التأمين ضد الخطف بدأ في الإنتشار في لبنان

الأوضاع الأمنية في لبنان متدهورة، وتسير إلى تدهور أكبر. لا يقتصر الأمر على الاشتباكات في طرابلس ولا على الهجوم على الجيش ولا حتى على الصواريخ "اللقيطة" والجماعات المسلحة والتهديدات، بل تندرج أيضاً عمليات الخطف المتزايدة والمتنقلة لأسباب مادية. في مواجهة هذا الخطر، يشهد قطاع التأمين حالياً إقبالاً على خدمة "التأمين ضد الخطف"، في ظاهرة لم تعرفها البلاد من قبل، تُعبر عن ثقة غائبة بكل ما له علاقة بالأجهزة الأمنية، والأسوأ أنها تكشف امتداد امبراطوريات الخطف والمناطق الممنوعة من القانون.  
 شخصيات عديدة أقبلت وتقبل على التأمين على نفسها ضد الخطف، من سياسيين إلى فنانين ورجال أعمال وأصحاب شركات ورؤساء مجالس إدارة. يقول رئيس تجمع شركات الضمان أسعد ميرزا، في حديث لـ "المدن" إن الموضوع بدأ بالانتشار قبل نحو عام والطلب إلى ارتفاع، رابطاً بين التأمين ضد الخطف وبين تدهور الأوضاع الأمنية وعجز الجهات الرسمية عن حماية المواطنين. 
ميرزا يرفض الكشف عن أي من الأسماء التي أمّنت على نفسها حفاظاً على مبدأ السرية، مشيراً إلى أن الأمر لا يقتصر فحسب على الشخصيات المهمة والبارزة. ويضيف رئيس تجمع شركات الضمان أن الكلفة تختلف وفقاً للحالة وأهمية الشخص، لافتاً إلى أنه بدايةً تتم دراسة ملف الزبون، "وفي حال تم خطفه، تدفع شركة التأمين الفدية المطلوبة ولكن ضمن سقف معيّن يتم تحديده بالتراضي".


هذه الخدمة لا تعكس إلا عجزاً رسمياً فاضحاً عن حماية المواطنين وتأمين أبسط حقوقهم، أي التنقل بأمان من دون مخاطر، إلى جانب التقصير في تحرير المواطنين بعد خطفهم واللجوء في نهاية المطاف إلى دفع الفدية المطلوبة، أو إلى خدمات مبتكرة من الشركات الخاصة. ولا يستغرب مصدر أمني رفيع ازدياد الطلب على التأمين ضد الخطف في هذه الظروف تحديداً، شارحاً أن غالبية المُعرّضين لهذا الخطر هم من أصحاب الثروات، "ولا غرابة في أن يلجأوا إلى كماليات كهذه، وخاصةً أن كلفتها عالية"، وفق ما يقول.

ويذهب المصدر الأمني إلى التعبير عن ارتياحه حيال اقتصار أسباب الخطف على المال، من دون دوافع سياسية أو طائفية، مسلّطاً الضوء على أكثر من حادثة تمكنت في خلالها القوى الأمنية من تحرير المخطوف من دون مال أو جرحى أو ضحايا، كقضية الطفل محمد عواضة والمواطن يوسف بشارة. المصدر الأمني يرى أن الحل الأنسب لا يقوم على خدمات شركات التأمين وما يرافقها من أمور شائكة، بل على تشكيل قسم في قوى الأمن الداخلي يكون متخصصاً بملفات الخطف، على أن يجمع كامل الداتا الضرورية ويتحرك سريعاً في حال حصول أي حادثة. وفي الوقت عينه، يعترف المصدر الأمني بالقدرات المحدودة للقوى الأمنية والجيش على صعيد مواجهة عمليات الخطف، وخاصةً إذا ما أخذنا بالاعتبار كل ما يحصل في البلاد من توترات وخضات.

إذاً، شركات التأمين عرفت كيف تستفيد من تقصير الدولة وغيابها، وقدمت خدمة "التأمين ضد الخطف". لا شك أن هذه الخدمة لم تكن لتنجح لولا الخوف الحقيقي الذي يعيشه المواطنون، وخاصةً من هم تحت الضوء أو من يملكون الثروات. هكذا تقف الدولة، مع كل أجهزتها، في موقع المتفرج لا أكثر، تماماً كما تفعل في مواجهة كل ما يعترضها من سلاح متفلت يميناً ويساراً، وممارسات غير دستورية وقانونية. 

جوني طانيوس

تعليقات