تأمين البيئة التشريعية للتأمين - د.فهد بن حمود العنزي

الذي يقرأ تاريخ التأمين في المملكة لا بد أن يتوقف عند مرحلة مهمة من مراحل تطور التأمين محلياً، وهي المرحلة التي تكللت بصدور نظام مراقبة شركات التأمين التعاوني عام 1424هـ. وتبرز أهمية هذا النظام من كونه قد جاء لتنظيم قطاع التأمين في المملكة، ووضع الأحكام المتعلقة بتأسيس شركات التأمين وشركات الوساطة وغيرها، وكذلك الرقابة عليها والإشراف على سوق التأمين السعودية بشكل عام وإسناد المهام الرقابية هذه إلى مؤسسة النقد العربي السعودي (ساما).
وعلى الرغم من الأهمية الكبيرة لهذا النظام، إلا أنه يعني فقط بالجوانب الشكلية الرقابية، ولم يتطرق للجوانب الموضوعية، التي تخص التأمين، عدا إشارة خجولة تضمنتها المادة الأولى منه، بأن تعمل الشركات المرخص لها بأسلوب التأمين التعاوني على غرار الأحكام الواردة في النظام الأساسي للشركة الوطنية للتأمين التعاوني، وبما لا يتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية.


بيدَ أنه في ظل غياب القواعد الموضوعية الأخرى، التي تحدد ماهية التأمين التعاوني وأنواعه، وماهية عقد التأمين، وأركانه والتزامات الأطراف فيه والنصوص الخاصة بحماية حقوق مستهلكي التأمين، وكذا النصوص الخاصة بالحد من التحايل والعقوبات التي يمكن إيقاعها في الصدد، فإن ذلك أدى إلى صعوبات كبيرة، يمكن عنونتها بغياب التأسيس لبيئة أو بنية تشريعية متكاملة تؤطر لصناعة تأمين محلية ومتكاملة في المملكة.
ومن مظاهر سلبيات غياب نظام موضوعي للتأمين في المملكة هو اجتهاد مؤسسة النقد لسد هذا النقص التشريعي من خلال إصدارها عدة لوائح تتجاوز الدور التنفيذي المعروف عن اللوائح أو تتجاوز كونها لوائح تنظيمية إلى كونها أنظمة تشريعية. ومن المعروف أن هذا الدور لا يكون إلا من خلال نظام يصدر من الجهات التشريعية المعتمدة. ومن المعروف كذلك أن اللوائح التنفيذية تأتي بعد صدور النظام ويكون الهدف منها وضع الأحكام التفصيلية للنظام حتى يمكن تنفيذه على أرض الواقع، إذ إن النظام يضع الإطار العام ويتضمن النصوص والمبادئ العامة ثم تأتي اللائحة التنفيذية بعد ذلك لوضع تفصيلاتٍ لهذه النصوص النظامية، فإن لم يكن هناك نظام أصلاً، فإن اللوائح في هذه الحالة لا تكون تنفيذية، وإنما تمارس دوراً آخر قد يتجاوز صلاحيات من يقوم بإصدارها، ثم إن هذه اللوائح لا تستند إلى مرجعية نظامية معتبرة، ما قد يقود إلى تساؤل مهم عن الأثر القانوني لهذه اللوائح في ظل غياب هذه المرجعية النظامية اللازمة.
وبالرغم من تقديري البالغ لمؤسسة النقد ـ وهي مجتهدة في عملها وفيما أُسند إليها ـ إلا أنها في هذا الدور قد أثارت كثيراً من الاستفهامات حولها، بل حتى إنها في اللائحة التنفيذية لنظام مراقبة شركات التأمين التعاوني لم تستطع الإجابة على تساؤلات المعنيين في مسألة معادلة توزيع الفائض بين المشتركين والمساهمين وعلى أي أساس تم احتساب نسبة الـ10%.
وإذا توجهنا إلى قضاء التأمين، فإن الإشكالية تكون أكبر، إذ إن لجان الفصل في منازعات التأمين بحاجة إلى مرجعية نظامية موضوعية يستند إليها أعضاء اللجان عند إصدارهم لقراراتهم النظامية، فهم على قلّة معرفتهم بالتأمين لا يجدون كذلك قانوناً موضوعياً يستندون إليه ويحكمون بموجبه، ما يجعلهم أمام خيارين لا ثالث لهما، فهم إما يفصلون في النزاع المعروض عليهم، وفقاً لوثيقة التأمين على الرغم من المساوئ الموجودة في هذه الوثائق وما تضمنته سوء صياغة ومن عدم وضوح في الحقوق ومن هضم لحقوق العملاء في بعضها، وإما يحكمون وفق اجتهاداتهم، وهذه الأخيرة لا تقل سوءا عن الأولى لأن هذه الاجتهادات في الغالب لا تكون مبنية على أساس نظامي معرفي صحيح، وربما تكون لي فرصة لتفصيل ذلك في قادم الأيام.

تعليقات