التأمين والمخاطر على محافظ المشتركين - د.صلاح بن فهد الشلهوب

التأمين التعاوني كما هو معلوم عبارة عن إنشاء محفظة للمشتركين الذين يعتبرون متبرعين؛ من أجل تغطية المخاطر فيما بينهم، حيث إن حصول كوارث للبعض مثل حوادث الطرق والحرائق التي تصيب الممتلكات، التي أصبحت أحيانا تهديدا لكثير من الاستثمارات؛ إذ إن التاجر يمكن له أن يتحمل قسطا سنويا محدودا وحدوث حريق لممتلكاته قد يعوق تجارته بالكامل، وقد يكبده ديونا لا يتمكن بعدها من السداد. وجاءت صيغة التأمين التعاوني على أساس إنشاء صندوق للمشتركين، وهم المتبرعون من أجل أن تتم تغطية الضرر الذي قد يحصل لأحد المشتركين بسبب حادث أو كارثة، وهذا هو الفرق الجوهري بين التأمين التعاوني والتجاري؛ إذ إن التأمين التجاري يقوم على علاقة بين المؤمّن والشركة دون إنشاء صندوق ملكيته تكون للمشتركين، بل المال مباشرة يذهب إلى ملاك الشركة أو المساهمين.

بطبيعة عقد التأمين فإن الصندوق هو المصدر الوحيد لتغطية المخاطر على المشتركين أو المؤمّنين؛ إذ في حال تم استنفاد ما في الصندوق فإنه في حال حدوث كارثة، أو حريق أو حادث للمؤمّن فإن الشركة لا يمكن أن تفي بما يترتب على ذلك من أضرار؛ نظرا لأن حقوق المشتركين لا تتجاوز المبلغ الموجود في الصندوق، وهذا ما يتسبب في وجود مخاطر على المشتركين من جهة إمكانية سداد ما عليهم من مصروفات نتيجة للأضرار التي لحقت بهم.


كما هو معلوم أن بعض شركات التأمين التعاوني (السعودية) اليوم أفصحت عن خسائر لأسباب متعددة منها الارتفاع في مطالبات تأمين السيارات بسبب ارتفاع في قيمة الديات، والزيادة في تكاليف الإصلاح وتغطية الأضرار، كل ذلك كان له انعكاسات على أموال المشتركين.
والسؤال هنا: كيف يمكن العمل على الحد من المخاطر على أموال المشتركين بحيث يتم التمكن من تغطية الأضرار التي تقع عليهم من بداية العام إلى آخره دون أن يتأثر الصندوق أو أن يمنى بخسائر؟
لا شك أن مسألة الثقة بالتأمين التعاوني قائمة على قدرة هذا الصندوق الخاص بالمشتركين على الإيفاء بما عليه من التزامات تجاه المشتركين، خصوصا مع وجود تحديات قد تجعل من مثل هذه الصناديق عبئا وليس حماية أو تأمينا حقيقيا للمشتركين.
نحن نعلم أن الهدف من وجود هذه الشركات هو الحد من أثر المخاطر أو تغطية الأضرار التي لحقت بالمشتركين، وهو ما يحققه نظام التأمين، وفي التأمين التجاري فإن الشركة ملتزمة بسداد جميع ما عليها من مطالبات حتى ولو ترتب على ذلك خسائر ما لم تفلس الشركة، أما في التأمين التعاوني فإن الشركة لا تعدو أن تكون وكيلا عن المشتركين في إدارة أموالهم التي أودعوها بغرض تغطية الخسائر التي لحقت بهم بسبب حوادث أو كوارث. لذلك من المهم التفكير في نظام يحد من استنفاد ما لدى الصندوق من سيولة نتيجة التغيير في نظام مثل قيمة الديات للقتل الخطأ التي تمت زيادتها من 100 ألف إلى 300 ألف، أو الزيادة التي قد تطرأ بسبب زيادة في مصروفات معينة لم يتم أخذها في الاعتبار.
لذلك؛ من المقترح أن يكون لكل نوع من التأمين مثل تأمين السيارات صندوق واحد لجميع هذه الشركات تجمع فيه جميع أموال المشتركين لتوجد توازنا في موارد الصندوق، ويتم تحديد سعر التأمين من قبل مؤسسة النقد بناء على أسس رياضية اكتوارية، وتبقى الفوائض المالية تعود إلى الصندوق مرة أخرى، بحيث تبقى للأجيال القادمة، ويمكن أن يتم استثمار هذه الأموال في استثمارات منخفضة المخاطر، تعزز قدرة هذا الصندوق على تحمل المخاطر مستقبلا، خصوصا أنه في بعض الأحيان تحدث كوارث على عدد كبير نتيجة لتقلبات جوية كما حدث في حالة السيول التي أصابت بعض المدن وحصل فيها أضرار لعدد كبير من أصحاب المركبات، وهذه قد تستنزف في وقت واحد ما في صناديق بعض الشركات من مدخرات.
وهذه قد تحل إشكالية في نظام التأمين التعاوني الحالي الذي يجعل الحق لبعض الشركات في أن تحصل على 90 في المائة من الفائض من العمليات التأمينية، الذي كان لبعض الفقهاء وجهة نظر فيه، حيث يرون أن الفائض التأميني ينبغي أن يعود كاملا للمتبرع، أو يمكن أن يبقى في الصندوق ليستفيد منه المشتركون لاحقا، وفكرة الصندوق الواحد لكل نوع من التأمين هو مشابه لصندوق أنشئ في ماليزيا باسم تبوغ حاجي بغرض تغطية مصاريف الحج للمتبرعين، ثم استفاد منه أجيال بعد أجيال وأصبح لديه استثمارات وموارد متعددة، ومثل هذه الفكرة يمكن أن تعزز مستقبلا استقرار تكلفة القسط التأميني دون تغيير ملحوظ لوجود سبب أو آخر.
الخلاصة، إن هناك تحديات لشركات التأمين التعاوني مع تعددها والمنافسة فيما بينها، ووجود مخاطر على أموال المشتركين بسبب تغيير لبعض الأنظمة أو حدوث أمور غير اعتيادية يترتب عليها كوارث ومطالبات، وللحد من أثر ذلك يمكن إنشاء صندوق واحد لكل نوع من أنواع التأمين مثل تأمين حوادث السيارات، ويعود الفائض إلى هذا الصندوق، دون أن تتعدد الصناديق لكل مؤسسة بما يعرض بعضها إلى مخاطر عالية.
د.صلاح بن فهد الشلهوب
 27 إبريل 2013  

تعليقات