حوادث السير وما يتبعها من تكاليف مادية باهظة - علي الشريف

في  البداية لا بد أن أشير إلى حوادث السير أو الدهس غير المتعمدة  والتي يذهب ضحيتها في أحيان كثيرة السائق  برغم  إن الحادث بسيط  لا يتعدى خدشا أو كسرا أو رضوضا ولم يصل لحالة الوفاة.
 يقول المنطق أن لا احد يذهب باتجاه دهس احد أو ارتكاب حادث متعمد  وكل ما يحدث هو عبارة عن سهواً أو خطأ يقع فيها احد الطرفين  أما السائق أو الذي تعرض للحادث ومن هنا علينا إن نقف ونفكر في بعض الإجراءات المملة والمتسلطة التي تتبع الحادث ودعونا نقرأ القصة التالية.
كان احدهم يهم  بإيقاف سيارته في حارته بجانب الرصيف وبتأن كبير جدا نظرا لوجود أطفال يلعبون أمام الرصيف وفي أثناء الاصطفاف  قام احد الأطفال بدفع  طفل أخر أمام السيارة  مما تسبب له بكسر  في القدم وبعض الرضوض إضافة إلى تمزقات في الأنسجة.
قام السائق ومعه أقارب الطفل المصاب فنقلوا الطفل إلى المستشفى   للاطمئنان عليه  والقيام بعلاجه إن احتاج  وقد تم إجراء اللازم في المستشفى  من ناحية العلاج  وغادر  مع تقرير للطبيب يفيد بلزوم دخول الطفل للمستشفى لمزيد من الاطمئنان.ومن هنا بدأت تفاصيل المأساة.

قرر أقارب الطفل اللجوء إلى المركز الأمني لتبيت حق العلاج  وهناك  وحين قدموا أفادتهم  تم إيقاف السائق الذي هو موظف في نظارة المركز  وبعد ان تم إسقاط الحق الشخصي   بدأت تفاصيل العلاج وحكاية الاستنزاف من جديد.
المستشفى  الحكومي لا ينفع  ويجب الانتقال لمستشفى  خاص  وتم ذلك  ورفض المستشفى  إدخال الطفل  حتى يتم دفع مبلغ تامين قيمته ألفا دينار  وتوقيع تعهد  بدفع باقي التكاليف  ولان المبلغ غير موجود رفض المستشفى  إدخال الطفل  وتم اللجوء لأخر وخاص أيضا لتعود الحكاية من جديد ويشترط المستشفى  مبلغ التامين للإدخال وبعد مفاوضات واخذ ورد تم ادخال الطفل المستشفى  واجري له اللازم وخرج.

في اليوم الأول بدأ ذوو الطفل يطالبون السائق بكشفية الدكتور وفي الثاني يطالبونه بإجراء صور وفي الثالث إدخاله لإجراء عملية تجميل  وفي الرابع ثمن أدوية وفي الخامس بدل أجور تصليح السيارة حتى وصل ما دفعه السائق مبلغ 2000 دينار والحبل على الجرار.

الانكى انه قد تم تحويل القضية للمحكمة  وبدأت الجلسات التي لن تنتهي إلا بتقرير قطعي عن حالة الطفل وبرغم تأكيدات الأطباء بان الحالة قد أصبحت عادية ولا تحتاج لعلاج إنما تحتاج للوقت يصر أهل الطفل  على التوجه كل يوم لطبيب وكل يوم لمستشفى ويريدون الولد كما ولدته امه حتى بلا اثار للخدوش.

السائق موظف يغيب عن عمله وبالتالي يتعرض للحسم من راتبه وهو يستنزف ماديا نتيجة استمرارية زيارة المستشفيات والأطباء وهذه الحالة أصبحت مماثلة لحالات كثيرة  نراها كل يوم.

بعد هذه القصة يبرز عدة اسئلة أولها إن الحادث غير متعمد وجاء نتيجة لعب الأطفال..وثانيها  لماذا الإصرار على المستشفيات الخاصة ورفع تكاليف العلاج على السائق بالرغم من ان المستشفيات الحكومية تقوم بالعمل وربما أفضل أما السؤال الثالث  وهو الأهم  هل  فقدت المستشفيات الخاصة إنسانيتها امام  المال وماذا لو كان الطفل بحالة خطرة او جاء بحالة طوارىء هل يوقف على الباب ويترك ليموت ان لم يكن يمتلك المال.

في كل ما ذكرنا يجب ان  يعاد النظر في بعض التشريعات وفي احيان كثيرة ونتيجه لطول اجراءات التقاضي  يجب اللجوء الى العرف العشائري في الحوادث غير الخطرة او المميتة مما يخفف عن كاهل القضاء والمواطن.

 اما الاهم  فهي النظارة او حسب ما يسمى بالقفص  فهل يعقل ان يتم الزج بالسائق بالنظارة وهو الذي جاء راضيا مرضيا ليتثبت حق الطفل  دون تحقيق باسباب الحادث وان كان  مقصودا او غير مقصود وكأنه ارتكب جريمة نكراء دون النظر الى وضعه او عمله"وهنا لا بد ان يتم التعامل بروح القانون لا بنصه"

صحيح ان ثمة حادثاً ادى لاضرار ولكن من الظلم ان يظلم رجل بكل هذه الاجراءات التي اصبحت تصيبه في مقتل وباتت تمثل استغلالا  غير طبيعي وتكسب غير منطقي حتى وصل الامر لطلب اثمان البنزين في حالة نقل الشخص المصاب الى المستشفى ...ومما يوجب العمل به  ان يكون العلاج محصورا في مستشفيات وزارة الصحة  ولا يتم اللجوء للمستشفيات الخاصة الا بعد التأكد من عدم امكانية العلاج  في مستشفيات الحكومة.

الحديث ليس دفاعا عن سائق او عن حادث ولكنه دفاع عن قيم واعراف بدأت تتآكل امام حب المال ولو كان على حساب الادعاء بالاصابة  ودفاعا عن اشخاص لا يمكن ان يقصدوا ارتكاب حوادث تذهب بهم الى حيث ما لا يحبون ويرضون اضافة الى  ان الوضع العام بات يحتاج لتشريعات جديدة  من ناحية التأمين بعدم المماطلة  بدفع القيم المالية للمؤمن  لان الاستنزاف اصلا جاء بسبب ان التأمين يدفع  ولكن بعد حين.

علي الشريف