلع هذا القرن، كانت هذه الاخيرة مجبرة على التقيد بالاسعار التي يفرضها وزير الوصاية من خلال هيئة الاشراف على التأمين في سائر انحاء العالم.
الا ان التجارب اظهرت ان التعرفات الالزامية اذا لم تجر مواءمتها   updating كل سنة وبلا انقطاع وفي ضوء النتائج الفنية لشركات التأمين، بحيث يكون القسط الالزامي كافيا لتغطية المسؤوليات التي تتحملها الشركة، فإن التأمين الالزامي يفقد جدواه ويتحول الى نوع من »الخوة« ومجرد عقد وهمي يبرم بهدف استكمال عملية تسجيل السيارة ليس الا.
ولذا عمدت معظم الحكومات خارج عالمنا العربي الى وقف العمل بالتعرفات الالزامية (وهذا ما يسمى بتحرير الاسعار او تعويمها) تاركة للمنافسة بين الشركات ان تحمي مستهلكي خدمات التأمين من احتمالات تعرضهم لاي استغلال من قبل الشركات.

كما عمدت بعض الحكومات الى وضع سقوف للارباح التي لا يجوز لشركة التأمين ان تتجاوزها في مجالات التأمين  الالزامي وفي مقدمها التأمين على السيارات والتأمين الصحي.
والسقف المعتمد في معظم تلك الحالات هو 8 بالمئة من الارباح. ولو حصل ان تجاوزت الارباح تلك النسبة تكون الشركة عندئذ ملزمة بأن تعيد الى حملة عقود التأمين المبالغ التي فاضت عن ذلك.
وفي مجال الاستزادة في حماية مستهلك خدمات شركات التأمين،  اعطت قوانين التأمين الالزامي الفريق  الثالث المتضرر 
THIRD PARTY حق الادعاء المباشر ضد شركة التأمين التي تتخلف عن دفع التعويض المستحق له، حتى ولو لم يكن السائق المتعاقد مع الشركة مسؤولا عن الحادث. ما يعني ان شركة التأمين تعوض على الفريق الثالث المتضرر اولا ثم تستعمل حقها في مقاضاة مسبب الحادث وصولا الى استرداد اموالها.

الا ان شركات تأمين عربية كثيرة، تجد من الذرائع، ما يمكن لها تأجيل دفع التعويضات المستحقة والتهرّب منها كليا، وذلك بوضع الفريق الثالث 
THIRD PARTY المتضرر امام واحد من خيارين:
1) إما الذهاب بمطالبته الى القضاء وهذا الامر يقتضي تحمل نفقات قضائية واتعاب محاماة، اضافة الى  سنوات يمضيها المدعي بانتظار قرار الفصل فيها.
2) او التخلي عن المطالبة، تجنبا لمشاق المقاضاة امام المحكمة وهي كما ذكرت آنفا خيار بالغ التكلفة ومرهق.
وهذا الواقع هو الذي  اثار عداوة جلية بين قطاع التأمين العربي من جهة ومستهلكي خدماته من جهة اخرى.
والحقيقة المرة التي تقف عقبة في سعينا الى اللحاق بالدول المتقدمة تأمينيا، هي ان الهيئات التي تشرف على التأمين في بلادنا ليست مستقلة ولا تملك قرارها.
وعليه وحتى اشعار آخر فإن التأمين الالزامي العربي باق في المستنقع الذي يركد فيه لسنوات ان لم يكن لاجيال طويلة. وهيئات الاشراف على التأمين باقية على استرخائها.
وما على اصحاب الحقوق الا الانتظار، الى ان يقيض لنا ان ننعم بهيئات او شخصيات مستقلة تتوافر لديها الجرأة والنزاهة، والكفاية العلمية ولا تكون مدينة في تعيينها لوزير الوصاية، او لأي من النافذين في بلاط سيف الدولة .