التأمين ضد افتضاح الجريمة - زياد محمد الغامدي

لا يهم طبيعة جرائمك وسوء فعلك، سواء كانت إرهابا أو قتلا أو غيره، ما يهم هو العلاوة التي سنتقاضاها على التأمين ضد افتضاح أمرك. ولا يهم من يتعقبك ويتحرى تحركاتك، فنحن من الخبرة ما يكفي لإخفاء أمرك وأمرنا معك. كل ما عليك أن تهتم به هو الدفع في الوقت، والباقي علينا. فنحن خبراء في تقدير المخاطر، كما أن الخبراء الإكتواريين لدينا الأكفأ والأقدر على حساب احتمالات الانكشاف ومن ثم التعرض للخسارة.
ولأن مهنة الإجرام أزلية بدأت منذ نشأة الإنسان، فقاعدة بياناتنا من الغنى المعلوماتي بما يكفي لحساب احتمالات الربح والخسارة بدقة فائقة، ومن ثم يمكننا تحديد العلاوة المناسبة لتغطية مخاطرنا ومخاطرك بدقة تضمن سلاسة التدفقات النقدية في قوائمنا المالية، وتضمن التغطية على مخاطر افتضاح فعلك المنحط والتافه.
دع عنك الأخلاق والمبادئ والقوانين والأعراف، فهذا الكلام للعوام، أما نحن ''فنرتقي'' فوق هذا كله، كل ما عليك فعله إشباع غرائزنا المادية التي لا حدود ولا كابح لها. هذا لسان حال عدد لا بأس به من شركات التأمين وإعادة التأمين التي يشتبه في كسرها العقوبات الدولية المفروضة على دولة الجريمة والإرهاب إيران. فما تم الإعلان عنه عن ثبوت تورط ثلاث شركات في تأمين شحنات متوجهة إلى إيران عن قصد وبدراية، يأتي دليلا آخر على أن الوسط المالي في الغرب من التأزم الأخلاقي، ما يجعله يلهث وراء المال حتى ولو كان على حساب القوانين والأعراف الدولية والأخلاق الإنسانية.


سلطات المال في نيويورك أرسلت رسائل إلى 20 شركة إعادة تأمين من بينها سويس ري إحدى كبريات شركات إعادة التأمين في العالم، ولويدز البريطانية لإعادة التأمين وغيرهما، تطلب فيها تفاصيل عن علاقاتها مع الشركات والأفراد والعقود التأمينية التي تخص دولة الملالي البائسة. ويبدو لي شخصيا أن القضية ستطول وسينتهي بها المطاف كما انتهى الأمر من قبل مع المصارف ''المارقة'' وشركات الاستشارات المالية ''الخائنة للأمانة'' والمزورة كذلك، تسوية بالملايين وربما بالمليارات، ومن ثم تعهدات، ويا دار ما دخلك شر. أما المتسببون فينقلون من وظائفهم إلى وظائف أخرى وفي أسوأ الحالات يطلب منهم الاستقالة. أما الدول المتضررة من الإرهاب الإيراني فلا حس ولا خبر، وكأن الأمر لا يعنيها في شيء لا من قريب ولا من بعيد. على الرغم من أن فروع هذه الشركات تعمل في معظم الدول المتضررة من جنون وعته ملالي طهران، وبالأخص دول الخليج العربي. ولا أفهم لم لا تحذو جهات المال في دول الخليج العربي حذو سلطات المال في نيويورك، بأن تطلب من هذه الشركات والمصارف ''وجلها أوروبية''، أن تختار بينها وبين إيران، كما لا أفهم لماذا لا يتم تغريم هذه المصارف المارقة ومعاقبتها على غسل المال الإيراني من خلال إحدى المدن الخليجية الاقتصادية المهمة والمؤثرة ''دبي''، كما ثبت ذلك من خلال التحقيقات الأمريكية مع ''إتش إس بي سي'' وغيرها.
إن انحطاط أخلاق القائمين على الوسط المالي الغربي انعكس سلبا على الأمن والسلم الدوليين، كما أسهم إسهاما مباشرا في انتشار الإرهاب، بل حتى تجارة المخدرات وغيرها من الآفات. بالأمس ''إتش إس بي سي'' يغطي على تجار المخدرات في المكسيك ويغسل أموالا قذرة تعود لملالي إيران، وستاندرد تشارترد كذلك وبمساعدة وتواطؤ من حليفه ديلويت للاستشارات المالية الذي أراد استغباء واستغفال المحققين، واليوم تبدأ مرحلة جديدة من التحقيقات مع قطاع التأمين، الذي لا تبدو ممارساته بعيدة عن أقرانه في البنوك وبيوت الاستشارات المالية.
وللأسف الشديد يخيم الصمت المطبق على جميع الدول التي تعاني الإرهاب الإيراني في العالم كله، وكأن الأمر لا يعنيها لا من بعيد ولا قريب. لا بد من أن تفرض الدول سيادتها وقوانينها وشروطها وأحكامها على جميع الشركات الأجنبية العاملة فيها، كما يجب إعلان جميع الإجراءات التأديبية على من يثبت تهاونه وتلاعبه وتآمره مع الأعداء، وبالأخص العدو الأزلي الأقدم إيران وغيرها من الأحزاب المتواطئة معه. فهذه الشركات المارقة لا حدود لجشعها وطمعها، ولا ينفع معها سوى لغة العقوبات المغلظة، وإن لزم الأمر سحب التراخيص والطرد بغير رجعة.