ماذا يحدث حين يخطيء مكتتب التأمين؟ بقلم / عبدالناصر

القصة هنا تناقش مطالبة تعويض تحت وثيقة التامين البحري (الشحن) قدمت من أحد مشتريي التأمين، وحدث خلاف بين الطرفين. والقصد من ايراد هذه القصة هو الاشارة الى أهمية وخطورة دور مكتتب التأمين، فمن بابه قد ينفذ كل أشكال المحتالين الى أموال المستثمرين وحملة الوثائق بدون حق.

أولا: شراء وثيقة التأمين:
في عام 2000 م تقدم أحد الأشخاص (بصفته مالكا لأحدى الشركات التي لديها عقود ومقاولات مع أحدى الشركات الكبرى في المملكة)، لأحد شركات التأمين العاملة في السوق السعودية، طالبا شراء وثيقة تأمين على شحنة قادمة من أحدى دول الشرق. وقدر قيمة الشحنة بمليونين (2,000,000 ) ريال سعودي، واختار مبلغ تحمل قيمته 3,000 ريال. والوصف الذي قدمه لهذه البضاعة (وتشير اليه وثيقة التأمين) هو كالتالي:


PW624,QTY.35, Pump Operations System,
PR/40/66-8,QTY.25, Pump Sin & Con.
Packed as Customary for Trade and Shipped by Air.
و دفع مشتري التأمين قسط التأمين المطلوب وأصدرت شركة التأمين وثيقة الشحن البحري برقم : ____ وتاريخ:______.
ثانيا: تقديم المطالبة بالتعويض:
بعد وصول الشحنة الى المطار بأسبوع ذهب مشتري التأمين الى المطار لإستلام الشحنه، ولكنه (حسب روايته) لاحظ بأن شريط الأمان ليس كما يفترض أن يكون وبناء عليه تم تشكيل لجنة من الجمارك لمعاينة الشحنة.
عند وزن الصندوق لوحظ بأن وزنه أقل مما هو مذكور ببوليصة الشحن بعدة كيلوغرامات وعند فتح الصندوق لم يكن به أي شيء عدى مجموعة من أوراق الجرائد القديمة. وكتبت اللجنة مرئياتها والتي تمثلت في: الوزن كان أقل مما هو مذكور في وثيقة الشحن، شريط الأمان يؤكد بأن الصندوق لم يفتح بتاتا، محتويات الصندوق كانت عبارة عن قصاصات وصفحات لأوارق جرائد أجنبية …الخ. وبعد ذلك قدم مشتري التأمين مطالبة للشركة يطلب فيها التعويض عن الخسارة التي تعرض لها، ومع مطالبته هذه قدم بعض المستندات والتي لم تكن كاملة و كثير منها كانت عليها علامة استفهام كبيرة.
شركة التأمين رفضت المطالبة على أساس: “ان البضاعة لم تصدر بطريقة رسمية من بلد المنشأ، ورجحت بأن العملية برمتها كانت عبارة عن عملية مفبركة لغرض استدراج شركة التأمين لدفع قيمة بوليصة التأمين” ولم يقدم “المعلومات الجوهرية الخاصة بالشحنة” وأن مشتري التأمين لم “يقدم ما يثبت انه دفع اي مبلغ للشركة التي قال بأنها انتجت البضاعة”.. ومن ثم في تعتبر ان الوثيقة لاغية.
ولكن مشتري التأمين تابع مشواره ورفع القضية الى الجهات المختصة والتي بدورها شكلت لجنة تحكيم للنظر في الموضوع، وما حدث وما دار من حوارات وماذا كانت نتائج التحكيم ليست مجال هذه الورقة.
ثالثا: ماذا تعلمنا هذه الحادثة؟
نعتقد (من وجهة نظرنا) بأن هذه الحادثة:
تؤكد على أهمية وخطورة عملية الاكتتاب في عملية شراء التأمين. فقد كان على مكتتب التأمين أن يطلب شرحا وافيا للبضاعة المراد التأمين عليها، بما في ذلك التفاصيل المتعارف عليها. فلو ان مكتتب التأمين طلب وصفا دقيقا وشاملا لهذه البضاعة واضطر مشتري التأمين الى كتابة شرح الشحنة لتم تفادي المشكلة من أساسها.
تشير الى ان أهم خطأ مفصلي وقع في هذه الحادثة هو الصيغة التي كتب فيها مشتري التأمين وصف البضاعة محل التأمين والتي قصد وتعمد فيها اعطاء الانطباع بأنها عبارة عن معدات وآلآلآت ضخمة Pump Operations System سيتم شحنها، ولكنه كان قد بيت النية بأن ما ينوي فعله لا يتجاوز وضع بضعة اسطوانات في صندوق صغير و يدعي بأنه تعاقد مع شركة متخصصة لكتابة برامج متخصص بها، وهو هنا كان يلعب على المفردات لا أكثر.
تؤشر الى أن عملية الاكتتاب، كما هو التأمين، فن وعلم، فمكتتب التأمين يفترض أن يتحلى بصفة الخيال الواقعي المدعم بالتجربة والمعرفة العملية بحيث يرسم في ذهنه كل الاحتمالات الممكنة ومن ثم تكون أسئلته الموجهه هي للكشف عن تلك الاحتمالات، وبعده يستطيع أن يتخذ قراره بالتأمين أو عدمه.
تؤكد على الحاجة الى المزيد من الحذر من العميل الذي نتعامل معه لأول مرة، فبما أن هذا العميل غير مجرب في تعامله مع الشركة فقد كان من الحكمة أن يستلم مكتتب التأمين المعلومات المطلوبة، ويعد بالرد على الطلب في وقت لاحق (في اليوم التالي مثلا) حتى يتسنى له جمع ولو معلومات أولية عن طالب التأمين، ويسأل زملائه الأقدم خبرة منه في العمل اذا كان هو مستجد في هذا العمل.
وتؤكد كذلك على أهمية أن تستثمر شركات التأمين في تطوير كفاءة موظفيها بشكل علمي ومهني صحيح وأن لا تراهن فقط على التدريب الروتيني للعمل اليومي (أو ما يدعى بالتدريب على رأس العمل)، ان خطأ واحدا سيكلف شركة التأمين ما يعادل تكلفة الحاق الموظف بمئات الدورات.
عيد الناصر