محاورة أجراها فاورق يونس مع مصباح كمال حول بعض قضايا التأمين في العراق

تقديم
حاورت الزميل مصباح كمال سابقاً، وقد نشر الحوار بعنوان "حوار مع مصباح كمال حول بعض قضايا التأمين في العراق" في موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين على هذا الرابط (هنا)
يمكن النظر إلى الحوار الحالي الذي أجريته مؤخراً على أنه استكمال لبعض ما فاتني من أسئلة حول دور التأمين في الحياة الاقتصادية.  ربما يجد القارئ في العنوان "دور التأمين في الحياة الاقتصادية" مبالغة لكنني استخدمته من باب الإثارة وبهدف التنبيه إلى أننا يمكن أن نكتشف جوانب للدور الاقتصادي لمؤسسة التأمين من خلال أسئلة عن وثائق تأمين محددة، مثلاً، وهذا ما فعلته.  لذلك، آمل من الزملاء الاقتصاديين المساهمة معنا في سبر غور هذه المؤسسة والكشف عن المضامين الاقتصادية النظرية والتطبيقية.
لا يسعني الا تقديم شكري الجزيل لمساعي الزميل مصباح كمال المستمرة للنهوض بقطاع التامين العراقي.  اكرر شكري وتقديري لاستجابته السريعة والاجابة على الأسئلة – كعادته - بموضوعية ودقة علمية.  وتبقى المشكلة التي تواجه الباحثين تتمثل في قلة المعلومات وعدم الشفافية من جانب شركات التامين في الافصاح عما في جعبتها من ارقام وبيانات ومشاريع وخطط مستقبلية.
فاروق يونس**
30 حزيران 2018



نص الحوار
السؤال الاول: لا اذيع سرا بان هناك فجوة كبيرة بين التأمين في العراق وبقية دول العالم المتقدم.  هل يرجع السبب الى ندرة الخبرات التأمينية وضعف الثقافة التأمينية ام ضعف الفرص المتاحة امام شركات التأمين العراقية؟

هو كل ذلك.  فالخبرات التأمينية، أي تلك التي تتمتع بمستوى عالٍ من المعرفة التأمينية العامة والمتخصصة في فرع معين والمقترنة بالتجربة العملية هي حقاً تكاد أن تكون نادرة، إذ لا نعدم وجود كوادر متمرسة متناثرة هنا وهناك، إضافة إلى كوادر إدارية جيدة على رأس شركات التأمين العامة ومعظم شركات التأمين الخاصة.  لكن الملاحظ أن البعض من أصحاب الخبرة والقدرات الإدارية ينتمون إلى جيل ما قبل 2003، وقسم من هؤلاء يرجع تاريخه إلى ستينيات وسبعينيات القرن المنصرم.  وهؤلاء هم من الذين تتلمذوا على يد أساتذة أجلاء في التأمين.  من المؤسف القول بإن الجيل الحالي يفتقر إلى أساتذة يمكن الاقتداء بهم.  ولم تعمل الدورات التدريبية التي تديرها جمعية التأمين العراقية على خلق الكوادر والقيادات التي يمكن أن تحمل مهمة تطوير قطاع التأمين.  ربما تكون هذه الملاحظة قاسية، لكني أقول علينا أن نكون قساة في تقييم ما أنجزناه وإلا سنستمر في المراوحة في نفس المكان.

أما الثقافة التأمينية فهي الأخرى لم تتغير عمّا كانت عليه في الماضي لا بل أنها تراجعت عما كانت عليه.

إن موضوع الثقافة التأمينية لم يبحث في العراق، وجلّ ما نقرأه ينحصر تحت عنوان غياب الوعي التأميني، وهو يردد من العاملين في شركات التأمين دون تفكيك عناصر هذا الوعي المفترض، والمقصود به غياب الوعي بالتأمين لدى الناس، وبذلك يتخلص قطاع التأمين وأجهزة الدولة من المسؤولية عن الوضع القائم في قطاع التأمين، أعني ضعف التغلغل التأميني (نسبة التأمين إلى الناتج القومي الإجمالي).

كيف تنتشر الثقافة التأمينية إذا لم ترتبط بالحياة العامة؟  تنشر الحكومة موازنتها وليس لقطاع التأمين موقف؛ تجري الانتخابات ولا يقدم القطاع موقفاً لإيلاء المرشحين، النواب المرتقبين، اهتماماً بشؤون التأمين؛ تنشر الحكومة برنامجها وفيه إشارة للتأمين ولا يتحرك قطاع التأمين؛ تحصل حرائق في محلات تجارية وأخرى عائدة للقطاع العام ودوائر الدولة ولا نقرأ تصريحاً أو نتعرف على موقف من أركان التأمين؛ يتصحر العراق وتتقلص حصة العراق من المياه بفعل سياسات دول الجوار ولا يعلق أي من مدراء شركات التأمين على هذا الموضوع وآثاره؛ وقل مثل ذلك إزاء كوارث الطبيعة.  هذا كما يقال غيض من فيض.  لا يمكن أن تشيع ثقافة التأمين وأنت منعزل عن الحياة العامة.  نعم إن عقد مؤتمر للتأمين مفيد وكذلك الإعلانات إلا أنها ليست كافية.

هل تدري أن قطاع التأمين العراقي لا يمتلك مجلة تأمينية، مطبوعة أو إلكترونية منذ أن توقف صدور مجلة رسالة التأمين أواخر ثمانينيات القرن الماضي بعد إلغاء المؤسسة العامة للتأمين التي كانت تتولى إصدارها.[1]  المجلة هي إحدى مصادر الثقافة التأمينية للعاملين والعاملات في شركات التأمين.  هل قرأت يوماً في صحيفة عن البحوث التي تقوم بها طالبات وطلاب الماجستير في جامعة بغداد؟  وهل قرأت يوماً عرضاً لكتاب عن التأمين في جريدة أو مجلة عراقية؟  ألا تلاحظ ندرة التعليقات في موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين على ما ينشر من موضوعات عن التأمين؟  ماذا يكشف لك هذا وغيره؟  هل لاحظت أن المسؤولين لا يكلفون أنفسهم تحمل "مشقة" التعليق؟  إنه اللامبالاة بالتأمين ودوره في الحياة الاقتصادية والاجتماعية للأفراد والجماعات.

تضمن سؤالك إشارة إلى ضعف الفرص المتاحة امام شركات التأمين العراقية لتفسير الفجوة بين التأمين في العراق وبقية دول العالم المتقدم.  من الأفضل أن نحصر هذه الفجوة بالمقارنة مع أسواق التأمين في دول الجوار والدول العربية.  جاء في دراسة لأسواق التأمين العربية أن حجم أقساط التأمين المباشر تقدّر بمبلغ 58 مليار دولار.[2]  ما هي حصة العراق في هذا المبلغ؟  لا يسعني الجواب لأن الإحصائيات ليست متوفرة، ولكني أجازف بالقول إن حجم أقساط التأمين المكتتبة في العراق قد لا تتجاوز ربع 250 مليون دولار إن لم يكن أقل (أرجو من له علم بالموضوع أن يصححني لفائدة القراء).

أظن بأن المعني بالفرص المتاحة هو الطلب على التأمين.  إن مصادر الطلب على التأمين في العراق لم يخضع للدراسة، ولذلك ليست هناك بيانات جاهزة عن الأفراد والشركات ودوائر الدولة التي تشتري الحماية التأمينية.  تاريخياً، تأسست شركة التأمين الوطنية (1950) لتوفير التأمين للمؤسسات والدوائر الحكومة.  ومنذ العام 2000 بدأ تأسيس شركات تأمين خاصة.  واليوم هناك أكثر من ثلاثين شركة تأمين تتنافس على "كعكة" أقساط صغيرة.  عدا الطلب من القطاع العام ودوائر الدولة، وهي غير متماسكة وحتى أن بعض الشركات لا تشتري التأمين وبعض عقود الدولة لا تنص على شرط للتأمين مع شركة تأمين عراقية (وقد تناولت هذا الموضوع في مقالات منشورة في موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين)، هناك الطلب من شركات القطاع الخاص والمحلات التجارية.  أما الطلب الفردي فهو ينصب أساساً على تأمين السيارات التكميلي، والقليل من التأمين الصحي والتأمين الفردي على الحوادث الشخصية والحياة.  ومن الملاحظ أن بعض أنواع التأمين جماعية إذ أن المؤسسات، العامة والخاصة، هي من تتولى شرائها كالتأمين الجماعي على الحياة والتأمين الصحي.

إن دراسة واقع النشاط التأميني في العراقي بحاجة إلى بحث في ضوء الإحصائيات المتوفرة، واستخدام الأدوات التحليلية لتقييم الأداء.[3]

السؤال الثاني: الا ترون بان ما يقدمه قطاع التأمين العراقي من خدمات تأمينية وتمويلية لا ترقى الى مستوى رفع الكفاءة الاقتصادية لهذا القطاع الحيوي؟

لنتعرف أولاً على الخدمات التي يقدمها قطاع التأمين فهي، من رأي، لا تشمل خدمات تمويلية إن كان المراد بهذه الخدمات المساهمة في تمويل المشاريع الصناعية والزراعية وغيرها.  ذلك لأن التوظيفات الأساسية تنحصر بإنشاء أو شراء المباني، والاستثمار في أسهم بعض الشركات. ويساهم القطاع، كغيره، في تمويل خزينة الدولة من خلال الضرائب والرسوم التي يدفعها.

فخدمات القطاع، إذن، تأمينية صرفه، وهذه تتمثل بتوفير حماية (تعويض نقدي) للمؤمن لهم، من أفراد وشركات، عندما تتعرص أموالهم لخسارة أو ضرر عرضي؛ وفي حالة الأشخاص تعويض الإصابات الشخصية التي تلحق بهم وكلفة العلاج الطبي، وتعويض ورثتهم في حال وفاتهم.  ونضيف إلى ذلك، تعويض المسؤوليات القانونية والتعاقدية للأفراد والشركات.

يمكن أن نتوسع في تعريف الخدمة، وخاصة في مجال تأمين الممتلكات، لتشمل تقديم التوصيات لتحسين نوعية الخطر risk improvement recommendations (الأصول المادية المؤمن عليها).  لكن هذه الوظيفة لم تتطور في قطاع التأمين العراقي، ولكننا نشهد حضوراً لها عندما يقوم معيدو التأمين أو وسطاء إعادة التأمين الدوليين بإرسال مهندسيهم للمعاينة الموقعية لمحل التأمين؛ وخير مثال على ذلك هو الكشف الميداني على مصافي النفط وغيرها من المنشآت الصناعية الكبيرة التي تستدعي إعادة التأمين عليها خارج العراق.

إن مستوى هذه الخدمات ليست عالية عند مقارنتها مع ما تقدمه شركات التأمين في أسواق التأمين المتقدمة.  من تجربتي الماضية أستطيع أن أؤكد بأن بعض الشركات فقيرة حتى في إنتاج وثيقة التأمين بشكل مقبول، مثلما أعرف أن غيرها متقدمة في هذا المجال خاصة إذا كانت وثيقة التأمين باللغة الإنجليزية ومقدمة من قبل وسيط إعادة التأمين الدولي.

إذا كنت تعني بالكفاءة الاقتصادية الاستغلال العقلاني والأمثل للموارد المتوفرة لتعظيم الإنتاج فإن القطاع مقصر من هذه الناحية وإلا كان حجم أقساط التأمين المكتتبة أكبر.  في تقييم الأداء علينا أن نفرق بين شركات التأمين العامة (بضمنها شركة إعادة التأمين العراقية العامة) وشركات التأمين الخاصة.  إن الانطباع العام هو أن استخدام الموارد في الشركات العامة ليست بالأمثل وذلك بسبب التخمة الموجودة في عدد الموظفين والموظفات، وضعف المهارات الفنية واللغوية لديها (وهذا يمتد أيضاً على معظم شركات التأمين الخاصة).  الانطباع العام هو أن المدخلات أكبر من المخرجات في العملية التأمينية (أقول انطباع لأن الموضوع لم يخضع للبحث أو ربما بحث وظلت نتائج البحث محفوظة لدى المعهد أو الجامعة التي تم فيها البحث).  كمثل، قيل لي إن عدد أعضاء وفد قطاع التأمين العراقي إلى الاجتماعات السنوية للتفاوض على تجديد اتفاقيات إعادة التأمين العراقية مع معيد التأمين القائد، التي تعقد خارج العراق، كبير جداً.  ففي حين يضم وفد المعيد القائد شخصين فإن الوفد العراقي قد يضم عشر أشخاص أو أكثر.  من معرفتي لما كان يجري في الماضي فإن المدير العام لم يكن ضمن الوفد، وكان الوفد لا يضم إلا مدير قسم إعادة التأمين وربما مدير قسم آخر.  الكفاءة الاقتصادية ضمن هذا التوصيف السريع ضعيف في الوقت الحاضر لأن العمل ينطوي على هدر في الموارد البشرية والمالية وكلفة الفرصة البديلة.

مشكلة الكفاءة الاقتصادية، من المنظور الإداري، ليست مقصورة على قطاع التأمين.  فهذا القطاع يمثل حالة مصغرة للوضع العام في العراق.

السؤال الثالث: هل لكم ان تقدموا بعض المعلومات عن التأمين الزراعي في العراق؟  كيف يمكن للتأمين الزراعي تشجيع المزارعين على ادخال التكنولوجيا الحديثة واستخدامها في الزراعة؟

لقد ناقشنا بعض جوانب هذا الموضوع في مناسبة سابقة، وأرى من المفيد أن أقتبس ما يفيد موضوع سؤالك.

إن شركة التأمين الوطنية تكاد أن تكون الوحيدة في ممارسة التأمين الزراعي.  وقد باشرت في تطبيقه عام 1982.  وكانت محفظة التأمين الزراعي تضم وثائق التأمين التالية: تأمين المحاصيل الزراعية، تأمين المركبات الزراعية، تأمين المواشي، تأمين الدواجن وتأمين خيول التربية أو السباق.

لم يكن إقبال المزارعين والفلاحين وغيرهم على جميع هذه الوثائق قوياً باستثناء التأمين على المواشي.  ربما تتذكر استيراد مديرية الثروة الحيوانية للأبقار الهولندية Friesian وعرضها بأسعار متهاودة على المزارعين بهدف تطوير زيادة إنتاج الحليب، ونفوق أعداد كبيرة من هذه الأبقار ولأسباب عديدة، ترتب عليه خسائر كبيرة لشركة التأمين الوطنية.  وكذلك التأمين على حقول الدواجن التي انتشرت بفضل قروض المصرف الزراعي التعاوني.  وهي الأخرى تعرضت إلى أضرار كبيرة فاقمت من خسائر فرع التأمين الزراعي في الشركة.  ولم يكن هناك طلب حقيقي للتأمين على المحاصيل الزراعية ووثائق التأمين الأخرى، رغم أن الشركة وبالتعاون مع جهات مختلفة أطلقت حملة ترويجية لهذه الوثائق.

واعتماداً على ذاكرة الزميل فؤاد عبد الله عزيز (يعمل الآن في البحرين)، الذي أسس فرع التأمين الزراعي في شركة التأمين الوطنية (1982)، "فقد جرت محاولة عبر مبادرة من وزارة الزراعة والاصلاح الزراعي وبالتعاون مع فرع التأمين الزراعي بتأييد من إدارة شركة التأمين الوطنية لإعداد مشروع لجعل هذا النوع من التأمين إلزامياً لما يحققه من ابعاد اجتماعية وحماية للثروة الزراعية.  وقد نجحت الوزارة في ايصال المشروع إلى المجلس الوطني، وحضرتُ مناقشات المجلس للمشروع وتبين لي ان غالبية اعضاء المجلس كانوا ضد اقراره لمبررات اهمها عدم الرغبة في إلزام المزارعين على اجراء تأمين يقع ضمن دائرة اختيارهم ورغبتهم، عليه فقد جرى التصويت على رفض المشروع.  وخرجتُ من المجلس وانا مقتنع ان المشروع لم يكن مدعوما من القيادات العليا للدولة ليحقق التأثير المطلوب على اعضاء المجلس لإقراره وبذلك خسرت هذه التجربة فرصة كبيرة في ان تتطور بالشكل الذي أصبحت عليه في البلدان المذكورة [بريطانيا، يوغوسلافيا] وبقيت أعماله محدودة لغاية الوقت الراهن."  (فؤاد عبد الله عزيز، ثلاثة عقود في شركة التأمين الوطنية، مذكرات قيد الإعداد).

إن الكتابات العراقية المنشورة عن التأمين الزراعي شحيحة.  هناك دراسة مهمة للزميل د. عبد الزهرة عبد الله (يعمل الآن في الأمارات العربية المتحدة) بعنوان "نحو تأمين المحاصيل الزراعية في العراق" (مجلة رسالة التأمين، العدد 39، حزيران 1979، ص 52-59.  أشكر الزميل منعم الخفاجي على إرسال المجلة).  وقد كتبها عندما كان يعمل في شركة إعادة التأمين العراقية.  في عرضه لمشكلات التأمين الزراعي ذكر أموراً في غاية الأهمية ما زالت آثار بعضها قائمة وبعضها الآخر تمَّ تذليلها أثناء الإعداد لتأسيس فرع التأمين الزراعي في شركة التأمين من خلال التدريب المكثف مع المؤسسات التأمينية المختصة خارج العراق، والاستفادة من المعرفة العلمية للعديد من العاملين في مجال الإنتاج الزراعي في العراق.  نقتبس هنا بالكامل ما عرضه زميلنا تحت عنوان "مشكلات تأمين المحاصيل الزراعية":

"1- انخفاض مستوى الوعي التأميني، وهي مشكلة عامة تقف عائقاً أمام التأمين بمختلف أنواعه، إلا أنها تزداد حدة بالنسبة للفلاحين نظراً لتدني المستوى الثقافي العام وانتشار الأمية، مما يتطلب وضع تخطيط إعلامي لخلق الوعي بأهمية التأمين وفوائده لدى الفلاحين.

2-    صعوبة الوصول إلى المناطق الزراعية بالسهولة والسرعة والكلفة المعقولة، حيث يندر هناك وجود الطرق المعبدة ووسائط النقل اللازمة إضافة إلى بعد المناطق الزراعية عن مراكز الإدارات المحلية أو مراكز الشرطة مما يحد من إمكانية التحري الكامل عن أسباب الحوادث وظروفها التي أدت إلى تحقق أضرار مشمولة بالتأمين.

3-    انخفاض مداخيل الفلاحين وقدرتهم المالية المحدودة التي يتعذر عليهم معها التفكير في دفع ثمن ما مقابل حصولهم على الخدمة التأمينية.

4-    عدم توفر إحصائيات كاملة ووافية ولسنوات عديدة بحيث يمكن الاعتماد عليها عند دراسة أي مشروع للتأمين الزراعي وتقدير درجة الخطورة واحتساب قسط التأمين المناسب.

5-    عدم توفر الخبرة الفنية في مجال التأمين الزراعي سواء أكان على مستوى القطاع الزراعي أو على مستوى قطاع التأمين."

تبين تجربة التأمين الزراعي في العراق إن عدم تطورها لم يكن بسبب تقصير من جانب شركة التأمين الوطنية وقت تأسيس فرع التأمين الزراعي أو بعد ذلك، فقد تظافرت عوامل خارج الشركة لتحول دون تحقيق رواج هذا النوع من التأمين.  وقد أتى الزميل عبد الزهرة عبد الله علي على ذكر بعض هذه العوامل كما عرضنا في الاقتباس منه أعلاه.  وقد ظل هذا الفرع ضعيفاً فحسب أخر إحصائية متوفرة كانت أقساط التأمين الزراعي للفترة 2014-2015 كالتالي:[4]

اقساط التامين الزراعي (2014-2015):
ألف دينار:
2015
2014
اسم الشركة/السنة
170,376
182,741
شركة التامين الوطنية

إن مسألة إدخال واستخدام التكنولوجيا الحديثة في الزراعة لا تقع على عاتق قطاع التأمين.  يمكن للقطاع أن يلعب دوراً بعد إدخال واستخدام هذه التكنولوجيا.  ويتمثل هذا الدور بالتأمين عليها، والتعويض عن الخسائر والأضرار المادية التي تلحق بها من جراء حادث حريق أو سرقة أو أي حادث عرضي أثناء العمل أو الخزن، ومعاينتها وتقديم الاستشارة حول أفضل السبل لإدارة المخاطر المرتبطة بها (هذا بافتراض توفر القدرات الهندسية والتقنية المناسبة لدى شركة التأمين).  وبهذا فإن قطاع التأمين يطمئن أصحاب ومستخدمي التكنولوجيا الزراعية الحديثة أنها جاهزة لحمايتهم من خلال التعويض النقدي للأضرار التي تلحق بالمكائن المستخدمة.

السؤال الرابع: هل تساهم شركات التأمين العراقية في تأمين الآلات الصناعية والزراعية ضد العطلات الميكانيكية بهدف استمرار العمل والانتاج دون توقف وتعويض الخسائر المتحققة؟

ليست لدي معلومات دقيقة إن كانت شركات التأمين العراقية تساهم في تأمين الآلات الصناعية والزراعية.  (تحدثت عن بعض جوانب التأمين الزراعي في جوابي على السؤال الثالث).  هناك وثيقة تأمين تعرف باسم وثيقة تأمين عطب المكائن، تصنف ضمن وثائق التأمين الهندسي.  وأذكر بأنني قد ترجمت نموذجاً إنجليزياً منه إلى العربية أوائل سبعينيات القرن المنصرم، عندما كنت أعمل في قسم التأمين الهندسي في شركة التأمين الوطنية.  وكان هدف إدارة القسم هو المباشرة بترويج وبيع هذه الوثيقة لشركات ومؤسسات القطاع العام بالدرجة الأولى.  لكن الهدف لم يتحقق إذ أن العديد من الشركات التي اتصل بها قسم التأمين الهندسي كانت تقول بأنها ليست بحاجة لهذا التأمين.  والسبب هو أنها تقوم بالصيانة الدورية على مكائنها وأن لها قطع غيار كافية ومكائن إضافية مخزونة.  وفي ظني إن الوضع لم يتغير لا بل أنه تراجع إذ أن العديد من الشركات، ومنها المصافي، تدير عملياتها دون حماية تأمينية.

بالنسبة لتأمين الآلات الزراعية فإن أسواق التأمين المتقدمة تعرض ما يعرف باسم وثيقة التأمين الزراعي الشاملة التي تغطي حوادث الحريق والسرقة والمركبات الزراعية على أنواعها والمسؤوليات المدنية الناشئة عنها تجاه الطرف الثالث.

يمكن أن يوصف وثيقة تأمين عطب المكائن بأنه وثيقة تكاد أن تكون شاملة في تغطيتها، فهي تغطي الضرر المادي المفاجئ غير المنظور نتيجة لوجود خطأ في التصميم، عيب في المنتج، خطأ في التركيب، سوء الاستعمال، قله الخبرة، الإهمال غير المتعمد، نقص المياه في الغلايات (المراجل)، الانفجار الذاتي، تمزق جزئي بفعل القوة الطاردة أو التماس الكهربائي أو بفعل أي سبب أخر غير مستثنى صراحة في الوثيقة بشكل يقتضي التصليح أو الاستبدال.

وكغيرها من الوثائق تضم هذه الوثيقة عدداً من الاستثناءات ومنها: العُدد التي تستبدل دورياً والتي تتصف باستهلاكها السريع، الحريق، الصاعقة، الانفجار الكيماوي، الفيضان، الهزات الأرضية، السرقة، مسؤولية المجهز، الخطأ أو العطب الموجود وقت بدء سريان الوثيقة، الأعمال المتعمدة أو الإهمال الشديد من قبل المؤمن له، الاندثار غير المصحوب بحادث معين ... إلخ.[5]

فيما يخص استمرار العمل والانتاج دون توقف وتعويض الخسائر المتحققة بسبب التوقف فهناك وثيقة تعرف باسم وثيقة التأمين من خسائر الأرباح أو الخسائر التبعيةLoss of Profit Insurance or Consequential Loss  أو وثيقة تأمين توقف الأعمال Business Interruption Insurance.  وبموجب هذه الوثيقة يمكن التأمين على توقف الإنتاج بسبب حادث حريق (مؤمن بموجب وثيقة تأمين من الحريق) أو عطب ميكانيكي أو كهربائي أو أخطار أخرى (مؤمن بموجب وثيقة تأمين عطب المكائن).  تغطي وثيقة خسائر الأرباح، حسب رغبة المؤمن له، الربح الإجمالي "وهو الربح الذي يحققه المشروع قبل استبعاد المصاريف الثابتة ويستخرج من رقم المبيعات مضافاً إليها بضاعة آخر المدة (المصنعة ونصف المصنعة) وبعد طرح المشتريات (المصاريف المتغيرة) وبضاعة أول المدة (المصنعة ونصف المصنعة) والناتج يمثل الربح الإجمالي." أو تغطي الربح الصافي "وهو الربح الذي تحققه المؤسسة والذي ينتج بعد طرح المصاريف المتغيرة والثابتة (عدا الضرائب) من رقم المبيعات."[6]

ومن المؤسف أن وثيقة تأمين خسارة الأرباح ليست منتشرة في العراق رغم أهميتها الفائقة في ضمان استمرار الشركات التجارية والصناعية في العمل بعد تعرضها لحادث حريق أو عطب في المكائن.

السؤال الخامس: هل تقوم شركات التأمين العراقية في استثمار جزء من اموالها في النشاط الصناعي؟
 لا تتوفر عندي معلومات عن توزيع استثمارات شركات التأمين العراقية.  إن الإحصائيات التي تنشرها جمعية التأمين العراقية لا تبين وجوه الاستثمار.  حسب آخر إحصائية كانت إيرادات الاستثمار لسنة 2015 16,560,905,000 دينار.[7]

من المعروف أن شركات التأمين تميل، على العموم، إلى سياسة محافظة في الاستثمار للحفاظ على درجة من السيولة النقدية تستطيع بفضلها تسديد المطالبات بالتعويض.  ورغم شحة البيانات فإنني أزعم ان استثمار شركات التأمين يقتصر على شراء أسهم في الشركات الصناعية القائمة أو تشارك في شركات صناعية جديدة.

السؤال السادس: هل توجد في العراق تأمين هندسي؟  ان وجد ما هو دوره في توفير الغطاء اللازم لإنشاء المشاريع الجديدة؟
 إن التأمين الهندسي موجود في العراق، وكان لشركة التأمين الوطنية منذ منتصف ستينيات وحتى أوائل ثمانينيات القرن المنصرم محفظة ضخمة من أعمال التأمين على أخطار المشاريع الهندسية المختلفة.  كانت محفظة التأمين الهندسي ثاني أكبر محفظة بعد التأمين البحري-بضائع.  وكان قسم التأمين الهندسي في الشركة يدار بكفاءة عالية ويضم فريقاً متمرساً من المهندسين.
 يستخدم سوق التأمين العراقي نوعين من وثائق تأمين المشاريع الجديدة: وثيقة تأمين كافة أخطار المقاولين Contractors’ All Risks Insurance (CAR) لما يعرف بعقود مقاولات الإنشاء المدنية، ووثيقة تأمين كافة أخطار النصب Erection All Risks Insurance (EAR)لعقود المقاولات الهندسية الكهربائية والميكانيكية والكيمياوية.  وهناك وثيقة التأمين من خسارة الأرباح المتوقعة بعد إكمال المشروع يعرف بأسماءمختلفة لعل الأشهر منها هو Advance Loss of Profit Insurance (ALOP).  وهذه الوثيقة غير معروفة في العراق، ولا أظن أن أياً من أصحاب المشاريع الجديدة، الحكومية منها والخاصة، قد قام بشراء مثل هذا الغطاء التأميني.

الدور الأساس لوثيقتي أخطار المقاولين وأخطار النصب هو تعويض المقاول أو رب العمل (إن كان هو حامل وثيقة التأمين) عن كلفة تصليح الأضرار والخسائر المادية منذ المباشرة بالمشروع، مروراً بأعمال الإنشاء والتركيب، والاختبار والتشغيل التجريبي وانتهاءاً بالصيانة.  إذ تقوم شركة التأمين بتوفير السيولة للمقاول للشروع بأعمال التصليح وطلب المواد واستيراد المكائن والمعدات المتضررة.  وفي الغالب، وخاصة في حالات الخسائر الكبيرة، فإن شركة التأمين، وبتوصية من مسوّي الخسارة loss adjuster، تُقدّم للمقاول ما يعرف بدفعة على الحسابpayment on account لتسهيل البدء بأعمال التصليح والاستبدال.

السؤال السابع: يعاني العراق من مشكلة البطالة.  ما هي مساهمة شركات التأمين العراقية في حل مشكلة البطالة؟

إن المساهمة الأساسية لشركات التأمين العراقية في حل مشكلة البطالة هو توفير مصدر عمل مباشر.  إن عدد العاملين في قطاع التأمين ليس معروفاً إذ أن إحصائيات جمعية التأمين العراقية لا تضم جدولاً بعدد العاملين في كل شركة تأمين.  وفي تقديري فإن العدد في كامل القطاع هو أقل من 2,000 موظف وموظفة.

عندما يتم دمج شركة التأمين العراقية العامة مع شركة التأمين الوطنية العامة، أتوقع أن ينخفض عدد العاملين والعاملات نتيجة لتجنب الازدواجية في الوظائف.  وهذا هو الحال في معظم عمليات الاندماج.

قد تكون واحدة من نتائج الدمج هو توفر من تنتهي خدماته للعمل في شركات التأمين الخاصة، وهي، من رأي، بحاجة إلى عناصر مدربة ومجربة، ولو أن بعض الشركات الخاصة تفكر عميقاً قبل استخدام موظفين سابقين في الشركات العامة خشية أن يحملوا معهم ما يسمونه بعقلية الموظف العام التي لا تتوائم مع متطلبات وبيئة العمل في شركة تأمين خاصة.  وهذا خوف غير مبرر إذ أن عناصر مهمة تعمل في الشركات الخاصة بنجاح، وبعضها على مستوى الإدارة، كانت تعمل سابقاً في شركات التأمين العامة.


مصباح كمال
27 حزيران 2018




[1] استمرت شركة التأمين الوطنية بعد ذلك، ولفترة، إصدار مطبوعة بعنوان نافذة على التأمين، وكان ذلك بفضل المرحوم د. سليم الوردي ومساعدة تحريرية من الصحفية المتمرسة السيدة سلوى زكّو.
[2] http://www.meinsurancereview.com/News/View-NewsLetter-Article/id/43288/Type/MiddleEast/MENA-Insurance-rates-expected-to-rise-or-at-least-stay-stable-in-next-12-months/1/sid/255657?utm_source=News&utm_medium=Email&utm_campaign=MEIR_eDaily

[3] هناك دراسة مهمة بعنوان "قطاع التأمين في العراق: الإمكانيات والتحديات،" إعداد السيدة نور شدهان عداي، باحثة في وزارة المالية، الدائرة الاقتصادية، قسم السياسات الاقتصادية، صدر في بغداد/2015 ومنشور في الموقع الرسمي لوزارة المالية تحت باب البحوث والدراسات: http://www.mof.gov.iq/Pages/MainMof.aspx
إضافة إلى ورقة منعم الخفاجي، "التحديات التي يواجهها قطاع التأمين في العراق،"
[4] جمعية التأمين العراقية، احصائية نشاط شركات التامين العاملة بالعراق لعام (2014 - 2015).
[5] لتعريف أساسي بوثيقة تأمين عطب المكائن راجع منعم الخفاجي، مدخل لدراسة التأمين (بيروت: منتدى المعارف، 2018)، ص 89-92.
[6] منعم الخفاجي، مصدر سابق، ص 139-173.
[7] جمعية التأمين العراقية، احصائية نشاط شركات التامين العاملة بالعراق لعام (2014 - 2015).

تعليقات