إنهم يسرقوننا – بعض صور الإحتيال في التأمين الطبي - د.فهد بن حمود العنزي

في حديث لي مع أحد الأصدقاء المخضرمين ومن العاملين البارزين في قطاع التأمين، وقد لمست منه عتاباً مبطناً بأنني أتحامل على شركات التأمين، وكان ذلك بمناسبة مقال سابق في هذه الصفحة تحت عنوان: (شيئا من العدالة في القسط يا شركات التأمين)، قال لي هذا الصديق إنه يتفق معي أن القسط الذي يدفعه العميل إلى شركة التأمين مقابل التأمين عليه لا يتم احتسابه بالشكل المطلوب ويفتقر إلى المقومات الفنية الحسابية التي تراعي حق العميل وحق الشركة في آن واحد. إلا انه ذكر أن شركات التأمين في المقابل تتعرض إلى سرقة بل وسرقة منظمة يتواطأ فيها بعض الأطراف التي تستفيد من التأمين.وقال لي دعني أضرب لك مثالاً واحداً يتعلق بالتأمين الصحي وهو من أكثر مجالات التأمين التي تحصل فيها حالات انحراف وغش كبيرين


فهناك حالات تم ضبطها وفيها يتفق الطبيب والمقيم والصيدلي على سرقة شركة التأمين، وعادة ما يكون هؤلاء من الجنسية نفسها حيث يأتي المقيم إلى الطبيب ويتم الترتيب بينهما بحيث يقوم الطبيب باختلاق مرض معين لهذا المقيم ولاستكمال هذا المسلسل يقوم الطبيب بتحرير وصفة علاجية لهذا المقيم تتضمن أدوية باهظة الثمن ثم يذهب المقيم إلى الصيدلي ليقوم الصيدلي بدوره باستبدال العلاج بمواد استهلاكية تباع في الصيدلية، أو حتى أن هذا المقيم يأخذ كريمات وعطورات ومواد تجميل للأسرة وهدايا لمن هُم خارج الأسرة، وغير بعيد أن يقوم الصيدلي بإعطاء هذا المقيم حصته من قيمة العلاج (كاش) ويأخذ البقية نصيبهم من قيمة العلاج الموجود في الوصفة!

المشكلة الأخرى أن هذا النوع من السرقة لا يقف داخل حدود الوطن، حيث إن بعض المقيمين يقوم بإرسال العلاج (المسروق) إلى ذويه في الخارج، فبعض ضعاف النفوس من المقيمين يدعي سواء باتفاق مع الصيدلي أو مع الطبيب أو بحسن نية من هذا الأخير بوجود مرض معين ثم يطلب له علاجا معينا يكون أحد ذويه في الخارج يتعاطى هذا النوع نفسه من العلاج ثم يقوم بصرفه من الصيدلية وإرساله إلى بلده، بل وصل الانحراف بالبعض إلى أن يقوم بتصنيف الأدوية التي يحصل عليها بموجب هذا التأمين الذي وضعته الدولة إكراماً لهذا المقيم ثم يرسلها إلى أهله أو أقاربه وأصدقائه في الخارج ليبيعوها أو ليتعاطوها في حالة حاجتهم إليها كالمضادات الحيوية والأدوية المسكنة وما إلى ذلك فأي انحراف أكبر من هذا؟

طبعاً هناك فرق في عرف القانون وكذا التأمين بين السرقة والانحراف بل والتعسف في استعمال الحق، ولكن جميعها تبقى سلوكيات ضارة ومرفوضة شرعاً وقانوناً وأخلاقاً.

إن مثل هذه السلوكيات المرفوضة سواء في التأمين الطبي أو في مجالات التأمين الأخرى ستؤدي إلى الإضرار بالتأمين وستزرع الشك بين أطراف التأمين، وستؤدي حتماً إلى أن تقوم شركات التأمين برفع درجة الخطر، فهي وإن لم تحتسب القسط بشكل مهني على أساس قياس ودرجة هذا الخطر فهي حتماً ستحسب أرباحها وخسائرها وستزيد قيمة القسط لتصل في النهاية إلى هامش الربح الموضوع لها وبهذا تنقل عبء دفع المقابل النقدي لهذا الانحراف إلى العميل والذي في النهاية هو أنا وأنت فشركة التأمين في النهاية ستربح وسندفع نحن الضريبة فإن لم نؤمن تأميناً صحياً فنحن نؤمن على مركباتنا وشركات التأمين ستعوّض ذلك عن طريق تأمين المركبات لذا فهؤلاء المنحرفون في النهاية يسرقوننا نحن ولا يسرقون شركات التأمين.