لا بد من إصلاح قطاع التأمين - زياد محمد الغامدي

إصلاح القطاعات الاقتصادية القائمة في بلادنا لا يقل أهمية عن إيجاد قطاعات اقتصادية جديدة، كما أن عملية الإصلاح والتطوير الشامل يجب أن تكون عملية مستمرة، وفي جميع القطاعات على حد سواء. وفي أحيان كثيرة يتطلب الإصلاح القيام بعمليات مؤلمة في القطاع، ولكن هذه العمليات إن كانت مدروسة بشكل سليم ودقيق ستأتي بأثر إيجابي على المدى المتوسط والطويل لكل من القطاع المعني، ومن ثم الاقتصاد الكلي بطبيعة الحال. كما أن ترك قطاع اقتصادي واحد للتعثر والتخبط والعشوائية سينعكس سلبيا بشكل أو آخر على القطاعات الأخرى والاقتصاد الكلي بصفة عامة. وفي خضم النمو الاقتصادي الذي شهدناه في السنوات الماضية ظهرت قطاعات مالية واقتصادية لم تكن موجودة من قبل، وهذا أمر مشجع وصحي، ولكن يبدو أنه وتحت ضغوط الرغبة في سرعة الإنجاز ارتكبت أخطاء غير مقصودة ولدت وضعاً لا يخدم مصلحة أي طرف، سواء أكانوا مستثمرين أو عاملين أو حتى الجهة الرسمية الراعية للقطاع. وأود أن أسلط الضوء هنا على قطاع التأمين المهم لاقتصاد بلادنا. فقطاع التأمين في حاجة ماسة إلى المراجعة والتصحيح للخروج بوضع قوي يخدم مصالح كل من له علاقة بالقطاع الذي يعتبر من أهم القطاعات الاقتصادية في العالم كله.


قطاع التأمين عندنا يحتوي على 31 شركة، وكلها مدرجة في سوق الأسهم، حيث إن من شروط الحصول على تصريح طرح جزء من أسهم الشركة للاكتتاب العام. ولن أطيل في الشرح عن هذا القطاع وما يعانيه، ولكني سأستعير بعضا مما قاله سليمان الحميد (الرئيس السابق لمجلس إدارة شركة التعاونية للتأمين) حين سلط الضوء على معاناة هذا القطاع. باختصار شديد ذكر أن القطاع عانى من مستثمرين غير جادين وغير ملمين بالتأمين وإدارة المخاطر، وهدفهم الأساسي تأسيس شركات، ومن ثم التربح من بيع أسهمهم بعد انتهاء الحظر، وهذا ما سبب عجز كثير من الشركات عن تحقيق خططها التي تقدمت بها لمؤسسة النقد حين طلبت التصريح. وحين بدأت الخسائر في التراكم بدأت هذه الشركات في حرب أسعار (وخصوصا في بوليصة التأمين الطبي)، نتج عنه عجز بعض شركات التأمين عن سداد مستحقاتها لدى المستشفيات ما أضر بسمعة القطاع ككل. ولعل أهم ما ذكره سليمان الحميد حينئذ "أن الموافقة على زيادة رأسمال شركات التأمين المتعثرة بضخ المزيد من أموال المساهمين في رأس المال هو بمثابة عملية إنعاش يائسة لن تمنح الفرص لتلك الشركات بقدر ما تثقلها بالمزيد من الالتزامات والمسؤوليات تجاه مساهميها وعملائها، وسيقود هذا ولا شك إلى التعثر وربما الإفلاس". ولا يمكن لأي متخصص أن يختلف مع ما ذكره سليمان الحميد، خصوصا أن القوائم المالية لشركات التأمين تشير إلى خسائر أكلت رأسمال معظم شركات القطاع.
إن إصلاح قطاع التأمين يتطلب قرارات حاسمة وربما (مؤلمة) لبعض الأطراف المعنية بالقطاع، ولكن وجود قطاع تأميني قوي وفعال يجب أن يكون هو المرتكز والأساس هنا. وسلبيات الحسم ستُمحى على المديين المتوسط والبعيد حين يصبح القطاع ذا ملاءة مالية وذا تصنيف ممتاز وذا كفاءة فائقة في إدارة المخاطر. وما أقصده بالقرارات الحاسمة هنا سحب تراخيص العمل من جميع الشركات التي لم تحقق أهدافها وخططها ولم تحقق ما هو متطلع منها. وأكاد أجزم أن أي قطاع اقتصادي سيكون أقوى بدون مثل هذه الشركات الهزيلة والورقية. كما أنه يجب توقف عمليات زيادة رأس المال التي تتم بين الحين والآخر، والتي ثبت عدم جدواها في إصلاح أمر الشركات، حتى دمج الشركات الخاسرة يجب أن يمنع، فأضرار مجموعة شركات صغيرة خاسرة لا تختلف عن أضرار شركة كبيرة خاسرة وعشوائية وغير جادة.
وأود أن أشيد بقرار هيئة الاتصالات الرفع للمقام السامي بطلب إلغاء الموافقة على الترخيص للشركة السعودية للاتصالات المتكاملة. وبدون الدخول في تفاصيل القضية المتشعبة، أود أن أشير إلى أن قرار هيئة الاتصالات أتى للحفاظ على جدية وجاذبية هذا القطاع المهم والحساس. وعلى الرغم من أن خطوة الهيئة مؤلمة لصغار المستثمرين وللعاملين على حد سواء، إلا أن الوسط الاقتصادي اطمأن لهذا القرار، الذي يعتبر بمثابة تأكيد للجميع على أن قطاع الاتصالات لن يكون إلا للجادين فقط، وبما يضيف للاقتصاد وبما يضمن حقوق الجميع بما فيه المنافسون الجادون. ومن هنا أدعو مؤسسة النقد إلى القيام بمثل هذا القرار مع شركات التأمين (غير الجادة). فوحدها القرارات الحاسمة ستعيد للقطاع جديته وهيبته.
إن إصلاح قطاع التأمين في بلادنا في حاجة إلى قرارات حاسمة، تشمل سحب التراخيص من الشركات التي فشلت في الالتزام بمنهجيتها وخططها المقدمة حين حازت تصريح العمل، كما يجب منع حرب الأسعار التي تلقي بظلال وخيمة على القطاع كله بما فيه الشركات الجادة، وغيرها من القرارات التي ستعيد الهيبة لهذا القطاع بما يضمن قوته وبما يضمن حقوق الجادين في الاستثمار فيه.

تعليقات