تأمين المسؤولية العشرية – كابوس المقاولين – بقلم / هاني النداف و سارة كيلي

مفهوم نشأة ظهور تأمين المسؤولية العشرية ومبرره
نشأت فكرة تأمين المسؤولية العشرية في القانون المدني الفرنسي وتطورت من تابع الرغبة في حماية مالكي المباني, الذين لم يكن لديهم في الظروف العادية ما يكفي من الخبرات الفنية لمساعدتهم في التعرف إلى عيوب التصميم أو الإنشاء في موعد تسليم المشروع، خاصة إذا كانت تلك العيوب مُستترة.
مزايا للمالكين ومخاطر للمقاولين:
يمنح تأمين المسؤولية العشرية قدراً أكبر من الأمان للمستثمرين العقاريين بالمقارنة بالضمانات الإضافية التي لا تطبق إلا فقط في حالة المخالفة أو الإهمال من جانب المقاول وعلاوة على ذلك فإن اتساع قاعدة المتهمين المحتملين بالتقصير يقلل خطر الخسارة التي قد يتحملها المالك او المستمثر حال إكتشاف عيوب في المبنى بعد أن أشهر أحد الأطراف المشاركة في إنشاء المبنى إفلاسه بموجب حكم قضائي وقد تضمنت اغلب القوانين المدنية حول العالم بما في ذلك القوانين المطبقة في اغلب دول الشرق الأوسط نصوصاً تتعلق بتأمين المسؤولية العشرية وفي ما يتعلق بقانون قطر فقد تطرقت المواد من 711 إلى 715 من القانون المدني القطري (القانون رقم 22 لسنة 2004) لهذا النوع من التأمين.


وعلى الرغم من أهمية تأمين المسؤولية العشرية في الوقت الحالي للسوق القطرية وعلى الرغم أيضاً من إرتفاع مستوى التطور التجاري والخبرات الصناعية بدرجة هائلة لدى المقاولين الأجانب الذين يقتحمون هذه السوق إلا أن أغلبهم يجهلون الأثار المدمرة المحتملة التي قد تنجم عن المسؤولية العشرية.
ذلك أنهم اعتادوا العمل وفق صيغ قياسية للعقود. كالعقود الصادرة من الإتحاد الدولي للمهندسين الإستشاريين FIDIC أو العقود الصادرة من المجلس المشترك لعقود البناء JCT  وباتوا ملزمين بعلاج القاضيا المثارة خلال فترة الإلتزام بإصلاح العيوب والتي تعقب الإنجاز الفعلي للمشروع. لذا، فقد لا يدرك هؤلاء المقاولون أن الهياكل التي يعتمدونها في الوقت الحالي لإدارة المخاطر لا تكفي في أغلب الأحوال لتغطية المخاطر المحتملة التي قد يتعرضون لها بسبب المسؤولة العشرية. وعلاوة على ذلك ، لم تتضمن العطاءات التي تقدموا بها لتنفيذ مشروعات في قطر بنداً خاصاً بالتكاليف العالية لتأمين المسؤولية العشرية. وكلما كانت قيمة العقد وقيمة المشروع المُزمع إنشاؤه بموجبه مرتفعة شكل ذلك تهديداً كارثياً للسيولة المتوفرة لدى المقاولين، بما فيهم المقاولين المشهورون على مستوى العالم.

المشروعات المشمولة بغطاء تأمين المسؤولية العشرية :
ينطبق تأمين المسؤولية العشرية على كافة المباني والتركيبات الثابتة التي يتم إنشاؤها في قطر. وبينما تخضع العقود التي يكون صاحب العمل فيها إحدى الهيئات الحكومية التابعة لدولة قطر للقانون المحلي في أغلب الأحوال (بما في ذلك تأمين المسؤؤلية العشرية) يبدو الوضع أقل وضوحاً حينما يختار طرفا العقد الإحتكام إلى قوانين تابعة لدولة أخرى – قد لا تعترف بمفهوم تأمين المسؤولية العشرية أو قد لا تعتبره إلزامياً.

الأطراف المسؤولة :
ينطبق تأمين المسؤولية العشرية على المقاولين الرئيسين، إستشاريي التصميم (المهندسين المعماريين) ، العاملين بصفة إشرافية (كالمهندسين ومديري المشروع)، وذلك حسب نوع العيب الذي يظهر في المبنى ودرجة مشاركة كل من هذه الأطراف في الإنشاء.
ويحث يتم فرض المسؤولية العشرية بصفة مشتركة فيجوز لمالك المبنى إتخاذ الإجراءات القانونية ضد كافة أو أي من الأطراف المشاركة في الإنشاء وذلك للمطالبة بقيمة التأمين كاملة. وعليه فإذا أشهر أحد تلك الأطراف إفلاسه فسيتحمل الطرف الأخر (فستتحمل الأطراف الأخرى) عبء إصلاح كافة التلفيات التي تحملها المالك من جراء العيب (العيوب).
وعلى الرغم من ذلك فلن يكون إستشاري التصميم الذي لم يشارك في تنفيذ الأعمال او الإشراف على تنفيذها مسؤولياً إلا فقط عن العيوب المنسوبة للتصميم الذي لم يشارك في  تنفيذ الأعمال أو الإشراف على تنفيذها مسؤولاً إلا فقط عن العيوب المسنوبة إلى التصميم الذي وضعه.
أما بخصوص المهندسين المعماريين المعنيين بالموافقة على الرسومات التنفيذية التي يقدمها المقاول فيتعين عليهم الإنتباه لخطر أن تمثل تلك الموافقة مشاركة من جانبهم في إدارة العقد.
وبالمثل فيستم إعفاء المقاولين من المسؤولية الناجمة عن العيوب المتصميمية البحتة ولكن فقط إذا لم تكن تلك العيوب واضحة للمقاول المختص الذي يؤدي إلتزاماته بالإجتهاد الواجب.
ولا يجوز للمقاولين أو إستشاريي المشروع التملص من فرض المسؤؤلية العشرية بحجة أن مسؤولية الخطأ المرتبط بالعيب (العيوب) ذي الصلة تقع على عاتق المقاول من الباطن أو الإستشاري من الباطن.

خيارات المالك:
يجوز لمالكي المباني الذين لديهم مطالبة تتعلق بتأمين المسوؤلية العشرية أن يطالبوا بأداء محدد من جانب المقاول أو المصمم لإصلاح أو إعادة بناء المبنى أو الجزء التالف منه.
وبدلاً من ذلك, وبموجب تصريح من المحكمة (مطلوب في كافة الحالات عدا العاجلة منها) يجوز لمالكي البنايات المطالبة بأداء الأعمال الإصلاحية اللازمة (او التعاقد مع طرف ثالث للقيام بذلك).

إذا أجرى المقاول إصلاحات لأي عيوب تم إكتشافها في المبنى خلال فترة السنوات العشر الأولى فستبقى مسؤوليته بشأن ذلك العنصر من عناصر المبنى سارية لمدة عشر سنوات أخرى من تاريخ إنجاز تلك الأعمال الإصلاحية وإسترداد المبالغ التي دفعوها من المقاول الأصلي أو المصمم وعليه فستكون الخسارة الفعلية وأي خسارة للأرباح قابلة دوماً للإسترداد. وذلك بشريطة أن تكون هذه الخسارة ناتجة بشكل مباشر ويمكن التنبؤ بها عن العيب (العيوب) وقد إبرام العقد. ومن أمثلة ذلك : الإصابات الشخصية التي يعاني منها سكان المبنى جراء إنهياره أو خسارة أصحاب منافذ التجزئة في البناية للأرباح بسبب الإغلاق المؤقت.

عبئ الإثبات :
يتمخض وقوع الضرر او اكتشاف العيب عن افتراض تلقائي مؤداه ان هناك مسؤولية قد نشأت وبالتالي فلا يتحمل المالك او صاحب العمل عبئ إثبات وقوع خطأ أو إهمال من جانب المقاول.

حدود المسؤولية او التنازل عنها :
وحيث يعد تأمين المسؤولية العشرية أمراً ملزماً بموجب نص في القانون القطري, فإن أي محاولة تعاقدية للحد من نطاق هذا التأمين أو استبعاده أو التنازل عنه ستكون باطلة وغير سارية فيما يتعلق بالسياسة العامة وعلى الرغم من ذلك فطبقاً للمبادئ العامة للقانون القطري بمجرد إنهيار المبنى أو إكتشاف عيب فيه ونشوء حق المطالبة بتعويضات عن الأضرار الناتجة فيجوز لمالك المبنى في هذه الحالة التنازل عن ذلك الحق.

فترات المسؤولية والتقادم:
تبدأ فترة المسؤولية عند تسليم المشروع وتستمر عشر سنوات على الأقل أو حسب دورة الحياة الممتدة للمبنى أو المنشأةز وإذا كان يمكن تشغيل العناصر الفردية المتنوعة للمشروع بمعزل عن بعضها بعضاً – كما هو الحال عند إنشاء محطة توليد كهرباء تتكون من عدد من المولدات التي يتم إنشاؤها بصفة مرحلية – فستنشأ المسؤولية على كل طرف بصفة منفصلة. أما إذا كانت هذه العناصر الفردية مرتبطة ببعضها البعض فستبدأ فترة السنوات العشر إعتباراً من تاريخ تسليم المرحلة النهائية من مراحل المشروع.
وأما عن فترة التقادم فيما يتعلق بتقديم المطالبات على أساس المسؤولية العشرية في قطر فهي ثلاث سنوات اعتباراً من تاريخ إنهيار المبنى أو تاريخ الإكشتاف الفعلي للعيب وعليه ومن الناحية النظرية فقد يجد المقاول او الإستشاري نفسه في مواجهة مطالبة بموجب تأمين المسوؤلية العشرية بعد مرور ثلاث عشرة سنة من تاريخ الإنجاز الفعلي لأعمال المشروع.
وإذا اجرى المقاول إصلاحات لأي عيوب تم إكتشافها في المبنى خلال فترة العشر سنوات الأولية ,فستبقى مسؤلويته بشأن ذلك العنصر من عناصر المبنى, والذي تطلب إصلاحاً او تدعيماً سارية لمدة عشر سنوات أخرى من تاريخ إنجاز تلك الأعمال الإصلاحية.

نقاط بارزة:
تنشأ المسؤولية العشرية بصرف النظر عن كون الإنهيار او العيب ناجماً عن خلل جيوتقني كرداءة التربة أو إنحسار الأرض لذا فيتعين على المقاولين إجراء فحوص متعمقة بالموقع قبل بدء تنفيذ الأعمال.
وليس من شأن موافقة المالك أو إشرافه على التصممي أو طريقة الإنشاء أو قبول تسليم البناية (حتى وإن كان على علم بوجود العيب) أن تحمي المقاول ما لم يستطع إثبات أن المالك يتمتع بدراية فنية أو خبرة صناعية معادلة لخبرته هو شخصياً أو تفوقها. وعليه فإذا تلقى المقاول تعليمات من جانب صاحب العمل بتنفيذ المشروع على نحو يعلم المقاول أو يعتقد انه خطأ فيتعين على المقاول في هذه الحالة عدم الرضوخ لتعليمات صاحب العمل, ذلك أن موافقة صاحب العمل لن تحول بالضرورة دون فرض تأمين المسؤولية العشرية على المقاول لاحقاً ولن تنشأ أي مسؤولية حال نتج الضرر الذي لقح بالمبنى أو المنشأة عن حادث طارئ يندرج تحت بند القوة القاهرة.

إدارة المخاطر:
في فرنسا ومصر والتي تم سن القانون في قطر إستئناساً بقانونيهما المدنيين, يعد إجراء تأمين خاص ضد المسؤولية العشرية بمثابة أمر مُلزم, حيث يتعرض من يخفق في الإلتزام به للعقوبة بموجب القانون. إلا أن الوضع مختلف في قطر حيث تخضع المتطلبات التأمينية بالأساس لنصوص العقد وعلى الرغم من لك وفي ضوء المخاطر الموضحة ،يتعين على المقاولين والإستشاريين الراغبين في دخول السوق القطرية الإتباه بشدة لأي نقص في نطاق الحماية المقدم لهم بموجب بوليصة التأمين الحالية ومن الأهمية خاصة بمكان للمعماريين والمهندسين الإنتباه إلى أنه عادة ما يتم إستحضار بوالص الـتأمين ضد التعويضات المهنية التقليدية إذا كان هناك إهمام من جانب المؤمن عليه بدلاً من فرض مسؤولية قانونية أو مدنية أوسع نطاقاً وبالتالي لا يتم في هذه الحالة فرض تأمين المسؤولية العشرية.
وقد يُفاجأ المقاولون الساعون لإضافة المسؤولية العشرية إلى قائمة المخاطر المؤمن ضدها بموجب البوليصة القياسية ((لتأمينيهم ضد كافة الأخطار)) بإرتفاع كبير في قيمة أقساط التأمين المستحقة عليهم، فضلاً عن الزيادة في قيمة أقساط التأمين المستحقة عليهم فضلاً عن زيادة قيمة الخصومات. إتساع نطاق الفقرات التي تحتوي على تقييد وإستبعاد وفرض متطلبات أكثر صرامة في ما يتعلق بإعداد التقارير وقيد يتاح غطاء تأمين خاص بالمشروع ولكن غالباً ما تكون تكلفته باهظة كما يكون مشروطاً بإنخراط شركة التأمين في مراحل سير العمل بصورة وثيقة وقد  ظهرت بعض التطورات في غضون السنوات الأخيرة في ما يتعلق بتوافر التأمين ضد العيوب المُستترة.
ويتعين على المقاولين المستفيدين من هذا الغطاء التأميني التأكد من الإحتفاظ به بصورة سليمة طوال فترة الإلتزام بالكامل.
وسيعمل التنسيق بين المناهج التي تتبناها القوانين المختلفة تجاه المسؤولية عن العيوب المُستترة على توافر قدر أكبر من اليقين لدى المشاركين في صناعة الإنشاءات وتقليل الحاجة إلى ضمانات إضافية واسعة النطاق وتقليل الحاجة إلى ضمانات إضافية واسعة النطاق وتقليص تكلفة التأمين ضد تلك المسؤولية وفي الوقت ذاته تخليص السوق من أصحاب المخالفات والإنتهاكات المتعددة.

بقلم / هاني النداف وسارة كيلي
مجلة تأمين قطر