التأمين الإلزامي...والالتزام الأخلاقي - د.خليل ابو سليم

اليوم سنتناول محطة أخرى من محطات السطو والإستقواء على جيب المواطن المغلوب على أمره، وهذه المحطة من الإذلال تصيب كل بيت أردني وتضع المواطن مرة أخرى أمام حالة من حالات الاستفزاز والابتزاز التي يتعرض لها طالع كل شمس ومن مختلف القطاعات العامة والخاصة، فبعد الارتفاع الجنوني في أسعار جميع السلع بمختلف تصنيفاتها من غذائية ودوائية وخدمية ، جاء الدور على وسيلة تنقله- سيارته- التي لا غنى له عنها في حله وترحاله، حيث اعتبارا من الأمس الموافق 1/3/2013 تم تحرير أسعار التامين الإلزامي على المركبات ، لتلحق بتوأمها من المشتقات النفطية، في رسالة تقول للمواطن" حتى سيارتك سنخلعها عنك".
تقول التقارير الصادرة عن الاتحاد الأردني لشركات التامين أن عدد شركات التامين في الأردن يبلغ 28 شركة وبعضها يقول 27 شركة، لا يهمنا العدد بقدر ما تهمنا مساهمة هذا القطاع في تحمل بعضا من الضرر الواقع على المؤمن له مقابل رسوم التامين المدفوعة.
 كما تشير تلك التقارير إلى أن من بين تلك الشركات 12 شركة حققت خسائر في العام الماضي، والأخرى حققت أرباحا بنسب متفاوتة، طبعا هذا فقط نتيجة عوائد التامين الإلزامي عدا عن عوائد أنواع التامين الأخرى والتي جميعها مربحة.
 كما تقول تلك التقارير بأن الاتحاد قد قام بإعداد دراسة خاصة على أسعار التامين وعرضها على خبراء من صندوق النقد الدولي الذين بدورهم أوصوا بتحرير أسعار التامين الإلزامي.


هذا من ناحية الاتحاد الذي يسعى جاهدا لتحسين أوضاع الشركات المنضوية تحت لوائه، أما من ناحية الخسائر المتلاحقة في هذا القطاع فلم يكلف الاتحاد نفسه عناء البحث عن الأسباب الكامنة خلفها مستسهلا اللجوء إلى جيب المواطن بمساعدة من صندوق النقد الدولي.
 حسنا، سنضع بعض الحقائق أمام الاتحاد لنرى ردة فعله أولا، ولنرى إن كانت تلك الحقائق ستساهم في تقليل الخسائر لا بل تحويلها إلى أرباح عوضا عن ذلك.

الحقيقة الأولى تقول أن العملة الجيدة تطرد العملة الرديئة، وحسب هذه القاعدة يجب على الشركات الخاسرة أن تبحث عن عمليات اندماج مع شركات أخرى تتمتع بالخبرة الكافية في هذا المجال، ولا داعي لتعويض خسائرها من جيب المواطن.
 أما الحقيقة الثانية فهي النفقات المبالغ بها خصوصا ذلك الشق المتعلق برواتب المدراء الخيالية هذا إذا ما علمنا أن معظم هذه الشركات هي عائلية بالدرجة الأولى وما على المواطن الفقير إلا التخفيف من خسائر العوائل الغنية، هكذا تعمل نظرية توزيع الدخل في الأردن، واعجبي!!!.
 أما الحقيقة الصادمة والتي باعتقادي سبب كل تلك الخسائر، هو مقدار الفساد المستشري داخل أروقة تلك الشركات والمتمثل بوجود فئة من المقدّرين – بتشديد الدال- المتآمرين مع بعض موظفي تلك الشركات، من خلال اتفاقهم مع العديد من محلات الميكانيك وتصليح البودي وشركات القطع مقابل عمولات خيالية.

فهل تعلم إدارة تلك الشركات عن الحوادث المفتعلة وأبطالها بعضا من موظفي شركاتهم؟ ثم هل تعلم عن المبالغ الخيالية التي يتقاضها موظفوها مقابل تلك الحوادث؟ وهل تعلم الهيئة عن ما يسمى (بالحكيكة)؟ وهم معروفون في كل المناطق الصناعية، وهل تعلم كيف يتم الحادث الوهمي بين سيارة حديثة جدا وبين سيارة من أيام سيدنا نوح؟ والنتيجة أن يقبض مالك السيارة وصاحب الكراج وموظف التامين وبعضا من مُعدي الكروكي ثمن تلك السيارة وبآلاف الدنانير وهي لم تصب بأي أذى، فكل ما هنالك هو فكفكة قطع السيارة المفتعل بها الحادث واستبدالها بقطع مضروبة ثم يأتي مقدر التامين المتفق معه ويتم تصوير السيارة ويقدر ثمن الأضرار والكل يقبض حصته!

هل تعلم تلك الشركات أنها دفعت أحيانا مبالغ تجاوزت الخمسة عشر ألف دينار مقابل كل حادث وهمي أو مفتعل؟ ثم هل تعلم شركات التامين أن نفس السيارة تعمل حادثين مفتعلين بعد أن يتم تغيير رقمها في دائرة الترخيص بعد الحادث الأول حيث القانون يسمح بذلك وفي الحادثين دفعت الشركة ثمن السيارة مرتين؟
على شركات التامين قبل أن تستعين بصندوق النكد الدولي للضغط على جيب المواطن أن تبحث في داخل بيتها بكل جدية وشفافية، عندها سترى العفن أين يكمن وتعمل على مكافحته، وذلك كخطوة أولى على طريق إصلاح قطاع التامين.

طبعا بعد هذا المقال سيخرج علينا الاتحاد وأصحاب شركات التامين والبعض من المتآمرين من المقدرين ومنظمي الكروكي لينفوا ما جئنا به، ولنقطع عليهم الطريق نهمس في أذانهم، أرسلوا عيونكم إلى المناطق الصناعية وسترون مصائبكم هناك.... وللحديث بقية.

تعليقات