حقيقة شركات التأمين – بقلم / د. سليمان بن إبراهيم بن ثنيان

قـلـة مـن الـنـاس هـم أولـئـك الـذين يعرفون شركات التأمين على حقيقتها، ويطَّلعون على خباياها وأسرارها. ويُرجِع الباحثون ذلك إلى أمور عدة أهمها: الدعاية التي تُظهِر شركات التأمين على غير حقيقتها؛ حيث تـظـهـرهـا للناس حسب ما يحبون ويرغبون ويتمنون أن تكون عليه، وتخفي عنهم حقيقتها وواقع أمـرهـا الـذي لـو عرفه الناس لربما نفروا منها، ولما استجابوا لها، كما يقول باحث التأمين الألماني ديترميز. هـذا أمـر، وهـنــاك أمر آخر أعجب منه وأغرب، أمر أدهش كبار الباحثين وحيَّرهم، وهو: أن مجمل الناس لا يهتمون بمعرفة التأمين على حقيقته، ولا معرفة الشركات القائمة عليه رغم ارتباط الناس به وبشركاته، ورغم ما يدفعون من أموال طائلة إلى صناديق هذه الشركات.
هذه الـظاهرة العجيبة لم يجد لها كثير من الباحثين حلاً أو تفسيراً معقولاً. ولكن المتمعنين في حقيقـة التأمين يـردُّون ذلك إلى مـا يحـتويه التأمين من تعقيدات ـ مقصودة في الغالب ـ وإلى ما يكـتـنف شركاته من عدم الوضوح في المنهج والسلوك في أعمالها وتعاملها. كما يردُّون ذلك أيضاً إلى عدم اقتناع الناس بالـتـأمـين أصلاً أو بوجود حاجة إليه؛ حيث ثبت بالاستطلاع الإحصائي الدقيق أنه لا يُقْدِم كثير من الناس على التأمين بدافع الحاجة والاقتناع، وإنما يُقدِمون عليه بدافع الدعاية الواسعة إليه وبدافع التقليد، كما يقول هنز ديترمير. 

وقد أجريتُ استطلاعاً عاماً في مـدن ألمانـية مثل: فرانكفورت، وكلونيا، وميونيخ، وشتوت قـارت حـول مـا يـدفـــع الناس إلى التأمين فوجدت أن ما يقرب من 58% ممن وُجِّه إليهم السؤال لا جواب لديهم سوى قولهم: كذا أو مثل الناس، أو نحو ذلك. 

وتـتـضـح لـنـا حقيقة شركات التأمين، وطبيعة تفكيرها، وتعاملها من خلال الأمور الهامة الآتية: 


أولاً: شروط شركات التأمين: 

ليس لشركة في الـعـالم ماضية وحاضرة ما لشركات التأمين من شروط عامة وخاصة، ظاهرة وخفية. وإن أخـص مـا تخـتـص بــه هذه الشروط الصفة التعسفية، مما اضطر كل دولة في العالم أن تفرض رقابة خاصة على شركات التأمين لديها لتخفف شروطها على المواطنين. 

وشروط شركات التأمين مـتنوعة: فـمـنـها ما يخص القسط، ومنها ما يخص مبلغ التأمين، ومنها ما يخص الخطر المؤمَّن ضده، ومـنـها ما يخص التعويض عن الحادث، ومنها العام الذي تشترك فيه جميع شركات التأمين، ومنها الخاص بشركة معينة، ومنها الظاهر الذي يعلمه أكثر الناس، ومنها الخفي الذي لا تعلمه إلا الخاصة من أصحاب الخبرة والممارسة ـ كما يقول صاحب كتاب: (الأمـن الـخـادع) برند كرشنر ـ. وإن من أبرز الشروط الخاصة بالتأمين ما يسمى بشرط الحلول. ومـقـتـضـــــاه: أن تحل شركة التأمين محل المؤمن له في مطالبة الغير بما تسبب من أضرار بممتلكات المـؤمَّــن له لحسابها الخاص، وأن يسقط حق المؤمَّن له في مطالبة المتسبب، وبهذا قد تأخذ شركة الـتـأمـيـن من المتسبب أكثر مما تدفعه تعويضاَ للمؤمَّن له، وذلك حينما يكون التلف أكبر من مبلغ الـتـأمـيـن، بـل إنها قد تأخذ العوض كاملاً من المتسبب وتحرم المؤمن له من أي تعويض. كما أنه ليس للمؤمَّن له حق في أخذ ما يزيد على مقدار تعويض الضرر الذي لحق به. ومنها سقوط حق المـطـالـبـة بمـبلـغ الـتـأمــيـن فـي الظروف غير العادية كالحروب، والزلازل،والاضطرابات العامة. وشـروط شركات التأمين كلها شروط إذعان، أي أنه على المؤمَّن له قبولها دون مناقشة، كما أن هذه الشروط تحمي شركات التأمين؛ حيث تُحكِم القبضة على المؤمَّن لهم في الانتظام في دفـع القسط، في الوقت الذي تضع فيه العراقيل دون حصولهم على مبلغ التأمين، كما يـقـول خبير التأمين هنز ديترمير. 

ثانياً: أهداف شركات التأمين: 
لا تـهـتـم شــركـات التأمين بشيء يضاهي اهتمامها بالربح؛ لذا نجد تركيزها الشديد عند الـتـخـطـيـط ووضــع نظامها الأساس ينصبُّ على الأخذ بكل وسيلة تجلب الربح وتجنِّب الـخـســارة؛ بغضِّ النظر عما قد تسببه هذه الوسائل من إحراجات، أو معارضة للدين أو الـخـلـق أو الـسـلـوك الـحـســـن. ويشاهد ذلك جلياً فيما تنطوي عليه شروطها من تعسف واستغلال، وخاصة في التأمينات التي تفرضها بعض الدول على مواطنيها. كما يشاهد ذلك جلياً أيضاً في استثماراتها الربوية لما تجمعه من أقساط دون المساهمة في أي مشروع خيري. كل هذه مـؤشرات إلى أنه ليس لها هدف في التعاون وخدمة الناس، وإن ألح بعض دعاتها في إقــنـاع الناس بذلك، وإنما هدفها المحقق المعلوم هو الربح والثراء السريع على حساب المؤمَّن لهم، كما يقول أنتون أندرياس في كتابه (فخ التأمين).

ثالثاً: عقود التأمين بين الظن والحقيقة: 
يـعتـقـد كثير من الناس أن من وقَّع عقداً مع إحدى شركات التأمين ضد حادث معين فقـد أمِنَ شــر هــذا الحادث، ونسي همه إلى الأبد. وهذا خطأ فاحش وفهم قاصر لحقيقة عقود الـتـأمـيـن؛ فعقود التأمين ليست إلا أوراقاً عارية تهددها سهام موجهة يندر أن لا تصاب بأحدها. هذه السهام المعروفة بنظام شركات التأمين، بشروطها ورجالها المأمورين المدافعين عنها من الـتـابعين، والموالين، والمقررين، والمستشارين، والمحامين، والأطباء، والخبراء، وغيرهم من المختصين في حماية شركات التأمين، وإبطال أي دعوى تقام ضدها. نعم! تلك الشركات اسـتـمـالـــت واشترت بالمادة ذمم كثير من أولئك الناس الذين يتولون التحقيق في الـحـــوادث، وتـقـويـمـهـا، وبيان وجهة القانون فيها، وما يترتب عليها من مســؤوليات وتعويضات. 

إنه ليس شيء أيسر على شـركــات الـتـأمـيــن مــن إيجاد السبب لإبطال عقد من العقود، والتحلل من التزاماته؛ فالظروف غير العادية ـ حسب نظامها ـ تجعلها في حل من جمـيع التزاماتها، وزيادة الخطر من مبطلات الالتزام ما لم يزد المؤمن له في قيمة القسط. والإخلال بشرط من شروطها مهما خفي أمره يعتبر لـديـهـا من أهم المحللات. وقد وضعت شروطها وأحكمتها بحيث لا يأتي بها كاملة إلا قلة من الناس، فيندر أن يســلــم أحد من المؤمن لهم من شر هذه الشروط التي تجد شركات التأمين فيها أعظم مجال لتصيُّد الثغرات والتحلل من الالتزامات. 

والحاصل أن شركات التأمين تعقد الكثير، ولا تفي إلا بالقليل، كما يقول صاحب كــتاب (الأمــن الـخــادع). وكما يـقـول خبير التأمين الألماني أنتون جوها: إنه طبقاً لإحصائيات المكتب الفيدرالي الألماني فقد وقع في عام 1984م مليونا حادث عمل كلها مؤمَّن ضدها، ولم تعوض شركات التأمين منها إلا 2.9% فقط . 

بهذا نرى أن شركات التأمين لها عقود وشروط لا تلتزم بشيءٍ منها إلا وهي راغمة، ومـن يستطيع أن يرغم جيوشها الجرارة من المحامين والعملاء والقضاة وسائر المنتفعين؟!.
آثار التأمين في حياة الناس:
قـد يـعـتـقـد بعض من لا يعرف حقيقة التأمين، وخاصة أولئك الذين يصغون أسماعهم لمـا تروِّجه شــركـــات التأمين من دعاية جذابة، ويقرؤون ما تنشره أقلام أتباعها من مؤلفـين وصحفيين وغيرهم قد يـعـتقـد أولئك أن التأمين خير لا شر فيه. ولكن الأمر عند من يعرف حقيقة التأمين يخـتـلـف؛ فإن كانت للتأمين بعض المحاسن، فمساوئه تطغى على كل أثر حسن وسأبيِّن ذلك من خلال بيان إيجابيات التأمين، وسلبياته، والموازنة بين الإيجابيات والسلبيات من واقع الحياة.
الآثار الإيجابية في التأمين: يقول أصحاب التأمين: إن من إيجابياته الأمور الآتية: 

1 - تكوين رؤوس الأموال: 
يُجْمِعُ رجال الأعمال والمال على أن أعـظم سبب لتكوين رؤوس الأموال التي عرفها العالم في الـقـديـم والـحـديـث نـظـام الـتـأمين؛ ذلك أنه ما من شيء يُتَصَوَّر في حياة من يأخذون بالتأمين إلا وللتأمين فيه حظ وافر ونصـيـب جزل، سواء كان ذلك مقابل تأمين الأنفس أو الأموال أو الممتلكات أو الحقوق أو مجرد الآمــال والأحــلام؛ حـتـى إن الـفـرد والجماعة والـدولـة في الـعـصر الحديث يخصصون بنداً ضخماً في ميزانياتهم السنوية لتكلفة التأمين، ويُعِدُّون لذلك الـعـدة الـصـعـبـة، بــل إن الأمـر قـد بلغ أن التكلفة التأمينية أجَّلت بعض المشاريع؛ وذلك لأن التأمينات لا تقـف عند حد؛ فبقدر ما تنتجه قريحة أصحاب التأمين من تـصـنـيـع للأخـطــار بـقدر ما تمتد يد التامين لتحصيل الأموال. ولدى شركات التأمين مـوهـبــة فائقة في تجسيم الأخطار، وإبرازها، وتقريبها من الناس. فأيسر الأخطار وأندرها بل وبعيدُ التصور منها تنفخ فيه شركات التأمين حتى تجعله الشبح المخيف الذي لا يصح تـجـاهـله، والذي ينبغي الإسراع إلى فعل ما يقي منه ويدفعه. وبهذا انهالت على أصحاب الـتـأمـيـن الأمـوال الـطـائلة والثروات الفاحشة. ويقول أصحاب التأمين: إن هذه الثروات مـفـيـدة للـنـاس؛ حـيـث إنـهــا تستخدم وتستثمر في المشاريع العامة المفيدة للجميع، كما يـقـولـون: إنها مفيدة للدولة؛ حيث إنها سندها عند الأزمات الاقتصادية، كما يقرر ذلك خبير التأمين ( هنز مير). 

2 - المحافظة على عناصر الإنتاج: 
إذا احترق المصنع، أو انفجر، أو تهدَّم، أو مــرض العامـل، أو توفــي أو تعطل، ولم يكن ما يعوض ذلك أو يصلحه فإنه قد تنحط عناصر الإنتاج البشرية والآلية، فيضعف إنتاجها أو يـتـوقـــف. ويقول أصحاب التأمين: إنه بالتأمين يستطاع منع ذلك، فلا تضعف عناصر الإنتاج، ولا تتوقــف؛ ذلك أنه إذا احترق المصنع أو انفجر، أو تهدم فإن شركات التأمين تعوض أصحاب المـصـانـع بدفع قيمة التأمين الذي يستطاع به إعادة بناء هذا المصنع. وإذا مرض العامل فإنها تعالـجــه، وإذا تعطل تعوضه، وإذا توفي تصرف لأسرته. ويعدون ذلك حسنة من حسنات التأمين وواحدة من إيجابياته.

3 - التحكم في التوازن الاقتصادي: 
تعاني كثير من الدول ـ وخـاصـة الصناعية منها ـ من عدم التوازن الاقتصادي بين العرض والـطـلـب؛ فـقـد تكـثر النقود في أيدي الناس مع قلة السلع المعروضة في الأسواق، فيرتبك الاقـتـصـاد، وهـو مـا يعرف بحـالة التضخم. وقد تكثر السلع المعروضة في الأسواق مع قلة النقود في أيدي الناس فتبور السلع، وهو ما يعرف بالكساد. ويعتبر الاقتصاديون كلا هاتين الحالتين الاقتصاديتين غير صحيتين. 

ويقول رجال التأمين: إنه يمكن بالتأمين تفادي هاتين الحالتين المضرتين بالاقتصاد؛ فإنه يمكن في حالة التضخم الاقتصادي التوسع في التأمينات الإجبارية لتعم أكثر قدر ممكن من الـناس، وخاصة التأمينات الاجتماعية، وبذلك يمكن سحب قدر كبير مما في أيدي الناس من الـنـقـود، فتقل القدرة الشرائية، فيتزن العرض والطلب. وفي حالة الكساد يمكن للدولة أن تـزيـد من مخـصـصـات المرضى، والعاطلين عن العمل، ونحوهم، فتكثر النقود في أيدي الـنـاس، فتزيد القدرة الشرائية، ويزول الكساد، ويعتبرون ذلك إحدى إيجابيات التأمين؛ كما يقول خبير التأمين بول برس في كتابه: (أثر التأمين في الاقتصاد القومي). 

4 - اتقاء الأخطار: 
تـرغـب شـركات التأمين في عدم حلول المصائب والأحداث في الأمور المؤمَّن ضدها حتى لا تـضـطـر إلى دفـع مبلغ التأمين الذي تعهدت به، ولذا فهي تضغط على المؤمَّن لهم وتشدد عليهم لـيـجـتـنبوا الأخطار ويبذلوا الجهد في المحافظة على الأموال المؤمن عليها؛ ويقول أصحاب التأمـيـن إن ذلك يؤدي إلى المحافظة على قوة الاقتصاد للبلد؛ فهو من إيجابيات التأمين كما يقول بول برس. 

5 - زيادة الائتمان: 
لا توافق المصارف ولا أصحاب الأموال على إقراض أحد الناس قرضاً ربوياً ما لم يوثق هذا الــقــرض بـوثـيـقــة ائتمان تضمن لهم حقوقهم، وهو ما يعرف بالرهن. وهم لا يقبلون هذه الرهون ما لم تكن مؤمنة ضد الفناء والهلاك. لذا فأصحاب الأموال يطالبون من يـقـرضونهم قروضاً ربوية بتوثيق ديونهم برهون معينة من عقار وغيره، ويطالبونهم أيضاً بالتأمين على وثائق الائتمان هذه، حتى إذا هلكت العين المرهونة قام التأمين مقامها. 

ويقول أصـحــاب الـتـأمـيــن: إن ذلك ينشط التجارة ويخدم الاقتصاد؛ فهو كما يرون من إيجابيات التأمين. 

6 - بث الأمن والطمأنينة: 
يـذكـر رجـال الـتـأمـيـن أن الـتـأمـيـن يجلب الأمن والطمأنينة والراحة والهدوء للجميع؛ فـأصـحـاب المصانع مطمئنون إلى سـيـر مصانعهم ونجاحها، وأصحاب الأموال واثقون من ســلامــة أمـوالـهـم، وأصـحــاب البيع والشراء والتعامل مع البضائع مطمئنون إلى سلامة بـضـائـعـهـم، وكـذلك رجال الأعمال والموظفون والعمال، وغيرهم ممن يتعامل مع التأمين جميعهم يتاجر ويعمل بهدوء نفس وأمن واستقرار. ويعدون ذلك من إيجابيات التأمين. (مبادئ التأمين).
آثار التأمين السلبية:
يـقـرر أصـحـاب الـبـصـيرة في حقـيـقة التأمين أن للتأمين سلبيات ومساوئ كبيرة وكثيرة، ويحسبون من أخطرها وأضرها بالناس الأمور الآتية: 

أولاً: الوقوع فيما حرمه الله ـ تعالى ـ: 
لـيـس شيء في الدنيا أضر بالإنسان من معصية الله ـ تعالى ـ ومعصية رسوله #؛ ذلك أن أثر هذه المـعـصـية لا يـقـف عند حد حساً ولا معنى؛ فهو نزع للخير والبركة في الدنيا، وذل وهـوان وعــذاب شـديـد في الآخــرة. وليس شيء كذلك إلا معصية الله ـ تعالى ـ. وإذا كان الـتـأمـين يقوم على الربا والقمار وغيرها مما حرمه الله ـ سبحانه وتعالى ـ كما يثبته علماء الشريعة؛ فهو معصية لله ولرسوله #، وهو الخطر الذي يهون دونه أي خطر. 

ثانياً: التأمين خسارة اقتصادية: 
إن الـكـثـرة الـكاثـرة هي الجماعـة الخاسرة في عملية التأمين، والقلة النادرة هي الفئة الرابحة؛ فإنَّ قدْراً لا يستهان به من أموال الأفراد والجماعات والجهات والدول يُرمى به في صناديق الـتـأمـين في العالم دون سبب حقيقي لهذا التصرف. والجميع خاسرون لهذه الأموال دون فائدة ظاهرة ملموسة، ولا يستثنى من هؤلاء سوى قلة نادرة لا تُعَدُّ شيئاً إلى جانب الأعداد الهائلة من المؤمَّن لهم، هذه القلة النادرة هم أولئك الذين يقع لهم الحادث المؤمن ضده ممن تـدفع لهم شركات التأمين التعويضات، ولا فائدة لهم في ذلك إلا إذا جاوزت تكاليف الحادث ما دفعوه من أقساط مع اعتبار زمن استثمار هذه الأقساط لو لم يدفعوها، واستثمروها بأنفسهم حتى ذلك الحين. وأكثر من يقع لهم الحادث يكادون ألاَّ يذكروا بالنسبة لـمـجموع المؤمن لهم؛ فالرابحون الحقيقيون من وراء خسارة المجموع في عملية التأمين قلة من الناس تـكـاد تُعد على الأصابع أولئك هم قادة التأمين في العالم. لذا فخسارة الأمة بالتأمين باهظة، وهـي عـامــة شاملة، وتعتبر من أنكى الخسائر الاقتصادية التي منيت بها الشعوب في العصور المتأخرة، وأشـدها غبناً؛ فإن مجموع المؤمن لهم بمثابة الــشــاة الـحـلــوب التي لا تعلف إلا بـجزء يـسـير من قيمة لبنها؛ فهي الخسارة الجلية الواضحة كالشمس في رابعة النهار مهما تستَّر عليها المستفيدون المستغلون لمصائب الناس. ولزيادة الوضوح والتيسير في فهم هذه العملية الخاسرة وضعتُ معادلة رياضية عرضتها على عدد من الاقتصاديين الغربـيـيـن، وخـاصة من كان منهم وثيق الصلة بالتأمين، ولم يستطع أحد منهم أن يردها، أو أن يــدافـــع عن التأمين إلا بقوله: (إنه ضرورة بالنسبة لنا)، أي بالنسبة للغرب، لتقطُّع الصلة فيما بينهم. 

ويقول منطوق هذه المعادلة الرياضية: 
إن مجموع ما يدفعه المؤمَّن لهم = أرباح الشركة + جميع مصاريفها + ما يعاد للمؤمن لهم عند الحادث. 

ويتبين من هذه المعادلة الـريـاضية الرهيبة مدى الخسارة العظمى التي تُمْنَى بها الأمة من جـرَّاء الـتـأمـيـن؛ فمـعـلـوم أن أرباح شركات التأمين لا تضاهيها أرباح؛ حتى إنها لتكفي لإقامة دول كاملة، ومصاريـفـهــا أدهى وأمرُّ؛ فهي تشمل جميع ما تبذله من عطاء سخي لمديريها، ووسطائها، وموظفيها، وسماسرتها، وبائعي الذمم من عملائها الذين لهم علاقة بتقدير الحوادث ونتائجها، ومخـتـلـف صورها. كما تشمل جميع ضرائب الدولة المفروضة عـلـيـهـا، وإيـجـارات مكـاتـبـها الفـخـمة، ومنشآتها المتنوعة، وتكلفة مبانيها الشاهـقة، ودعاياتها الواسعة، إلى غير ذلك مما لا يحصى من النفقات الباهظة. كل ذلك تستنزفه من جيوب المؤمن لهم دون مقابل. أما ما تعيده إلى المؤمن لهم في حالة وقوع الحادث فهو نزر يسير لا يكاد يذكر بالـنــسـبـة للأرباح والمصروفات. يقول خبير التأمين (ملتون آرثر): إن نـسـبـة ما يعاد إلى المؤمن لهم في التأمين على الحياة 1.3% من قيمة الأقساط . وما مثل المـؤمـن لـهـم في هذه العملية الخاســرة إلا كمن يبيع ماله بجزء يسير منه. ثم إن ما تدفعه شركات الـتـأمــيـن إلـى المؤمن لـهـم من هذا النزر اليسير لا تدفعه إلا بمرارة؛ حيث تضع الـعـقـبـات لـتـحـول دون صـرفــه؛ فهي تُنصِّب أمهر المحامين، وتشتري ذمم القضاة من القانونيين، وتضع الشروط الخفية المعقدة التي لا يكاد يسلم من شرورها أحد. 

هـذه حـقـيـقــة الـتأمين الاقتصادية المرة، وواقعه الخفي، فهل يقول عاقل عارف بحقيقة التأمين ناصح لأمته إن التأمين مصلحة اقتصادية؟! 

ثالثاً: إنهاك الاقتصاد بنزيف الأموال خارج البلاد: 
تنقسم دول العالم بالنسبة إلى التأمين إلى فئتين: 
فئة مصدِّرة للتأمين، وفئة مستوردة. ولا شك أن الرابحة في هذه العملية هي المصدرة، وأن الخاسرة هي المستوردة؛ وذلك أن المصدر لهذه البضاعة لا يصدر ما ينفع الناس، وإنما ما يسلبهم أموالهم في لعبة معروف فـيـهـا سلفاً من الرابح ومن الخاسر، وهي ما يعرف بلعبة الذئب مع الغنم. إن الدول المصدرة للتأمين تأخذ الكثير ولا ترد منه إلا النزر اليسير. تلك الـدول الـتـي تـمـتـلك شـركات التأمين الكبرى، وخاصة منها شركات إعادة التأمين التي تصب أموال العالم في مــشــارق الأرض ومـغـاربـهـا في أحواضها. إن التأمين بما فيه إعادة التأمين إنهاك للاقتصاد العالمي، وخاصة الدول الـفـقـيـرة مـنــه؛ حيث تسحب به الدول القوية المصدرة للتأمين مبالغ طائلة من ثروة الدول الفقيرة مما يربك ميزانية مدفوعاتها . 

رابعاً: عجز بعض المشاريع عن القيام بسبب الكلفة التأمينية: 
تـمـنــع أكـثر دول العالم من إقامة أي مشروع صناعي أو تجاري، أو غيره مما ما لم يؤمن عليه صاحبه مسبقاً. وقد تكون التكلفة التأمينية من الجسامة بحيث تكون عبئاً ثقيلاً على مثل هذه المشاريع، وخاصة الصغيرة منها؛ بل إنها تحول دون قيامها اصلاً. وهذه حقيقة فـي الـدول الـتـأمـيـنـيـة على وجـــه الخصوص. وقد أجريتُ في مصر مقابلة مع عدد من الأشخاص من أصحاب المهارات الـخـاصـة في الحرف والصناعات والكفاءات المتميزة ممن كان بإمكانهم إقامة معامل إنتاج ذات قــدرات مــحــدودة تقضي حاجات كثير من الناس وتثري الإنتاج الفني، وكان سؤالي يتوجه حول السبب في عدم إقامتهم لمثل هذه المشاريع، فكانت إجابة حوالي 55% منهم بأن المانع هو ارتفاع نفقة الإنشاء وخاصة التأمين. ويصرح حوالي 45% بأنه ما منعه إلا تكلفة الـتـأمـيــن، ويقول بعضهم: إنه قد أنشأ شيئاً من ذلك فأجهضه التأمين واضطره إلى توقيفه. وتسمع كـثـيــراً لهجة مستنكرة تقول: ما ندري: هل نشتغل لتحصيل لقمة العيش، أو لشركات التأمين؟! 

خامساً: الإغراء بإتلاف الأموال عدواناً: 
يـتـعـمـد بـعـض المـؤمـن لهم إتلاف ماله المؤمن عليه بحــريق، أو غيره ليحصل على مبلغ التأمين، وخاصة إذا كانت البضاعة المؤمن عليها كاســـدة في الأسـواق، أو فات وقتها، أو اكتشف فيها عيباً. وقد لا يتلفها فعلاً، ولكنه يصرِّفها، ويصطنع تلفها بحريق أو نحوه بما يوافق شروط استحقاق مبلغ التأمين، ويتم ذلك بإغراء الاستفادة من مبلغ التأمين، وخاصة إذا كان الشخص قـد دفـع مـبـالغ كبيرة لشركة التأمين دون أن يستفـيد منها شيئاً، فيقدم على هذا العدوان بدافع التشفي. وهذه الحوادث مشهورة ومنتشرة في بـلاد التأمين أجمع، وهـي أشد ما تخشاه شركات الـتـأمـيـن، وتشدد في التحقيق منه عند وقـوع الحادث ومثل هذا التصرف خسارة على اقتصاد الأمة، وعدوان بغير حق، وهي إحدى سلبيات التأمين. 

سادساً: تكدس الأموال في أيدي قلة من الناس: 
عـرف الإنـسـان مـنــذ قديم الزمان أن تكدس الأموال وتجمعها في أيدي قلة من الناس أمر خطير ينتج عنه كـثـيـر مــن الشرور والتسلطات والآثار السيئة، ويعبَّر عن ذلك في العصور المـتأخرة بنظام الطبقات في المـجـتـمـع. وقـد أجـمع علماء الإصلاح الاجتماعي على أنه لا شــيء أســـوأ على الأمم من انقسام مجتمعها إلى طـبـقـات الأغنياء والفقراء. وأن من الآثار الـسـيـئـة لـتـكـــدس الأمــوال في أيدي قلة من الناس تسلطهم وتحكمهم في مصير الكثرة، وتسخيرهم لخدمتهم بغير حق، وتوجيه أمور الأمة في جميع جوانبها وفقاً لمصالحهم. وقد نهى الإسلام عن تـكـدس المــال فـي أيدي فئة قليلة تفسد في الأرض وتتعالى على الناس؛ والتأمين بجميع أنواعه هو الركن الركين لمثل هذا التكدس المشين. 

سابعاً: التسبب في كثير من الجرائم: 
بسبب إغــراء المال والطمــع في الحصــول علـى مبالغ التأمين يُقْدِمُ عــدد مـن المؤمن لهم بهذه المبالغ، أو المستحقين لها بعد أصحابها على ارتكاب جرائم شنيعة مروعة من القتل والبتر والتصرفات المنكرة النابية عن أدنى شعور بالرحمة والشفقة واعتبار الآخرين: فهذا يفجر الطائرة بمن فيها في الجو، لـيـقـتل أمه لكي يحصل على تأمينها، وهذا يخنق أباه، وهذا يغرق الباخرة بمن فيها ليحصل عـلـى الـتـأميـن الكبير لبضاعته، وهذه تسقي زوجها السم ثم ولدها لتستأثر بمبلغ التأمين؛ وهذا يقتل زوجــتـه للـغــرض نفسه، وهكذا سلاسل الجرائم المنكرة التي لا يعرفها عصر غير عصر التأمين. 

هـــذا وإن جرائم التأمين من أفظع الجرائم التي عرفتها البشرية وأشدها وحشية منذ فجر الـتـــاريخ؛ ذلك أن هذه الجرائم تستهدف أكثر ما تستهدف الأقرباء؛ فقد أخرج الباحث (شيفر ماكس) بحثاً علمياً دقيقاً رتب فيه جرائم التأمين حسب ما رصدته ملفات مخابرات الشرطة الدولية ودراساتها، ودفاتر الضبط في محاكم العالم فوجد أنه يأتي في المرتبة الأولى من جــــرائم القتل بسبب إغراء التأمين قتل الزوجة لزوجها، ويأتي في المرتبة الثانية قتل الزوج لزوجته، وفي المرتبة الثالثة يأتي قتل سائر الأقرباء مـن أم وأب وغيرهم، وفي المرتبة الرابعة قتل الأولاد مـن قِبَل والديهم، ولا يأتي قتل الأجـانب إلا في المرتبة الخامسة. وإنه لمنتهى العجب أن يكون التأمين ـ الذي يقصد به اتقاء الأخطار ورفعها ـ أعظم سبب لأفظع الأخطار وأشنعها! 

وليس أدل على ذلك من أن (جاك جراهام) وهو أحد مجرمي التأمين وضع في طرد الهدايا الذي حملته أمه معها في الطائرة لـغـمــاً هائلاً مزق أمه أشلاءاً، ودمر الطائرة بمن فيها في الجو. وأن (ألفريدي تلتمان) قتلت زوجــهــــا بالسم، ثم ابنها تخلصاً منهما لتنفرد بمبلغ التأمين من بعدهما. وأن (جوفياني فينا رولي) قتل زوجته بالخدعة شر قتلة. وأن (جوليان هرفي) قتل بالرصاص جميع من كان على ظهر إحدى البواخر بمن فيهم زوجته، ثم أغرق الباخرة لكي يحصل على تأمين زوجته الضـخــم. قصص وقصص تكاد ألاَّ يصدقها العقل. هذه حقيقة التأمين. 

ثامناً: إبطال حقوق الآخرين: 
تستخدم شركات التأمين أعداداً كبيرة من أشهر المحامين في العالم ليتولوا الدفاع بالحق أو الباطل لإبطال حجج خـصـومـهـــا من المؤمَّن لهم، وهي لا تقف عند هذا الحد، بل إنها تـسـتـمـيل بـالمـال الأطـبــاء المقرريــن، وقضاة المحاكم القانونيين وكل من له أثر في تقرير الحوادث. إنها تفعل ذلك لإيـجـــاد أي ثغرة تخرج معها من المسؤولية، فتتحلل من دفع مبالغ التأمين المستحقة بوقوع الحادث المؤمن ضده. وما أيسر إيجاد الثغرات، وخاصة مع شروطها المعقدة الخفية التي يصعب الإلمام بها على كثير من الناس، فضلاً عن الإتيان بها على الوجه المطلوب. 

تاسعا: إفساد الذمم: 
من شروط شركات التأمين شرط يقول: «إنه لا يحـق للمؤمن له الذي يقع له الحادث مع غيره أن يعترف بخطئه للآخر مهما كان الخطأ، وإلا فـإن الـشركة بريئة من التزاماتها بدفع أي مستحقات تترتب على الحادث. ليس هذا فقط بل عليه أن ينكر خطأه، ولو أمام المحكمة، وحتى لو كان خطؤه لا يحتمل الإنكار. 

وبهذا الـشرط يدفع نظام التأمين المتعاملين معه إلى الكذب وإفساد الذمم، ويــمـلأ المحاكم بالقضايا التي تشغلها الدهـر، ولا تنتهي إلا إلى حلول مجحفة تحصل بها شركات التأمين على أموال المؤمن لهم بالباطل دون أن تدفع لهم ما يقابلها من تعويضات عندالأحداث» . 

عاشراً: ضياع المحافظة الفردية على الممتلكات: 
يـتـسـبب التأمـين في وقوع كثير من الإهمال لدى المؤمن لهم الذين لا يعتنون ولا يحافظون على أمـوالـهـم وممتلكاتهم كمحافظتهم على أموالهم غير المؤمن عليها، بل قد يصل الأمر بهم إلى حد الرغبة في تلف بعض الأعيان المؤمن عليها طمعاً في مبلغ تأمينها الذي قد يفوق قيمتها. وإن عـدم العناية وترك المحافظة على الممتلكات والأموال ضد الأخطار من أفـراد المجتمع خسارة عظيمة على الأمة؛ لأن قوة المحافظة الفردية لا تعوضها أي قوة محافظة أخرى مهما بلغت. والخسارة الناتجة عن الإهمال لا تضر بالفرد وحده، ولا بالجـمـاعـة، ولا بالشركة المعوضة وحدها، وإنما يمتد ضررها ليشمل أبعد من ذلك؛ حيث يضر بـكامل اقتصاد الأمة؛ لأن اقتصاد الأمة هو مجموع اقتصاد أفرادها. وعليه، فعدم المبالاة وتـــرك الحراسة الفردية المشددة على الأموال والممتلكات بسبب التأمين إهدار لأعظم أسباب الأمن والـسـلامــــة، وإغراء بارتكاب الجرائم والنهب والاختلاس، وتعطيل لغريزة الوقاية التي خلقها الله في الإنسان. 

الحادي عشر: تخويف الناس والتغرير بهم: 
إذا كـان الـسـبـب والأصـل الـذي دفـع الناس إلى الأخذ بالتأمين هو الخوف من المستقبل المجهول، وعدم ثقتهم في مواجهة الأحـداث بأنـفـسـهم؛ فإن شركات التأمين قد استغلت هــذا الـدافــع أســوأ اسـتـغلال، فجسمت أمامهم المخاطر، وعظَّمت في أعينهم الأحداث، وحفَّت الحياة بألوان من المـفـاجــآت والتوقعات غير السارة، وربت الناس على عدم قدرة الفرد أو الجماعة على مواجهة هذا المستقبل المكفهر بأنفسهم، بل إن الأمر قد بلغ بها أن أخافت الدول نفسها، وزينت لها وللناس اللجوء إلى شركات التأمين التي جعلتها أمامهم هي وحدها القادرة على مواجهة هذه الأمور العظام، وعلى التصدي لتجنيب الناس أضرار الكوارث ومساوئ الأحداث؛ فهي وإن كانت تسمى شركات التأمين إلا أنها تخيف الناس وترعبهم وتدمــــر ثقتهم بأنفسهم أولاً، ثم تدعوهم ثانياً إلى تأمين أنفسهم ضد ما أخافتهم منه؛ وهذا هو الـمـرتكز والمبدأ الأول في سياستها الدعائية، وهو مبدأ تغرير وخداع لا يقره دين، ولا عقل ولا خلق (كرشنر، هنز ملر، كابل). 

الثاني عشر: سلب الناس القدرة على مواجهة الحياة: 
يـؤدي ارتـمـاء الناس في أحضان التأمين، وهروبهم من تحمل مسؤوليات الحياة إلى سلبهم القدرة على مجـابـهة أدنى المخاطر وتحمل أقل المفاجآت، والحياة كلها مسؤوليات وكلها مفاجآت. ومن الــذي يستطيع أن يؤمن نفسه ضد جميع أخطارها وتقلباتها؟ ثم ما هو طعم الحياة وأين لذتها لمـن لا يـصـادمها ويكابدها، ويخوض غمارها بنفسه؟ وأين إشباع غريزة حب التغلب والانـتـصــــار التي خلقها الله في الإنسان؟ ولكن ليس الأمر مجرد حرمان من إشباع الغرائز وتحقيق الملذات، وإنما هو الخطر من فقدان تحمل الحياة أصلاً؛ وخاصة في هذا العصر الذي تمدين أهله وتعقدت حياتهم، وطغى الشر فيه على الخير. 

الثالث عشر: ضياع الروابط وتفكك المجتمع: 
يحتاج الإنسان في حياته إلى الآخرين، وخاصة إلى أقاربه وذويه. وتشتد هذه الحاجة كلما حـل الـعـوز، أو وقعت كـارثة، أو خوف. لذا فقد ساد الناس منذ العصور الأولى الالتفاف والائتلاف، وقـام بـيـنـهـم التعاون والتناصر وإغاثة المعوزين والمحتاجين، وتكونت بذلك الروابط الأسرية، وتكافل المجـتـمـع، وقامت الألفة والمحبة بين الجميع، فكانت الأسرة التي هي وحدة العائلة ونواة المجـتـمع قوية متماسكة لا تهتز، وكذلك المجتمع. ولما حل الخراب بالأسر وبدأ التفكك في المجتمع جاؤوا بالتأمين ليحل محل الأسرة ويعوض الناس عما فقدوه، ويغني الفرد ـ بزعمـهـم ـ عن الآخرين، ولجؤوا إليه في كل أمر كانوا يرجونه من الأسرة، فضاعت بذلك الأسـرة، وتهدم بناء المجتمع، ولم يعوض التأمين الناس عـمـا فقدوه، وإنما زاد الطين بلة، فقطع ما تبقى من روابط، وباعد بين الناس وأسرهم، فـوقـف كل فرد وحيداً بعيداً منقطعاً، لا مغيث له ولا معين .
موازنة بين الإيجابيات والسلبيات من واقع الحياة:
بـالموازنـة بين السلبيات والإيجابيات في جوانب ثلاثة هامة، وهي: الجانب الديني، والاجتماعي، والاقتصادي يتبين لنا الفرق الهائل بين خير التأمين وشره: 

أ - الجانب الديني: 
لم أرَ من أهل العلم من قال: إن للتأمين إيجابيات في الدِّين. وأما سلبياته في هــذا الجانب فقد قال أهل العلم المعتد بقولهم في بلاد المسلمين: إن التأمين محرم بجميع أنواعه؛ وذلك لأنه لا يقوم إلا على الربا، والقمار، والغرر، وغير ذلك، كما هو موضح في موضعه. وإذا لم تكن للتأمين إيجابيات في الدين، وقد قال أهل العلم بتحريمه، فلا مجال للموازنة بين الإيجابيات والسلبيات في هذا الجانب. 

ب - الجانب الاجتماعي: 
إن كان بعض أصحاب التأمين يعدون من إيجابياته تحقـيق الأمن والاطمئنان في المجتمع، كــمــا ســبــق ذكــره؛ فلو سلمنا لهم بذلك فرضاً فإن تسلُّط فئة قليلة من أثرياء التأمين في الـمـجـتـمـع وتحكُّمهم، وانتشار الجرائم بالتأمين، وإفساد ذمم الناس، وأكل أموال الناس بـالـبـاطــل، وإشــاعــة الخــوف مـن المستقبل، وسلب الناس القدرة على مواجهة الحياة بأنفسهم، وقتل الروابط الأسرية، وتفكُّك المجتمع بالـتـعــاملات التأمينية تقضي على هذه الدعوى غير المحققة. 

ج - الجانب الاقتصادي: 
يقولون: إن من إيجابيات التأمين أنه يساعد على تكوين رؤوس الأموال، والمحافظة على عناصر الإنتاج، والتحكم في التوازن الاقتصادي، ويعدون من سلبياته أنه خسارة اقتصادية وقعت في شعوب العصور المتأخرة، وإنهاك للاقتصاد الـوطــنـي بـنـزيـف ثروات البلاد إلى الخارج، ويحول دون قيام الصناعات الخاصة والمشاريع، وهــو مغرٍ بــإتــلاف الأمــــوال عدواناً، وتكديس لأموال الفقراء بأيدي قلة من الأغنياء، وضــيــاع للمحافظة الفردية على الممتلكات. وبهذا يتبين طغيان السلبيات على الإيجابيات، وتهافت دعوى المحافظة على عناصر الإنتاج وهي جوانب اسمها وسمعتها أكبر من حقيقتها، ويمكن أن يسـتـعاض عنها بالتأمين الذاتي، وهو أن يخصص صاحب المشروع أو نحوه مبلغاً من المال، وهــو ما يسمى احتياطي الحوادث، ويستثمر هذا الاحتياطي، وقد عُمِلَ بهذا في بعض المصانع الأمريكية والأوروبية فنجحوا نجاحاً كبيراً، ووفروا أموالاً طائلة كانت تذهب عليهم هباء في صناديق التأمين. 

وفي ختام هذا المقال أسجل هذا الاستطلاع في الرأي العام الذي قمت به في مصر، وألمانيا، وأوروبا، وأمريكا، وكانت نتيجته ما يلي: 
55%
تقريباً ـ بعد التوعية والتثقيف لبعض الفئات منهم ـ يقولون : إن شـر التأمين يغلب خيره. 
و25% يقـولـون: إنـه شر لا خير فيـه. 
و15% يقولون: إن خيره يساوي شره. 
و5% فقط هم الذين يُغَلِّبون خيره على شره.

حقيقة شركات التأمين – بقلم /  د. سليمان بن إبراهيم بن ثنيان
عضو هيئة الـتدريـس فـي فرع جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالقصيم،
وهو أستاذ متخصص في التأمين.
المصدر مجلة البيان