قراءة فنية وقانونية في تسعير أقساط التأمين - د. فهد بن حمود العنزي

عادت قضية أسعار أقساط التأمين الإلزامي على المركبات، إلى السطح مرة أخرى بعد أن نشرت جريدة ''الاقتصادية'' في الأسبوعين الماضيين، تحقيقين صحافيين عن أسعار التأمين على المركبات والمعايير التي يتم احتساب القسط التأميني وفقاً لها ومقارنته بما هو معمول به عالمياً.
تأتي أهمية تسعير أقساط التأمين ليس فقط من منطلق فكرة حماية المستهلك للتأمين وحسب، وإنما كذلك من أجل إيجاد قواعد فنية ومهنية للتسعير، حتى لا يؤدي التسعير العشوائي إلى الإضرار بالمركز المالي لشركة التأمين ودخولها في مغامرات غير محسوبة النتائج.
فالتأمين وإن كان في النهاية هو أحد المنتجات التجارية، إلا أنه منتج له طبيعته الخاصة التي لا تتوافر في غيره من المنتجات الخدمية الأخرى، إذ إن التزام الشركة المالي في مواجهة هذا العميل أو ذاك، يبقى غير معلوم على وجه الدقة، وهو كذلك التزام محتمل قد يتحقق وقد لا يتحقق. يُضاف إلى ذلك أنه التزام مستقبلي وقد يتأثر بمسائل طارئة وغير محسوبة تحدث في المستقبل، وهذا يتطلب من شركات التأمين بأن تكون أكثر احترازاً وأكثر تنبؤاً وأشد تشاؤماً تجاه المخاطر التي يمكن أن تحدث في المستقبل. وهذا ما يفسر لجوء شركات التأمين إلى حشو وثائقها بالاستثناءات الكثيرة والمتعددة، التي يبدو بعضها لكثير من الناس من قبيل المبالغة التي ليس لها مقتضى. وشركة التأمين تلجأ لمثل هذه الاستثناءات في الغالب لتريح رأسها من فرز ما يمكن أن يحصل وما يمكن ألا يحصل! فحينما نقرأ بعض وثائق التأمين التي تصدرها شركاتنا يُخال لنا وكأننا نعيش على ضفاف نهر الدانوب أو على مقربة بركان نييراجونجو، كما أن وثائق التأمين لدينا لا تفرق بين الفيضانات أو السيول أو بين العواصف المدارية والعواصف الترابية.


ومما لا شك فيه أننا ندفع قيمة للوثيقة أكثر مما يجب بسبب أن شركة التأمين مثلما نقول (لم تحسبها صح) وفي المقابل فإن بعض شركات التأمين عانت الخسائر لأنها كذلك لم (تحسبها صح) وهذه هي إشكالية لا بد من التصدي لها بشيء من الدراية وبكثير من المهنية.
لقد تبنت اللائحة التنفيذية لنظام مراقبة شركات التأمين بعض الأحكام التي تقود شركات التأمين إلى تسعير عادل ومهني، حيث نصت اللائحة في المادة العشرين منها على أن تقوم شركة التأمين بتعيين خبير إكتواري حاصل على درجة مشارك، أو أن تستعين بخدمات خبير إكتواري بعد الحصول على موافقة كتابية من ''ساما''، ليقوم بتسعير المنتجات التأمينية للشركة. واعتبرت اللائحة هذا الخبير مسؤولاً مسؤولية مهنية عما يقدمه للشركة من استشارات أو خدمات، ويجب عليه كذلك أن يقدم لإدارة الشركة تقريراً سنوياً عن تسعير المنتجات التأمينية للشركة في موعد أقصاه 60 يوماً من تاريخ نهاية السنة المالية. وقد نصت المادة الثامنة والأربعون منها على أنه يجب على الشركة عند تسعير الأقساط أن تكون هذه الأسعار عادلة وغير مبالغ فيها. وأن تزود ''ساما'' بالأسس المستخدمة في تحديد الأسعار, إذ لا يجوز للشركة الاعتماد فقط على الأسعار التي تطبقها شركات التأمين الأخرى.

تعليقات